“دولة مفخخة” في مرمى النار.. ما سر عجز الرياض عن صد الهجمات؟
|| صحافة عربية ودولية ||
مع مرور أربعة أعوام ونصف على الحرب الدائرة باليمن، لا يزال الكثير من المدن السعودية ومنشآتها النفطية تحت تهديد الصواريخ الباليستية التي تطلقها جماعة “الحوثيين” في اليمن.
وخلال مراحل الاستهداف التي تعرضت لها السعودية تجاهل الموقف الرسمي تلك الأخطار التي تواجه البلاد، ولم تعقد قياداته اجتماعات طارئة لمناقشة الهجمات وسبل مواجهتها، واكتفت بالتنديد، واستخدمت طيرانها العسكري للرد على مواقع عسكرية وأخرى مدنية في اليمن للتنفيس عن غضبها.
وانعكس ذلك التجاهل على أرض الواقع؛ فالمطارات والمواقع التي تستهدف غالباً من قبل الطيران المسير “للحوثيين” لم يتم تعليق العمل فيها أو توقيفها بشكل كلي، كما تجاهلت الأزمة الاقتصادية التي خلفتها الهجمات على مؤسساتها النفطية، إلا أن الاستهداف الأخير لأرامكو شكل هزة للمملكة.
تصعيد اليمنيين
صعدت جماعة “الحوثيين”، خلال العامين الأخيرين، من وتيرة هجماتها على أهداف حيوية داخل العمق السعودي، جلها بطائرات ملغومة مسيرة، في تطور وصف بأنه “نوعي”.
وكان آخر تلك الهجمات التي أعلنت “جماعة الحوثي” مسؤوليتها عنها استهداف بطائرات مسيرة دون طيار، في 14 سبتمبر الجاري، مصنعين تابعين لشركة “أرامكو” النفطية بمحافظة بقيق وهجرة خريص شرق المملكة.
وتتّهم الرياض بشكل مستمر خصمها اللدود في المنطقة -إيران- بمدّ الحوثيين بالسلاح والمال، وتطوير قدرات الحوثيين من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية.
ورغم أن جماعة الحوثي تعلن مراراً أن استهداف المنشآت النفطية والمطارات سيكون بداية لعمليات قادمة، وهو ما يشير إلى أن التصعيد الحوثي سيستمر، فإن مساحة التساؤلات تتسع حول ردة الفعل السعودية حيال ذلك، والتي غالباً ما تشير إلى أن المملكة تأقلمت مع تلك الهجمات.
خسائر كبيرة
ركز الحوثيون هجماتهم الصاروخية على المراكز الاقتصادية وما يتصل بها؛ كالمطارات، والهيئات الحكومية، ففي مدينة جازان، التي تضم منطقة صناعية جديدة، وميناء، ومصفاة نفطية، تتعرض هذه المرافق لهجمات متواصلة بالصواريخ قصيرة المدى.
وفي الرياض يتعرض مطارها، وما يُعرف بـ”الميناء الجاف”، لسلسلة هجمات صاروخية متواصلة، منذ نوفمبر 2017، ما من شأنه إحداث آثارٍ سلبية في النشاط الاقتصادي على نحو تأثر به النشاط التجاري في مناطق نجران، وعسير، وجازان، التي أُغلقت قطاعات تجارية واسعة فيها، وتحولت أجزاء منها إلى مناطق عزل عسكرية.
في 14 سبتمبر الجاري، نقلت وكالة “رويترز” عن ثلاثة مصادر مطلعة قولها إن الإنتاج النفطي السعودي وصادرات المملكة تعطلا بعد هجمات بطائرات مسيَّرة على منشأتين لشركة أرامكو، ما تسبب في توقف إنتاج خمسة ملايين برميل من النفط يومياً، أي قرابة نصف الإنتاج الحالي للمملكة.
وتسبب القصف الذي استهدف شركة أرامكو، في مايو من العام الماضي، بانخفاض المؤشر الرئيس للأسهم السعودية بنسبة 2%، وبلغت خسائرها خلال أقل من 72 ساعة قرابة 31 مليار دولار.
دولة مفخخة
وبحكم وجود السعودية فوق بحر من النفط، وانتشار حقول النفط والمصافي، وفي ظل غياب أي تحرك سعودي لحماية أجواء المملكة ومنع أي استهداف جديد، يمكن القول إن المملكة قد تحولت إلى منطقة “مفخخة”، قد تؤديأي طائرة مسيرة جديدة لإشعال أزمة جديدة.
