72 ساعة في ستالينجران: نصرٌ من الله
|| متابعات ||
شوقي عواضة
سجّلَ التّاريخُ على مرِّ العصورِ حروباً ومعاركَ كثيرةً بين قوى الاستعمارِ والاحتلالِ حيث الشّعوبُ قاومَت وانتصرَت بإرادتِها وعزيمتِها وثباتِها. وبالرّغم من عدمِ وجودِ تكافؤٍ وتوازنِ بين القوى المتحاربةِ سواء على مستوى العديدِ البشريِّ أو التّجهيزاتِ والتّقنياتِ العسكريّةِ المتطوّرةِ إلّا أنّ ذلك لم يحِلْ دون هزيمةِ المحتلِّ الغازي وانتصارِ أصحابِ الأرضِ لقضيّتِهم بمقاومتِهم وصمودِهم. والشّواهدُ على ذلكَ كثيرةٌ منها المقاومةُ الفيتناميّةُ في وجهِ المحتلِّ الأمريكيّ الذي أُجبِرَ على الاندحارِ الذّليلِ تحتَ وطأةِ ضرباتِ المقاومةِ الفيتنامية رغم مكابرة الأمريكي في تعاطيه مع الشعب الفيتنامي واستخفافه بقوته وقوة مقاومتِه التي أرغمته على الانسحابِ.
يتكرّرُ اليومَ نفسُ المشهدِ الاستكباريِّ الأمريكيّ والسّعوديّ في اليمنِ حيثُ لم تصدّقْ قوى العدوانِ أنّ الشّعبَ اليمنيَّ وجيشَه وأنصارَ اللهِ استطاعوا أن يمرِّغوا أنوفَ النّازيينَ الجددِ بالوحلِ اليمنيِّ على مدى خمسِ سنواتٍ من العدوان ورغم الحصار استطاع الجيش اليمني واللجان الشعبية ان يتفوقوا عسكريا على أعتى تحالفٍ عدوانيٍّ تقودُه أمريكا، وأثبتَ العقلُ اليمنيُّ تفوّقَه الباهرَ الذي صدمَ العالمَ بتخطيطاتِه وتكتيكاتِه العسكريّةِ وعمليّاتِه الأمنيةِ وسرعةِ التّنفيذِ ودقتِّها وبأقلِّ خسائرَ ممكنةٍ وفي أسوأِ الظّروفِ حتّى باتَ يشكّلُ مدرسةً نموذجيّةً في القتالِ وفي مقاومةِ أي احتلالٍ أو غزوٍ في العالمِ، وما جرى على مدى سنواتِ العدوانِ لا سيما في الفترةِ الأخيرةِ وبعدَ توجيهِ أقسى ضربةٍ تتلقّاها السّعوديّةُ منذُ تأسيسِها من خلال استهدافِ مصافي النّفطِ لشركةِ أرامكو في البقيقِ وخليص شكّلَت تلكَ الضّربةُ بأبعادِها الأربعةِ العسكريّةِ والأمنيّةِ والاقتصاديّةِ والسّياسيّةِ نقلةً نوعيةً للجيشِ اليمنيِّ واللّجانِ الشّعبيّةِ جعلَت الأمريكيينَ يدفعونَ الثّمنَ في اليمنِ قبلَ أي طرفٍ من تحالفِ العدوانِ كما دفعوه سابقاً في فيتنام دونَ أن يتعلّموا أو يستفيدوا من هزيمتِهم النّكراءِ ومثلما دفعَ النّازيونَ الثّمنَ في ستالينغراد عام 1942 حين استبسلَ الجيشُ الأحمرُ الرّوسيُّ في الدّفاعِ والتّصدّي للغزو النّازي الألماني بقيادةِ هتلر تلكُ المعاركُ التي تركت بصمةً في تاريخِ الحروبِ وأكّدت إمكانيّةَ الانتصارِ على المحتلِّ مهما كانت قوّتُه ومهما علا جبروتُه والتّاريخُ يؤكّدُ أنّ ما من مقاومةٍ قاتلت إلّا انتصرت، وأنّ الاحتلالَ إلى زوالٍ مهما طالَ الزّمنُ ومهما كانت التّضحياتُ وما جرى في لبنانَ والعراقِ أكبرُ دليلٍ على ذلك وما تشهدُه فلسطينُ بعد سبعينَ عاماً من الاحتلالِ يؤكّدُ حتميةَ انتصارِ المقاومةِ.
