المواطنون المهجرون من عدن : هُجّرنا بذرائع مناطقية يقف الاحتلال خلفها بهدف التجزئة والتقسيم
|| صحافة محلية || صحيفة الثورة
القانون الدولي يجرِّم التهجير القسري للمواطنين ويعتبره جريمة حرب
> هذه الأعمال تدينها الأعراف والمبادئ الوطنية والدينية وتهدد النسيج المجتمعي
الثورة / اسماء البزاز
استنكر مراقبون وعلماء ما قامت به ثلة عنصرية في عدن لا تمثل إلا نفسها ولا تمت بأي صلة لهذا الوطن الموحد بشعبه وبمبادئه وأعرافه بتهجير أبناء المحافظات الشمالية في محافظة عدن بذرائع ودوافع مناطقية وانفصالية مشينة .. مؤكدين أن هذه الاعمال لا تمثل سكان عدن ولا تعبر عن قيمهم الاجتماعية الوحدوية التي جسدوها طيلة عقود.. نتابع:
محمود القباطي أحد المهجرين قسريا من محافظة عدن يقول : ضاقت بي السبل بعد أن اتصل بي أحد زملائي في محافظة عدن ليبلغني بأن علي أن أترك عملي والمحافظة لضمان سلامتي لأن هناك حملة تهجير قسري للشماليين في محافظة عدن لم ادر إلى أين أتوجه وكيف أبلغ عائلتي بهذا الأمر وأنا الوحيد المتكفل برعايتهم والانفاق عليهم شعرت حينها بأني مواطن افريقي دخلت البلاد بصورة غير شرعية! وليست هذه الأرض وطني بل إني مطرود منها وملاحق من قبل سلطاتها لأنني أنتمي لمحافظة أخرى ولأسباب وذرائع انفصالية.
وتابع القباطي : لم أجد أمامي مكانا آمنا لي ولعائلتي سوى العاصمة صنعاء التي – والشهادة لله – تخلو تماما من هذه الفوارق العنصرية ولا أثر فيها لهذه السلوكيات الغريبة على مجتمعنا.
لا ينتمون لعدن
مهجر آخر عاد إلى صنعاء وهو المواطن علي العوضي من محافظة إب يقول عن قصته : أعيش في محافظة عدن أكثر من عشرة أعوام لم أجد من أهلها إلا الحب والاحترام والتقدير والتعاطف والتراحم فأهل عدن أناس طيبون جدا ولا يميزون بين شمالي وجنوبي فكلنا من بلاد واحدة ولكن ما قامت به هذه الثلة من الناس لتهجير أبناء الشمال من المحافظة هم في الحقيقة لا ينتمون لعدن ولا لأهلها ولا لهذه الأرض البريئة من عنصريتهم، بل هم شلة باعت ضميرها وإنسانيتها حتى تعاملوا معنا بهذا الأسلوب المشين وكأننا محتلون أو مستعمرون لسنا إخوانهم وأبناء جلدتهم!
ومضى يقول : لا شك سنعود لعدن بعد أن تتحرر من هؤلاء سنعود وسنظل وطناً واحداً وشعباً واحداً من صعدة إلى المهرة.
من الرمضاء بالنار!
مهجر آخر يدعى فهد فتيني من محافظة الحديدة قدم لعدن كنازح من الحرب ولكنه كالمستجير من الرمضاء بالنار..
فهد عمل عدة أعمال بسيطة وحرة، تارة ببيع الفل وتارة أخرى في ورشة لتصليح السيارات يعيش حياة بسيطة جدا هو وأمه وإخوته ولكنه كما يقول لا يريد شيئا من هذه الدنيا سوى الشعور بالأمان خاصة بعد ان عاشوا أجواء مضطربة ومخيفة في محافظة الحديدة وفقدوا منزلهم وعدداً من أفراد أسرتهم فوجدوا في النزوح ملاذا لعله يكتب لهم حياة جديدة.
ولم يكن يعلم فهد أنه وأسرته سيواجهون عدوانا آخر ممن يدعون أنهم أبناء جلدتهم بنعرات مناطقية يتم ملاحقة فهد والقبض عليه وترحيله وتهديده ليعودا لمحافظتهما مجبرين ليختم فهد تجربته بكلمة عظيمة قائلا : قدر الخالق ولا مذلة وجبروت المخلوق!!
قساوة وصلافة
وفيما يروي أيوب التميمي – إعلامي – قصة أحد المهجرين من عدن ويدعى “سمير عبدالفتاح القدسي” من أبناء محافظة تعز ، والذي كان يعمل في معرض لاستيراد قطع غيار السيارات المملوك لرجل أعمال وفي عصر يوم الجمعة الماضي جاءت بعض قوات ما يسمى “الحزام الأمني” إلى المعرض وقابلوا مسؤول المعرض يسألونه بالقول: عمالك من حق تعز ؟ ويطالبون بالبطائق أشار عمنا بالإيجاب وأشار عليّ وعلى الطفل خليل، كنت الوحيد من أبناء تعز مع عمر طفل في الثالثة عشرة من عمره نازح من أبناء محافظة الحديدة يعول أسرة مكونة من ستة أشخاص والذي يشتغل في مسح السيارات خارج المعرض أو قضاء احتياجات العمال والمعرض.
يقول سمير : اقتادونا مع النازح خليل بصلافة ولم أقاومهم بينما “عمر” يبكي ويتوسلهم أن يتركوه التفت إلى أحدهم وقلت له هذا نازح من الحديدة مش من تعز ومعه أسرة خليه يطلب الله على أسرته فصفعني على رقبتي حتى كاد يغمى علّي وقال : روحوا من بلادنا يا عيال (….) كل مشاكلنا بسببكم.
