الحلف المسموم.. الإمارات خنجر بظهر السعودية المأزومة
|| صحافة عربية ودولية ||
لم تشكل أحداث مدينة عدن جنوب اليمن نقطة تحول في الخلافات بين السعودية والإمارات، بقدر ما تثبت خروج الصراعات من الخفاء إلى العلن بين البلدين.
وخلال السنوات الأخيرة، أظهرت أبوظبي تحركات مباشرة معاكسة لما تفعله الرياض، كان آخرها القيام بخطوة جديدة، من خلال استثمار إماراتي في تركيا، على الرغم من الخلافات السياسية الكبيرة بين أنقرة والرياض وأبوظبي منذ أعوام.
التحركات الإماراتية المنفردة لم تواجَه حتى الآن بردٍّ واضح من الرياض، التي ما زالت تتغاضى عن كل ذلك، في وقتٍ تُظهر كل المؤشرات أن عرى العلاقة بين البلدين لا تنفصم على الساحة العالمية، خصوصاً في صراعات الشرق الأوسط.
استثمار في تركيا
في 20 سبتمبر الجاري، أعلنت مجموعة “البيرق” عزمها الاستثمار بمجال الطاقة المتجددة في تركيا، بقيمة تتجاوز 3 مليارات دولار، بعد عقد اتفاقيات شراكة كبرى مع شركات الطاقة العالمية، وُقعت في دبي.
وفي 28 يونيو الماضي، وافقت هيئة التنظيم والرقابة المصرفية التركية على طلب “بنك الإمارات دبي الوطني” شراء معظم أسهم مصرف “دينيز” التركي.
الامارات
وأوضحت الهيئة، في بيان أصدرته، أنها وافقت على طلب “بنك الإمارات دبي الوطني” شراء 99.85% من أسهم “دينيز بنك”، بقيمة (2.77 مليار دولار).
وهذه الخطوة كانت مخالِفة للتحركات السعودية ضد تركيا، حيث جاءت في وقت تشهد العلاقات بين تركيا والسعودية توتراً ملحوظاً، بسبب قضايا عدة، على رأسها اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، يوم 2 أكتوبر 2018.
واستخدمت السعودية والإمارات ناشطين ووسائل إعلام تابعة وممولة منهما، لإطلاق حملات ضد السياحة والاستثمار في تركيا.
طعنة من طهران
وبينما تتصاعد الأزمة بين إيران والسعودية، فوجئت الرياض بطعنة تلقتها من ظهرها؛ عقب زيارة وفد إماراتي لطهران، في نهاية يوليو الماضي.
وزار وفد عسكري إماراتي العاصمة الإيرانية طهران، لبحث قضايا التعاون الحدودي بين البلدين، على الرغم من أن تلك اللقاءات كانت منقطعة منذ 2013.
وقالت وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”، في 30 يوليو الماضي: إن “7 من مسؤولي خفر السواحل الإماراتي زاروا طهران، وبحثوا مع نظرائهم الإيرانيين قضايا التعاون الحدودي المشترك، وتوافُد مواطني البلدين، وتسريع عمليات نقل المعلومات بينهما”.
وجاء الاجتماع بعد عدة أسابيع من إعلان الإمارات، في مايو الماضي، تعرُّض 4 سفن شحن تجارية لعمليات تخريبية قبالة ميناء الفجيرة، ومع أن أمريكا والسعودية اتهمتا إيران بتدبير الهجوم، فإن الإمارات رفضت توجيه الاتهامات إليها.
خلافات اليمن
كما جاءت زيارة الوفد الإماراتي لإيران بالتزامن مع سحب أبوظبي معظم قواتها العسكرية من مناطق يمنية، وهو ما أثار تساؤلات حول علاقة الانسحاب بهذه الزيارات، وإذا ما كانت الإمارات تسعى من وراء هذه الخطوة إلى تهدئة الأمور مع إيران بعيداً عن السعودية الغاضبة من إيران.
وذكرت “نيويورك تايمز” أن الإماراتيين تجنبوا الإعلان عن خطوة الانسحاب علناً، للتخفيف من انزعاج نظرائهم السعوديين، غير أن دبلوماسيين غربيين أشاروا إلى أن السعوديين شعروا بخيبة أمل كبيرة من القرار الإماراتي.
وتبدو السعودية والإمارات أقرب إلى التحالف، لكن الأمر في حقيقته ليس أكثر من تحالف انتهازي تكشفه خلافات البلدين العميقة وتعارُض أجنداتهما في أكثر من ملف، خصوصاً في اليمن، التي كشفت أن الأخيرة أوقعت الرياض في مستنقع مع الحوثيين في حين فضَّلت العمل على الاستيلاء على جنوبي اليمن وترك الحوثيين دون قتال.
ووجدت الرياض نفسها عاجزة أمام تحرك الإمارات في اليمن بعد انقلاب على حكومة ط هادي” نفذته قوات موالية لأبوظبي في مدينة عدن، في 14 أغسطس الماضي، كما قام الطيران الإماراتي بقصف قوات الجيش هادي المدعوم من الرياض.
