“إن لم تكن معنا فأنت ضدّنا”
|| مقالات || حسن شرف الدين
يرى البعض أن خوض “الحرب الناعِمة” يُحتّم علينا صناعة جيل من الشباب المقولَب في أنماط تفكير وتعبير محدودة ومدروسة مُسبقاً. يعني شباب “النسخة الواحِدة” الذي يرى أن كل طريقة مختلفة عنه هي ضلال.
للحرب الناعِمة أوجه عدَّة وأطراف مختلفة، ثقافية وإجتماعية وإنسانية، وجميعها مُعَرَّض للإستهداف من الأطراف المواجهة، التصدّي لها يجب أن يكون مُتنوِّعاً أيضاً وعلى أوسع نطاق وليس بالشعارات والصوَر فقط. الحرب الناعِمة التي تُعبّئها الايديولوجيا تحتاج جهداً فكرياً والاستعانة بمفكِّرين لضخّ الوعي لا البروباغاندا الزائِفة، من أجل التصدّي لها، حتى ولو كانت التيارات الفكرية في هذه الحرب مُتنوِّعة، فالاختلاف لا يفسد في الودّ قضيّة. وضع المفكِّر الإيراني علي شريعتي منظومة فكرية غنيّة جداً على صعيد إصلاح المجتمع من جانبه الأخلاقي، وحتى الديني. استطاع التوجّه إلى جيل الشباب الجامِعي المُثقَّقف وجذبهم إلى الفكر الثوروي، لأن طريق الثورة طريق وعي ونضال.
لا ينبغي التصدّي للحرب الناعِمة أن يكون هزيلاً وركيكاً وغير مُتقَن، وعدم الاكتفاء بالمعلومات المُكتَسبة من الشبكة العنكبوتية، بل يجب أن تُرفَد بالفكر. حتى لا يصير الفرد مُجرَّد مُتلقّ لا يتفاعل مع المعلومة التي في حوزته ولا يوظّفها بالشكل المطلوب. فالتفكّر بشكل مستقل يوهِب الشخص حريته. وهذه الحرية تنفي المواقف الرمادية والتلقين، لأن الحرية خيار شخصي مبني على ثقافة الفرد. ويقول السيّد علي الخامنئي إنه “هناك مصدر مركزي في الحرب، ولكن عند اختلال المنظومة أو عجزها عندها يجب الإطلاق الحر. وهنا دور النقد، وتسليط الضوء على أيّ خَلَل واقع يضرّ بمسير المعركة، وهذا يجب أن يكون أساسياً ولا يجب أن يقابَل بالتخوين والاتهام والعنجهية”.
إذاً الميدان ليس مُغلقاً وليس حكراً على فئةٍ من دون أخرى، وكل القوى والفئات الفكرية والثقافية في المجتمع، من المُثقّفين والناشطين وطلاب الجامعات والأساتذة وحتى من ذوي المناصب لهم الحق في وجودهم وتصدّيهم للحرب الناعِمة التي تشوِّه مفاهيم المواطِنة والسيادة والأفكار الخارجة عن سياقات البيئات الاجتماعية.
وأبشع ما نشهده اليوم هو الاقتتال الداخلي بين أفراد هذه الحرب، ونزاعهم لا على شيء بل على اختلافٍ في وجهات النظر. فلا يمكن الإملاء على الناس بالقبول بالقوَّة ولا يمكن نفي فئة وتكفيرها إن اختلفت في الرأي، بل أحد أوجه تعزيز جبهة هذه الحرب هو اختلاف الآراء ووجهات النظر. فسياسة “إن لم تكن معنا فأنت ضدّنا” خاطِئة وخطِرة. فليس الصواب مُطلقاً ولا الخطأ كذلك، وليس الاختلاف مَدْعاة للهجوم فقط لأن رأي أحد لا يتطابق مع رأي الآخر. لذا لا يجب الاعتماد على نظرةٍ واحدةٍ للأمور، فلا بدّ من أن تستفيد من آراء الناس، لأن كلاً منهم يرى ما لا يراه سواه .. فرأيهم الذي قد يكون صحيحاً أو غير دقيق سيكون مفيداً للذين يختلفون معه!
“والعلم ذو كثرة في الصحف منتشرٌ *** وأنت يا خِلُّ لم تستكمل الصحفا”.
الحرب الناعِمة تتمدَّد أيديها من الداخل قبل أن تكون أطرافها غريبة عن البيئة الواحدة، لذا هنا يكون النقاش بنّاء ومفيداً في بناء منظومة قِيَمية وفكرية جامِعة تتصدَّى لكل التحديات الخارجية، التي لا تبغى سوى حَفْر أنفاق خفيّة تعبر من خلالها إلى الداخل بأجنداتها.
الميادين