عودة القوات الأمريكية إلى السعودية.. الأهداف والدوافع
|| صحافة عربية ودولية ||
بعد إعلان المسؤولين الأمريكيين عدة مرات زيادة وجود قواتهم غرب آسيا ومنطقة الخليج، وافق العاهل السعودي مؤخراً على نشر القوات الأمريكية في بلاده.
في نفس السياق، كشفت قناة “سي إن إن” الأمريكية يوم الأحد الماضي عن وجود مئات الجنود وعدة مقاتلات والنظام الصاروخي الأمريكي في قاعدة الأمير سلطان الجوية جنوب العاصمة السعودية الرياض منذ شهر، ومن المتوقع أن يرتفع عدد القوات الأمريكية في القاعدة إلى 500 شخص من خلال انضمام قوات جديدة إليهم. ونقلت القناة الإخبارية أيضاً عن مسؤولين عسكريين أمريكيين قولهم إن السعودية وافقت على تحمُّل نفقات هذا الإجراء.
لقد كانت السعودية حليفاً استراتيجياً لأمريكا في المنطقة على مدار العقود الماضية، ولعبت دور الركن العسكري والسياسي والاقتصادي لحماية مصالح الغرب في هذه المنطقة، وذلك في مقابل تلقيها الدعم العسكري والسياسي واسع النطاق.
مع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن نشر قوات أمريكية جديدة في السعودية يعني أن أمريكا ستعود إلى السعودية بعد 16 عاماً منذ رحيل القوات الأمريكية من هذا البلد عام 2003، وهو الأمر الذي شغل أذهان المحللين، إذ كثرت التساؤلات عن أسباب ودوافع هذا الإجراء في الفترة الحالية.
القواعد الأمريكية في الأراضي السعودية
استضافت السعودية منذ عام 1990 القوات الأمريكية على أراضيها، ودفعت أكثر من 50 في المئة من تكلفة بناء القواعد العسكرية الأمريكية.
قبل أحداث 11 سبتمبر، كان لأمريكا 13 قاعدة عسكرية خاصة في السعودية بالإضافة إلى السماح لها باستخدام 66 من القواعد العسكرية التابعة للقوات المسلحة السعودية.
لكن مقر القيادة العسكرية الأمريكية في السعودية يقع في قاعدة الأمير سلطان الجوية، حيث توجد مقاتلات من طراز يو -2.
ومن القواعد العسكرية الأخرى التي يستخدمها الأمريكيون في الأراضي السعودية، يمكن الإشارة أيضاً إلى قاعدة الملك عبد العزيز في الظهران، كذلك قاعدة الملك خالد في الرياض ومدينة الملك فيصل العسكرية في خميس مشاط جنوب السعودية، في مدينة الملك عبد العزيز العسكرية في تبوك، وقاعدة الملك فهد الجوية في الحوية بالطائف، وقاعدة الأمير عبد الله بن عبد العزيز الجوية في جدة، كذلك قاعدة الملك عبد العزيز البحرية في الدمام وقاعدة الملك البحرية في الجبيل، على الرغم من أن الوجود العسكري الأمريكي قد انخفض في السعودية منذ مايو 2003 بالمقارنة مع التسعينات.
إضافة إلى أنه في عام 2003، عندما غزت القوات الأمريكية العراق، أقلعت نحو 300 مقاتلة أمريكية من أنواع مختلفة من القواعد العسكرية الأمريكية في السعودية، وسمحت لهم الرياض بالطيران بحرية في سماءها، وتبنّت تكلفة هذه المراكز العسكرية غالباً.
الأهداف السعودية الأمريكية من العودة العسكرية
يمكن دراسة أهداف ودوافع هذا الإجراء في المرحلة الحالية على مستويين، يتمثل المستوى الأول والأكثر وضوحاً لتحليل سلوك البيت الأبيض في إعلان عودة القوات الأمريكية إلى السعودية في تفاقم التوترات الإقليمية، ولا سيما في الخليج الفارسي.
