التدخل السعودي في اليمن .. المخاوف والأطماع
|| صحافة محلية ||
إعداد/ مركز البحوث والمعلومات
خلال سنوات طويلة اتصفت العلاقات اليمنية السعودية بالسلبية في الكثير من المنعطفات التاريخية، حيث انحصرت تلك العلاقة إلى حد كبير في الجوانب السلبية المتمثلة في التوجس والمخاوف.
هذه السلبيات وإن كان يتحمل وزرها الطرفان إلا أن مسار العلاقة بينهما يشير إلى أن هناك طرف وهو السعودية يرتكز في سياساته على حتمية فرض التبعية على الطرف الأخر والمتمثل في اليمن، هذا الواقع في مسار السياسة السعودية تجاه اليمن فرض الكثير من الأزمات المتتالية ما بين البلدين طوال عقود من الزمن وعلى الداخل اليمني بشكل خاص.
وعلى الرغم من تعاقب العديد من الملوك في السعودية بداية بمؤسس الدولة الملك عبدالعزيز آل سعود في منتصف عشرينيات القرن العشرين وصولاً إلى الملك الحالي سلمان بن عبدالعزيز، إلا هذا التعاقب في المسار الزمني الطويل والبالغ قرن كامل من الزمن لم يُحدث تغييراً جوهرياً في مضمون رؤية النظام السعودي تجاه اليمن .
= أولاً: المخاوف السعودية:
الطبيعي لبلدين متجاورين مثل اليمن والسعودية يجمعهما عوامل الجوار الجغرافي حيث يرتبط البلدان بشريط حدودي طويل يتعدى 1500كم وبأربعة منافذ برية رئيسية (الطوال – علب – البقع – الوديعة) بالإضافة إلى التاريخ المشترك والأواصر الاجتماعية والأعراف والعادات الواحدة لشعبي البلدين ولسكان المناطق الحدودية وعلى وجه الخصوص مناطق ما يسمى بالمخلاف السليماني وتهامة اليمن والتي تشمل جيزان ونجران وعسير فأصول سكان هذه المناطق يمنية.
بمعنى أن حقائق الجغرافيا والتاريخ تفرض أن كلاً من اليمن والمملكة تعد عمقاً استراتيجياً لبعضهما البعض، وما يحدث في صنعاء من تطورات يلقي بظلاله في الرياض والعكس صحيح، وهو ما يفرض على السعودية “باعتبارها قوة إقليمية رئيسية ومؤثرة” العمل على استقرار الأوضاع في اليمن، إلا أن واقع الحال يشير إلى أن المملكة بنت سياستها وفق رؤية استراتيجية أن يبقى اليمن ضعيفاً ومنقسماً ومتوتراً وغير مستقر، وأن لا تقوم دولة يمنية قوية قد تشكل يوماً مصدر خطر على السعودية، هذه الرؤية التي انعكست على الأرض خلال العقود الماضية من خلال السياسات السعودية التي سخرت كل إمكانياتها للحيلولة دون خروج الأحداث في اليمن عن سيطرتها.
ولهذا لم يكن غريبا تدخلها في حرب اليمن خلال ثورة 1962م ومنذ البدايات الأولى ناصب النظام في المملكة العداء للنظام الجمهوري الجديد، وكانت المخاوف هي المحرك لهذا العداء، حيث اعتبر أن هذا التغيير في صنعاء يشكل تهديدا مباشرا لنظام حكمها الملكي.
وعلى الرغم من عجزها على إسقاط النظام الجمهوري الجديد خلال الثمان السنوات التالية إلا أنها استطاعت بالمقابل اختراق القوى الجمهورية وإحداث شرخ في النظام الجمهوري، وما أحداث نوفمبر 1967م إلا خير شاهد على نجاح المملكة في إختراق النظام الجمهوري من الداخل، وهو ما أوجد في المحصلة النهائية نظاما مشوها غير قادر للنهوض باليمن.
