الجهادُ الدفاعي بين أهل البيت الأكرمين.. والمُثَبِّطين المعوِّقين -1
|| مقالات || حمود الأهنومي
في هذه السلسلةِ من المقالات سيتمُّ عرضُ بعض أفكار كتاب الجهاد الدفاعي عند أهل البيت عليهم السلام بداية بالمقدِّمة.
عاد أحدُ المجاهدين إلى والدَيه لزيارتهما بضعةَ أَيَّــام، ثم العودة إلى مِترَسه في إحدى الجبهات الساخنة، وبينما كان نساءُ قريته وأطفالُها ورجالُها يتهامسون فيما بينهم إعجاباً بهذا الزائر الكريم، وإشارةً بشجاعته، وانبهاراً بعطائه، كان هناك أحد المُرشدين المُدَرِّسين في حلقات العلم التي تُعْقَـد في المَنْزِلة([1]) يَنْظُرُ إليه بِعَيْنٍ مُنكَسِرة تحمِل مَزيجاً من العداوة والإشفاق، لكنه لمَّا صادَفه (المجاهدُ) ومرّ بالقُربِ منه بادله السلامَ على مَضَضٍ، وصدَرَتْ من ذلك (المرشدِ) ابتسامةٌ في وجه (المجاهد)، يبدو التَّكَلُّف عليها ظاهِراً.
لم يكن هناك خيارٌ بالنسبة لـ(المرشد) سوى مصافحة (المجاهد)؛ لأنه لم يَشَأْ أن يَنْفُرَ أهلُ قريته المعجبون به وبأمثاله المجاهدين من أبناء تلك القرية، حتى لا يَنْفُروا من إرشاده، بل حينما زفَّ أهالي القرية أحدَ شهدائهم، لم يكن بوسعه إلا الانخراطُ في صفوفهم للصلاة على الشهيد والترحُّم عليه، على الرغم أن هناك من المرشدين في مناطق أخرى يرفض صلاةَ الجنازةِ على الشهداء بحجة أنهم قتلوا في فتنة قاتلها ومقتولها في النار؟!!.
في يَــوْمِ الجمعة أُعجِبَ ذلك المجاهِدُ الزائرُ إلى حَـــدٍّ ما بخُطبة المُرْشِدِ عن الجنة والنار، وعن حقارة الدنيا، وبدعوته إلى ترك الانخداع بها، وهي الخدَّاعة الغَرُوْرُ، وفي نفس الوقت ساءَهُ تجاهلُ الخطيبِ تماما لجرائم العدوان في ذلك الأسبوع، وأنَّه لم يَدْعُ للمجاهدين بالنصر؛ لهذا كان على ذلك (المجاهد) الحضورُ لجميع دروس ذلك (المرشد) أثناء الزيارة؛ الأمر الذي أطمَعَ (المُرْشِدَ) بأن يبُثَّ اليه نصيحتَه الغالية والسِّرِّيَّة بعد أن سمع أنه يستعد للعودة إلى جبهته؛ لا سيما والعدوان الأمريكي السعودي قد صعَّد من وتيرة عدوانه.
تلك لم تكن قصة واقعية فقط، بل هي نُمُوذجٌ متكرّر يحدُثُ في مناطقَ كثيرةٍ من الحاضِنَةِ الزيدية للجهاد والمجاهدين، من قبل أشخاصٍ يتحرّكون في المجتمع تحت عنوان (الإرشاد والتوعية).
تواتَرَ لَدَينا أنَّهم في بعض المناطق لا يستجيزون الصلاة خلْفَ أي مخالف لهم من المسلمين، حتى مِنْ تيارات الزيدية مثل أهل الملتقى الإسلامي، وأنصار الله، وغيرهم وهو بُعْدٌ خطيرٌ على المستوى الاستراتيجي بما يوحي به من أبعاد التكفير والتضليل والتفسيق للمخالف، غير أن هذا الأمر بقدر خطورته فإنه يعود على صاحبه في الأول والأخير وقناعاته، لكن الخطيرَ أنَّ مِنَ القَضَايَا التي تأكّدَتْ لَدَيْنَا أنَّ هناك مِن هؤلاء (المرشدين) مَنِ استتاب (مُجَاهدين) عادوا لزيارةِ ذَوِيهم، فإذا ببعضِ هؤلاء (المرشدين) يطلبون منهم التوبة!!.