أزمة كندا
في مطلع يونيو 2018، أعلنت وزارة الخارجية السعودية، في بيان، أن المملكة جمدت التعاملات التجارية والاستثمارية كافة بينها وبين كندا، مُرجعةً السبب إلى ما سمَّته “التدخل في سياستها الداخلية”، بعد مطالبة كندا الرياض بالإفراج عن الناشطين المحتجزين.
وعقب ذلك كشفت منصة إعلامية، متخصصة في نشر تسريبات عن حكومة أبوظبي، في 11 أغسطس 2018، النقاب عن أن الإمارات تستغل الأزمة بين السعودية وكندا لصالحها.
وقال موقع “الإمارات ليكس”، في تغريدة نشرها على حسابه بموقع “تويتر”: “إن الإمارات تتدخل بشكل سري لاستغلال أزمة السعودية وكندا بهدف تحويل عقد التسليح بين كندا والسعودية لصالحها، تحت مبرر خدمة أهداف التحالف في اليمن”.
وبعد أقل من شهرين على مقاطعة السعودية لكندا، عززت الإمارات علاقاتها مع كندا، وأعلن وزير النقل الكندي، مارك غارنو، في 30 أغسطس 2018، عن إبرام اتفاقية موسعة للنقل الجوي مع الإمارات، مشيراً إلى أنها تساعد في تسهيل حركة السياحة والتجارة والاستثمار بين البلدين.
عودة العلاقات مع سوريا
وعلى الرغم من أن الرياض تحارب نظام بشار الأسد، وتدعم المعارضة السورية وتستضيف كثيراً من قياداتها في المملكة، قامت الإمارات بخطوة مخالِفة لسياسة السعودية، وأعلنت فتح سفارتها في دمشق.
وأعادت دولة الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في دمشق في 27 ديسمبر الماضي، بعد سبع سنوات على إغلاقها عام 2011؛ إثر الاحتجاجات في سوريا.
وقالت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية في بيان: إن “هذه الخطوة تؤكد حرص حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة على إعادة العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مسارها الطبيعي بما يعزز ويفعّل الدور العربي في دعم استقلال وسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية، ودرء مخاطر التدخلات الإقليمية في الشأن العربي السوري”.
تناقض!
وطرح الدبلوماسي السعودي السابق سلطان الطيار، التناقضات بين المواقف السعودية ومواقف حليفها الإمارات في الأزمات التي تمر بها الرياض.
وقال الطيار على صفحته بـ”تويتر”، إن السعودية قاطعت كندا، في حين قامت حليفتها الإمارات بـ”مضاعفة عدد الرحلات الجوية إليها”.
وأضاف: “خاصمنا تركيا، في حين استثمر الحليف في أكبر بنوكها، ووقّع معها أكبر شراكة استثمارات”، وتابع: “ندعم شرعية اليمن ضد الحوثي، الحليف: ندعم الانفصاليين ضد الشرعية!”.
وفيما يتعلق بإيران التي تعيش معها السعودية علاقة سيئة، قال الطيار: “نقاطع ونحارب إيران، الحليف: نقيم معها علاقة دبلوماسية وأكبر شراكة تجارية”.
وفي تغريدة أخرى، أضاف قائلاً: “تنشئ تحالفاً لدعم “الشرعية”، فينشئ (صديقك) فصائل للتمرد عليها، تدعم وحدة بلد مجاورٍ أمنُ وطنك من أمنه واستقراره، فيتوعد (صديقك) بتقسيمه وإدخاله في الفوضى، تحشد جيشاً للتقدم في الخطوط ، فيفتح (صديقك) جبهة تشغلك في الخطوط الخلفية”.
منعطف حساس
ويؤكد الباحث في الشؤون الإقليمية والدولية محمود علوش، أن الإمارات بدأت تميل في الآونة الأخيرة إلى اتخاذ موقف متباين عن السعوديين في المسألة اليمنية، وتُحاول تكريس صورتها في المجتمعات الغربية كراغبة في إنهاء الحرب باليمن.
وأضاف في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، أن “أبوظبي تُحاول أيضاً أن تنأى بنفسها عن التوتر مع إيران، بسبب هواجسها الأمنية”، مشيراً إلى أن الإيرانيين نجحوا في إحداث هوة داخل التحالف.
وتابع: “في الوقت الذي نجحت فيه الإمارات في أداء دور إقليمي كبير ومؤثر في المشهد الإقليمي، واستفادت من المكانة السعودية على مستوى الإقليم والعالم الإسلامي، اضطرت السعودية بسبب متطلبات التحالف إلى تبني سياسة إقليمية تتعارض مع توجهاتها التاريخية”.
ويرى أن العلاقة السعودية – الإماراتية وصلت إلى منعطف حساس، في خضم الانكشاف الأمني والاستراتيجي الذي تعرّضت له السعودية بعد الهجوم على المنشآت النفطية السعودية، ووصول التوتر مع إيران إلى مستويات قياسية، في ظل عدم حماسة الأمريكيين لاتخاذ إجراءات عملية يُمكن أن تحد من هذا الانكشاف.
كما استبعد علوش حدوث أي انهيار قريب في التحالف بين البلدين، معللاً ذلك ببقاء كلٍّ من “محمد بن زايد ومحمد بن سلمان متصدرَين للمشهد السياسي في الإمارات والسعودية”.