حيث تنتج المملكة أكثر من 10 ملايين برميل نفط يومياً؛ وتشير تقارير إلى امتلاك السعودية ما يقارب 100 حقل نفط داخل المملكة؛ لكن الأشهر بينها هي ثمانية حقول فقط، وهي الأكثر إنتاجاً، ومن أبرزها حقلا بقيق وخريص اللذان استهدفا.
ولم تتخذ سلطات البلاد أي إجراءات جديدة لمنع الاستهداف، رغم تعرضها لهجوم أقل ضرراً قبل نحو شهرين.
وقالت وكالة “بلومبيرغ” الشهر الماضي، إن حقولاً نفطية في السعودية مسؤولة عما يقارب من عشر إنتاج النفط الخام العالمي وباتت الآن في “مرمى النار”، في إشارة إلى مدى تأثير الهجمات على قطاع النفط السعودي على إمدادات النفط العالمية.
ولفتت إلى أن “أرامكو” تعتبر أكبر مصدر للنفط في العالم، وتحتوي على 275 مليار برميل من الاحتياطيات المؤكدة، حيث تعتمد المملكة في إنتاجها من النفط على خمسة حقول رئيسية بواقع 90%.
وليس ببعيد عن معمل بقيق، يهدد أي استهداف محتمل حقل الغوار بمدينة الظهران، الذي ينتج 60% من النفط السعودي، وهو أكبر حقل نفط في العالم بكمية احتياطات نفطية تبلغ 70 مليار برميل.
ترسانة شكلية
وعن أبرز أسباب فشل التصدي السعودي لهجمات الحوثي يقول الكاتب السياسي عصام الزيات، إنه يعود إلى أن أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية التي تستخدمها المملكة -وعلى رأسها “الباتريوت”- يمكنها ببراعة تدمير صاروخ عابر للقارات، لكنها تعجز أمام صاروخٍ مُطلق من مكان قريب.
ويشير في حديث لـ”الخليج أونلاين” إلى أن الحوثيين يستخدمون النوع الصغير من الطائرات “الدرون”، وهو ما يجعل من الصعب رؤيتها بالعين المُجردة حتى من مسافة قريبة، إضافة إلى عدم كشفها من أجهزة الرادار والأجهزة السعودية؛ لأن هذه الأجهزة مصممة للكشف عن الطائرات الضخمة والسريعة.
من جهته وصف المحلل السياسي عمر عياصرة ما وصلت إليه حال السعودية في حربها مع الحوثيين بأنه “فشل” في التخلص من هذه المليشيات، “رغم مرور أربع سنوات على بداية الحرب، ورغم ضخامة ترسانتها العسكرية التي لا تقارن بإمكانات الحوثيين.
وقال عياصرة في مداخلة سابقة ببرنامج “ما وراء الخبر” على قناة “الجزيرة”، إن الرياض وصلت لمرحلة “التكيُّف” في حربها مع الحوثيين، خاصة بعد عجزها عن التصدي للضربات الأخيرة التي تلقتها من قبلهم.
واعتبر أنها لا تملك خياراً سوى “التكيُّف” مع تلك الضربات؛ بسبب عدم امتلاكها “استراتيجية للخروج” من أزمة حربها في اليمن.
أما لماذا لم تستفد السعودية من الترسانة العسكرية التي تمتلكها لصد الحوثيين؛ فيرى عياصرة أن هذه الترسانة “شكلية”، وهي “قناة تسليع للعلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية”.
وتحدث عن اختلاف مفهوم التسليح السعودي، الذي يتمثل في “تسليع” الموقف الأمريكي ليحمي الرياض، مضيفاً أن واشنطن “لن تسمح للرياض بامتلاك قوة عسكرية حقيقية”.
تجاهل رسمي
ورغم أن معظم دول العالم تعقد قياداتها اجتماعات طارئة وتعلن حالة الطوارئ في البلاد عقب هجمات محدودة أو عمليات إرهابية تتعرض لها، فإن الموقف السعودي كان مناقضاً لذلك؛ فالرياض لم تحرك ساكناً لصد الهجمات الحوثية خلال الأعوام الماضية وحتى اليوم.
وتستخدم السعودية إعلامها في توجيه رسائلها إزاء الحرب في اليمن، وهو ما انعكس على تدهور الوضع بالبلاد؛ باعتباره يرفض تصوير ما تتعرض له المملكة بأنه تجاوز للخطوط الحمراء، ويهدد أمن وسلامة البلاد، رغم الخسائر الاقتصادية الكبرى التي تتعرض لها.
