ستراتفور: أثر الهجمات على المنشآت النفطية على مستقبل أرامكو؟

|| صحافة عربية ودولية ||                                                                         

أصبح واحدا من أعظم كوابيس المملكة العربية السعودية حقيقة واقعة في 14 سبتمبر/أيلول، بعد أن أجبر هجوم شركة النفط العربية السعودية “أرامكو” على إيقاف العمل بأهم جزء من البنية التحتية للنفط والغاز الطبيعي، وهو مجمع معالجة النفط والغاز في “بقيق”.

وحاليا، خرج 5.7 مليون برميل يوميا من إنتاج النفط الخام من الخدمة. وقد سعى المسؤولون السعوديون إلى طمأنة أسواق النفط والغاز الطبيعي بأنهم قادرون على استعادة بعض الإنتاج، ولكن بعد توقع أولي بأن كامل الإنتاج قد يعود قريبا، من المرجح الآن أن الضرر قد يستغرق أسابيع أو حتى أشهر لإصلاحه.

وسوف يكون التأثير على أسواق النفط العالمية كبيرا، لكن يمكن التحكم فيه. وبعد ارتفاع مبدئي في أسعار النفط بنسبة 20% في 16 سبتمبر/أيلول، استقر سعر خام برنت القياسي العالمي عند نحو 69 دولارا للبرميل، بارتفاع بلغ 14%، لكنه لا يزال أقل بكثير من مستوى 80 دولارا الذي سجلته أسعار النفط قبل عام واحد فقط.

وفيما وراء تأثير السوق، يثير الهجوم العديد من الأسئلة المهمة المتعلقة بمستقبل إنتاج النفط في الشرق الأوسط وسياسة النفط في المملكة. وتقدم أحداث 14 سبتمبر/أيلول مؤشرا واضحا للولايات المتحدة على أنه بغض النظر عن مقدار الزيادة في الإنتاج المحلي، فإنه لا يمكن تجاهل تأثير الشرق الأوسط على إمدادات الطاقة.

ولا يمكن التقليل من أهمية “بقيق” للسعودية. وتبدأ الخطوة الأولى في عملية إنتاج النفط والغاز الطبيعي في المملكة بفصل النفط عن الغاز، حيث يتم إزالة الغاز الطبيعي عن النفط غير المعالج قبل إرساله للتثبيت عبر إزالة “كبريتيد الهيدروجين”، وهي الخطوة الأخيرة من العملية حيث يتم نقل النقط بعدها إلى محطات التصدير.

وفي حين تمتلك السعودية العديد من هذه المجمعات، فإن “بقيق” هو موطن لأكبر مصنع في العالم لتثبيت النفط الخام. وقبل الهجوم، عالج معمل بقيق معظم الخام المنتج في بعض من أهم حقول النفط السعودية، بما في ذلك حقلي “الغوار” و”الشيبة” العملاقين، اللذين يحتلان المرتبة الأولى والرابعة بين أكبر حقول النقط في السعودية.

ويبدو أن أبراج تثبيت النفط الخام في “بقيق” كانت مستهدفة على وجه التحديد، إلى جانب خزانات تخزين الغاز الطبيعي هناك. وتُظهر صور الأقمار الصناعية أضرارا كبيرة في العديد من الأبراج، الأمر الذي سيتطلب إصلاحات واسعة النطاق أو إعادة بناء، وهي عملية قد تستمر لأشهر.

وفي “خريص”، ثاني أكبر حقل للنفط في المملكة، الموقع الثاني الذي لحقت به الأضرار في هجمات 14 سبتمبر/أيلول، بدا أن الأضرار تقتصر على 2 من 5 معالجات لفصل النفط والغاز في المجمع. وزعمت المملكة أنها قد تعيد إنتاج مليوني برميل يوميا للسوق بسرعة نسبية. وفي الوقت الحالي، ليس من الواضح كم سيستغرق من الوقت جلب المعدات الإضافية للمنشأة لتشغيلها، أو مقدار الوقت الذي سيستغرقه عودة الإنتاح بشكل كامل.

كما لم يتضح بعد إلى أي مدى تستطيع المملكة استخدام طاقتها الإنتاجية الفائضة في أماكن أخرى لسد النقص. وتمتلك المملكة ما بين 2.2 مليون و2.7 مليون برميل في اليوم كاحتياطي للسماح لها بالتعويض عن أي نقص في السوق العالمية، لكن وجود هذه القدرة ليس مؤكدا بالكامل.

وفي وقت سابق من هذا العام، أشارت التقارير إلى أن أكثر من نصف الطاقة الفائضة للمملكة كانت في “الغوار” و”خريص” بشكل أساسي، مما يشير إلى أن كمية كبيرة منها قد تكون عالقة خلف البنية التحتية التي لحقت بها الأضرار في الهجمات الأخيرة، مما يعني أنها لن تكون متاحة للتعويض عن الفجوة في الإنتاج

وفي غضون ذلك، قالت المملكة إنها ستحافظ على مستويات الصادرات من خلال سحب النفط المعالج بالفعل من المخزونات. واعتبارا من نهاية يونيو/حزيران، احتفظت المملكة بنحو 187.9 مليون برميل، مما يعني أنها قد تحافظ على مستويات الصادرات لمدة 71 يوما، حتى لو ظل الإنتاج المعطل، البالغ 5.7 مليون برميل يوميا، كاملا خارج الخدمة خلال تلك المدة.

