المرحلة الثانية لعملية “نصر من الله”: نحوَ حسم معركة الحدود
|| صحافة محلية ||
السيطرة على جبهتَي الفرع والصوح المطلتين على مدينة نجران.. واستمرار التقدم
تبدو السعوديةُ أمامَ عملية “نصرٌ من الله” كما بدَت أمام هجوم “بقيق” و”خريص”، عاجزةً تماماً عن تجاوُزِ “فضيحة” الخسارة والهزيمة المدوّية أَو التغطية على تداعياتها وتأثيرها الحاكِم على واقع الحرب ومستقبلها، فبعدَ أيامٍ من الإعلان الرسمي عن العملية العسكرية الأكبر منذ بدء العدوان، في محور نجران، لا زالت التفاصيلُ والمعلومات حول مجرياتها ونتائجها تتوالى، كاشفةً كُـلَّ يوم عن إنجازات استثنائية جديدة يحقّقها المجاهدون اليمنيون، ومشاهدَ جديدةٍ توضح أنها كانت بحق معركة “تأريخية” وعلامة عسكرية بارزة في مسار تطور القدرات اليمنية، سواء من حيث الخطة المتكاملة التي أعدتها قواتُ الجيش واللجان، أَو من حيث تطبيقها الاحترافي على الميدان، أَو من حيث نتائجها “الضخمة” التي سجلت أكبر خسائرَ بشرية وجغرافية في رصيد السعودية وجيشها ومرتزِقتها وشركائها العسكريين، من القوات الأمريكية والبريطانية التي تديرُ عناصرُها جبهاتِ الحدود.
المسيرة | ضرار الطيب
عمليةُ “الشهيد أبو الحسنين”
في هذا السياق، وبعد الكشفِ عن المرحلة الأولى من العملية، والمسمّاة “بعملية الشهيد أبو عبدِالله حيدر”، والتي تضمّنت أكبرَ استدراج لقوى العدوان، أزاحت القوات المسلحة الستار، أمس الثلاثاء، عن المرحلة الثانية، والتي سُمِّيَتْ بـ(عملية الشهيد أبو الحسنين)، وهي من نفس “الوزن الثقيل” لسابقتها تخطيطا وتنفيذا، فإذا كانت الأولى قد أفضت إلى تحرير أكثرَ من 350 كيلو متراً مربعاً، وإسقاط ثلاثة ألوية من المرتزِقة وفصيل من الجيش السعودي، فإن الثانية قد أسفرت عن تحرير أكثر من 150 كيلو متراً مربعاً داخل العمق السعودي، وأودت بأكثرَ من 200 مرتزِقٍ وجندي سعودي وأسر عدد كبير منهم أَيْـضاً، إلى جانب اغتنام وتدمير أكثر من 120 آليةً.
هدفُ هذه المرحلة -بحسب ناطق القوات المسلحة-، كان توسيعَ قاعدة السيطرة من “وادي آل أبو جُبارة” جنوباً إلى منطقتي الفرع والصوح المطلتين على مدينة نجران بشكل مباشر، وهو ما يعني البدءَ بتطويق المدينة بعد إسقاط بوابتها في المرحلة الأولى، وقد يكون هذا تمهيدا لشن عمليات أكثر توغلاً في هذا الاتّجاه، خَاصَّةً وأن ناطقَ القوات المسلحة أكّـد استمرار تنفيذ مراحل عملية “نصر من الله”.
وجاءت الخطة التي وضعتها القيادة اليمنية لتحقيق هذا الهدف على نفس المستوى من التكتيك المحكم والتنسيق العملياتي المتكامل، الذي انطلقت منه خطة المرحلة الأولى، فبحسب الناطق العسكري، اشتركت مختلفُ الوحدات القتالية للقوات المسلحة، بما فيها القوة الصاروخية وسلاح الجو المسيّر، اللتان نفذتا 50 عملية، استهدفت مرابض طائرات العدوّ، ومواقع تمركز قواته؛ لإفقاده القدرة على القيام بأية محاولة للتصدي للهجمات اليمنية، إلى جانب اشتراك الدفاعات الجوية بعشرات العمليات التي شلت القدرات الجوية للعدوّ أَيْـضاً، وأبقت المجال مفتوحا أمام المجاهدين.
