نصرٌ من الله!

|| مقالات || مصباح الهمداني

يا أيها التاريخ قِفْ، واسأل دفاترك القديمة، واروي لنا كل الحروب، كل التفاصيل العظيمة، واسرد لنا ماذا لديك، حتى حوادثك الأليمة، قلِّب لنا كل المعارك في دفتيك.

صوِّر لنا ما أدهشَك، وارسم لَنَا ما حيرك، واذكر لنا ما أبهَرك، وانثر لنا ما أعجبَك.

ولكَ الخِيار، من أين شئت البدء فلتبدأ؛

من معارك الإمبراطورية الساسانية، أو من معارك الإمبراطورية الفارسية، أو من معارك الشعوب الجرمانية، واذكر لنا الغث والسمين، في كل جولات البابليين، ومعارك الآشوريين، ومنازلة الفينيقيين، وحوادث الأحزان والأشجان، في معارك مملكة هان، وفي كل معركة خاضها الرومان، وكل غزوةٍ مع اليونان، ولا تنسَ ذكر السيوف القاتلة؛ في جيش فرسان الهياطلة، وإن كنتَ في أعلى مِزاج، فاختم لنا بملحمة قرطاج.

والآن يا تاريخ؛

ها قَد تركتك كي تقلب كل ملحمة قديمة، فهل جئت بالجديد، هل قلتَ ما يُفيد، هل عندك المزيد!

هل كان في الماضي التليد، شيئًا يحاكي ذا الجديد…

سجِّلْ لنَا على انفراد، مُجلَّدًا شعاره الحِياد، لا يعرف الخمول والرُّقاد، سطوره تُرافق الأوتاد، تُزاحمُ الأشبال في عناد، لترتوي منه الحروف، وترصد الإقدام والحُتوف…

اليوم في نجران، ملاحمٌ تعانق السماء، تمضي إلى العلياء، تطوي صحائف الزمن، تزيل من أمامها العفَنْ!

تحالفٌ عريض، لقتلِ شعبنا، لكسرِ عزِّنا، لدفنِ مجدنا:

يلملم الشتات، ويجمع الحيَّات، من أرذل البشر، وأحقر الخَفَرْ، براتبٍ زهيد، وموعدٍ بعيد، وحدد المصير، لجيشه الحمير، وحَثَّهُ المَسير، لقصده اليَسير، وظنه الحقير، وأخبر الجميع، بأنه دقيق، في رصده الطريق.

وأنَّ سقفهم طيور، من طائراتٍ كالنسور، وظن في لمح البصر، بأنَّ أمره عَبر، وأن صعدة الإباء، تدُور باستحياء، علامة الإعياء، وأمارة الإغماء.

فحفَّز الجيوش الغازية، على سباق الألوية، وشجع الكتائب، على تحمل المصاعب، وكل مرتزق صغير، يظن نفسه في حضرة الأمير، وليس بينه وبين حلمه العميق؛ سوى مسافة الطريق.

 

تمضي بهم قوافلُ العتاد، وعدة كبيرة وزاد، مدرعاتُهم حديثة، وأطقمٌ فريدة، ومئات العربات المدرعة، ومثلها من الدبابات اللامعة، وكل ضابطٍ يقول

” إني أنا مُهندسُ الوصول”.

وفي جبالها وسهلها كانت نجرانُ وكتاف بلا أمر، تضم في أحشائها خير البشر.

والفرق في التسليح لا مِراء، كالفرق بين الأرض والسماء، لكنَّهم أبناء تربة الوطن، وخيرة الأشبال للزمن، ومهبطُ الأمان لليمن، قد وحدوا آراءهم، ورتبوا صفوفهم، وسلموا أمورهم، لقائدٍ بعد القوي ربهم، توزعوا أدوارهم، ووزعوا مهامهم، وكل همهم، كيف السبيل والدليل، لكسر ألوية الغزاة والعميل.

امتد جيش الطامعين، والتافهين البائعين؛ حتى غدا في العمق لكن بين الدفتين، بين رصاصات الجماجم، وبينَ أدق أنواع الكمائن.

والتف جُند الله بالرشاش والتقوى؛ نحو الذيلِ كي يُطوى، ومرتزقٌ كبير يصيح بين جنوده الصرعى؛ ويحلفُ أغلظ الأيمان؛ بأنَّ هناكَ قوة عظمى، وأنَّ الصخرَ يرميهم، وحتى الرمل يُحرقهم…

وكادت الأرض بالقتلى تميد، وتم تطويق العبيد؛ وصار القوم كالحَبِّ الحصيد.

هناك حرائقٌ كبرى، هنا قتلى، هنا جرحى، هنا قادة سعاودة يبكون، هناك طوابيرٌ من الأطقم، وسياراتٌ مدرعة، ودباباتُ لا تدري بما يجري، ومرَّ الليل لا نومٌ يكحلهم، ولا سراجٌ يُهربهم، وكان الموت يأخذهم، بلا عددٍ ولا قيمة، وحتى القصف يحصدهم ولا يلقي لهُم بالا، وبات الموتُ مؤنسهم، وشَرِبَ الخوف كل الماء، وصار السعر للقطرات، يساوي أجرة التجنيد.

ضاق بحول الله الخناق، على دهاقنة الارتزاق، وما إن أدرك السعودي أنَّ مرتزقته قد حوصروا، حتى أثخن في قتلهم، وأراد إبادتهم عن بكرة أبيهم، لكنَّ الأنصار أصحاب القلوب الرحيمة، والأنفس الكريمة، فتحوا البابَ للاستسلام، وأخذوهم جماعاتٍ جماعات، بمغامرة وشجاعة وإيمان، بالرغمِ من ملاحقة الطيران، وقتله لكثير من مرتزقته وقد أصبحوا في بر الأمان.

وسقط بالقصف أضعاف ما سقط في المعركة، ونجا الآلاف وهُم أسرى، وغدًا سنرى المعجزة الكبرى والآية العظمى والنصر الكبير؛ بالصوت والصورة؛ على شاشة المسيرة، وسيُفرح اليمنيون وأحرار العالم بهذا الإنجاز المُذهِلْ والخارق.

 

“قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم، ويُخزهِم، وينصركم عليهم، ويشفِ صدور قومٍ مؤمنين”.

قد يعجبك ايضا