عملية “نصر من الله”… كيف حوّلت عدسة الإعلام الحربي ناطق العدوان إلى مهرّج ؟
|| صحافة محلية ||
ما إن أعلنت اليمن عن عملية “نصر من الله” حتى بادرت ماكينة الإعلام، التابعة لدول العدوان، إلى السخرية منها ووصفها بالهراء المضلل الساعي إلى تحقيق انتصار وهمي، غير أن الكاميرا لا تكذب أبداً، ولذا كانت النتيجة صادمة إلى حد انقلاب السخرية ندماً وتحول الهراء في نظرهم إلى حقيقة مرة صعب عليهم استساغتها وتقبل المشهد بصورته الحقيقية.
الثورة / عبدالقادر عثمان
البداية
بالتزامن مع عرض العميد الركن يحيى سريع – ناطق القوات المسلحة اليمنية – تفاصيل المرحلة الأولى من العملية، بدت الصور لكل من يقف في صف العدوان كمشاهد خيالية من فيلم رعب لم يستطيعوا تصديقه، بل عمدوا إلى إيهام أنفسهم بأنها فبركة إعلامية لقذف الرعب في قلوب العدو. فرضية نابعة من قلوب مليئة بالرعب، وإلا فكيف لمن لم يلامس الرعب قلبه التفكير فيه!
حاولت أيادي العدوان في الداخل إقناع أنفسهم بوهميتها، ليس للتقليل من شأنها، بل ليستطيعوا تحمّل صدمتها، حتى تعتاد أذهانهم تقبّل هزيمة أخرى؛ لأنهم يدركون أن من استطاع تحقيق هذا الانتصار سيحقق أكبر منه، وأن من تمكّن من إنجاز عملية موجعة كهذه قادر على إنجاز عمليات أشد إيلاما، ولهم معه تجارب كثيرة في ميدان المواجهة.
نفضل الصمت
في اليوم التالي لإعلان تفاصيل المرحلة الأولى، ظهر المتحدث باسم العدوان – العقيد تركي المالكي – في مؤتمر صحافي محاولاً نفي ما جرى، تماما كما حاولت قنوات العربية والحدث وسكاي نيوز عربية وغيرها من الصحف الخليجية ذلك. قال المالكي “لا نرد على إعلام الحوثيين وتضليله للرأي العام الدولي والإقليمي”.
كما حاول تقديم نفسه كمنتصر في قوله “إن إجمالي خسائر الحوثيين في المدة ما بين 16 – 30 سبتمبر 2019 بلغت 421 معدة وسلاحاً، إلى جانب مقتل 881 شخصا”، مضيفا إن “التحالف يقوم بجانب مهم في تحييد هذه القدرات النوعية، ويعمل على مدار 24 ساعة في تحييد التهديدات الخاصة بالطائرات بدون طيار وأيضاً الزوارق السريعة خاصة من محافظة الحديدة”.
هذا التصريح يأتي بعد أربع سنوات ونصف من إعلان متحدث العدوان السابق – العقيد أحمد عسيري – القضاء على أكثر من 90 في المئة من القدرات العسكرية لليمن، وتأكيده أن ما تبقى من سلاح بحوزة الجيش واللجان الشعبية ليس سوى سلاح شخصي سينتهي في غضون أيام، لكن الأيام مرت ومثلها الشهور والسنوات وتحول السلاح الشخصي اليمني إلى كابوس مفزع لدول العدوان، استطاع به الجيش واللجان اجتياح العمق السعودي والوصول إلى مكان الألم، متحدين كل أنواع الأسلحة التي يملكها الطرف الآخر رغم حداثتها وقوتها.
عدسة الإعلام الحربي
إن الصور التي عرضتها كاميرا الإعلام الحربي اليمني للمرحلتين الأولى والثانية من عملية “نصر من الله” لتدل دلالة واضحة على حالة الضعف والانكسار التي وصل إليها جنود المملكة ومرتزقتها بعد خمس سنوات من حرب عدوانية كانوا يعتقدون أن بإمكانهم تحقيق أهدافها في فترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، لكن نتائجها اليومية أعاقت كل أحلامهم، وحولتهم من طرف معتدٍ مغرور بقوته إلى طرف ضعيف يستجدي المجتمع الدولي الوقوف معه لإيقاف المارد اليمني المتنامي بسرعة البرق، المتحول من السلاح الشخصي إلى الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي عجزت بطاريات الباتريوت ومنظومة الدفاع الجوي السعودي عن التصدي له وإيقافه.
مسار المعركة
لقد عكست عملية “نصر من الله” الواقع الذي يتجه إليه مسار المعركة، وهو مسار يتجلى من خلال معطياته نصر اليمنيين بعد أن ظلموا من قبل التحالف في ظل صمت عالمي مطبق، كما يتجلى أيضا الضعف والذل اللذان سيقودان زعيمة التحالف إلى هزيمة مدوية، لن تنتهي بالهزيمة فقط بل بسقوط النظام الذي اعتدى على اليمن وقتل النساء والأطفال والشيوخ وأحرم المرضى من السفر لتلقي العلاج في الخارج ومن دخول أدويتهم الضرورية ودمر البنية التحتية والتعليمية والصحية والاقتصادية وخلق أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
أهمية العملية
إن أهمية العملية وقوة تأثيرها لا تأتي من كونها جاءت في العمق السعودي فحسب، بل لأنها أيضا تلت عمليات استهداف محطتي خريص وبقيق النفطيتين شرق المملكة بسلاح يمني الصنع، أصبحت السعودية جراء ذلك في لحظات عاجزة عن إنتاج نصف كمية النفط التي تنتجها في اليوم الواحد، وقال الخبراء إن عملية إعادة المحطة إلى وضعها السابق سيستغرق عدة أشهر، ولذا فإن فشلها في حماية أراضيها من الرد اليمني رغم كل ما أنفقته من أموال لتحقيق ذلك يجعل من عملية “نصر من الله” العملية الأكثر إيلاما منذ بدء الرد في مايو 2015، لأن اليمنيين استخدموا فيها أسلحتهم التي صنعوها من سلاح شخصي وقناصات وصواريخ موجهة وطيران مسيّر وصواريخ مجنحة كما تمكنوا من تأمين المنطقة من طائرات الأباتشي للعدو بمنظومة الدفاع الجوي التي أعلنها العميد سريع قبل أقل من شهرين.
