طائرات اليمن المُسيّرة: الأسرار، الرسائل والأهداف
|| صحافة عربية ودولية ||
تتصدّر هجمات الطيران المُسير للجيش اليمني ولجانه الشعبية مشهد الحرب التي دخلت منتصف عامها الخامس. وخلال 2016م – 2019م؛ نفذ الحوثيون أكثر من 100 هجوم جوي، كان نصيب الإمارات هجومين فقط استهدفا مطاري أبوظبي ودبي . فيما تركزت معظم العمليات على مدن الجنوب السعودي والداخل اليمني.
في 2019، شهدت الهجمات اليمنية تحولاً نوعيّاً وكميّاً، ما أثار قلق الرياض وأبوظبي، وأشعل جدلاً في واشنطن. ما يفرض تساؤلات تتعلق بواقع الطيران اليمني المُسيّر وقُدراته ومصادره، وأبعاد ورسائل تصاعد الهجمات، وانعكاسات ذلك على موازين القوى في المعركة والحل السياسي.
بدأت اليمنيون استخدام الطائرات المُسيّرة عام 2016، تميزت بأحجامها الصغيرة واقتصر دورها على الرصد والاستطلاع بمسافات قصيرة. في فبراير 2017 أفتتح الحوثيون أول معرض للطائرات المسيرة ضم ثلاث طائرات استطلاعية وواحدة هجومية. وفي نفس العام استحدث الحوثيون “وحدة سلاح الجو المسير”.
في 2018، شهد الطيران المسيّر نقلة نوعية؛ فمن طائرات استطلاعية بدائية وبمدى 1 كيلو متر إلى طائرات متوسطة وكبيرة وبمديّات طويلة، وهجمات أكثر دقة في الداخل اليمني والسعودية والإمارات، أبرزها استهداف مطار أبوظبي في يوليو/تموز ومطار دبي في سبتمبر/أيلول. وشهد 2019 تحولاً نوعيّاً وكميّاً في هجمات “الدرون” حيث أعلن الجيش اليمني ولجانه الشعبية 2019م “عام الطيران المسّير”، مؤكدين القدرة على إنتاج طائرة كل يوم.
النصف الأول من العام الجاري كان حافلاً بالمفاجآت والهجمات، أهمها نجاح طائرة “قاصف k2” من اختراق احتفال عسكري في قاعدة العند الإستراتيجية في 10 يناير/كانون الثاني، ما أدى إلى مقتل رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية اللواء محمد طماح ونائب رئيس الهيئة في “حكومة هادي” و6 من الجنود والضباط . وفي 12 مايو/ أيار تعرض شركة أرامكو لهجوم من 7 طائرات مسيرة دفعة واحدة نوع (صماد2)، لتدعو السعودية لعقد ثلاث قمم (خليجية وعربية وإسلامية) في مكة.
الطائرات المُسيّرة.. الأنواع والمهام والقدرات
ماذا عن هذه الطائرات (أنواعها وخصائصها ومهامها)؟
وفقاً لما أعلنته دائرة التصنيع العسكري التابعة للجيش اليمني واللجان الشعبية؛ يمكن تقسيم الطائرات المُسيرة – بحسب مهامها – إلى ثلاثة أنواع ( طائرات الاستطلاع ، طائرات هجومية ، طائرات مُتشظية وانتحارية ). “1”
طائرات الرصد والاستطلاع
كشف عنها دائرة التصنيع اليمنية رسمياً في فبراير 2017 ، تتمثل في ( الهدهد ا، راصد، رقيب).
هدهد 1: يبلغ طول البدن 150 سم، وجناح بطول 190 سم ، وبزمن تحليق جوي 90 دقيقة، بمدى 30 كيلو متر . تتمتع بصُغر مقطعها الراداري ما يصعب من عملية اكتشافها . صُغر كمية الإشعاع الحراري، ما يُقلل من احتمالية إصابتها بالصواريخ الموجهة بالأشعة تحت الحمراء .
رقيب : يبلغ طولها 100 سم ، ذات جناح بطول 140سم وبزمن تحليق 90 دقيقة وبمدى 15 كم . تتمتع بنظام دقيق للرصد والتعقب باستخدام الليزر وذات تقنيّات تصوير متعددة (تصوير نهاري – تصوير حراري) تُستخدم في المناطق الوعرة وتُرافق كتائب المشاة.
راصد : يبلغ طولها 100 سم، بجناح طوله 220 سم ، بزمن تحليق جوي 120 دقيقة، بمدى يصل إلى 35 كيلو متر .مُزوّدة بأحدث تقنيّات التصوير الفوتوغرافي ونظام خاص بالمسح الجغرافي ورسم الخرائط ، ذات محرك كهربائي.
