“التهديد الصاروخي” ضربة أنصار الله القاصمة للتحالف

|| صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي

في أواخر يوليو، أعلنت بعض وسائل الإعلام والمسؤولين الإماراتيين أن قواتهم العسكرية ستغادر اليمن.

قرار ينبع إلى حدّ كبير من مخاوف أبو ظبي من التعرّض إلى هجمات أنصار الله الصاروخية وطائراتهم من دون طيار، وهو الكابوس الذي قضّ مضاجع حكام الرياض في الأشهر الأخيرة.

مع ذلك وبعد مضي أكثر من أسبوعين على الإعلان عن انسحاب الإمارات الوشيك من الحرب اليمنية، تاركةً السعودية وحدها في وحل الحرب، ثمة إشارات وتصرفات متناقضة من أبو ظبي، تدل على تعارض لفظي وسلوكي إماراتي وكواليس خفية للسعي وراء إنهاء وجودهم في اليمن.

هذا الأمر، خاصةً مع تصاعد الاضطرابات جنوب اليمن في الأيام الأخيرة والتي نجد فيها التورط الإماراتي واضحاً، قد دفع الأمر قادة أنصار الله إلى تحذير حكام أبوظبي مراراً وتكراراً من السلوك المزدوج، مطالبين بالوفاء بوعودهم بالخروج السريع من التحالف. والسؤال المطروح الآن هو إلى أي مدى تستطيع تهديدات أنصار الله ردع أبو ظبي عن مواصلة الحرب اليمنية؟ وما هي الطرق التي تنتظر الإمارات لمواجهة هذا الطريق المسدود (للاحتماء من ضربات أنصار الله الصاروخية من ناحية، والحفاظ على تحالفهم مع السعوديين في الظاهر من ناحية أخرى)؟

أهداف الإمارات في جنوب اليمن

منذ البداية، انضمت دولة الإمارات إلى التحالف بقيادة السعودية بهدف لعب دور في جنوب اليمن، والتسلل إلى المناطق الاستراتيجية لهذا البلد، وكان دور الإمارات في حرب على اليمن هو قيادة القوات البرية، وتسعى الإمارات إلى تحقيق أهداف اقتصادية وجيوسياسية وسياسية في اليمن، يتم تحقيق جميعها من خلال التركيز على جنوب اليمن تقريباً.

الحياة الاقتصادية للإمارات تعتمد على الموانئ التجارية، وهي تسعى في هذا السياق إلى الحصول على المركز الأول في منافسة الموانئ التجارية في المنطقة، وعندما وافقت اليمن على مشروع “مدينة النور” في عام 2006 بتكلفة 140 مليار دولار، سعت الإمارات من خلال شركة “موانئ دبي” إلى الحيلولة دون تنفيذه، لأن المشروع ومن خلال شراكة غير وطنية كان سيحوّل موانئ اليمن إلى مركز التجارة ويجعل دبي مكاناً أقل أهميةً.

مع اقتراح السعودية التدخل العسكري في اليمن، رأت الإمارات الفرصة سانحةً للاستيلاء على موانئ الحديدة وعدن عبر التسلل إلى جنوب اليمن، وعلى طريق استراتيجي يربط غرب آسيا بأوروبا والقرن الإفريقي عبر البحر الأحمر وباب المندب؛ كما كانت الإمارات تفكر في تجاوز مضيق هرمز على مدار العقد الماضي، والتسلل إلى جنوب اليمن كان يحقق هذا الهدف أيضاً.

من الناحية السياسية، تعارض الإمارات كل فروع الإخوان المسلمين في المنطقة، وخلال الحرب الأهلية اليمنية، انخرطت الإمارات فيها بثلاثة أشكال من المواجهة المباشرة، واستخدام الجماعات بالوكالة إلى اغتيال قادة الإخوان اليمنيين في حركة الإصلاح والحراك الجنوبي.

وتصل أهمية جنوب اليمن للإمارات إلى حد أن جهودها لتقسيم اليمن أدّت إلى خلافات شديدة مع منصور هادي.

لقد شكلت الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي من خلال إبراز محافظ عدن المخلوع “عيدروس الزبيدي” وقواته الموالية، واستولت على جزيرة سقطری لدعمهم استراتيجياً.

الاستراتيجية الإماراتية في جنوب اليمن بعد إعلان الانسحاب

في الداخل الإماراتي، هنالك انتقادات شديدة لانسياق ولي العهد محمد بن زايد وراء مغامرات محمد بن سلمان.