التوبةُ ممَّ؟ وما هي الجريمةُ التي ارتكَبَها المُجاهدون في نَظَرِ بعضِ هؤلاءِ المُرْشِدين؟
قالوا: ذلك بأنَّهم وَقَعُوا في الفِتْنة -حسب زعمهم-، الفتنة بين ظالمٍ وآخر، لا فرق بينهم في الدين، فلا فرق لديهم بين المجاهدين من الجيش واللجان الشعبيّة وبين مرتزقة العدوان السعودي الأمريكي، ولا فرق بين القوات اليمنية المجاهدة وقوات الغزو السعودي الإماراتي الأمريكي!!.
يا للعجب.. لقد كانوا فيما سَبَق يَزْهَدون عن الحديثِ في السياسةِ وأمورِ الدَّوْلَة، والشؤونِ العامة، غيرَ أن بعضَهم في الآونة الأخيرة بشكلٍ لافت دعوا إلى اللاسياسة من بوابة السياسة، أَو دعوا إلى السياسة السلبية من منابر اللاسياسة، ومارسوا بعضًا من أساليبها بدعوى الحضِّ على تركها؛ فانطلقوا بنشاطاتهم لكسر تماسك المجتمع الحاضن للمجاهدين، بالتخذيل عن الجهاد، والتثبيط، والتعويق، وإثارة الشبهات والشكوك في أحقية وعدالة موقفنا المُناهِض للعدوان السعودي الأمريكي، وأفتوا بأن قتلى الطرفين في النار، على حدِّ رواية الشيخ محمد بن ناجي بن عافية من الجوف، وغيرها من الروايات البالغةِ حدَّ التواترِ لدينا.
من المفيد التأكيدُ على ضرورة تدريس العلم النافع باعتباره سبيلَ أهل البيت عليهم السلام الذي لا يجوزُ أنْ نَحِيْدَ عنه، وهناك توجُّهٌ كبير جداً لدى قيادة أنصار الله في إعادة الزخَم العلمي بشكلٍ واسعٍ جداً إلى المدارس والهجر العلمية والمساجد والمراكز التعليمية، وإن بمنهجية مُطَوَّرة تلبي حاجة الأمة وتطلعاتها وواجباتها، وما ظهر في العطلة الصيفية وخطاب السيد القائد – حفظه الله – ورفعه شعار (علم وجهاد) يأتي في هذا السياق، لكن تدريس العلم ليس بالضرورة أن يكون على حسابِ الجهادِ والمجاهدين والتثبيط والتعويق عن التصدي لهذا العدوان الإجرامي البشع، بيدَ أن الحقيقة هي أن ضعف الاهتمام بالعلم والتعليم الشرعي أوجَدَ فراغًا هائلاً هيَّأ الفرصة للبعض أن يغطوه بشكل خاطئ.
المُؤذي أن النشاطات المعَوِّقة عن الجهاد تنتشر في أوساط المجتمع الذي صنع مُعجِزة الصمودَ خلال خمسة أعوامٍ من العدوان، وقطعاً لن تعبُرَ الفتاوى (بأن قتلى الطرفين في النار) الحدودَ من اليمن إلى السعودية مثلًا، أي لن تجِدَ آذاناً صاغيةً لهم هناك، أَو بالأحرى لن تجِدَ منفذًا لها إلى مجتمع السعودية، والمجتمعات اليمنية التي تُخْرِجُ مرتزِقة منافقين يقاتلون تحت لوائها، وإلا لكان توزيعُ التعويق على جميع الأطراف عدْلًا في أقلِّ أحواله.
أحدُ أصهاري كان من قياداتهم على مستوى المديرية، وكان يهمُّه أنَّهم يَهتمون بالجانب التعليمي والشرعي، ورغم موقفه ذلك فقد كان مُتشدِّداً ضد آلِ سعود والأنظمة العميلة من وقتٍ مُبكِّر، من خلال مواقفِه وخُطَبِه ومحاضراته.
قلتُ له يوماً: تبدو بين هؤلاء كمَن يَغرِس نفسَه في غيرِ أرضه، وتوقَّعْتُ له أنه سيصطَدِمُ ببعضِهم بعد حين، فذهب كلٌّ منا لسبيله، وَإذَا به بعد حوالي 3 سنوات ترتفع عقيرته بخطورة طَرْحِهم، وبات يَنْحو عليهم باللائمةِ الشديدة؛ ذلك أنهم لا يذكرون العدوان، ولا جرائمَه في خُطَبِهم، ولا يَدْعُون على المعتدين، بل ويَرْفُضون ذِكْرَهم وذِكْرَ جرائمهم، ويَمْنَعون المُنتميَ إليهم من التعرُّضِ لذلك، وَإذَا أَصَرَّ المُنتمي إليهم على موقفه المُعادي للعدوان فإنهم سرعان ما يتهمونه بـ(الحوثية)، ويَبتعِدون عنه شيئاً فشيئاً، ويُنفّرون عنه الطلاب، هكذا شكى لي سببَ اختلافِه المفاجئ معهم.