إن إعادة فرض العقوبات على إيران ومحاولة قطع صادراتها وإيراداتها من النفط من خلال وسائل مختلفة، وخاصةً زيادة الوجود العسكري في الخليج وبناء التحالفات البحرية للسيطرة على الملاحة، أوجدت ظروفاً أدّت إلى تفاقم المخاوف الإقليمية بشأن تصاعد الأزمة.
وبطبيعة الحال، تعتمد أمريكا في مثل هذه الظروف على العديد من قواعدها العسكرية في قطر وتركيا والعراق والبحرين والكويت وعمان وغيرها من البلدان.
ومع ذلك، فإن ما حدث بالفعل هو أن القدرة العسكرية الإيرانية والأداء الذي أظهرته في الرد بشكل مناسب وحاسم على التهديدات، جعل الدول المجاورة وخاصةً الخليجية منها، تتردد في المشاركة الفاعلة في أي إجراء (السماح باستخدام أراضيها للقيام بعمل عسكري ضد إيران)، ولهذا السبب تحاول هذه الدول منع حدوث مثل هذا الموقف الصعب.
على هذا الأساس، من المحتمل أن يكون المسؤولون الأمريكيون وبسبب إدراكهم لهذا الموقف الذي تتخذه دول مثل عمان وقطر والعراق وتركيا وأفغانستان والإمارات، يبحثون عن أماكن أخرى في المنطقة لتقديم الدعم لقواتهم، والسعودية تعدّ الخيار الأنسب في الوقت الحالي.
لكن قبول الرياض بعودة القوات الأمريكية إلى أراضيها وتمويل تكاليفهم، ليس مجرد انعكاس لسعي هذا البلد إلى تحقيق أهداف واشنطن الإقليمية، أو قضيةً تتعلق بسياستها الخارجية فحسب، بل لهذه الخطوة استهلاك محلي يريده حكام السعودية أيضاً.
خلال العقد الماضي، كانت القيادة السعودية قلقةً من احتمال حدوث موجة من السخط الشعبي في هذا البلد، وفي الوقت الحالي، إن تعزيز النظرة التطورية لدى عامة الشعب السعودي، وخاصةً الجيل الجديد الذي يطالب بالحريات السياسية والاجتماعية إلى جانب الظروف الاقتصادية غير المواتية الناجمة عن التكاليف الهائلة للحرب على اليمن، والنفقات الباهظة للسياسة الخارجية التدخلية للسعوديين في المنطقة، قد دفعت الرياض بقيادة محمد بن سلمان إلى السعي لتغيير الظروف ومنح بعض الحريات المدنية، وكذلك الاهتمام باستقطاب الاستثمارات الأجنبية وتنفيذ مشاريع اقتصادية مربحة في إطار رؤية 2030.
ومع ذلك، فإن ما لوحظ من تطورات داخلية خلال فترة ولاية عهد ابن سلمان، ليس فقط لم تؤد إلى تعزيز أسس شرعية آل سعود في المجتمع السعودي، بل مع انضمام المعارضة الدينية للجناح التقليدي المحافظ للإصلاحات الغربية لابن سلمان، وكذلك معارضة قسم من أعضاء العائلة المالكة لموجة الاحتجاجات التي يقوم بها النشطاء المدنيون والأقليات مثل الشيعة، الذين يعتبرون هذه الإصلاحات شكليةً، فإن المواجهات السياسية تبدو أوسع مجالاً من أي وقت مضى.
وفقاً لذلك، ينظر الملك سلمان وأبناؤه إلى وجود القوات الأمريكية في المرحلة الراهنة، كحارس أمن في مواجهة المعارضين المحتملين.
مع ذلك، بالنظر إلى قلة عدد هذه القوات، فإن هذا الإجراء له طابع رمزي ودعائي، ولا يمكنه دفع المعادلات باتجاه أهداف مخططيه.