عندما ينفجر الغضب الفلسطيني
|| صحافة عربية ودولية ||
لقد كانت إجراءات وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان، بخصوص العمالة الأجنبية، ومن ضمنها العمالة الفلسطينية القشّة التي أشعلت فتيل الحراك الفلسطيني الغاضب في المخيمات الفلسطينية في لبنان، الذي لاقى تضامنًا لبنانيًا، وفلسطينيًا من خارج لبنان أيضًا. فما هي الأسباب ولماذا انفجر الغضب الفلسطيني دفعة واحدة؟ وما سر قوة هذا الحراك الذي حُصِر بالمطالب الاجتماعية والإقتصادية والحقوق الطبيعية والإنسانية؟ وكيف يمكن قراءة دور الشباب في هذا الحراك الذي أعاد بالفعل والقوة للجماهير الفلسطينية دورها الحاسم في تحديد الأهداف وفرض ما تراه مناسبًا لحياتها؟ وهل يمكن أن تعود الأمور إذا ما توقّف الحراك في العلاقة البينيّة بين الحراكات الشبابية من جهة، والفصائل الفلسطينية والجماهير إلى سابق عهدها في الصراع والانفصام والتنافس أم الأمور ستتخذ أشكالًا مختلفة بحكم الأمر الواقع الذي سيكون للشباب دورٌ مستقبليٌ فيه كما يطالبون؟
إن القراءة الموضوعية والواقعية للحراك الفلسطيني في لبنان تستلزم التأكيد على وصفه بأنه حراك ذو شروط خاصة تبلورت في سياق تجربة فلسطينية لها شروطها الخاصة التي استفادت من تجارب (الحراكات في المنطقة)، وأنتجت خلال فترة قصيرة من حراكها تجربتها السلمية الخاصة التي حصرت حراكها بمطالب لها علاقة بالعمل والحقوق الطبيعية الإنسانية والإجتماعية والإقتصادية. كما أنها نجحت في الاستمرار في الحراك اليومي المتصاعد رغم عدم وجود ضابط إيقاع “مايسترو” يضبط التحركات الجماهيرية المختلفة والمتصاعدة بهدف التأثير للوصول إلى الهدف المنشود. بل لوحظ ازدياد وجود عامل ضبط جمعي ذاتيّ وحّد الجميع رغم وجود اختلافات في صياغة وتحديد أهداف الحراك لجهة المطالبة بتراجع الوزير عن إجراءاته، أو المطالبة ببحث ملف الوجود الفلسطيني برمته، أو المطالبة بإعطاء اللاجئ حقوقه الطبيعية الإنسانية والاجتماعية والإقتصادية.. كما لوحظ حالة الإنضباط الشديدة في التعاطي الإيجابي مع القوى الأمنية والجيش، في تأكيد على سلمية الحراك الفلسطيني، والتركيز على محاولات كسب المزيد من الأصدقاء في الساحة اللبنانية لمساندة الفلسطينيين في مطالبهم المُحِقَّة.
ويمكن الحديث عن جملة ملاحظات حول الحراك الفلسطيني في المخيمات، منها:
ـ أن بداية الحراك الغاضب كانت هلامية التنظيم والقيادة. أما المفارقة التي يمكن لحظها في الحالة الفلسطينية هنا أن القيادات الفلسطينية المختلفة (منظمة التحرير، قوى التحالف، القوى الإسلامية..)، قد أستطاعت أن تكون إلى حدّ ما إلى جانب، ومع الحراك وهناك محاولات جدّيّة، يراها البعض اضطراريّة أو محاولة لركوب الموجة، فيما يصفها البعض بأنّها إجراء تقييم من قبل الفصائل الفلسطينية لتقييم الوضع واتخاذ سياسات تُقرّبهم من الناس (الجماهير). ويشترط بعض نشطاء الحراك لنجاح هذا التّقييم أن لا يكون ذلك على أساس استخدام الوضع القائم لتحقيق بعض المكتسبات والمنجزات الآنيّة، بل يدعون لأن يكون هذا التّقييم شاملًا يستفيد من أخطاء الماضي لتجاوزها، ووضع خطّة عملية ومنهجيّة تُساهم في تحقيق الإنجازات، ومنع تحقيق الفشل في قطف ثمار الحراك العام.
ـ الملاحظ في الحراك أنه يحمل طابعًا مطلبيًا، اللافت فيه أنه كسر حواجز نفسية ومُربّعات أمنية موجودة في مناطق عديدة منذ سنوات في مخيم عين الحلوة. حيث لم يكن يستطيع أحد من المطلوبين من “مربع البركسات” التجول أو دخول منطقة “مربع الطوارئ”، والعكس صحيح، إلى أن انهارت هذه المربعات مع الأيام الأولى للحراك العام.. كما تأخّرت الخلافات السياسية والتنظيمية وبرز مكانها التقارب الشديد بين المختلفين سابقًا..
ـ أظهرت الاحتجاجات الفلسطينية القدرة الإقتصادية المُؤثّرة لمخيم عين الحلوة بشكل خاص، والفلسطينيين بشكل عام. كما أظهرت متانة التّرابط وعدم انفصام العلاقة الحسنة بين المُخيّم وجواره. وقد ظهر ذلك جليًا من خلال حالة التّضامن الواسعة من أبناء مدينة صيدا بكافة أطيافهم وتوجُّهاتهم مع المطالب الفلسطينية المحقة.
إن الحراك قد خلط الأوراق فلسطينيًا وأصبح المحرك الأساس باتجاه إعادة “غربلة” الوضع الفلسطيني بشكل عام، وفي لبنان بشكل خاص، وذلك تحسُّسًا من الفلسطينيين لخطورة المرحلة القادمة التي تتطلّب وضعًا متماسكًا، ورؤية واضحة، وتقاربًا أكثر مع الجانب اللبناني من أجل إفشال كل المُخطّطات التي تستهدف تصفية القضيّة الفلسطينيّة، وفي القلب منها قضيّة اللاجئين.
هيثم أبو الغزلان(*)
كاتب فلسطيني