أصحاب الفيل
|| مقالات ||عبدالله علي صبري
لم يخلد القرآن الكريم قصة أصحاب الفيل عبثا، فقد كان الحدث فارقا في تاريخ الجزيرة العربية يومها، وكانت العناية الإلهية بالبيت الحرام التي تجلت في معجزة سماوية، إيذانا بالنبوة المحمدية، التي ناصبها الملأ من قريش العداء، برغم أن غالبيتهم كانوا في شبابهم قد شهدوا حادثة الفيل وعرفوا بأعينهم أن ثمة إلهاً واحداً قوياً قادراً وحقيقاً بالعبادة والتعظيم. كانت مكة بكعبتها مركزا دينيا واقتصاديا شكل القاعدة لنهضة العرب، بعد أن تهاوت الدول والحضارات العربية القديمة، وبالأخص الدولة اليمنية الحميرية، التي جاء الغزو الحبشي لصنعاء، ليعصف بأحلام اليمنيين في استعادة دولتهم ووحدتهم وحضارتهم المشهود لها بالريادة مقارنة بحال القبائل العربية من حولهم.
لم ينغص على الأحباش انتصارهم في اليمن وبناء امبراطوريتهم، سوى تعلق العرب بالكعبة، التي كان الحج إليها آخر ما تمسكوا به من ديانة التوحيد الحنيفية، فقرر أبرهة الحبشي بناء كعبة موازية في صنعاء، فلما لم يجد من يحج إليها، عمد إلى تشكيل قوة هي الأكبر في زمانه بهدف هدم «بيت الله» في مكة. كان جيش أبرهة القادم من صنعاء عصيًّا على الانكسار، فقد كان الأقوى عددا وعتادا، وكانت الفيلة التي تتقدم الجيش عنوانا لسطوة الغزاة القادمين من وراء البحار .
لم تجبن القبائل العربية وبالذات اليمنية منها عن مواجهة جيش إبرهة، وعلى طول الطريق من صنعاء إلى مكة واجه الأحباش مقاومة عربية عنيفة، غير ان الفارق الكبير في موازين القوى، أصاب العرب بالهزيمة النفسية قبل العسكرية، ولما وصل الأحباش إلى مشارف مكة، كانت قريش قد اقتنعت أن لا جدوى من المقاومة. وساد اقتناع في أوساطهم أن للبيت ربًّا يحميه، وكفى. تدخل رب السماء فعلاً، وقضى على قوة «اصحاب الفيل»، وسلط عليهم « طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل»، فكانت هزيمتهم ساحقة ومشهودة. وكانت فرحة العرب كبيرة بهذا الانتصار الإلهي، الذي أسس بدوره لنهضة يمنية عربية يزنية، استعادت صنعاء من الأحباش، ومهدت لتصديق اليمنيين برسالة الإسلام بعد أن عاشوا فراغا دينيا خلال الفترة الواقعة بين حادثة الفيل وبعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
لاحقا سيتلو الرسول الأعظم على العرب قصة أصحاب الفيل، كدليل عقلاني على وحدانية الله وصدق نبوة محمد، وسيدخل العرب دين الله أفواجاً، فتقوم الحضارة العربية الإسلامية على أنقاض الحضارتين الرومانية والفارسية.
اليوم وعلى وقع العدوان السعوأمريكي على اليمن، يتلو المصلون في «بيوت الله» مساء كل يوم سورة الفيل، وملؤهم الإيمان بنصر الله رغم الفارق الكبير بين عتاد تحالف قوى الشر وبين عتاد اليمنيين بجيشهم ولجانهم الشعبية.
يعتصم اليمنيون بالله الأكبر، ويستنصر عدوهم ترامب والبيت الأبيض وبطائرات الإف 16، وبينهما يسخر مرتزقة الرياض من قوم كفروا بواشنطن وآمنوا برب سيحميهم وينصرهم كما انتصر لبيته الحرام من قبل. “إنهم يرونه بعيداً، ونراه قريبا”..” وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».