وبالتالي ففشل المملكة في حماية أراضيها وفي تأمين زحوف مرتزقتها وجيشها يضعها في الموقف الضعيف، أمام هذا التحول الكبير في موازين القوى اليمنية، وينبئ بعمليات أخرى يبيتها اليمنيون للمملكة حال استمرارها في عدوانها على مدنهم، ربما لن تتحمل نتائجها الكارثية ولن تستطيع أي دولة إنقاذها.
بسالة وضعف
أظهرت العملية اليمنية بسالة وشجاعة المقاتل اليمني وضعف الطرف الآخر، تجلى ذلك من خلال مشهد لأحد أفراد الجيش اليمني وهو يأمر سائق عربة مدرعة على قطع الطريق أمام رفاقه حتى لا يتمكنوا من الفرار، ورغم تفاوت الإمكانيات بين الطرفين لحظتها إلا أن السائق نفذ الأمر بكل انكسار وذل، وهذا يعيدنا إلى العام المنصرم وتحديدا في جبهة الجوف، حينما استطاع الشاب أبو قاصف مطاردة أكثر من 17 مسلحا من المرتزقة بالحجارة بعد أن نفدت ذخيرته وقتل رفيقه وحوصر في تبة وعرة، لكنه انتصر لأنه يستمد قوته من الله ومظلومية الشعب اليمني وعدالة قضيته.
فرار مذعور
وبالمقارنة بين الطرفين فإن فرار بعض القيادات السعودية على متن أربع عربات مدرعة من وسط ساحة المعركة لدليل واضح على أن لا قيمة لحياة المقاتلين التابعين لهم مهما بلغ عددهم، بل إن غارات الطيران المعادي التي بلغت 911 غارة خلال المعركة وشنت على المحاصرين في الوادي (وادي آل أبو جبارة) لمنعهم من الفرار وإجبارهم على القتال أو الموت تؤكد اللامبالاة بأرواحهم من قبل النظام الذي أرسلهم، حتى أن مسؤوليه قالوا إنهم لم يرسلوا أي مقاتل وأن الحوثيين حشدوا مزارعين ومغتربين أجادوا اللهجة السعودية لتصويرهم والحديث عن أنهم أسرى من قوات التحالف، رغم ظهور الآليات العسكرية السعودية وحديث بعض الأسرى ووجود الأسماء على البزة العسكرية التي يرتديها كل واحد منهم.
إسناد واجب
على الجانب الآخر، فإن حضور وزير الدفاع اليمني اللواء الركن محمد ناصر العاطفي ومدير مكتب رئاسة الجمهورية أحمد محمد حامد وغيرهم من القيادات اليمنية، في ساحة المعركة ومشاركتهم لأبطال الجيش واللجان الشعبية مغامرة التواجد في مكان غاية في الخطورة لخير دليل على أن دماء المقاتل اليمني ليست أغلى من دماء المسؤول. تلك المشاركة كان لها تأثير إيجابي على نفسيات المقاتلين ودعم لمعنوياتهم. قال حامد إنه استمع إلى حديث الأبطال المليء بالعزة والشموخ، وقال العاطفي إن الشهادة في هذه الأماكن عزة وشرف وكرامة، وقبّل الجميع أيادي المجاهدين.
المهرج
لقد تخلى العدوان عن مرتزقته في وقت حاجتهم إليه، ورافق اليمنيون أبطالهم في وقت هم فيه بحاجة إلى من يشد على أيديهم من قياداتهم وشعبهم. وزرعت بطولتهم الفرحة في كل بيت يمني، وتحولت تصريحات التحالف عبر وسائل إعلامه إلى ما يشابه أحاديث المهرجين لا يلقي لها أحد بالاً.
ومع عرض مشاهد المرحلة الثانية من العملية الكبرى أيقن اليمنيون أن تضحياتهم لن تذهب هدرا، وأن ثمرة جهودهم في رفد الجبهات بالرجال والمال باتت واقعا يؤرق قاتل الأطفال، ويقود أعتى طغاة العصر إلى الزوال، خاصة في ظل تجاهله للمبادرة التي أطلقها المجلس السياسي الأعلى في الذكرى الخامسة لثورة اليمنيين (21 سبتمبر 2014) وجدد التأكيد عليها عشية الذكرى الـ 57 لثورة (26 سبتمبر 1962)، رغم أن ذلك ليس تجاهلا بقدر ما هو رضوخ لقوة دولية تتحكم بالقرار وتستطيع هي وحدها أن توقف العدوان على اليمن أو تعززه.