أنبياء الله في طريق دعوتهم إلي الله تحملوا المشاق، وهذا ما يتهرب منه الكثير

|| من هدي القرآن ||

قد يكون من مظاهر الضياع بالنسبة لنا كمسلمين، من مظاهر الضلال في نفوسنا أن يصبح الحديث عن قضايا مهمة جدا هي من صميم الدين، الحديث عن مشاكل كبيرة جداً وخطيرة جداً هي عامة لجميع المسلمين قد تبدو عند الكثير شيئاً ليس هناك حاجة للحديث عنه، أو شيئاً ليس هناك حاجة لمعرفته، شيئاً لا يهمنا أمره.

هذه الحالة النفسية في حد ذاتها ضلال كبير، وخطورة بالغة على الإنسان، يعود الواحد إلى تشغيل البرنامج المألوف لديه: “ما لنا حاجة سنصلي ونصوم، ونِلْهَم الله بين أموالنا”

إذا كانت هذه النظرة عند إنسان فليعرف بأنه في خطورة بالغة، ويعيش في حالة رهيبة من الجهل بدينه، وقد يكون فعلا سائراً إلى طريق جهنم وهو يعتقد أنه هو الذي رسم لنفسه طريقا سليمة هادئة إلى الجنة، لكن محمدا (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) رسول الله احتاج إلى أن يسلك الطريق الشاقة إلى الجنة، أليست هذه حماقة؟

حماقة في النظرة إلى الدين، وفي النظرة إلى الجنة، في النظرة إلى الله سبحانه وتعالى، أن أتصور أنا، ومن أنا؟ أن باستطاعتي أن أرسم لنفسي طريقاً هادئة، طريقاً لا تشغلني عن أي شيء من أمور ديني، لا تشغلني عن أي شيء من أمور دنياي وأصل إلى الجنة بكل هدوء، لكن أولئك الأنبياء (عليهم السلام) كانوا مساكين احتاجوا إلى أن يسلكوا الطريق الشاقة إلى الله.

سيد الأنبياء والمرسلين (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) الله يقول له: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء: من الآية84) {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ}(هود: من الآية1121) {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}(الأحقاف: من الآية35) {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}(التحريم: من الآية9) رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) وهو سيد المرسلين، وهو من هو في إيمانه بالله، وقربه من الله؛

إذاً فالإنسان يقيس نفسه برسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) أنه لماذا ذلك الرجل العظيم الذي قال الله لنا في مقام النظرة إليه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21) أصبحت المأساة جداً لدى المسلمين أنه ليس فقط مجرد تقصير في قضية هم يؤمنون بأهميتها، ويؤمنون بأنها جزء مهم من دينهم: الاهتمام بأمر المسلمين، الاهتمام بأمر الدين، محاربة أعداء الله من اليهود والنصارى وعملائهم، لم يعد هناك شعور تقريباً عند كثير من الناس وخاصة داخلنا نحن الزيدية، من أصبحوا في أحط مستوى من الوعي.

قد نشعر بأن هذه القضية مهمة ولكن نبدو مقصرين فهذا لا بأس يمثل نقلة جيدة، بل أحياناً وعند الكثير، بل وعند بعض المتعبدين أيضاً تبدو قضايا لا أهمية لها، وأشياء خارج إطار ما يجب أن نهتم به من أمر ديننا، إذا كان هناك حالة مثل هذه تحصل عند أي شخص منا فلينظر إلى ما حكاه الله سبحانه وتعالى عن رسوله محمد (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) أنه هو كُلّف بأن يمشي ولو بمفرده في الطريق الشاقة.

الطرق الأخرى قد تكون كثيرة عند الناس، وقد ينطلق بعض الناس فيها بإعجاب أيضاً، بإعجاب بأنه قد رسم لنفسه طريق سلام من أحسن الطرق، ما الذي ينتج منها؟ ينتج منها تقصير في القضايا التي هي بالغة الأهمية عند الله، عدم شعور بأهميتها، وقد يرى نفسه في الأخير في وضعية سيئة جداً، بسبب تقصيره، قد يكون قد رسم لنفسه طريقاً ويرى نفسه أيضاً أنه مسلم، وقد يأتي الواقع فيكشف ولو لم يكن إلا يوم القيامة فيرى أنه كان قد كفر فعلاً، أصبحت تلك الطريقة التي رسمها لنفسه إنما هي طريق أبعدته عن الله، طريق جعلته بعيداً عن الجنة، طريق أدت به إلى النار.