وخلال المراحل التالية تعززت سيطرة المملكة على النظام السياسي في اليمن إلا أن هذا الواقع شهد تبدلا مع وصول الرئيس إبراهيم الحمدي للسلطة، الذي سارع إلى إحداث تغيير جذري في شمال اليمن من خلال وضع رؤيا طموحة تتضمن مشروعا لتصحيح الأوضاع في البلد في مختلف المجالات، وسعى الرئيس الحمدي للتعامل مع المملكة كرئيس دولة مستقلة ذات سيادة بعيدا عن حسابات الوصاية السعودية، وبدأ بتنفيذ خطوات لتعزيز سلطة الدولة اليمنية وعلى المستويين الداخلي والخارجي .
اتجه الحمدي مطلع العام 1977م نحو استخراج النفط، فخلال زياراته الخارجية دعا الشركات الدولية للاستثمار في مجال النفط والمعادن، وفي هذا السياق وقع اتفاقية مع شركة «شل» الأمريكية عام 1977م، وبدأت الشركة بالفعل بعمليات البحث والتنقيب عن النفط بالقرب من مدينة حرض بالقرب من الحدود مع السعودية، إلا أن عملية التنقيب توقفت دون سبب معلن، ويُعتقد أن الضغط السعودي على الرئيس الحمدي وعلى الشركة النفطية هو السبب الحقيقي الذي أوقف عمليات التنقيب في منطقة حرض وفي غيرها من المناطق في اليمن.
كما سعى الرئيس إبراهيم الحمدي إلى إظهار اليمن الشمالي كدولة مستقلة وذات سيادة على المستوى الخارجي بعيدا عن حالة الجمود والتبعية التي كانت عليها السياسة الخارجية وكان من أبرز تلك التوجهات، الدعوة لعقد مؤتمر لأمن البحر الأحمر، بهدف حماية أمن البحر من التواجد الأجنبي والحفاظ عليه كبحيرة عربية، وهو ما تحقق فعلا في مارس عام 1977م وشارك في المؤتمر رؤساء جنوب اليمن سالم ربيع والسودان جعفر النميري والصومال سياد بري، وتجاهلتها السعودية، ومثل عقد مؤتمر تعز انتصاراً بارز للسياسة الخارجية اليمنية، وكان من الواضح أن اليمن في ظل قيادة الحمدي ينحو بعيدا عن الفلك السعودي.
كل هذه الإجراءات التصحيحية التي قام بها الرئيس الحمدي أزعجت النظام السعودي الذي اعتبرها تجاوزا للخطوط الحمراء، ولضمان عدم خروج الوضع عن السيطرة وبالتالي إبقاء اليمن تحت وصايتها، سارعت السعودية وعملائها على اتخاذ قرار التخلص من الرئيس إبراهيم الحمدي ورفاقه وهذا ما كان.
وعلى الرغم من تعزيز هيمنة النظام السعودي على اليمن خلال مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس الحمدي، إلا أن الهاجس من خروج الأوضاع في اليمن من سيطرتها ظل حاضرا طوال الوقت وكانت تمثل المساعي نحو الوحدة اليمنية أبرز تلك الهواجس، ولم يكن تحفظ السعودية عند إعلان الوحدة في مايو 1990م جديدا ولكنه موقف ثابت منذ اتفاقية الوحدة في القاهرة في أكتوبر 1972م.
ولم يكن خافيا رغبة السعودية إبقاء اليمن مقسما لدولتين ومرد تلك التحفظات أن النظام القائم في الجنوب نظاما يساريا ماركسيا، يجاهر في عداوته للسعودية ويدعو صراحة إلى استرجاع الأراضي والثروات المسلوبة وتحقيق وحدة الشعب في اليمن، وإسقاط الأنظمة الرجعية في الخليج واستبدالها بأنظمة اشتراكية تقدمية، بحسب توصيفاتهم، علاوة على ذلك كانت المخاوف السعودية من ازدهار الدولة اليمنية الموحدة وتحولها إلى قوة إقليمية منافسة للدول الكبرى في المنطقة وعلى رأسها السعودية، وما عزز شكوك النظام السعودي تجاه دولة الوحدة هو موقف اليمن تجاه أزمة الخليج 1990م الرافض والمعارض للتدخلات الدولية في الأزمة وهو ما اعتبر تأييدا للعراق.
