جـــنوبهم وجــــنوبنا !!
بقلم / عبدالله علي صبري
مع دخول المرحلة الأولى من التصعيد العسكري في إطار الخيارات الاستراتيجية، وتهاوي خط الدفاع الأول، غدا جنوب مملكة العدوان تحت قبضة الجيش واللجان الشعبية، بانتظار القرار السياسي لإسقاط أهم المدن الرئيسية في نجران وجيزان وعسير. لقد أكدت عمليات الاقتحام الأسطورية للجيش واللجان الشعبية علو كعب المقاتل اليمني وتفوقه اللامحدود في المواجهات الميدانية المباشرة رغم قلة الزاد والعتاد مقارنة بما يملكه جيش العدو من إمكانات ضخمة، مزوداً بدعم عسكري كبير من قبل قوى تحالف الشر، التي توهمت أنها بقوتها الضاربة قادرة على حسم المعركة في اليمن بأسرع وقت ممكن، فإذا بأقدامها تغوص في الوحل اليمني، فلا تعرف مخرجاً أو طريقا للفكاك.
لقد كان معروفا مع بداية ثورة 21 سبتمبر، أن الرياض لن تقف مكتوفة الأيدي حيال المتغيرات اليمنية التي أفضت إلى إزاحة قوى النفوذ التقليدية في السلطة، وسحب البساط من تحت أقدام آل سعود الذين تعاملوا مع اليمن كملحق لدولتهم يتحكمون في قراره وثرواته، ولا يتحملون مسؤولية أمنه واستقراره، في ظل تبعية رخيصة سجلها الحكام والمسؤولون في بلادنا، الذين انتهى بهم الحال كمرتزقة لدى الرياض على النحو الذي سطره ا4لراحل البردوني في قصائده.
صحيح أن العدوان الفج وعلى الشكل الذي أعلن عنه في 26 مارس 2015 لم يكن متوقعاً، بيد أن العمل على تحييد السعودية والحد من تدخلها في الشأن اليمني، كان حاضراً في خطابات قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، وفي بيانات ومواقف واتصالات أنصار الله. وكانت اليد اليمنية ممدودة للدول الشقيقة والصديقة في إطار علاقات ندية تحترم مبدأ تبادل المصالح المشروعة، وعدم التدخل في شئون الغير، إلا أن الرياض لم تكن في وارد تفهم المستجدات في اليمن، فاتجهت إلى التدخل العسكري المباشر متلفعة بأكذوبة دعم واستعادة الشرعية في اليمن.
وبالإضافة إلى التصريحات والمواقف السياسية، كان لا بد من إظهار قوة وبأس الجيش واللجان الشعبية حتى لا تتوهم الرياض أن تدخلها العسكري في اليمن سيكون بلا ثمن، فجاءت المناورة العسكرية في كتاف على الحدود مع السعودية قبل نصف شهر تقريبا من اندلاع ما يسمى بعاصفة الحزم، لتعلن بوضوح أن اليمن في جهوزية تامة للدفاع عن سيادته وثورته واستقلال قراره الداخلي.
لكن بدلا من فهم الرسالة كما يجب، اتخذت السعودية من المناورة شماعة مضافة للتعجيل بعدوانها وتدخلها العسكري، الذي حشدت له تحالفاً عربياً مسنوداً بغطاء أمريكي- إسرائيلي، في رسالة معاكسة أرادت القول أن كلمة الفصل في اليمن ستبقى بيد آل سعود.
تعامت السعودية عن نتائج حربي دماج وكتاف 2014، التي أدت إلى انهيار التنظيمات الإرهابية وقوى النفوذ القبلية والعسكرية، وتعاملت مع اليمن بمعزل عن حقيقة القوة الثورية الصاعدة، مستغلة الاضطراب السياسي الذي كانت الرياض نفسها جزءا من صناعته.
وإذ دخلت اليمن معركة الدفاع المقدس، فقد كان جليا أن الجنوب بوضعه السياسي والأمني يشكل نقطة الضعف التي استغلها العدوان والمرتزقة فحققوا فيها بعض الاختراقات بعد تضحيات كبيرة. وبرغم أن العدوان ومرتزقته فشلوا في استثمار التقدم العسكري في المحافظات الجنوبية التي أضحت مرتعا للقاعدة وداعش ولتصفية حسابات الأطراف والقوى المتصارعة، إلا أن القيادة الثورية كانت تخطط لخيارات استراتيجية تقود إلى التوغل في العمق السعودي، وفرض معادلة جنوب السعودية مقابل جنوب اليمن!
قبل أشهر عرضت الرياض إيقاف الغارات على صعدة مقابل انسحاب الجيش واللجان الشعبية من الحدود السعودية، وقبل أسابيع عرضت إيقاف الغارات الجوية بشكل تام مقابل انسحاب الجيش واللجان من الحدود، لكنها باتت اليوم تدرس خيار إيقاف العدوان وانسحابها وبقية القوات الغازية من جنوب اليمن مقابل الانسحاب اليمني من الجنوب السعودي !!