التحوّل في الحرب والأطر الجديدة لمفاوضات اليمن
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
اتخذت التطورات في اليمن مساراً متسارعاً فإضافة إلى الانتصارات الميدانية الواسعة لليمنيين، عادت العملية السياسية إلى الظهور مجدداً لإنهاء العدوان الأجنبي، وبالتالي حل الصراع الداخلي أيضاً مع طلبات التفاوض من قبل الطرفين بعد فترة من الركود.
في هذا الصدد، بالأمس وصل إلى صنعاء “مارتن غريفيث” المبعوث الأممي إلى اليمن للتحدث مع الأطراف المختلفة، كما التقى بزعيم حركة أنصار الله اليمنية وكذلك مسؤولون في حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية.
بطبيعة الحال، بالنظر إلى الظروف والمعادلات الجديدة للحرب، فإن السؤال المطروح الآن هو، ما مدى نجاح الجولة الجديدة من الجهود الدولية، وعلى وجه التحديد تحركات ممثل الأمم المتحدة لإنهاء الحرب وجمع جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات؟
والسؤال الآخر هو، كيف ستؤثر التطورات العسكرية الأخيرة على الجو العام للمفاوضات؟
شروط التفاوض الجديدة
إن ما كان حاسماً حتى الآن في موضوعات الحوار والغرض من المفاوضات في الجهود الدولية لفتح باب الحوار وإحضار طرفي الحرب إلى طاولة المفاوضات، هو أساساً أطرٌ خارج الخطط والأفكار الرئيسة للجانب اليمني، وعلى أساس المصالح الرئيسة للمعتدين السعوديين والإماراتيين فحسب، وهو ما يمكن ملاحظته خلال محادثات ستوكهولم في السويد، حيث لم يكن موضوع التفاوض إنهاء الحرب والاعتداء والقتل والحصار، بل وقف الهجمات على ميناء الحديدة بعد الإخفاقات المتكررة للمعتدين في الاستيلاء على هذا الميناء المهم والاستراتيجي، ووقوع الأزمة الإنسانية في حال استمرار الحصار.
في هذه المفاوضات، قَبِل المعتدون بالتفاوض “على مضض”، وقاموا بوضع العديد من العراقيل في تنفيذ نتائج المفاوضات، وواصلوا الهجمات الجوية والبرية في كل أنحاء اليمن.
ومع ذلك، فإن هذه المعادلات باتت الآن موضع الشك والتردد بشكل عام، حيث تفكّكت الجبهة المتحدة للمعتدين نتيجةً لانقسامات واسعة وعميقة بينهم، ولم يتبقَ منها سوى اسم.
فالإماراتيون نشروا قواتهم في الجنوب للانسحاب الكامل من اليمن، وبدعم من الانفصاليين الجنوبيين، قضوا على ما تبقى من مصداقية حكومة منصور هادي المستقيلة.
أما السعوديون الذين يرون أنفسهم وحيدين في مواجهة قوات أنصار الله، فأصبحوا في حيرة وتضعضع، وتلحق بهم الهزيمة في كل يوم وفي كل ساحة من ساحات القتال.
من ناحية أخرى، فإن غارات أنصار الله الجوية على المراكز العسكرية والاقتصادية للسعودية وعجزها عن صد تلك الهجمات، بما في ذلك الهجوم الكبير على منشآت أرامكو الذي استهدف الشريان الحيوي للاقتصاد السعودي، قد أحبطت السعوديين بشأن كيفية المضي بالحرب قدماً في المستقبل.
لذلك، بطبيعة الحال، في هذه الظروف لم يعد من الممكن النظر إلى المعادلات السياسية وأطرها من نافذة المعادلات السابقة، حيث إن معادلات مائدة التفاوض مستمدة في المقام الأول من التطورات في ميدان المعركة، بدلاً من توافق الطرفين أو التوجيهات الأجنبية.
أطر التفاوض في الوضع الجديد
إن النهاية الكاملة وغير المشروطة للعدوان والانسحاب الكامل للسعودية والإمارات من المواقع المحتلة في أراضي اليمن، من أجل الحفاظ على السلامة الإقليمية لهذا البلد، وكذلك إنهاء محاصرة اليمن، هو أهم مبدأ لدى قادة أنصار الله دائماً وخاصةً خلال الفترة الأخيرة، باعتباره الخطوط الرئيسة للتفاوض.
بالأمس وخلال اجتماع مع غريفيث، قال “مهدي المشاط” رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن، “لقد طرحنا العديد من الخطط لتحقيق السلام في اليمن، وكان آخرها تعليق مشروط للهجمات اليمنية على السعودية في مقابل رفع الحصار ووقف الهجمات السعودية على اليمن.
كذلك، قال زعيم أنصار الله في اجتماع مع مبعوث الأمم المتحدة، إن على التحالف السعودي أن يرحّب بمبادرة حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية، وأن ينهي هجماته على البلاد.
في الواقع، أثبتت تجربة المفاوضات في السويد والانتهاكات المتكررة من قبل السعودية ضد اليمنيين، أن اتفاقيات وقف إطلاق النار الجزئية لن تحترم من قبل السعوديين أبداً، وأن الحل هو وقف وجودها العدواني في اليمن بالكامل.
وفي هذا الصدد، قال المشاط في اجتماع مع غريفيث: إن اليمن قد اتخذ العديد من الخطوات العملية، ما يعكس جديته في التوصل إلى حلول سلمية، بالتزامن مع بدء تنفيذ أكثر من 90٪ من التزامات ستوكهولم المتعلقة بالحديدة، بينما الجانب الآخر لم يتخذ أي خطوات للوفاء بالتزاماته.
من ناحية أخرى، كانت الحاجة إلى الحفاظ على السلامة الإقليمية لليمن ومنع تفككه، إحدى القضايا التي أكد عليها قادة صنعاء دائماً. حيث أعلن زعيم أنصار الله في 19 سبتمبر، “أننا ندين كل الجهود المبذولة لتقسيم اليمن ونقف ضدها”.
ولكن أمام هذا التأطير بعض العقبات أيضاً، من بينها حرص الإمارات والقوات التابعة لها في الجنوب على تقسيم اليمن، ومن الممكن حتى أن السعوديين وأمريكا سوف يعتمدون هذه الخطة أيضاً.
كذلك، لم يبدِ السعوديون الإرادة المطلوبة لوقف الهجمات بالكامل في المستقبل القريب، وقد تحدثوا فقط عن الهدنة على نحو جزئي. وفي هذه الظروف، فإن الأمل في بدء محادثات شاملة يبدو بعيداً عن الواقع، وزيارة “غريفيث” يمكن أن تكون لسماع وجهة نظر الطرفين، ومحاولة للحفاظ على وقف إطلاق النار.