وأردف سمير: صعدت أنا وخليل إلى ديّنا مع عشرات العمال من أصحاب البسطات والمحلات التجارية تفحصتهم كالمجنون واحدا واحدا وكان بعضهم من تعز وآخرون من الحديدة وإب وهكذا كان قلبي يشتعل كالنار وانا ممسك بيد خليل محاولا التخفيف من حالته.
واختتم سمير قصته: تحركت الدينا وخليل يبكي بشدة ويقول أمي وأخي الصغير والبنات ما فيش حد معاهم انا اشقي عليهم والله ما في حد معاهم البعض بكى دون شعور حتى انا لم أتمالك نفسي ورجعنا نهدئه وقلت له سترجع بعد يومين أو ثلاثة أيام لا تخاف والبنات الله معاهم سيرزقهم بغير حساب حسبنا الله ونعم الوكيل على كل ظالم.
بكل ترحيب
وتحدث الكاتب الاعلامي مصطفى المغربي عن هؤلاء قائلاً : إن الشمال لم يتعامل بهذا السلوك المشين بل كان محل ترحيب بكل من قدم إليه من إخوانه الجنوبيين في كل نكباته حيث كانت جبهة التحرير في 69م طردت قيادتها من عدن واستقبلهم الشمال وطرد أصحاب روؤس الأموال في 72 م واستقبلهم الشمال وطرد أصحاب الرئيس سالمين في 78م واستقبلهم الشمال وطرد أصحاب علي ناصر “الزمره” في 86م واستقبلهم الشمال وحتى من عادوا بعد حرب 94م استقبلهم الشمال.
القانون الدولي
هنا أوضح حقوقيون وقانونيون أن التهجير القسري جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي حيث جاء في القانون الدولي بأن ” التهجير والإخلاء القسري غير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها” وهو ممارسة مرتبطة بالتطهير وإجراء تقوم به الحكومات أو المجموعات المتعصبة تجاه مجموعة عرقية أو دينية معينة وأحيانا ضد مجموعات عديدة بهدف إخلاء أراضٍ معينة لنخبة بديلة أو فئة معينة، وتعتبر المواد (2)، (7)، (8) من نظام روما الأساسي، التهجير القسري جريمة حرب.
كما أن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص، أو نفيهم من مناطق سكناهم.
وعادة ما يحصل التهجير نتيجة نزاعات داخلية مسلحة أو صراعات ذات طابع ديني أو عرقي أو مذهبي أو عشائري، ويتم بإرادة أحد أطراف النزاع عندما يمتلك القوة اللازمة لإزاحة الأطراف التي تنتمي لمكونات أخرى، وهذا الطرف يرى أن مصلحته الآنية أو المستقبلية تكمن في تهجير الطرف الآخر، ولا يحصل التهجير إلا في حالة وجود طرف يهدد مجموعة سكانية مختلفة بالانتماء الديني أو المذهبي أو العرقي بعدم البقاء في مدينة أو منطقة أو بلد ما، ومقابل ذلك تولد شعور لدى الفريق المستهدف بالتهجير بأن هناك خطرا جديا وفوريا يمكن أن يتعرض له في حالة امتناعه عن الهجرة، ويلتقي المهجّرون في انتمائهم لمكون ديني أو عرقي أو مذهبي أو سياسي واحد.
وهنا يتساءل الكثير : هل تعفى من عقوبة جريمة الحرب اذا كان قانون وطنك لا يعاقب عليه؟
يقضي قرار الأمم المتحدة رقم 95/أ لعام 1946م أن كل شخص يرتكب أو يشترك في ارتكاب فعل، يعد جريمة طبقا للقانون الدولي، ويكون مسؤولا عنه ويستحق العقاب. وانه إذا كان القانون الوطني لا يعاقب على عمل يشكل جريمة حرب، فإن هذا لا يعفي ما ارتكبته من المسؤولية بحسب أحكام القانون الدولي.
لا ينتمي لديننا
فيما وصف فضيلة العلامة حسين السراجي هذا العمل بالجبان وبأنه عمل عاجز ولا ينم عن مسؤولية بشرية وإنسانية أو استشعار بغض النظر عن الدواعي الانفصالية والارتزاقية والعمالة.
وقال السراجي : التوجه نحو المواطنين المسالمين طالبي الله في البسطات والمطاعم من أبناء الشمال في عدن والمحافظات الجنوبية دلالة عجز وإفلاس وخروج عن المألوف إذ يعني التطهير المناطقي القذر لنفوس من يمارسون الفعل ويترجمونه.
وأضاف : لن نتوانى عن نصرتهم والتفاعل مع مظلوميتهم والتعامل اللاإنساني الذي يتم التعامل به معهم حيث حكت الوقائع ممارسات خسيسة لا يمكن اعتبارها مجرد ردة فعل انفعالية بقدر ما تحكي تدمير النسيج الاجتماعي بين الشماليين والجنوبيين بشكل مخيف وموحش.
معتبرا الخطوة استفزازية وتبتغي ردة فعل مماثلة لن تكون فأخلاقنا وقيمنا هي الرصيد الذي نمتلكه ولا يمكن استجرارنا لهذا المربع المشين (( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ )).
وختم السراجي حديثه بالقول : ستنتصر الإرادة وهذه الأعمال هي عامل الخذلان الذي يُؤذن بزوال الغازي المحتل وأدواته والله الغالب على أمره.