معركة الناقلات.. رسائل القوة وحقيقة الدور الأمريكي
|| صحافة عربية ودولية || موقع العهد الاخباري
يبدو أن الغرب لا يزال بحاجة الى رسائل عملية مباشرة؛ لتترسخ لديه حقيقة تبدو غائبة عن ذهنه، مفادها أن أن إيران ومعها محور المقاومة، تتحلى بالصبر لا بالضعف، وهي الرسائل التي وصلت لأمريكا عبر اسقاط طائرتها، وهي تمنت أميركا أن يتلقفه حلفائها ممن لم يتخلوا بعد عن الاتفاق النووي بشكل رسمي.
لا ينفصل، احتجاز بريطانيا للناقلة الايرانية في جبل طارق، عن التنسيق الامريكي البريطاني اذا ما استخدمنا، وبالأحرى لا ينفصل عن التبعية البريطانية العمياء لسياسة واشنطن. تأكدت واشنطن من الاحتكاك المباشر بايران عبر طائرة التجسس، من جدية طهران وقدرتها على المواجهة، وعدم خضوعها للضغوط أو اضطرابها تحت اعنف حملة حصار وحرب نفسية. وهذا ما ولد قناعة أميركية بأنه لا يمكن إعتماد الحل العسكري مع إيران، الا في حال اتخاذ قرار بحرب كبرى قد تتدحرج لحرب عالمية، التوصل لهذه القناعة تريد واشنطن ايضاً ايصالها لحلفائها لعدة أسباب منها:
أولا: حفظ ماء الوجه بالابتعاد عن المواجهة العسكرية، فالحرب ليست سهلة، والحصار الاقتصادي والتخلي عن الاتفاق النووي هو الحل، وبالتالي تعديل موقفهم من الاتفاق والانضمام لأميركا وعدم تركها في هذه العزلة الدبلوماسية.
ثانيا: تنفيذ ما يرغبه ترامب من مقاربات تتماشى مع عقليته وسياسته وهي الشراكة والتحالف وحشد الجبهات السياسية والعسكرية ومشاركة كل عضو في التحالف ماديًا، وهذا لن يتم الا بتوريط هؤلاء الاعضاء وجعلهم طرفًا أصيلا بالصراع، وهو ما حدث مع بريطانيا.
ولعل تعاطي ايران دبلوماسيًا وعسكريًا في موضوع احتجاز الناقلة الايرانية ثم الرد باحتجاز الناقلة البريطانية، يبعث بعدة رسائل على رأسها ما يلي:
1ـ أن تلويح ايران بإغلاق مضيق هرمز أو بمنع تصدير النفط من خلاله إذا ما تم منع إيران من تصدير نفطها، هو أمر جدي وليس مجرد تهديد لفظي خال من المضامين العملية.
2ـ أن تزامن هذا الرد مع تصعيد الخطوات الايرانية في التخلي التدريجي عن التزامات الاتفاق النووي يعطي مصداقية مضافة للتهديدات الإيرانية باعتبارها قادرة على المواجهة ولا تخشى من تدحرج الأمور.
3ـ التوعد بالرد على بريطانيا، ثم احتجاز الناقلة، يثبت أن ايران تتحاور وتتفاوض بيد، وتحمل السلاح بالأخرى، دفاعا عن النفس، وأنها لم تتنازل تحت بند تحييد بريطانيا واستجدائها لتظل ملتزمة بالاتفاق النووي، مما يوصل رسالة بأن الاتفاق النووي ليس مصلحة ايرانية فقط، وانما مصلحة لجميع الدول الموقعة عليه، والا سيطال الضرر كافة الأطراف، وهو ما تسببت به أمريكا بتخليها عن الاتفاق وإيصال الامور الى الفوضى والصراع.
4ـ عندما يتوعد السيد الخامنئي بريطانيا بأن احتجاز الناقلة الايرانية لن يبقى دون رد، ثم يحدث الرد سريعًا، فهي رسالة مضافة بأن القائد لا يهادن وأن تصريحاته في جميع الملفات تكتسب الجدية والمصداقية وعلى أميركا والغرب إعادة حساباتهم.
بعد ذلك، يجب أن حلفاء واشنطن، أن يفهموا أنها تعتمد نوعًا من الحرب النفسية المفلسة، وبالتالي فإن التبعية لأميركا، تعني خسارة لكل دولة تابعة، ومع كل محاولة لحفظ ماء الوجه تحت عنوان الضغط والحصار، فإن هناك مزيدًا من إراقة ماء الوجه.
