صناعةُ الكراهية

|| مقالات || علي يحيى عبدالمغني

 

لا شك أن الأعمالَ القبيحةَ والمشينة التي قامت بها العناصرُ المأجورةُ خلال الأَيَّـام القليلة الماضية في عدن بحقِّ العمال البسطاء من أبناء المحافظات الشمالية الذين لا حولَ لهم ولا قوة، إنما هي أعمالٌ دخيلةٌ على أخلاق اليمنيين وأعرافهم وأسلافهم التي تعتبر ذلك عيباً أسودَ يستدعي النكَفَ القبلي، وتتعارَضُ مع قيم وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي يدعو إلى الأُخوَّةِ والمحبة والوحدة بين المسلمين ويرفُضُ الظلمَ ويأمُرُ بنصرة المظلوم ولو كان كافراً، ولا تمثل أهلَ هذه المدينة المعروفين بتسامحهم ومدنيتهم وطيب أخلاقهم على مر العصور.

 

وما شهدته هذه المدينة خلال الأَيَّـام الماضية من تطهير وتهجير ونهب وسلب لممتلكات مواطنين يمنيين لا ذنب لهم إلا أنهم ينتمون إلى مناطقَ يمنية معينة، لا علاقة لهم بالسياسة ولا هَمَّ لهم إلا البحث عن لقمة العيش في هذه المدينة لا يخدم إلا أعداء الأمة من اليهود والنصارى الذين عملوا ويعملون بمختلف الوسائل والأساليب عبر أدواتهم القذرة في المنطقة على إضعافها وتمزيقها وشرذمتها وزرع حالات العداء الطائفية والمناطقية والعِرقية بين أبنائها حتى لا تقومَ لها قائمةٌ من أجل أن تستمر سيطرتُهم عليها ويستمروا في نهب ثرواتها واحتلال أرضها ومصادرة كرامتها وسيادتها، وهذا هو مشروعهم في العراق وسوريا وليبيا وغيرها من البلدان العربية والإسلامية.

 

ما حدث في عدن لم يحدث حتى لليهود الذين هاجروا خلال القرن الماضي من البلاد العربية والإسلامية بمحض إرادتهم بعد أن تصرّفوا بكل ممتلكاتهم وأخذوا معهم كُــلَّ حقوقهم وأموالهم، وهؤلاء عُمَّالٌ يمنيون بسطاء يجرهم إخوانهم وأبناء جلدتهم ودينهم ووطنهم ويختطفونهم من الأسواق والطرقات والمحلات ويرمون بهم في تلك الشاحنات التي ألقتهم في الخط الذي رسمه الاحتلال كما تلقى النفايات مجردين من حقوقهم وممتلكاتهم وبعيدين عن أهلهم وذويهم الذين لا تزال تلك العصاباتُ تداهم منازلهم وتغلق محلاتهم وتلقي القبض على من تبقى منهم دون أن تحركَ الأجهزة الأمنية والقضائية أَو السلطات المحلية ساكناً!

 

هذه الأعمال والممارسات المخالفة للشرع والقانون إنما تعبر عن إفلاس المرتزقة وأخلاقهم المنحطة، وستظل تلك الأعمالُ وصمةَ عار في جبينهم وجبين من يقفون وراءهم من حكام الإمارات والسعودية الذين ينفّــذون المُخَطّطات الصهيونية والأمريكية في المنطقة.

 

ما حدث في عدن لم يستدع ردّة فعل المناطق التي تعرض أبناؤها للظلم والقهر والإذلال كما خطط الأعداء لذلك، بل قابلوا ذلك بوعي عالٍ ومسؤولية دينية وأخلاقية ووطنية كبيرة بفضل المسيرة القُــرْآنية التي جسّدت ذلك في وعي أبنائها وبفضل القيادة الحكيمة التي أدركت وتدرك حجم المؤامرة على الأمة والمُخَطّطات التي يرسمها الأعداءُ؛ للنيل من شعوب المنطقة، فكان الجميع على قدر عالٍ من المسؤولية وأخذوا يتحدثون بصوتٍ واحد عن عُمق الوحدة اليمنية عبر التاريخ ووقوف اليمنيين جميعاً سواء في الجنوب أَو الشمال إلى جانب بعضِهم في كأفة القضايا الوطنية والقومية، وما تعرض له بعض اليمنيين في عدن إنما هي سحابةُ صيفٍ عابرة ستزول بزوال الاحتلال ومرتزقته الذين جنّدهم للقيام بما قاموا به، ولا تمثل تلك الأعمال أصالة أبناء تلك المناطق وأخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم، وقد صرّح بذلك كثيرٌ من الأحرار والوطنيين الشرفاء من أبنائها وعبّروا عن رفضهم وإدانتهم لما قامت به تلك العصاباتُ الإجرامية، وهذا هو الموقف الحقيقي والمعبِّر عن أبناء تلك المناطق الذين يشعرون بقيمة الوطن ويدركون حقيقةَ الاحتلال ومخاطره على الشعب كله شمالاً وجنوباً.

قد يعجبك ايضا