تراجع المشروع الأوروبي في بحر الخليج .. طهران متفوقة “تكتيكيًا”
|| أخبار عربية ودولية ||
لا يحتاج اندلاع مواجهة عسكرية في مسرح عمليات مهيأ كالخليج سوى إلى سلسلة من الأخطاء التكتيكية، أو خطأ واحد قاتل، بالتوازي مع افتراضات وتصورات خاطئة. الاستنفار الذي يشهده الخليج اليوم مع مزيد من الدفع بالقوات والسلاح والبرامج العسكرية في مساحة بحرية تعدّ ضيقة نسبيًا، والسيطرة عليها بالنسبة إلى إيران خط أحمر، ويرافق ذلك ضغوط قصوى تمارسها واشنطن على طهران، هذه العوامل كلها تشكّل مجتمعة البيئة المثالية لوقوع اشتباك، وواشنطن لا تريد تحمل مسؤوليته وحدها، فتدفع معها إلى الحلبة أكبر عدد ممكن من الدول.
ايران اعربت أنها “لا ترغب في تصعيد التوترات بالمنطقة مع دول أخرى، ولن تكون هي البادئة بأي حرب على الإطلاق”، جاء ذلك على لسان الرئيس الايراني حسن روحاني خلال لقائه رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الذي استجاب لطلب بريطانيا بالتوسط عبر زيارة قام بها برفقة مستشار الأمن الوطني فالح الفياض ووزراء النفط والدفاع والمالية والنقل إلى طهران.
تعليقات روحاني بدت أثناء لقائه بالوسيط العراقي متجاوبة مع مساعي التهدئة، وقال إن إيران “كانت على مرّ التاريخ الدولة الرئيسة الضامنة للأمن وحرية الملاحة في الخليج ومضيق هرمز وبحر عمان”.
ورغم اللهجة الهادئة لتصريحات روحاني، فإنها انطوت على تحذير لبريطانيا وحلفائها الأوروبيين بضرورة عدم تنفيذ التهديدات بتشكيل قوة بحرية لضمان أمن الملاحة في المنطقة. وهو ما قاله صراحة نائب روحاني إسحاق جهانغيري الذي رأى أن “لا حاجة لتشكيل تحالف، لأن مثل هذه التحالفات، بل ووجود أجانب في المنطقة في حدّ ذاته يسبب انعدام الأمن، وبعيدًا عن مسألة انعدام الأمن، فإنه لن يحقق شيئًا”، اذ أوحت التصريحات البريطانية والألمانية والفرنسية أن الأوروبيين ليسوا في صدد تشكيل قوة بحرية في وقت سريع على الأقل، لحماية السفن في الخليج من إيران.
وفيما تواصل واشنطن مساعيها لإنشاء تحالفها الأمني لتأمين الملاحة قبالة إيران واليمن، لم يتضح مصير القوة البحرية المزمع تشكيلها بناءً على المبادرة الأوروبية، في حين أعلنت الحكومة البريطانية أن الفرقاطة “مونتروز” الموجودة حاليًا في الخليج بدأت بأول مهمة لها لمرافقة السفن التي تحمل العلم البريطاني.
وظهرت مؤشرات على تراجع المشروع الأوروبي بصورته الواسعة، إذ قالت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي إن باريس وبرلين ولندن تعتزم “تنسيق” الإمكانيات و”تقاسم المعلومات” بينها بلا نشر تعزيزات عسكرية إضافية.
بارلي حاولت تقديم المزيد من التوضيحات التي تنسجم مع إعلان وزير الخارجية، عندما قالت إن مشاورات تجرى مع ألمانيا وبريطانيا من أجل التأسيس لعمل مشترك، يسهم في ضمان أمن الملاحة في الخليج، ويتيح إمكانية القيام بتقدير موقف مستقل.
اللافت أن المواقف الأميركية حول المبادرة المذكورة جاءت تمامًا على النقيض من هذه التصريحات الأوروبية، إذ جزمت، كما فعل رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد ووزير الحرب مارك إسبر في تصريحين منفصلين أنها متكاملة مع المقاربة الأميركية. لم تتجرأ أي مرجعية سياسية أوروبية على الرد على هذه التصريحات الأميركية. والواقع هو أن الدول الأوروبية، على الرغم من عدم رغبتها في نشوب نزاع في الخليج لما له من تداعيات كارثية على مصالحها، عدا عن التورط فيه، ستتعرض لضغوط ولمحاولات توريط مستمرة من قبل خبراء الخداع والتآمر الذين يحيطون بالرئيس الأميركي، والمسؤولين عن وصول الأوضاع في الخليج إلى ما هي عليه، وقد تجد نفسها بالنتيجة منساقة خلف واشنطن.
وتعدّ خطوة إنشاء تحالف عسكري بذريعة حماية الملاحة البحرية في الخليج تصعيدًا يضاعف فرص وقوع تصادم.
وأمام السعي الأميركي المحموم لسحب “ورقة” هرمز من يد طهران، وإقحام دول أخرى في التوتر، وفي المقابل الجدية التي أظهرتها إيران، يبدو الموقف مفتوحاً على كثير من الاحتمالات، ومن الواضح أن نوعًا من برامج الحماية قد بدأ العمل به فعلًا في منطقة الخليج، حيث عبرت مضيق هرمز ناقلتا نفط بريطانيتان على الأقل منذ أن احتجز الإيرانيون الناقلة “ستينا إمبيرو” الأسبوع الماضي، بمرافقة سفينة حربية بريطانية هي “مونتروز”.
وكان رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد قد أكد في حديث مع الصحافيين أول أن المبادرة الأميركية أي برنامج “الحارس” بشكل ما يتم تنفيذه بالفعل ولكن على نطاق محدود.
ووفقًا للخطة الأميركية التي كانت قد أُعلنت تفاصيلها المبدئية في التاسع من تموز/ يوليو، فإن الولايات المتحدة تتولى جهود تنسيق السفن وتقود عمليات المراقبة، بينما يقوم المشاركون في “التحالف” بدوريات في المياه القريبة، ويتولون مهمة مرافقة السفن التجارية التي ترفع أعلام دولهم، مع التأكيد على أن كل دولة ترافق السفن التي ترفع أعلامها، ولن ترافق الولايات المتحدة السفن التجارية التابعة للدول الأخرى.
بما أن برنامج “حارس” الذي تسعى واشنطن إلى إنشائه بالتعاون مع دول أخرى – إن تمّ – سيؤدي في النهاية إلى إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى بحر الخليج وبحر عمان، فإن ذلك يعني بالتأكيد توسيع هامش ارتكاب الأخطاء القاتلة التي قد تؤدي إلى اشتباك لا تُعلم نتائجه. ومع تغير المعادلات والموازين العسكرية اليوم، فإن الوضع الحالي بالنسبة إلى القوات البحرية الإيرانية لا يمكن مقارنته مع وضعها في الثمانينيات ولو نسبيًا، فهي اليوم تملك قدرات استثنائية تمنحها تفوّقًا تكتيكيًا في بحر الخليج، وهذا ما يعني أن أي مغامرة غربية لن تمر مرور الكرام.
موقع العهد الاخباري