جميع هذه الطائرات صغيرة الحجم تطير على ارتفاعات منخفضة ولا تحتاج إلى مدارج أو محطات تحكم، قصيرة المدى ولا يتم استخدامها في الأعمال العسكرية الهجومية. تنحصر مهامها في أهداف تقنية واستطلاعية. ترصد الأهداف وتُحدد إحداثيات المواقع والتجمعات العسكرية، والمُراقبة اللحظية لميدان المعركة وتصحيح إحداثيات نيران المدفعية.
الطائرات الهجومية
– قاصف 1، يبلغ طولها 250 سم وجناح بطول 300 سم ، وبزمن تحليق يُقدر بـ 120 دقيقة ، بمدى 150 كم. مُزوّدة بنظام ذكي لرصد الهدف، بإمكانها حمل رأس حربي زنة 30 كيلو جرام. جاء الإعلان عن هذه الطائرة، ضمن الثلاث الطائرات السابقة.
توَّالت إعلانات الكشف عن عمليات تمت بواسطة طائرات مُسيرة تحمل أسماء مُتعددة، منها سلسلة طائرات (صماد 1، 2 ، 3).
صماد 1 : ذات مهام استطلاعية ، مداها يصل إلى 500 كم، تتميز بالقدرة على رصد الأهداف ونقل الصورة مباشرة إلى غرفة العمليات لحظة بلحظة. أبرز عملياتها رصد ميناء نجران ومحطة الشقيق للتحلية.
الطائرات الانتحارية المُتشظية
يتم توجيهها لتصطدم بالهدف مُباشرة، مُتفجرة من أعلى إلى أسفل ، محتوية على كمية مناسبة من المتفجرات. منها :
صماد 2 : امتداداً لـ (صماد 1)، يصل مداها إلى نحو 1000 كم. أبرز هجماتها استهداف مصفاة شركة ارامكو النفطية.
صماد 3 : طائرة هجومية انتحارية ، بمدى يصل ما بين 1500 – 1700 كم . نسخة مطورة من ( صماد 1 ، 2 ) تمتاز بتكنولوجيا مُتطورة بحيث لا تستطيع المنظومات الدفاعية اكتشافها واعتراضها .. بدأت أولى مهامها في استهداف مطار أبو ظبي 26 مايو / أيار 2018
قاصف K 2 : طائرة انتحارية، جيل متطور من(قاصف 1) ، تم الكشف عنها العام الجاري. دشنت أولى عملياتها باستهداف قيادات بارزة أثناء احتفال عسكري بقاعدة العند الاستراتيجية بمحافظة لحج (جنوب اليمن). وهي طائرة مُتشظية لها قُدرة على تضليل أنظمة الرادار في التقاطها. تنفجر الطائرة من أعلى إلى أسفل بمسافة 20 متراً ، بمدى مؤثر وقاتل يصل ما بين 80 × 30 متراً وتمتاز بقدرتها على حمل كميات مُناسبة من المُتفجرات بهدف مُضاعفة قوتها التدميرية، تؤكد جماعة الحوثي امتلاك مخزون كبير منها. “2”.
الرياض وأبوظبي.. خيّارات صعبة
بعد أن أصبحت هجمات الطائرات دون طيار على المطارات والمنشآت الحيويّة والعسكرية السعودية، حدثاً يوميّاً، يبدو التساؤل الجدير بالاهتمام، هو سر وصول الطائرات المُسيّرة إلى أهدافها، وما هي خيّارات التحالف السعودي الإماراتي قبالة هذا التهديد؟
خلال مايو ويونيو الماضيين، نفذ اليمنيون 36 هجوماً. 21 عملية استهدفت منشئات سعودية، منها 10 عمليات على مطار أبها و7 على مطار جازان و3 على مطار نجران وعملية واحدة على قاعدة خميس مشيط.
وجد اليمنيون في الطائرات المسيرة بديلاَ منخفض التكلفة وذات فعالية كبيرة مقارنة بالصواريخ البالستية، كما أنها تتميز بالقدرة على تجاوز أنظمة الدفاعات الجويّة التي تفشل في تعقبها فهي غير قابلة للكشف بواسطة رادارات الدفاع الجوي السعودي المُصمم أصلا للكشف عن الصواريخ والطائرات الكبيرة والسريعة، وإذا ما تم اعتراض وإسقاط أي طائرة مُسيّرة فإن تكلفة ذلك ستكون عالية جداً؛ إسقاط طائرة مسيرة يتطلب إطلاق صاروخ (باتريوت)، ما يعني أن إسقاط طائرة مسيرة بقيمة تتراوح بين 500 – 1000 دولار يُكلف 3 ملايين دولار (قيمة الباتريوت 3 ملايين دولار). كما أن المساحة الشاسعة لجنوب المملكة، تجعل تغطيتها بأنظمة الدفاعات الجوية عملية صعبة، ما يُساعد الطائرات اليمنية المسيرة على التحرك بحرية وبأسراب متعددة نحو أهدافها. من هُنا؛ يبدو أن خيّارات الرياض وأبوظبي أمام تصاعُد هجمات “الدرون” اليمنية، قليلة؛ فقد كشف الطيران المسير نقاط ضعف كبيرة في المنظومة الدفاعية للمملكة.