وإذا ما حاولنا استكشاف حقيقة الدور الأمريكي، فإننا أمام عناوين رئيسية يمكن من خلالها تبيين الصورة بشكل أقرب إلى الدقة بعيدا عن محاولات تصدير صورة مغلوطة عنوانها التصعيد الامريكي القادر على الحسم أو حتى المحسوب والقادر عن التراجع عند الوصول لحافة الهاوية.
ويمكن أن نفهم النظرة المقابلة لإيران، من خلال تحليلات أميركية رصينة تابعة لمشاة البحرية، نشرت في مجلة Small Wars Journal تقول عن ايران ما يلي:
“لقد أدى الصراع الدموي للحرب التقليدية مع العراق بعد فترة وجيزة من الثورة الايرانية إلى انتقال إيران من حرب الخنادق وهجمات الموجات البشرية إلى أساليب أكثر دقة في جيل واحد. تغطي تكتيكات إيران الآن الميدان الكامل للحرب، من القوة الناعمة إلى القوة الصلبة، ومن الإقناع الدبلوماسي إلى العمل العسكري”.
ويمكن الإشارة إلى أن هذا التحليل قد لا يبتعد عن تحليل البنتاغون وتحليل خبراء العسكريين والاستراتيجيين الأميركيين.
ما قدم يمكن أن يفسر العناوين التالية للمواجهة:
1ـ المواجهات غير المباشرة:
ومثال لذلك، ما أعلنته خلية الإعلام الأمني في العراق، من إصابة عنصرين من الحشد الشعبي بقصف من طائرة مجهولة لمعسكر للحشد في قضاء آمرلي بمحافظة صلاح الدين. وهذا الحادث جاء بعد ايام قليلة من اجتماع أميركي، قال به خبراء من وزارة الخارجية والبنتاغون في جلسة اللجنة الفرعية للشرق الأدنى ومكافحة الإرهاب إنه لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في الشرق الأوسط، يتعين على الولايات المتحدة الحفاظ على وجود دبلوماسي وعسكري قوي في العراق المجاور.
2ـ سحب القوات الرئيسية لمناطق ذات اولويات متقدمة مع جعل الساحة تعج بالفوضى وتأمين الاستثمار العسكري:
ومثال لذلك نموذج الألوية الاستشارية ” s fabs “كمحاولة بديلة تستعيض بها أمريكا عن القوات الخاصة التقليدية، لادخار القوات الخاصة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث تريد الولايات المتحدة أن تكون الشريك العسكري المفضل للبلدان المحيطة بالصين، والقوات الخاصة التابعة للجيش تعمل على هذه الزاوية منذ عقود.
وقد استحدثت الالوية العسكرية الجديدة من متطوعين يتم تدريبهم ليقوموا بتدريب جيوش دول أخرى بهدف حماية المصالح الأمريكية وهو نوع من أنواع الاستثمار العسكري، ويعكس تراجعا لاولويات امريكا بالمنطقة واعتبارها منطقة ابتزاز واستثمار وفوضى تحول دون نمو الدور الروسي والصيني وتمدد المقاومة بما يهدد امن العدو الاسرائيلي.
3ـ الحرب بالوكالة وخصخصة الحروب:
ومثال لذلك ما أعلنته المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، من أن البنتاغون يخطط لتعزيز الشركات العسكرية الخاصة العاملة في شمال سوريا، وسط تقلص تعداد القوات الأمريكية في البلاد. وربما يكون الدور الأمريكي على حقيقته هو الانسحاب من الشرق الاوسط يأسًا من السيطرة التامة واعترافا ضمنيا بتراجع القوة والنفوذ، والتركيز على الصين باعتبار صعودها يمثل نهاية واقعية لأمريكا، مع جعل الشرق الاوسط مسرحا للاستثمار والابتزاز والفوضى ومحاولة تشكيل جبهات يدفع اعضاؤها التكلفة، مع استمرار زراعة الفوضى وحصار المقاومة بهدف تأمين العدو الصهيوني.
وهنا نختم بطرح مسارين، أما أن تكون هناك حربًا وهي مستبعدة، وأما وأن تذهب الأطراف المتنازعة إلى مفاوضات فهي مؤجلة إلى إشعار أخر، عنوانه الرئيسي احترام المقاومة والاعتراف بالتوازنات الجديدة للقوى.
إيهاب شوقي