وفي مقاربةٍ بسيطةٍ بينَ معركةِ ستالينغراد ومعركةِ نجران في اليمنِ ثمّة تشابهٍ في المشهدينِ مع فروقاتٍ بينَ الجيشِ الاحمرِ والجيشِ اليمنيِّ واللّجانِ الشّعبيةِ من حيث الإمكانياتِ والتّجهيزاتِ القتاليّةِ وإعدادِ المقاتلينَ إضافةً إلى تفوّقِ قوّةِ العدوِّ التّجهيزيّةِ بالآلياتِ والعتادِ والسّيطرةِ على الأجواءِ بالطّائراتِ وإذا ما أجرينا مقارنةً بسيطةً نجدُ بإنّ مدينةَ ستالينغراد الرّوسيةَ التي شهدت في الحربِ العالميّةِ الثِانيةِ أشرسَ المعاركِ التي شكّلت نقطةَ تحوّلٍ لانتصارِ الاتحادِ السّوفيتي على الزّحفِ النّازيِّ وحلفائِه بل غيّرت مسارَ الحربِ العالميِةِ الثّانيةِ وكانت أطولَ وأشرسَ وأكثرَ المعاركِ دمويّةً في تاريخِ الحروبِ نتيجةً لسقوطِ عددٍ كبيرٍ من القتلى وصلَ إلى المليونِ ونصفِ قتيلٍ من العسكريينَ والمدنيينَ، مقارنةً بعمليّةِ جيزان التي أعلن عنها النّاطقُ الرّسميُّ باسمِ الجيشِ اليمنيِّ واللّجانِ الشّعبيّةِ العميد يحيى سريع في المؤتمرِ الصّحفيِّ بالأمسِ حيثُ أعلنَ إطلاقَ عمليةِ “نصرٌ من اللهِ”، العسكريّةِ الواسعةِ والنّوعيةِ في مِحورِ نجران، والتي تُعَدُّ أكبرَ عمليةِ استدراجٍ لقوّاتِ العدوِّ منذُ بَدءِ العُدوانِ على اليمنِ استمرتْ لعدةِ أشهرٍ وتكبّدَ فيها العدوُّ خسائرَ كبيرةً جداً في العتادِ والأرواحِ منها سقوطُ ثلاثةِ ألويةٍ عسكريةٍّ من قوّاتِ العدوِّ بكاملِ عتادِها العسكريِّ ومعظمِ أفرادِها وقادتِها وإغتنامِ كمياتٍ كبيرةٍ من الأسلحةِ تضمُّ مئاتِ الآلياتِ والمدرّعاتِ إضافةَ إلى وقوعِ آلافٍ من قوّاتِ العدوِّ في الأسرِ ومصرَعِ وإصابةِ المئات منهم وأسرِ أعدادٍ كبيرةٍ من قادةِ وضبّاطِ وجنودِ الجيشِ السّعوديِّ المهزوم.
كلُّ ذلك تم خلال 72 ساعةً فقط من بَدءِ العمليّةِ بعدَ إطباقِ الحصارِ على قوّات العدوِّ المؤلّفة من ثلاثةِ ألويةٍ عسكريّةٍ إضافةً إلى فصيلٍ من الجيشِ السّعوديِّ وتمَّ تدميرُها وكسرُها وأسرُها بالكاملِ كما تمّ تحريرُ مئاتِ الكيلومتراتِ طولاً وعرضاً ضمنَ مسرحِ العمليّاتِ مع تأمينِ الأسرى بهذا العددِ الكبيرِ من غاراتِ العدوانِ الذي يقاتلونَ معه ومن أجله والذي استهدفَهم بعشراتِ الغاراتِ تلك العمليّةُ الضّخمةُ تمّت بمشاركةِ وحداتٍ متخصّصةٍ من القوّاتِ المسلّحةِ بمختلفِ مهامِها وعلى رأسِها القوّةُ الصّاروخيّةُ وسلاحُ الجوِّ المسيّر وقوّاتُ الدّفاعِ الجويِّ والقوّاتُ البريّةُ بمختلفِ وحداتها ،كلُّ ذلك حدثَ في مسرحِ عمليّاتٍ مساحته أكثر من خمسمئة كيلو مترٍ مربعٍ كانت فيها تلكَ الألويةُ التي تعرّفُها الأكاديميّاتُ العسكريّةُ والجيوشُ في العالم كما يلي:
اللواءُ هو وحدةٌ عسكريّةٌ تتألّفُ من كتيبتينِ إلى خمسِ كتائبَ يتراوحُ عددُ أفرادِها من 3,000 إلى 5,000 فردٍ ويعتمدُ هذا على المنطقةِ وجنسيّةِ الجيشِ وعادةً ما يكونُ اللّواءُ جزءاً من الفرقةِ العسكريّةِ ويتكوّنُ من أكثر من كتيبتينِ وتوجدُ بعض الألويةِ المستقلّةِ والتي تعملُ بشكلّ منفصلٍ عن تركيبةِ الفرقِ العسكريّةٍ التّقليديّةِ ويقودُها عادةً ضابطٌ برتبةِ عميدٍ وهذا يعني وفقا للتّشكيلاتِ العسكريّةِ أنّ ثلاثةَ ألويةٍ يتراوحُ عددُها بينَ تسعة آلافٍ وخمسةَ عشر ألف جنديٍّ عدا عن تجهيزاتٍ وعتادٍ وكلُّ لواءٍ بحسبِ اختصاصِه فهذا ليس بحثُنا وربّما ستكونُ هناك مفاجآتٌ في إعلانِ العميد يحيى سريع لاحقاً عن أعدادِ الأسرى والقتلى في العمليّةِ أقلّ أو أكثر إنّما الثّابتُ هو ما أعلنه وما أردناه من ذلكَ تقديمَ نبذةٍ مختصرةّ عن الأعدادِ ليس إلّا فأهميّةُ العمليّةِ لا تكمنُ في عددِ الأسرى وعتادِهم وعددِ القتلى والجرحى بل تكمنُ في قوّةِ الجيشِ اليمنيِّ وأنصارِ الله بالرّغم من الحصارِ وعدمِ امتلاكِهم للأسلحةِ المتطوّرةِ والتّقنياتِ وراداراتِ الرّصدِ وغيرها من العتادِ العسكريِّ فقد استطاعوا أن يهزموا منظومةً استراتيجيّةً وعسكريّةً أمريكيّةً متطوّرةً بأقلِّ الإمكانيّاتِ وأبسطِها واستطاعوا أن يسحقوا الجيشَ السّعوديَّ الذي يختبئُ ويحتمي ويتباهى بامتلاكِه لمنظومةٍ عسكريّةٍ أمريكيّةٍ تمتصُّ نصفَ ميزانيّةِ هذا الكيانِ الذي تزلزلَ تحتِ أقدامِ هؤلاءِ المقاومينَ الحفاةِ الذين أرجفوا عروشَ آل سعود الذّهبيّةَ وفضحوا حقيقةَ ترامب وكشفوا عجزَه عن حمايةِ الجيشِ السّعوديِّ بكلِّ قوّتِه من بأسِ اليمنيينَ وصلابتِهم وقوّةِ إرادتِهم لأنّهم يتوكّلونَ على الله ويؤمنونَ بوعدِه المحتومِ بالنّصرِ لا كما يؤمنُ ابن سلمان المتوكّلُ على ترامب المهزومِ في اليمن قبله.
شكّلت هذه العمليّةُ العسكريّةُ بامتيازٍ والأمنية بجدارةٍ ودون خسائرَ مدنيّةٍ موسمَ حصادٍ لتعبِ وجهدِ المقاومينَ ولحصارِ الشّعبِ اليمني الأشمِّ وستأتي أُكلها في القريبِ العاجلِ حيث ستكشفُ الأيّامُ القادمةُ عن الإنجازاتِ السّياسيّةِ التي ستشكّلُ تحوّلاً في المواجهةِ لصالحِ اليمنِ ونقطةَ قوّةٍ لليمنيينَ في وجهِ العدوانِ الأمريكيِ السّعوديِّ الإماراتي الصّهيونيِّ فكما شكّلت معركةُ ستالينغراد قوّةً للاتحادِ السِوفياتي ووضعته في مصافِ القوى الكبرى فإنَّ عمليّةَ ستالينجران كما سمّيتُها ستفرضُ على العالمِ حقيقةً واحدةً مفادها أنّ الشّعوبَ تنتصرُ وأنَّ مقاومةَ الطّغيانِ الأمريكيّ وحلفائه سيثمرُ انتصاراتٍ عظيمةً وكما قالَ سيّدُ اليمن الأبيُّ السّيد عبد الملك الحوثي سيدركُ الغزاةُ أنَ تهامةَ ستكونُ أكبرَ مستنقعٍ لهم، يتكاملُ مشهدُ الانتصاراتِ لمحورِ المقاومةِ ببشرى سيّدِ المقاومةِ وأمينِها السّيد حسن نصر الله حينَ قالَ ولّى زمنُ الهزائمِ وجاءَ زمنُ الإنتصاراتِ .
(*) كاتب وإعلامي