وعندما تزايدت الخلافات بين شركاء الوحدة بدأت السلطات السعودية في اجتذاب الطرف الجنوبي وقدمت له الدعم والمساندة وبلغت ذروتها خلال اندلاع حرب صيف 1994م، التي أعلن الطرف الجنوبي في اثنائها الانفصال من جانب واحد، وإلى جانب السعودية أيدت جميع دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء قطر، المشروع الانفصالي في الجنوب، اعتقادا منها بنجاحه.
– الحدود:
شكلت أزمة الحدود اليمنية السعودية ملفا شائكا خلال مراحل زمنية مختلفة نتيجة عدم حسم الخلاف منذ اتفاقية الطائف عام 1934م، وعلى الرغم من حالة الهدوء العامة على حدود البلدين طوال العقود الماضية، باستثناء الحرب المحدودة عام 1969م ما بين اليمن الجنوبي والمملكة، ظل هذا الملف يثير مخاوف المملكة نتيجة عدم الاتفاق على معاهدة نهائية للحدود، وتعززت تلك المخاوف مع الوحدة اليمنية وافتراض قيام دولة قوية في اليمن قد تثير الملف الحدودي وترفض الاتفاقات السابقة وتطالب باستعادة الأراضي اليمنية التي سيطرت عليها بالقوة “نجران وجيزان وعسير”.
ولهذا لم يكن مستغربا أن تسعى الرياض إلى إيجاد تسوية نهائية لملف الحدود العالق مع اليمن، وبعد شد وجذب وجولات من المفاوضات بين حكومتي البلدين، والتي بدأت بتوقيع “مذكرة التفاهم” في مكة المكرمة في 26 فبراير 1995م، ونصت على تمسك الطرفين بشرعية وإلزامية “معاهدة الطائف” لسنة 1934م وملاحقها، وانتهت المفاوضات الحدودية التي تلت ذلك باتفاقية جدة الحدودية عام 2000م .
– أحداث 2011:
شكلت الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في فبراير 2011م زلزالاً حقيقياً على المستوى الداخلي والخارجي، حيث ساهمت حركة الاحتجاجات الشعبية في إحداث موجهة من التفاعلات غير المسبوقة بين السلطة والمعارضة والشعب بمختلف توجهاته ومكوناته واعتبرت محطة تحول بارزة في تاريخ اليمن المعاصر.
وعلى المستوى الخارجي ساهم المتغير الميداني في إحداث جملة من التحولات في المواقف وسارعت العديد من الدول إلى إعادة حساباتها تجاه الأحداث في اليمن وبما يتناسب مع مصالحها.
وبمرور الوقت ومع تنامي الاحتجاجات الشعبية وعدم قدرت نظام الرئيس على عبدالله صالح على كبح جماح الاحتجاجات، تيقنت المملكة أن الوضع في اليمن لم يعد تحت السيطرة وتصاعدت المخاوف من تأثير تلك الاحتجاجات على الداخل السعودي، وعلى الرغم من موجة الثورات في المنطقة العربية “تونس ومصر وسوريا وليبيا” إلا أن الاحتجاجات في اليمن كانت الأكثر خطورة من بين مثيلاتها في المنطقة نظرا لموقع اليمن الجغرافي المحاذي للمملكة.
وتبعا لهذا المتغير المزلزل كان لزاما على النظام في المملكة انتهاج تكتيك يواكب الواقع الجديد على الأرض وبما يتوافق مع الحفاظ على مصالحها الجيوسياسية، وفي هذا السياق تقدمت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وبدعم دولي بمبادرة سياسية لحل الأزمة اليمنية بهدف احتواء الأزمة إقليمياً وعربياً وعدم الرغبة في تدويلها، ولم يكن خافياً أن المبادرة منذ البداية تسعى إلى احتواء المطالب الثورية، والتي كانت من أبرز أهدافها إقامة دولة مدنية حديثة ذات سيادة حقيقية بعيدا عن التبعية والارتهان للخارج.