ثلاثةُ معسكرات للجيش السعودي ومرتزِقته وعشرات المواقع سقطت بكل عتادها خلال الهجمات وفي ظرف أيامٍ معدودة، لتنتهيَ المرحلة الثانية بتحقيق الهدف المرسوم لها بشكل كامل، وهو السيطرةُ على منطقتَي الفرع والصوح المطلتين على مدينة نجران، وبهذا مرحلتا عملية “نصر من الله” سيطرتا على أكثر من 500 كيلو متر مربع من المناطق الاستراتيجية على مشارف مدينة نجران، الأمر الذي يعتبر سقوطا مدويا لكل ما بذله العدوّ خلال أكثر من ثلاث سنوات.
مشاهد الإعلام الحربي لهذه المرحلة كانت استثنائية كمشاهد سابقتها أَيْـضاً في كشفها لحجم الهزيمة الكبيرة التي لحقت بالجيش السعودي ومرتزِقته ومدى انهيارهم تحت وطأة الضربات اليمنية، وكما أظهرت مشاهدُ المرحلة الأولى سقوطَ حشود من الأسرى، أظهرت مشاهد المرحلة الثانية اغتنام كميات مهولة من العتاد العسكري، ولعل قلة العنصر البشري للعدوّ في ميدان هذه المرحلة -بالمقارنة مع المرحلة السابقة- تعود إلى الانهيار الكبير في معركة “وادي آل أبو جبارة” والذي استنزف قوات العدوّ بشكل كبير، وترك خطوطه الخلفية شبه خالية.. الأمر الذي يعتبر بدوره واحدا من أهم مميزات الخطة العسكرية للعملية والتي تحكمت بمعطيات الميدان بشكل احترافي للوصول إلى هذه النتيجة.
على مشارف مدينة نجران: ماذا بعد المرحلة الثانية؟
بإضافة نتائج هذه المرحلة إلى نتائج المرحلة الأولى تتكون صورة أوسعُ لعملية “نصر من الله”، وهي صورة يظهر فيها بوضوح أن قوات الجيش واللجان نجحت في تحقيق أوسع توغلٍ داخل العمق السعودي، لا تأتي أهميتُه الاستراتيجيةُ فقط من المساحة الواسعة التي تمت السيطرة عليها وتأمينها، بل أَيْـضاً من مميزات هذه المساحة وتأثيرها المزلزل على الجَبهة السعودية الحدودية بشكل كامل، إذ باتت مدينة نجران بلا خط دفاع فاعل الآن بعد سقوط العنصرين الجغرافي والبشري اللذين كان النظام السعودي يعتبرهما “حصنَ” هذه المنطقة.
والآن وقد اتضح مدى ثبات وسعة القاعدة الجغرافية والقُدراتية التي تقف عليها قوات الجيش واللجان وهي على مشارف مدينة نجران، فإن تصريح ناطق القوات المسلحة باستمرار مراحل عملية “نصر من الله” يأتي ملوحاً بملامح عمليات أُخرى من الطراز نفسه، وهو ما يضاعف الرعبَ بالنسبة للرياض إلى عدة أضعاف، فالحديث عن توسع التوغل إلى مدينة نجران، أَو إحداث توغل آخرَ واسعٍ في اتّجاه آخر بالاستفادة من تعزيز الخط الهجومي اليمني بعد المرحلتين السابقتين يعني الحديثَ عن سقوط المناطق السعودية الرئيسية هناك، والتي لن يستطيع العدوّ تجاهلَ سقوطها أبداً، وسيكون ذلك بمثابة “حسم” معركة نجران لصالح الجيش واللجان بشكل نهائي، وربما معركة الحدود بأكملها، إذَا ما وضعنا في الاعتبار المعلومات العسكرية التي تؤكّـد أن السعودية قد وجهت كُـلّ طاقاتها العسكرية الموزعة على مختلف جبهات الحدود لتغطية الضغط الحاصل على جبهة نجران.