وأبقت وسائل الإعلام السعودية خطاب التطمين وإنكار حدوث أي آثار بسبب تلك الهجمات، واكتفت بتطمين الشارع السعودي بالرد “الحازم”، عبر نقل تصريحات الجانب الرسمي، كان آخرها تصريح لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي قال عقب الهجوم الذي استهدف أرامكو: إن “للمملكة الإرادة والقدرة على مواجهة هذا العدوان”.
ادعاء المظلومية لإدامة حرب اليمن
لجأت السعودية إلى أسلوب ادعاء المظلومية بتضررها من هجوم الحوثيين على أراضيها، واستخدمت أدواتها الدبلوماسية للحصول على بيانات تضامنية معها من الدول الكبرى والدول العربية؛ بهدف تجاهل الدخول في معارك مباشرة مع إيران.
وتبعث الرياض بعد كل حادثة برسالة إلى مجلس الأمن الدولي، تطالب من خلالها بإجراءات عاجلة لردع مثل هذه الهجمات، وتتهم إيران بدعم “الإرهاب”، كما طلبت بعد الهجوم الأخير مساعدة أطراف دولية في التحقيقات.
والمرة الوحيدة التي تحركت فيها الرياض -والذي يقول البعض إنه (التحرك) بتوجيه من أبوظبي- كانت بتأليب السعودية الموقف الدولي ضد الحوثيين وإيران؛ من خلال اجتماع ثلاثي لدول الخليج والدول العربية والتعاون الإسلامي في مكة المكرمة، في مايو الماضي، لم يسفر عن نتائج ملموسة.
وبحثت القمم التي وصفت بـ”الطارئة” التوترات مع إيران بعد هجمات على ناقلات نفط قبالة ساحل الإمارات، وضربات بطائرات مسيرة على محطات لضخ النفط في السعودية، في حين تنفي طهران ضلوعها في الواقعتين، واعترف الحوثيون بالحادثة الثانية.
ويرى المحلل السياسي والكاتب اليمني ياسين التميمي، أن السعودية تتجنب حتى الآن الإقرار بالتداعيات الخطيرة لحربها في اليمن، وبأنها باتت بهذا القدر من التأثير في العصب الرئيس لاقتصادها، والذي يمثله قطاع النفط ومنشآته الحيوية.
وأوضح في حديثه لـ”الخليج أونلاين” أن “الرياض تواجه خيارات صعبة في التعاطي مع هذه الهجمات؛ بين أن تبقيها ضمن نطاق الاستهدافات الحوثية أو أن تقر بأن الهجمات التي تتلقاها تأتي من أطراف أخرى تحارب المملكة باسم الحوثيين”.
ولفت إلى أن “المملكة لا تريد أن تقر بأنها تدفع هذا الثمن الباهظ نتيجة استمرارها في حرب بلا أهداف واضحة ولا أفق، وبدأت تتجه لتصبح حرباً على السلطة الشرعية وجيشها وقواها السياسية، وهي الوصفة الكارثية التي تنفذها الإمارات مستغلة المساحة الكبيرة التي أتاحتها لها الرياض لإدارة المشهد العسكري، خصوصاً في جنوب غربي اليمن”.
وتابع: “يبدو أن الهجمات الأخيرة ستمثل حدثاً مفصلياً في مسار الحرب اليمنية، وقد تكشف عن حقائق عديدة بشأن تشعبات هذه الحرب وأطرافها وتقاطعاتها”.
الرد الانتقامي!
موقف الرياض الأخير اقتصر على إطلاق تصريحات تتهم إيران بتزويد الحوثيين بقدرات نوعية لضرب أماكن داخل أراضيها، وهو الموقف الذي وصفه مراقبون بالـ”رخو”، ولم يحدث من قبل، حيث كانت المملكة تصعد من عملياتها ضد الجماعة الحوثية جواً وبراً داخل اليمن دون إجراءات ملموسة لحفظ سمائها.
وعقب كل هجمات كان ينفذها الحوثيون ضد السعودية كان اليمنيون يشعرون بالخوف والقلق من ردة الفعل الانتقامية من الرياض، والتي كانت غالباً ما تشن غارات مكثفة في صنعاء بشكل رئيسي وبعض المدن اليمنية، وتتسبب في سقوط قتلى وجرحى مدنيين.
ويقول محمد المندي، رئيس منظمة “يمنيون ضد الحرب”، إن الموقف السعودي الضعيف ينعكس على ردة الفعل المعاكسة لما هو من المفترض أن تقوم به الرياض ضد الحوثيين، مشيراً إلى أن الهجمات بالأصل تقتل المدنيين ولا يتضرر منها الطرف المقاتل وهم الحوثيون.
الخليج أونلاين