مصادر الطائرات.. تعدد الروايات والتكهُنات
تُثار اليوم تساؤلات هامة حول حقيقة مصادر هذه الطائرات، وأماكن إطلاقها؟ وفيما تتعدد الروايّات والتكهنات حول مصادر “الدرون” التي يملكها اليمنيون، دأب تحالف العدوان على اتهام إيران بتزويد الجماعة بهذه الطائرات وهو ما تنفيه طهران. قابل “أنصار الله” اتهامات التحالف، بافتتاح معارض للطيران المسير بصنعاء، مقدمة معلومات تفصيلية عنها ومشاهد تجارب وعمليات لها، مؤكدة بأنها صناعة يمنية خالصة.
في مقابل ذلك؛ قال التحالف بأنه ضبط شحنات من الطائرات المسيرة كانت متجهة غلى صنعاء قادمة من إيران عبر سلطنة عُمان وهو ما نفته الأخيرة . وفي تقرير لمركز أبحاث التسليح أثناء الصراعات، الصادر 2017، أشار إلى أن طائرة (قاصف1) التي يملكها اليمنيون هي صناعة إيرانية. “4”
يظل الجديد في الأمر ما تضمنه بيّان التحالف حول العملية الواسعة التي نفذها على مواقع الطائرات بدون طيار في صنعاء 19 يناير/ كانون الثاني 2019؛ فقد أوضح التحالف بأنه أستهدف ما قال أنها مراكز تصنيع وتخزين الطائرات وقطع الغيار وورش التركيب وأماكن الفحص وتجهيز منصات عربات الإطلاق .“5” وهي المرة الأولى التي يذكر فيها التحالف تسمية (مراكز وورش تصنيع الطيران المسير)، ما يُعتبر اعتراف ضمني بأنها تصنيع محلي.
يرى تقرير لمجلة”وول ستريت “، بأن الاستخبارات الأمريكية خلصت إلى أن برنامج الطائرات المسيرة اليمنية يحمل طابعاً محليّاً ولا يحتاج إلى الكثير من الدعم الخارجي. لكن خبراء في مجال الأسلحة يُشيرون إلى أن حركة “أنصار الله” تحتاج إلى تهريب أنظمة التوجيه المتطورة والمحركات الصغيرة القوية من الخارج. “6”
هجمات الطائرات.. الرسائل والتحول الإستراتيجي
ما هي رسائل طيران اليمن المُسيّر، وانعكاسات ذلك على موازين القوى؟
يحمل التصعيد اليمني العديد من الرسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية. سياسياً؛ يسعى اليمنيون للضغط على التحالف بالقبول بالحل السياسي والعودة إلى طاولة المفاوضات، محاولين توسيع ساحة الحرب بنقل المعركة إلى الداخل السعودي، إحداث توازن في القوة العسكرية، والعمل على استنزاف مخزون (الباتريوت) للمملكة.
كما أن الاستهداف المتكرر للمطارات السعودية وعلى رأسها مطار أبها؛ يأتي لطرح معادلة (مطار بمطار)، في مسعى لإخراج مطار أبها عن الخدمة (يسافر عبره نحو 4,4 ملايين مسافر)، في محاولة لرفع الحصار عن مطار صنعاء في أي مفاوضات قادمة.
تركز نسبة كبيرة من الهجمات على المنشآت الحيوية والاقتصادية والنفطية وما يتصل بها من مطارات وموانئ، رسالة إظهار قُدرة التأثير على النشاط الاقتصادي.
كما لا يمكن أن يؤخذ هذا التصعيد مُنفصلاً عن التصعيد الأمريكي ضد إيران والتوتر المتصاعد في منطقة الخليج. وكذا تصعيد التحالف في مدينة الحديدة والجبهات الداخلية.
لقد أصبح السلاح المسيّر لليمنيين ، سلاحاً استراتيجيّاً، قد يتطور ويصبح أكثر تهديداً بعد أن وضع اليمنيون موانئ ومطارات الدول الخليجية تحت التهديد بشكل جدي “7”. لا يعني كل ذلك أن ثمة إجابات سهلة عما إذا كان من الممكن أن تُجبر هجمات طيران اليمن التحالف للجلوس على طاولة المفاوضات، لكن المؤكد هو أن موازين القوّة التي كانت سائدة في بداية الحرب، لم تعُد كما كانت؛ مع دخول سلاح الجو المُسيّر المعركة. فقد انتقلت الجماعة من وضعيّة المُدافع والمُتلقي للضربات إلى موقع الهجوم.
بالخلاصة؛ الرياض وأبوظبي أمام قواعد اشتباك جديدة بدأت تفرض نفسها بقوّة على ساحة المعركة التي انتقلت نيرانها إلى مدن التحالف.
البيت الخليجي للدراسات والنشر