لقد اتخذوا منه موقفاً حادّاً؛ ليس لأنه مقصِّرٌ في تدريس العلوم الشرعية، أَو لأنه لا يلتزم بالدين والأخلاق، لا بل لأنه لم يلتزِمْ بتلك التوجيهات الداعية إلى تجنُّبِ الفتنة، ولأنَّه استمرَّ يدعو على آلِ سعود وأوليائهم ومُرْتَزِقتهم في خُطَبِه يومَ الجمعة، ويَتَحَدَّثُ بشكل دائم عن جرائمهم.
من المُحْزِنِ أنَّهم يمنعون نساءهم من فتح قناةِ المسيرة أَو أيةِ قناةٍ من القنوات المُناهِضة للعدوان، وهي تعْرِضُ مشاهِدَ القتلِ والدمارِ والشهداء والجرحى والأبطال والعظماء، ومع ذلك يسمح بعضهم لهنَّ بمشاهدة بعضِ المسلسلات.
كتبْتُ يومًا عن خطورة التعويق عن الجهاد، فكتب إليَّ منهم أخٌ كريم وعزيزٌ علي، قائلًا: “هذه الحربُ هي حَرْبٌ عبَّاسِيَّة أُموية، وأنَّ مَوقِفَهم منها هو موقفُ أهلِ البيت مِن حروبٍ كهذه”، أما آخَرُ منهم من كوادرهم الميدانية فقد علَّق قائلاً: “إن أهلَ البيت لم يَتَحَرَّكوا للدَّفاع عن بغداد يومَ هَجَمَ التتار عليها”، فظننت أنه طرَحَ هذا بغيرِ وعيٍ منه، بيدَ أني لمَّا راجعْتُه حول خطورة مثلِ هذا الطرحِ وبطلان القياس زَعَم – بلغة واثقة – أنه قياسٌ دقيق([2]).
ويَطْرَحُ بعضُهم أنه لا جهادَ إلا مع إمامٍ شرعيٍّ من أهلِ البيت، والبعضُ يستحضِرُ ما قاله الإمام علي عليه السلام في الفتنة، حيث قال: “كن في الفتنه كابن اللبون لا ظهرٌ فيُرْكَب، ولا ضرْعٌ فيُحْلَب”، مدّعياً أن هذه الحرب فتنةٌ لا نجاة لنا إلا في اعتزالها، والوقوفِ بالحيادِ فيها، أما المُعتدِلون منهم أَو العاجزون – إن شِئْتَ التعبيرَ الأدقَّ – عن تفسيرِ موقفِهم المُقصِّرِ تجاه العدوان؛ فهم يَدَّعونَ بأنَّ لهم قياداتٍ علمائية تمنعُهم من الجهاد، أَو لم تأذَنْ لهم به.
في خِضَمِّ العَجَبِ من هذا لا بُدّ أنَّ كلَّ حُرٍّ مؤمنٍ في هذا البلد سأل قائلاً: وهل يمكنُ أن يُوجَدَ عاقلٌ في هذه الأمة وفي هذا الشعب، فضلاً عن عالمٍ من علماء مذهب أهل البيت عليهم السلام اتَّخَذَ موقفاً مُحايِداً من هذا العدوان الأبشع والأفظع والأجرم على مرِّ التاريخ؟
لا أخالُني أجِدُ عاقلًا فضلًا عن عالم!!
لقد رأيْتُ جمهورَ العلماء من مذهب أهل البيت عليهم السلام الزيدية، ورأيتُ علماءَ من المذاهب الأخرى، الشافعية، والصوفية، ومن الاثني عشرية، بل وحتى السلفية، ومن الإسماعيلية كلهم سارعوا ويُسارعون إلى إدانة هذا العدوان، وكلُّهم يُفتون بوجوب التصدّي له، ومواجهتِه ديناً وشرعاً، ولا يخلو أحدٌ منهم من ولدٍ أَو أخٍ أَو قريبٍ شهيدٍ أَو مجاهدٍ؛ لهذا تحدَّيْتُ أولئك الزاعِمين بأنَّ هناك علماءَ لهم موقفٌ سلبي من هذا العدوان..
