الإخفاقات الاستراتيجية السعودية في اليمن.. الآثار والتداعيات
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
العملية الواسعة النطاق التي قامت بها قوات أنصار الله اليمنية ضد الغزاة السعوديين في محافظة “نجران” تحت عنوان عملية “نصر من الله”، والتي بالإضافة إلى الاستيلاء على الكثير من أراضي نجران الاستراتيجية والغنية بالنفط في جنوب السعودية، أدّت إلى أسر الآلاف من القوات السعودية ومعداتهم العسكرية الثقيلة والخفيفة على أيدي اليمنيين، أظهرت مرةً أخرى للعالم ضعف السعودية العسكري الواسع وعدم قدرة جيشها المدجج بالسلاح.
هذا الهجوم، كما الهجوم على منشأة أرامكو قبل بضعة أسابيع، له آثاره ونتائجه التي ستكون ثقيلةً بالنسبة للسعوديين.
السعودية مضطرة لقبول وقف إطلاق النار
بالنظر إلى تعقيدات العملية الكبيرة لليمنيين في الهجوم على أرامكو، والتي أذهلت المراقبين الدوليين، وحتى جعلتهم بسبب هذه التعقيدات، يعتبرون إيران هي منفذ الهجوم، يمكن القول إن أنصار الله اليمنية وبعد عملية “نصر من الله” في عمق الأراضي السعودية، أثبتت أنها قادرة على وضع الخطط الاستراتيجية الكبيرة للغاية، كما أن لديها القوى البارعة جداً والقادرة على تنفيذ الأهداف المتوقعة.
وهذا هو الإنذار الأول للسعودية وحلفائها بأن أنصار الله سيكونون قادرين على القيام بعمليات مماثلة وإلحاق خسائر ضخمة في أي مكان في اليمن، إن أرادوا ذلك.
من المهم أن نلاحظ هنا أن أنصار الله، وبعد الهجوم الأخير على أرامكو الذي أوقف نصف إنتاج النفط السعودي، طالبت بوقف كامل لإطلاق النار بشكل طوعي ومن موقع القوة، حتى توقف السعودية قصفها الجوي مقابل وقف هجمات الطائرات من دون طيار والصواريخ عليها.
هذا الاقتراح السخي والسلمي لم يلق الرد الإيجابي من السعوديين، الذين شنّوا هجمات على ميناء الحديدة ومحافظة صنعاء.
وربما صدَّق السعوديون الكذبة التي صنعوها بأنفسهم بأن أنصار الله غير قادرة على شنّ غارات جوية بطائرات من دون طيار على آبار النفط الرئيسة شمال شرق السعودية، وردّوا على الاقتراح اليمني السخي بانتهاك وقف إطلاق النار.
حالياً يجد السعوديون أنفسهم مجبرين على قبول وقف إطلاق النار، وأن يخرجوا من مستنقع اليمن في أقرب وقت ممكن كما فعلت الإمارات.
لقد أقدمت أنصار الله مرةً أخرى ولإظهار حسن نيتها في موضوع وقف إطلاق النار، على إطلاق سراح عدد كبير من السجناء الذين أسرتهم خلال العمليات الأخيرة.
لكن طلب أنصار الله هو وقف كامل للحرب وليس هدنةً، وهذا ما أثاره “محمد عبد السلام” رئيس الوفد الوطني المفاوض والناطق الرسمي باسم “أنصار الله” في مقابلة مع مجلة “المسيرة”.
حيث قال بالأمس إن بلاده تريد وقفاً تاماً للحرب، وليس وقفاً جزئياً، وأضاف: السعودية في وضع صعب للغاية وأمريكا لا تسعى للسلام في اليمن.
مع ذلك، اعتبر ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” يوم أمس في مقابلة مع شبكة “سي بي إس” الأمريكية، وفي تحوّل ملموس مما كان عليه في الماضي، اعتبر وقف إطلاق النار الذي أعلنته أنصار الله مبادرةً إيجابيةً وجديدةً، وقال إن هذه الخطوة ستحسن عملية التفاوض السياسي.
المصداقية الضائعة
تعدّ هجمات وعمليات أنصار الله الأخيرة الواسعة النطاق مهمةً من ناحية أخرى أيضاً، وهي أنها قد أظهرت أن السعودية وعلى الرغم من امتلاكها لأحدث الأسلحة ومساعدة مستشارين عسكريين بارعين من حلفائها الغربيين، واستئجار مرتزقة من جميع أنحاء العالم، ولكن بسبب ضعف مواردها البشرية الفعّالة، ليست قادرةً على إدارة الحروب الاستراتيجية، وإذا كان هذا الضعف خافياً حتى الآن، فقد تم اكتشافه نتيجةً للحرب التي استمرت 5 سنوات في اليمن.
ومن المؤكد أن هذا الأمر كان بمثابة ضربة قاتلة للمكانة السياسية والعسكرية لهذا البلد ومصداقيته في المعادلات الإقليمية والدولية.
إن السعودية ومن خلال سياستها الخارجية الهجومية والعدوانية بعد صعود آل سلمان، أقامت علاقات غير سلمية مع جيرانها، وكثفت الأجواء المعادية مع خصومها الإقليميين، وهددت الآخرين مراراً وتكراراً بالخيار العسكري مثل قطر وإيران.
ولكن مع ذلك، أظهرت الحرب اليمنية أنه لا يوجد أي توازٍ بين أهداف السياسة الخارجية التوسعية للسعودية وقدرتها العسكرية، ما قوَّض بشكل خطير قدرتها على المساومة من أجل تحقيق أهداف سياستها الخارجية.
“حَلب” البقرة الحلوب بشكل أكثر
لقد كانت فاتورة تكاليف الحرب على اليمن ثقيلةً للغاية حتى الآن بالنسبة للسعودية، وفوق ما تصوّرته السلطات في هذا البلد، ومع ذلك، يمكن التخمين بأن الإخفاقات العسكرية الكبرى الأخيرة للرياض، يمكن أن تؤدي إلى إصدار فواتير جديدة لكسب الدعم العسكري والتسليحي من الحكومات الداعمة.
أمريكا التي تحلب السعوديين في عهد ترامب بشكل علني وبأدبيات غير دبلوماسية ومهينة، باعت مجدداً جزءاً آخر من نظام “باتريوت” غير الفعّال إلى الرياض بتكلفة كبيرة، وليس بعيد المنال أن تقوم بتكثيف أجواء إيران فوبيا، لتضع قائمة أكبر من التكاليف أمام بن سلمان باسم بيع الأمن.
وبطبيعة الحال، ينطبق الشيء نفسه على البلدان الأخرى التي تستأجر السعودية منها الجيوش والميليشيات.