“اليمن وإيران” وآفاقٌ جديدةٌ من العلاقات

|| مقالات || عبدالرحمن الأهنومي

اللقاءات التي أجراها الوفد اليمني خلال الأيام الماضية في إيران والتي كان آخرها لقاؤه بالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي ، تعكس في دلالاتها ومعانيها أولاً العلاقات القائمة على القواسم المشركة بين “إيران واليمن” إزاء مختلف قضايا الأمة وسُبُل الدفاع عنها ، والتي تعززت بفعل التضامن الأخوي المشترك ومنه الموقف المشرِّف للجمهورية الإيرانية تجاه وحدة اليمن وأمنه وسيادته ، وموقف بلادنا الرافض لكل أشكال التصعيد الأمريكي ضد الجمهورية الإسلامية ، ولا شك في أن هذا الموقف للجمهورية الإسلامية يُضاف إلى الموقف الثابت لها في رفض العدوان على اليمن بكافة أشكاله ، ولعل ما أكده مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي في لقائه أمس بالوفد اليمني يجسد تلك العلاقات المبنية على الإخاء والتضامن المشترك ويُجلي بوضوح عمق العلاقات الأخوية وأصالتها.

وعلى ضوء الزيارات واللقاءات التي أجراها رئيس الوفد الوطني خلال الفترة الماضية سبقت زيارته الأخيرة لطهران ومنها اللقاءات المكثفة مع عدد من السفراء والدبلوماسيين بالإضافة إلى زيارته لموسكو بدعوة رسمية من الخارجية الروسية الشهر المنصرم ، فإننا أمام آفاق ومسارات جديدة من العلاقات لا تقتصر فقط على بحث السلام والحل السياسي الشامل ، وقد تكون فاتحة لجدار العلاقات الدبلوماسية والسياسية تؤسس لمسار علاقات ندية مع الدول والكيانات والهيئات الدولية ، والمشار إليه في هذا الصدد أننا أمام مرحلة جديدة من العلاقات البنَّاءة تتجاوز مسألة بحث السلام وإنجاز الحل السياسي إلى وضع قواعد مشتركة حول مستقبل علاقات بلادنا مع الخارج ترتكز على قواعد العمل الدبلوماسي القائم على سيادة الدول وتوجهاتها ، وفي إطار تبادل المصالح وتعاضد المواقف وتوثيق الوشائج ، وبما ينسجم مع هوية اليمن الإسلامية وقيمه الوطنية والقومية ، ويتسق ومقوماته الحضارية والتاريخية والجغرافية ، ولما تقتضيه المصالح العليا لبلادنا اقتصادياً وسياسياً وغيرها.

ظلت اليمن لعقود ملفاً من ملفات السعودية المرتبطة بها ، فلم يكن الحاكمون في صنعاء يقيمون أي علاقات سياسية أو اقتصادية قبل أخذ الإذن من حكام المملكة السعودية ، فهي من تتحكم بسياسات اليمن ومن تحدد لها مواقفها وقراراتها ، بما في ذلك حركة الاستثمار والتبادل التجاري والمنافع المتبادلة ، ولهذا ظلت اليمن لعقود في مصاف الدول المتخلفة المعتمدة على القروض والمساعدات ، غير أننا اليوم وبفعل التحولات التي صنعتها ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر وما كرسته سنوات الصمود والمواجهة مع قوى العدوان التي احتشدت فيها دول العالم شرقها وغربها من معادلات مختلفة أمام استحقاقات كبيرة ، فمواجهة خمس سنوات فتحت آفاقاً أوسع لبلادنا.

اليوم لا وصاية سعودية ولا غيرها على اليمن فالجمهورية اليمنية هي من تقرر علاقاتها وطبيعتها وفقا للقيم السياسية والمرتكزات الوطنية والقومية والإسلامية ، وفي هذا الصدد أكدت وتؤكد القيادة السياسية بأنها منفتحة ومستعدة لعلاقات نديّة مع كل دول العالم عدا الكيان الصهيوني ، هذا المبدأ ثابت في أساسه ومتغير في شكله ومساراته لما كان هو أن اليمن تابع ينخرط في اصطفافات دولية وإقليمية تتنافى مع قيم اليمنيين وتوجهاتهم أي بما لا تتسق وهوية اليمن وثقافته ، ولا يخدم مصالحه الاقتصادية والسياسية ، بعكس ذلك الآن إذ أن طبيعة هذه العلاقات تحددها اليمن لنفسها وبقرارها دون أيّة تدخلات خارجية.

اليمن تمضي في مسارات عدة لفرض معادلاتها السياسية والعسكرية والاستراتيجية وتبني عوامل قوتها ذاتياً وبذاتها وهي تجربة ناجحة ومجربة فالشعوب التاريخية صنعت التحولات في لحظات حرجة واليمن الذي يمتلك مقومات تاريخية وجغرافية وسياسية وهوية ثقافية وسياسية واجتماعية ودينية وقومية ليس استثناء بل هو الأولى بأن يحقق هذا النموذج.

ومنذ أول خطاب لقائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي حفظه الله في مارس ٢٠١٥ اتجه لهذه المقومات من ثوابت ثقافية واجتماعية ووطنية ودينية وتاريخية وجغرافية وعمد إلى استنفارها فاليمن لم يكن يمتلك السلاح ولا المال لكنه يمتلك القوة الذاتية ومن خلالها حقق اليمنيون المستحيل وحولوه إلى ممكن وواقع ومشاهد اليوم انعكاسات ذلك ميدانياً.

وعلى الرغم من إبقاء التحرك في مسار السلام محاطاً بمستوى ما وصلت إليه تلك التواصلات وموضوعاتها ،فإن الموقف الاستراتيجي لليمن يبقى مرهوناً باختراق جدار الموقف الدولي الذي عملت السعودية على تكريسه والانتقال إلى أفقٍ جديدٍ من العلاقات البنَّاءة قد تبدأ قريباً مع إعادة التمثيل الدبلوماسي إلى صنعاء ومنها إعادة عمل السفارات في بلدان مختلفة ، وما أكدت عليه روسيا من أن اليمن بات جزءاً من معادلات الإقليم يعيدنا إلى قواعد القوة التي كرستها “القوة الصاروخية والبحرية ” وسلاح الجو” ، وهي إذ تعبّر عن تحول جديد فهي انعكاس لإنجازات شعبنا المتعاظمة في الميدان وفاتحة لعلاقات مختلفة عمّا سبق وعمّا كان قائماً في سنوات سابقة محكومة بالوصاية وتبعية القرار السياسي للخارج.

قد يعجبك ايضا