قلتُ لهم: أين فتاواهم التي تدعو الأمة إلى الحياد؟ إذَا كان ما يلزم الأمةَ شرعاً هو الحياد؟ وَإذَا لم تكن هناك فتاوى ظاهرة.. فهل هي فتاوى وتعليمات سرية لا يعْلَمُ بها إلا هؤلاء المُدَّعون فقط؟ فكيف واللهُ أمرَ العلماءَ وأخذ عليهم بأن لا يكتموا الدين؟ وألزمهم بإظهار اليقين؟
الحقيقةُ المُـــرَّةُ هي أن المدّعين باسم هؤلاء يَتحرَّكون في أوساط المجتمع بشكلٍ واسعٍ وظاهرٍ، ويتحرّكون باسمِ عددٍ قليل جدًا من العلماء، وما يدعو للأسف أننا لا نجد لهؤلاء العلماء صوتًا جهوريًّا في مواجهة العدوان، على الرَّغْمِ من أنَّ المُدَّعين يُجاهِرون بذلك في الواقع وعلى وسائلِ التواصلِ الاجتماعي بشكلٍ ظاهرٍ وذائعٍ، يُوجِبُ على أولئك العلماء أن يُبيِّنوا حقيقة الموقف لو لم يكن صحيحاً، أما إذَا أضيف إليه انعدامُ أيِّ موقفٍ مسموعٍ أَو مشهودٍ صَدَرَ من بعضِهم ضد العدوان فإن الأمر يَجْعَل الحليمَ حيران، ويجعلُ أهميّة قصوى في أن يتصدى العلماءُ وطلاب العلم الربانيون للنصيحةِ وتبيانِ الحق، وكشفِ الشبهات، ودحضِ التشكيكات.
على أنَّه ربما كان لأولئك القلة من العلماء ظروفٌ خاصة لم تجعل صوتهم مسموعًا في مواجهة العدوان، وهي حالة نادرة لا يجوز أن تُصَوَّرَ بأنها القاعدة العامة، وأن غيرها هو الشذوذ.
من جانبٍ آخَر حتى ولو لم يكن هناك شرعٌ يأمرُ بالتصدِّي للعدوان فأين عزبت الحميةُ الإنسانية والقضية العقليةُ عن هؤلاء؟
في عام310هـ وقعت حربٌ بين قبيلة (دهمة) وأختها (وائلة) من شاكر الهمدانية، قُتِل فيها ثلاثُ مئة رجل، يا ترى ما السبب؟
قالوا: إنَّ (دهمة) قتلت جاراً لـ(وائلة)، فنَشِبَتْ بينهم حربٌ طويلة الأمد حصدت رؤوساً كثيرة بلغت 300 رجل([3]).
ثم تسأل بعضاً من هؤلاء: هل لديكم حميةٌ دينية؟ ألم تُحرِّك مشاعرَكم مشاهدُ الأشلاءِ المُمَزّقة تحت قصفِ طيرانِ العدوان؟ ألا يُوقِظُ ضمائرَكم قصفُهم للأسواق، والمساجد، والمدارس، والمشافي، والآثار؟ هل تَحَسَّسَ أحدٌ منكم واجبَه ودينَه يوم قُصِفَ مقامُ الإمام الهادي يحيى بن الحسين الذين تزعمون مَحَبَّتَه والانتماءَ إليه؟ هل أزعجكم مجردَ إزعاجٍ قتلُ عشراتِ الآلاف من الأطفال والنساء والرجال في بيوتهم آمنين، ربما بعضُهم كانوا من أقاربكم وإخوانكم وجيرانكم؟.. كلا.