ولهذا لم يكن مفاجأ أن تقف المملكة بكل ثقلها خلف المبادرة بهدف إفراغ الثورة من محتواها وتحويلها إلى أزمة سياسية بين طرفي السلطة والمعارضة، وبالفعل حققت السعودية أهم أهدافها من المبادرة والمتمثلة في التالي :-
– الحفاظ على هيمنتها بل ومصادرة القرار السياسي .
– الحيلولة دون تغيير جوهري في النظام السياسي القائم .
– منع أي تمدد للثورة باتجاه الأنظمة الملكية في الخليج العربي .
– تغييب القوى الثورية عن المشهد العام .
– إشعال الحرب الأهلية وتغذيتها .
– أبعاد اطراف سياسية رئيسية عن المشهد السياسي .
– تدويل الملف اليمني وشرعنة التدخل الأممي في الشؤون الداخلية اليمنية.
= ثانياً: الأطماع السعودية تجاه اليمن
– السواحل والجزر:
في 26 مارس 2015م أعلنت السعودية الحرب الشاملة على اليمن عبر الادعاء باستهداف من أسمتهم الطرف الإنقلابي “تحالف جماعة انصار الله والرئيس الأسبق على عبدالله صالح” على الشرعية وسبق هذا التصعيد جملة من الإرهاصات والتي كانت خلف التدخل العسكري المباشر، والبداية كانت معى دخول القوات التابعة لجماعة انصار الله إلى العاصمة صنعاء بعد معارك استمرت أشهر في محافظات صعدة وعمران.
كان النظام السعودي أمام صدمة استراتيجية مزلزلة غير مسبوقة في تاريخ علاقته باليمن، ومع مرور الوقت تأكدت الصدمة أن هناك يمن جديد يتشكل بعيدا عن النفوذ والهيمنة التاريخية للسعودية، بمعنى أخر ادرك النظام السعودي فشله في الاعتماد على مجموعة من الأدوات للحضور في الداخل اليمني، والمتمثلة في بعض مشائخ القبائل “الذي اعتبر الذراع الأبرز للنفوذ السعودي” بالإضافة لكبار الضباط في الجيش كذلك بعض علماء ورجال الدين “الإخوان المسلمين – الجماعات السلفية”، وعبر ما يسمى باللجنة الخاصة التي خصصت الأموال والامتيازات الأخرى، لشراء الولاءات كجزء من شبكة النفوذ لضمان استمرار الهيمنة على اليمن.
بعد أن أيقنت المملكة أن أدواتها لم تعد قادرة على القيام بالدور المناط بها انتقلت إلى التدخل المباشر بإعلان تدخلها في حرب اليمن بحجة دعم الشرعية، وشكلت تحالفا عسكريا عريضا بهدف تحقيق مجموعة من الأهداف ” إعادة الشرعية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي، إنهاء الانقلاب، تدمير الصواريخ الباليستية، إيقاف الحضور الإيراني في اليمن ” حسب زعمها”.
وبعد سنوات الحرب الخمس التي شن من خلالها ما يسمى بالتحالف العربي “الذي لم يتبقى منه سوى المملكة العربية السعودية ودولة الأمارات العربية المتحدة” عشرات الآلاف من الغارات الجوية، لم تُحقق الكثير من أهداف المملكة والتحالف المعلنة، ولكن القارئ لمجريات الأحداث على أرض الواقع يرى أن قرار إعلان الحرب واستمرارها لم يكن سوى مبرر للتدخل في اليمن لتحقيق الأطماع التي عجزت المملكة في تحقيقها طوال العقود الماضية.