ونقلت صحيفة الأناضول التركية في تقرير لها عن حاكم دبي في اجتماع سري لقادة الإمارات، قوله إننا نحتاج إلى إعادة التفكير في سياستنا الخارجية بشكل عام، نحن ننفق مئات الملايين من الدولارات يومياً، وهذه السياسة مكلفة للغاية بالنسبة لنا، ولم نحقق شيئاً، بل تزايدت التوترات في الخليج الفارسي، الأمر الذي سيؤدي إلى زعزعة أمن الإمارات بشكل متزايد.

مع زيادة تكاليف التحالف يوماً بعد يوم، استهدف التحالف جميع النقاط التي يمكن أن يصل إليها في اليمن من حيث العقيدة العسكرية خلال 52 شهراً من الحرب، لكن أنصار الله ومن خلال سيناريوهات محسوبة، كانت تستهدف نقاطاً جديدةً وأقل قابليةً للتنبؤ بالنسبة للتحالف داخل اليمن وخارجه، بحيث بات ما لا يقل عن 400 نقطة محتملة في أراضي السعودية في مرمى صواريخ أنصار الله الدقيقة، والتي لم يتم ضربها بعد.

هذه القضايا نفسها هي التي كانت سبباً للجهود التي بذلتها الإمارات لتخفيف التوترات مع إيران، فضلاً عن التفاوض من جانب واحد مع صنعاء وتقديم الوعود بالانسحاب الأحادي الجانب.

وعلى الرغم من هذه الوعود، كتبت وكالة أسوشيتيد برس عن كيفية مغادرة الإمارات، قائلة: إن الجيش الإماراتي قد نجح في تدريب حوالي 90.000 من القوات اليمنية جنوب اليمن، وما زال كبار القادة الإماراتيين موجودين في اليمن لمواصلة تقديم المشورة العسكرية لهذه القوات.

هذا في حين أن قاعدة عدن الجوية لا تزال في أيدي الإمارات، ولكن هذا التخفيض الغامض لعدد القوات غير المعروف سابقاً لم يكن مقبولاً لدى أنصار الله، ولهذا السبب فقد زادت صنعاء من الضغط الإعلامي على أبو ظبي.

في هذا السياق وفي خطاب بثه التلفزيون اليمني قبل يومين، دعا السيد عبد الملك الحوثي زعيم حركة أنصار الله الإمارات إلى إنهاء احتلالها والوفاء بوعدها بمغادرة اليمن.

كما نصحها بمغادرة اليمن من أجل مصالحها الاقتصادية، وإلا فإن الوضع سيكون خطيراً على هذه الدولة، الأمر ذاته الذي ردّده المتحدث باسم أنصار الله “محمد عبد السلام” خلال اليومين الماضيين أيضاً.

إن إجراءات أنصار الله قد دفعت قادة الإمارات إلى فهم حقيقي لظروف الحرب وإدراك أنهم لن يحققوا النصر العسكري، ويجب عليهم الامتناع عن الولوج في هذا المستنقع قبل أن تدمّر الصواريخ اليمنية اقتصادهم الزجاجي، لذلك، تحاول الإمارات في المقام الأول تقليص قواتها جنوب اليمن حالياً.

وفي هذا الصدد، قال الخبير في الشؤون العسكرية اليمنية “علي الذهب”: إن الوضع في عدن على وشك الانفجار في الأيام المقبلة، حيث إن الوضع بين حكومة منصور هادي والمجلس الانتقالي التابع للإمارات شديد الخطورة.

وتوقّع أن تشتعل هناك حرب شرسة داخل عدن، الأمر الذي دفع الإمارات إلى سحب قواتها من المدينة حتى لا تتعرض للأذى في الاشتباكات المحتملة القادمة.

كما تحاول الإمارات التأكد من أن ميناء الحديدة محصّن من الاشتباكات الجديدة، حتى لا تضطر إلى إعطاء السعودية ردّاً سلبياً بشأن المشاركة في هجمات واسعة النطاق.

بطبيعة الحال، لا يمكن أن يستمر هذا الوضع لفترة طويلة، وسوف يتعيّن على الإمارات في نهاية المطاف إعطاء الأولوية لمصالحها الاقتصادية والأمنية بدلاً من المشاركة في الحرب اليمنية التي باتت تشكل قضية هيبة وشرف لمحمد بن سلمان.

قد يعجبك ايضا