من هذه الآيات نعرف هذا في قول الله سبحانه وتعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102)  أمس وصلنا في الكلام حول هذه الآيات إلى قول الله تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (آل عمران: من الآية101) وتأتي كلمة {يَعْتَصِمْ} و{اعْتَصِمُوْا} في هذه الآيات مرتين بالشكل الذي يوحي أن القضية خطيرة جداً جداً إلى درجة أنك يجب أن تبحث عمن تعتصم به، عمن تلتجئ إليه فيهديك، وينقذك، ويهديك إلى ما فيه خروجك من هذه الأزمة الشديدة، أم أنها لا تعتبر قضية كبيرة إذا كان الإنسان في الواقع قد يصل إلى أن يكون كافرا؟

{إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (آل عمران: من الآية100) كلمة {كَافِرِينَ} هل هي سهلة لدينا وعلى مسامعنا؟ ماذا تعني كافرين في الأخير؟ تعني ماذا؟ تعني أذلاء في الدنيا، مقهورين في الدنيا، تعني في الأخير جهنم، جهنم، هل يمكن أن يكون الإنسان من الكافرين وليس هو من كافري جهنم؟

ليست كلمة عابرة أن يقول: {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (آل عمران: من الآية100) ليست كلمة عادية {كَافِرِينَ} يجب أن تَهُز ضمير كل شخص، أن تقشعر منها جلودنا، أن تملأ قلوبنا خوفاً ورعباً من أن هؤلاء قد يصلون بنا إلى حالة خطيرة جداً هي حالة الكفر، الكافرون أليس مثواهم جهنم؟ جهنم هل هي قضية سهلة لا تمثل أي خطورة، لا تمثل أي شيء يثير الخوف والقلق في نفوسنا؟

{يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}(آل عمران: من الآية100) أي فتصبحوا من أهل جهنم، جهنم التي وصفها الله في القرآن الكريم بأوصاف رهيبة جداً {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}(البقرة: من الآية24) بالنسبة للوقود، طعامها الزقوم، شرابها الحميم {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78 } (الزخرف:75-78)

جئناكم في الدنيا بوسيلة نجاتكم هو الحق لكنكم كنتم كارهين للحق، فإلى ماذا أدت بهم كراهتهم للحق؟ أدت إلى أن يكونوا كافرين، فاسقين، ضالين، عاصين، تحت أي عنوان من هذه العناوين التي كلها تسير بأهلها إلى جهنم.

إذاً فالقضية من أساسها قضية يجب أن تبعث في نفوسنا حالة من الخوف؛ لأنها تحكي أننا في مواجهة مع طائفة تعمل دائماً على تَطْوِيْعِنا لنصبح كافرين، تطويعنا لما تريد أن تصل بنا إليه إلى أن نكون كافرين ونصبح كافرين.

فيجب أن يبحث الناس عمن يعتصمون به، عمن يلجئون إليه، الله يقول: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (آل عمران: من الآية101) ليس هناك أي وسيلة للنجاة سوى الاعتصام بالله.

الاعتصام بالله يُقدم في ساحة المسلمين منذ زمن طويل أن معناه [العمل بكتاب الله وسنة رسوله] ما هكذا يقال؟ وهي آخر ما يمكن أن نتصور للمسألة باعتبارها هي هذه، لا يوجد غير هذا، هذه حق، لكن ما معنى {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} بالله؟

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

الدرس الثاني-من دروس آل عمران-(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ)

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي/ رضوان الله عليه.

بتاريخ:25شوال 1422هـ

الموافق:9/1/2002م

اليمن – صعدة.

قد يعجبك ايضا