تلك الأهداف تتطلب في المقام الأول إطالة أمد الحرب لإضعاف مختلف الأطراف اليمنية المتصارعة وإبقاء فتيل الصراع والاقتتال الداخلي مستمر، وبالتالي منع إقامة دولة يمنية قوية ومستقلة ذات حضور إقليمي منافس، في حين تتفرغ المملكة لتحقيق أطماعها الاستراتيجية في اليمن وفي مقدمتها السيطرة والهيمنة على السواحل والجز اليمنية، التي اتسعت بعد الوحدة إلى اكثر من 2500كيلومتر وتمتد من سواحل المهرة في البحر العربي على الحدود مع سلطنة عُمان وحتى ساحل ميدي في البحر الأحمر على الحدود مع المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى 216 جزيرة تنتشر على امتداد البحر الأحمر والبحر العربي وتتوزع على أربعة قطاعات، حيث يشمل قطاع البحر الأحمر 181 جزيرة، وقطاع خليج عدن 23 جزيرة، وقطاع البحر العربي 5 جزر، بالإضافة إلى قطاع المحيط الهندي الذي يضم 7 جزر .
– حضرموت والمهرة وحلم الإطلالة على البحر العربي:
جرت العادة منذ البدايات الأولى في التدخل السعودي في حرب اليمن على استخدام سلاح الجو بالدرجة الرئيسية وبالاعتماد على حلفائها في الحرب البرية، غير أن التواجد العسكري المباشر للقوات السعودية في محافظة المهرة شرق اليمن قد خالف ذلك، وهو ما يعكس الأهمية الاستراتيجية لمحافظة المهرة لدى النظام السعودي.
بعد انسحاب القوات الإماراتية من المهرة شهدت المحافظة حضور متسارع للقوات السعودية من خلال نقل ترسانة عسكرية كبيرة للاستيلاء على مرافقها الحيوية، بما فيها مطار الغيضة وميناء نشطون ومنفذي صرفيت وشحن على الحدود مع عُمان.
هذا التواجد العسكري السعودي المباشر وإن كان الأول من نوعه في شرق اليمن إلا أن الاهتمام والطموح السعودي بمحافظتي حضرموت والمهرة قد سبق هذا التواجد بعشرات السنيين، فمنذ أن تشكلت الدولة السعودية عام 1932م كانت المساعي مستمرة في التمدد شرق اليمن للوصول إلى بحر العرب والمحيط الهندي، واعتمدت في ذلك على العديد من الوسائل منها استقطاب سكان المناطق الحدودية ومنحهم الجنسية السعودية وامتيازات متعددة، بهدف التسهيل لها بضم بعض المناطق الحدودية إليها في محافظتي حضرموت والمهرة.
غير أن الطموح السعودي أصيب بنكسة في نوفمبر 1967م مع وصول نظام سياسي ثوري في جنوب اليمن ذي توجه يساري، وفي الأعوام الأولى من دولة الوحدة جرى توقيع اتفاق الحدود بين الجمهورية اليمنية وسلطنة عُمان عام 1992م ولم تخف المملكة إمتعاضها من الاتفاق، كون الاتفاق ثبت وبشكل رسمي وقانوني التقاء الحدود اليمنية العمانية السعودية عند مثلث الخراخير، وهو ما يقطع على الرياض أي ادعاءات مستقبلية داخل الأراضي اليمنية في محافظة المهرة.
وبالرغم من توقيع معاهدة جدة الحدودية بين اليمن والسعودية عام 2000م إلا أن الحلم ظل يراود النظام السعودي في الوصول إلى البحر العربي وإن لم يكن بالضم لتلك المناطق، فمن خلال الهيمنة وشراء ذمم الزعامات السياسية والشخصيات القبلية البارزة، وفي انتظار ما سوف تؤول اليه الأوضاع غير المستقرة في اليمن.
وخلال ما يسمى بمؤتمر الحوار الوطني الشامل 2012-2014م كان من اللافت أن النظام السعودي كان في طريقه للوصول إلى تحقيق أهدافه في المحافظات الشرقية، من خلال دفع الرئيس هادي بتحديد الأقاليم في الدولة اليمنية الاتحادية بصيغة من ستة أقاليم، وضم محافظتي حضرموت والمهرة إلى جانب محافظة شبوة وأرخبيل سقطرى ضمن ما يسمى بإقليم حضرموت الذي يتمتع بكل مقومات الدولة المستقلة، وهو ما يواكب المصالح السعودية .