ما الذي أوقد نار الحرب بين أولئك في (دهمة) وأختها (وائلة)، وما الذي جمّد أفئدة هؤلاء وعقولَهم وإنسانيَّتَهم؟ وأين إفراطُ أولئك من تفريطِ هؤلاء؟
في مشهدٍ آخر، قد تَرى أَو تَسمع مُتخاذلاً ومتذاكياً أيضاً، يتبرّع بلعنِ آل سعود وآلِ نهيان مرةً واحدةً، ولكنه سَرعانَ ما يشفعُ ذلك التبرُّعَ الجميلَ بأن هؤلاء – ويقصد أنصار الله، قادةَ جبهة الشرف والكرامة والعزة والمقاومة اليمنية – لا يختلفون عن أولئك، هذا النوعُ يُطْلِقُ موقفاً صاخِباً واحداً ضد العدوان، موقِفاً قولياً لا يتجاوزُه إلى الواقع، ولكنه يَرْمِي 20 موقِفاً ضد أهمِّ الفئات التي تواجهه عمليًا وعلى أرض المعركة، ولدى بعضِ المتديِّنين والمُشْتَغلين بالوعظ والعلم الجُرأةُ على مساواةِ السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي بأيِّ حاكمٍ ظالمٍ آخر؛ وقديماً قال هذا النوع في جدِّه الإمامِ المهدي محمد بن المطهر (ت728هـ): “لا فرْقَ بين هذا وبين فلان، أي في الظلم والجور، والتعرِّي عن شرائطِ الإمامة”، كما يروي ذلك الإمامُ الهادي بن إبراهيم الوزير (ت822هـ)([4]).
ربما تشيرُ هذه الحادثةُ بأن القضيةَ ليست من بناتِ هذا الزمان، بل إن ما أورده الإمامُ الهادي بن إبراهيم الوزير (ت822هـ) في كتابِه (كاشفة الغمة في الدفاع عن إمام الأمة) بيَّن أنه طالما وقفَتْ شخصياتٌ علمائية ومُتديِّنة في وجوهِ القائمين بالحق على مرِّ التاريخ، منذ الإمام علي عليه السلام وإلى يومِ تأليفِه كتابَه ذاك، ثم من عصره وإلى يومنا هذا، وهناك عشرات الأمثلة التاريخية التي تَحكي عن فئاتٍ وشخصياتٍ محسوبةٍ على العلم مواقفَ سلبيةً وغيرَ محمودةٍ تجاه الأئمة السابقين من أهل البيت، والتنصُّل عن الجهاد معهم، والتمحُّل للأعذار التي ظنوها تُنجِيهم من الجهاد بين أيدي أئمة الهدى من آل بيت المصطفى صلى اللهُ عليه وآلَه وسلم.
ثم بعد هذه المعرفة التاريخية المتراكِمة، والعظة المتعاظِمة: ليتَ شعري ما الذي جعل الأتباعَ يُطيعون أمرَ وفتوى القاعد منهم؟ ويرفضون أمرَ القائم؟ على افتراض وجودِ فتاوىً وأوامر!!
ليت شعري ما الذي تحدِّثُهم به ضمائرُهم وهم يسمعون يوماً بعد آخر أن مرتزقة العدوان اختطفوا امرأةً أَو اغتصبوا أخرى؟
ما الذين توسوس به نفوسُهم وهم يسمعون ويرون الأخبار وهي تنقل إليهم أن مئات الرجال والنسوة في عدن فقط – على سبيل المثال – تعرضوا وتعرّضن للاختطافات والاعتقالات والاغتصابات الجماعية ذكورا وإناثًا، كما أورد ذلك تقرير خبراء الأمم المتحدة، والذي يأتي من باب ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا﴾؟
ماذا تقول لهم أنفسُهم: وهم يَسْمَعون أن المُحتلِّين الإماراتيين في عدن ومرتزقتهم كانوا يغتصبون المرأة أمام زوجها أَو قريبها؟!
وهل سألوا أنفسَهم: عن دَيدَن الغُزاة والمُحْتلِّين ودأبِهم على مرِّ التاريخ هل كان إلا القتل والزنا واللواط والاستعباد ونهب ثروات الأمم والشعوب؟! كما دلَّت على ذلك دعواتُ أئمةِ الهدى من أهل بيت المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم للشعب اليمني إلى قتالهم وطردهم..
هل سألوا أنفسَهم: ما الذي منع مصيرَ المناطق التي يتواجدون فيها عن الالتحاق بذلك المصير الذي صار إليه أهلُ عدن والمناطق المحتلة؟ هل هو إلا رجال الله الأحرار شكّلوا سدّاً مانعاً، وحصناً حصيناً لكل أعراضِنا وحرماتنا ومساجدنا ومدارسنا؟
… يتبع في المقالة القادمة.
([1]) غرفة أَو غرف مجاورة للمسجد، ينزل فيها طلاب العلوم الشرعية المهاجرون.
([2]) سيأتي الرد على هذه الشبهة في الفصل السادس من هذا الكتاب: شبهات وردود عامة.
([3]) يحيى بن الحسين: غاية الأمالي، ج1، ص212.
([4]) كاشفة الغمة، ق34/ ب.