لكن ليس كل النفط الخام بنفس الجودة. وتنتج المنشآت في “خريص” و”بقيق” في المقام الأول درجات الخام العربي الخفيف الإضافي والعربي الخفيف، التي يسهل على المصافي التعامل معها، ولكنها أغلى ثمنا بشكل عام من الخام العربي الثقيل والمتوسط. وقد تسأل السعودية المشترين الآسيويين ما إذا كانوا سيقبلون الخام منخفض الجودة بسعر مخفض بالنظر إلى النقص المتوقع في الدرجات الأخف.

ولكن في نهاية المطاف، قد تكون الآثار الأولية لنقص الإنتاج السعودي أقل قليلا على المستوى العالمي مما كان متوقعا. وتبلغ مخزونات النفط التجارية 2.931 مليار برميل، أي ما يقرب من متوسط استهلاك ​​الـ 5 أعوام الأخيرة.

وفي الولايات المتحدة، تصل مخزونات النفط الخام التجارية إلى 416.1 مليون برميل. لكن المخزونات تبقى مرتفعة بسبب ارتفاع إنتاج النفط بين عامي 2014 و2016، الذي قلصته المملكة العربية السعودية وحلفاؤها فيما بعد. وبالإضافة إلى المخزونات التجارية، يمكن لمعظم مستهلكي النفط الرئيسيين الاستفادة من احتياطي النفط الاستراتيجي الكبير.

وتمتلك الولايات المتحدة، على سبيل المثال، 645 مليون برميل من الاحتياطات، ويمكن للوكالة الدولية للطاقة تنظيم السحب العالمي من الاحتياطيات الاستراتيجية إذا دعت الحاجة. ولكن هناك مخاوف بشأن جودة الخام العالمي المحجوز. وسوف يستغرق الحصول على الخام الخفيف الحلو الذي يشكل الجزء الأكبر من الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي للأسواق، على سبيل المثال، عدة أسابيع.

باختصار، هناك ما يكفي من النفط المتاح للسوق العالمية لموازنة الانخفاض في الإنتاج السعودي لبضعة أشهر. ومع ذلك، لن تكون الرياض قادرة على الاستمرار في تعويض هذا الفارق في حالة ما إذا كان الضرر في بقيق سيستغرق وقتا أطول للإصلاح، أو إذا تعرضت منشآت المعالجة السعودية الأخرى لهجمات تدفع صادراتها النفطية إلى مستويات منخفضة للغاية لفترة طويلة.

وربما الأهم من ذلك بالنسبة للمملكة، إذا استمرت الأسعار في الارتفاع، فقد يؤدي ذلك إلى كسر تحالف أوبك الحالي. وستكون روسيا والعراق والجزائر وأنغولا والعديد من منتجي النفط أقل استعدادا للإبقاء على تخفيضاتهم بموجب اتفاقية تخفيض الإنتاج الحالية، إذا ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير.

وبمجرد انهيار التحالف، قد يكون من الصعب على المملكة تجميعه مرة أخرى بمجرد أن يعود إنتاجها إلى طاقته الكاملة. وبدلا من ذلك، قد يتعين عليها تحمل عبء الحفاظ على الأسعار إلى جانب حلفائها في مجلس التعاون الخليجي.

وقد أحدثت هذه الهجمات بالفعل هزة كبيرة في خطط المملكة لإطلاق الاكتتاب العام الأولي لشركة “أرامكو” السعودية، الذي كان من المفترض أن يبدأ في شهر نوفمبر/تشرين الثاني.

وفي ضوء الضرر، يقال إن المملكة تدرس تأجيل الطرح. وهناك فرصة ضئيلة أن تمضي السعودية قدما في خطط الاكتتاب العام الأولي قبل إصلاح كامل بنيتها التحتية. ولكن حتى بعد إصلاح الضرر المادي، فإن الضرر الذي لحق بسمعة شركة النفط الوطنية سوف يستمر.

وسوف يخشى المستثمرون من احتمال حدوث هجمات إضافية. وقد يضعف الافتقار إلى الشفافية بشأن أحداث نهاية الأسبوع حماس المستثمرين لشراء أسهم أرامكو. وفي أعقاب الهجوم، كانت المملكة بطيئة في نشر المعلومات. بل على ما يبدو، فقد تم فرض تعتيم إعلامي محلي شبه كلي، ولم يكن من المعروف مدى الضرر الذي لحق بالمرافق التي تعرضت للهجوم.

وأخيرا، كشفت الهجمات قوة تأثير واردات الخام الشرق أوسطية على السوق الأمريكية، على الرغم من ارتفاع إنتاج النفط المحلي وتراجع الواردات من المنطقة. وكان هناك بعض الأمل في الولايات المتحدة من أن إنتاجها المتزايد سيعزلها عن الاضطرابات الكبيرة في الشرق الأوسط، مما يسمح لواشنطن بتخفيض تواجدها في المنطقة.

ولكن في أعقاب الهجمات، تبع مؤشر خام غرب تكساس الوسيط، وهو مؤشر النفط الأمريكي، خام برنت صعوديا بحدة. ويسلط هذا الضوء على حقيقة أن أسواق الولايات المتحدة واقتصادها يظلان معرضين لآثار عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، بغض النظر عما إذا كانت واشنطن تستهلك الطاقة من المنطقة أم لا.

 

قد يعجبك ايضا