المستضعفون الذين يحتقرهم الآخرون هم دائما محط عناية الله ورعايته
|| من هدي القرآن ||
الله سبحانه وتعالى هكذا يتعامل مع عباده {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ}؛ لأن الله هداه هو يعتبره نعمة، ويعتبره فضلاً، فهؤلاء هم الجديرون بأن يعطوا هذا الفضل، وهذه النعمة؛ لأنهم سيشكرونها، وأنت ابقَ هناك، انتظر هناك، يتكبر يجلس هناك، ما هو متنازل لما ما يدري إلا وانحط إلى آخر درجة، وضاع، وتهمش تماماً.
كان يدخل في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، كان يأتي بعض الوفود، شخصيات، زعماء عشائر واحترمهم وقدرهم، وأسلم، وأعاده إلى منطقته، لا يقول له ابعد عن مقامك، هل كان يقول له هكذا؟ لا. إذاً أليس هنا يحصل الإنسان على تكريم؟ تكريم في الدنيا وفي الآخرة، لكن متى ما تمسك يقول أبداً..، ما زال يراعي مقاماً معيناً عنده، في الأخير يهبط إلى الحضيض، ويتجاوزه الناس، ويتجاوزه الزمن، والتاريخ، ويعتبر خاسراً في الدنيا وفي الآخرة.
لاحظ كيف الرعاية الإلهية بالنسبة لهؤلاء المستضعفين الذين يحتقرهم الآخرون، يذكر الباري بأنهم محط عناية ورعاية إلهية، {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الأنعام54)، أليس هذا رفعاً لمعنوياتهم، التفاتة إلهية مباشرة إليهم مقابل إعراض الآخرين، وكبريائهم، والذين ينظرون إليهم بأنهم لا يمثلون شيئاً {أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} ألم يأت بالتفاتة مباشرة إليهم؟ ويأمر رسوله هكذا أن يقول {سَلامٌ عَلَيْكُمْ}، إذا أنتم ترون الآخرين يحتقرونكم لا تظنوا أنه ربما فعلاً نحن في واقعنا محط احتقار حتى عند الله، لا، لاحظ هذا مما يدل على أنكم محط تكريم ورعاية إلهية.
{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} (الأنعام55) يبين الباري في القرآن كل شيء، يبين لك طريق المؤمنين، طريق الحق، وسبيل المجرمين، تشخيصهم في نفسياتهم، تشخيص رؤاهم، تشخيص أعمالهم.
{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ} (الأنعام56) أليست هذه السورة مليئة {قُلْ إِنِّي} {قُلْ لا} {قُلْ}، رعاية وحركة على طول وهم في ميدان المواجهة، في ميدان العمل [لم يبنٍ له أولاً منزلة هناك ويجلس يهاجر ست عشر سنة وبالكاد ناصف … !]، لا، وهو شغال {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أليست السورة هنا نفسها تركز على هذا الجانب، جانب ترسيخ أن وراءه الله، أنه إنما يتبع ما يوحى إليه، هو مأمور هو أن يقول هكذا، ومنهي أن يقول كذا كذا، ما قيمتها أنه يرسخ في أنفسهم الله سبحانه وتعالى؟ وقضية هامة من الناحية الواقعية باعتبار المرحلة التي هو فيها وباعتبار هكذا دائماً حتى لا يكونون ينظرون إليه هو هو، يشدهم إلى الله، يجلسون يخافون من الله، أو يرجعون إلى الله، لا عندي خزائن السموات والأرض فترجوا وتطمعوا عندي، ولا أعلم الغيب، أقول لكم إنه بعد فترة كذا سيحصل كذا، كذا، وهكذا يقول لهم أنه هو منهي كما هم منهيين، يتوجه إليه النهي كما يتوجه إليهم النهي تماما {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} وليشعرهم بأنه على طريق لا يتزحزح عنها على الإطلاق.
{قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} (الأنعام57)، من ربي، وليس بعبقريتي، بثقافتي، بفلسفتي، بحنكتي، أو أشياء من هذه، النوعية هذه تضيع {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} وأنا في طريقي هذه على بينات واضحة، وأعرف أين أنا، وأين أسير، من الله، {وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} قد هم عجالين أنه يأتيهم بآية عذاب، هكذا من حماقة الكثير من البشر في مراحل الأنبياء، في مراحل النبوة يقولون {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (الأعراف من الآية70). {مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} هذا شيء بيد الله، {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} فمتى ما أراد هو سيفصل بيني وبينكم، ويفتح بيني وبينكم.
ثم يذكِّرهم بأن ما تستعجلونه بأنها حماقة عندما يطلبون هذا الشيء وبعجلة، لأنه لو جاء هذا الشيء لا يعد ينفعكم شيء، لا يعد ينفعكم إيمانكم {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} (الأنعام58) لأنه ما هو الشيء الذي يستعجلونه به؟ عذاب. عندما يخوفهم بأنه قد يأتي لهم عذاب يجتاحهم كما حصل لهم في الماضي قالوا هيّا، هات! بل بعضهم قال {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} (الأنفال من الآية32) أليست هذه تعتبر حماقة؟ يقول فاهدنا إليه وليس أن يقول {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أوْ ائتِنَا بِعَذَاْبٍ أَلِيْمٍ} (الأنفال من الآية32)!.
[الدرس الخامس والعشرون – دروس رمضان]