ومع استمرار الحرب سعت الرياض إلى اقتناص الفرصة في تنفيذ المخطط الاستراتيجي بالتواجد العسكري المباشر على السواحل اليمنية في البحر العربي تحت ذريعة مكافحة تهريب الأسلحة لجماعة الحوثيين “أنصار الله” في كامل محافظة المهرة وفي الأجزاء الداخلية بمحافظة حضرموت (الوادي والصحراء).
هذا التواجد وإن كان يهدف إلى مد أنبوب نفطي من الداخل السعودي وباتجاه البحر العربي ومروراً بالأراضي اليمنية، كطريق بديل لتصدير النفط بعيدا عن الصراع في مضيق هرمز والتهديدات في مضيق باب المندب، إلا أن المخطط السعودي الاستراتيجي أعمق من ذلك ولا يقتصر على هذا الهدف خاصة وأن مشروع مد الأنبوب كان مرحبا به من الجانب اليمني عام 2002م ولكن تم إيقاف المشروع بعد أصرار الرياض على فرض شروطها الكاملة والتي تنتهك السيادة اليمنية.
– مضيق هرمز:
منذ بداية الحرب كان التواجد السعودي المباشر على باب المندب والسواحل اليمنية في البحر الأحمر محدوداً وغير مباشر إذا ما تم مقارنته بقوات الإمارات الحليف الرئيسي للسعودية في الحرب على اليمن، وعلى الرغم من الأهمية الاستراتيجية للمنطقة لدى النظام السعودي إلا أن التواجد العسكري السعودي من عدمه قد آل إلى تقاسم النفوذ ما بين الطرفين.
وخلال سنوات الحرب الأولى تواجدت القوات الإماراتية والقوات الموالية لها وبأعداد كبيرة في المنطقة الممتدة بالقرب من مضيق باب المندب وإلى القرب من مدينة الحديدة تحت مبرر تأمين الممر الدولي، ويُعتبر المضيق شريان رئيسي للحركة الاقتصادية والتجارية العالمية، وتعاظمت أهميته مع تزايد أهمية نفط الخليج العربي ويمثل بوابة لإمدادات الطاقة من النفط والغاز والمشتقات البترولية للسوق العالمي.
ويحتل مضيق باب المندب رابع أكبر الممرات المائية من حيث كميات النفط التي تمر به يوميًّا، حيث يمر خلاله أكثر من 6 ملايين برميل يوميًّا من النفط ومشتقاته، وحوالي 10 بالمائة من الغاز الطبيعي المسال في العالم.
غير أن الضربات البحرية الموجهة ضد البارجات والقطع العسكرية البحرية السعودية والإمارتية في البحر الأحمر وبالقرب من باب المندب، شكلت إحراجا بالغا لطرفي التحالف الذي أكد مرارا اتخاذ جميع التدابير الأمنية اللازمة لخفض المخاطر على سفن دول التحالف التي تمر عبر مضيق باب المندب ومنطقة جنوب البحر الأحمر.
هذا الفشل العسكري الإماراتي في تأمين الممر والسواحل دفع بالخلافات للظهور للعلن وإبراز اختلاف المصالح والحسابات، حيث سارعت الرياض في البحث عن بدائل أخرى تحافظ من خلالها على استمرار تدفق نفطها للأسواق العالمية بعيدا عن التهديدات، علاوة على ذلك لم تخف السعودية رغبتها في تدويل التهديد الذي تعرضت له بحريتها في البحر الأحمر وعملت على جلب التأييد الدولي في تدويل وعسكرة مضيق باب المندب، بالمقابل كانت أبوظبي في خضم المعارك العسكرية في مضيق باب المندب والجزر والسواحل القريبة منه في خليج عدن والبحر الأحمر والهادفة من خلالها إلى الاحتلال المباشر والاستفراد بها بعيدا عن مختلف الأطراف بما فيها الحليف السعودي .
– جزيرة سقطرى:
يقع أرخبيل سقطرى قبالة السواحل الجنوبية لليمن على مسافة تقارب 350 كيلومترا، ويتألف الأرخبيل من سبع جزر صخرية، أكبرها جزيرة سقطرى، وبالتحديد عند مخرج ممر مهم للنقل البحري يربط بين البحر المتوسط والمحيط الهندي، وتشرف الجزيرة على مضيق باب المندب وعلى السواحل المجاورة في الجزيرة العربية وشرق أفريقيا إضافة إلى أنها لا تبعد سوى 2000 كيلومترا تقريبا عن مضيق هرمز الاستراتيجي، هكذا موقع وضع سقطرى على خط الصراع الدولي والإقليمي خاصة مع تصاعد صراع الاستحواذ على الموانئ البحرية في خليج عدن والبحر الأحمر.
ولهذا لم يكن غريبا منذ بداية الحرب في مارس 2015م أن تسعى قوات التحالف إلى التواجد العسكري في الجزيرة وتحديدا القوات الإماراتية، التي سارعت لإطباق السيطرة على الجزيرة متجاوزة السلطات المحلية والمركزية، لتتطور الخلافات بين حكومة هادي والإمارات إلى مستوى غير مسبوق، حيث كشفت رسالة يمنية موجهة إلى مجلس الأمن الدولي في مايو 2018م تحتج فيها على انتهاك الإمارات للسيادة في جزيرة سقطرى، ومؤكدة أن الوجود العسكري الإماراتي غير مبرر .
وعلى الرغم من حقيقة الخلاف إلا أن تصاعده بتلك الطريقة المتسارعة يشير بأنه خلاف مفتعل من قبل هادي وحكومته، وأن الطرف المستفيد من هكذا تصعيد هي السعودية التي لم يكن لها تواجد سابق على الجزيرة، وشكل هذا الخلاف بوابة لدخول القوات السعودية إلى جزيرة سقطرى بحجة القيام بالتوسط بين الطرفين، وتفيد المعلومات بأن العسكريين السعوديين ينشطون إلى جانب القوات المحلية في مطار وميناء سقطرى، ويتواجدون أيضا ضمن معسكر خاص بهم، والمؤكد أن القوات السعودية ذهبت للجزيرة بهدف البقاء دون اكتراث بردة الفعل للحليف الإماراتي .
إجمالاً وبعد خمس سنوات من إعلان السعودية الحرب في اليمن تشير الوقائع على الأرض أن السياسة السعودية تجاه الملف اليمني تعاني الكثير ويسودها التخبط وعدم القدرة على تحقيق مصالحها وأهدافها الرئيسية، وفي هذا السياق يعتقد مايكل ستيفنز خبير شؤون الخليج في مركز الخدمات المتحدة الملكي في لندن، أن الحرب كانت مضرة للسعوديين ولليمن أيضا وقال “الحرب لم تحقق فائدة تذكر للسعودية ومن الناحية الاستراتيجية يمكنك القول أن الرياض في وضع أضعف مما كانت عليه في عام 2015م”.
والمؤكد أن وصول الحرب للعمق السعودي وظهور التباين في الحسابات مع الحليف الإماراتي في محافظات عدن وأبين وشبوة وغيرها من المناطق، هذه الحقائق وعلى الرغم من أهميتها في التأثير على التوجهات المستقبلية للرياض تجاه اليمن إلا أنها لم تكون تغييرات جوهرية.
والقارئ للسياسة السعودية منذ حوالي قرن من الزمن يستنتج أن المخاوف من ناحية والأطماع من ناحية أخرى تمثل القاعدة الرئيسية التي تحكم العلاقة مع اليمن، ولا سبيل في تغيير هذه القاعدة سوى بتغيير جوهري في النظام السعودي أو اليمني أو في كلا النظامين معاً.