سلامٌ لا يبخس توازن الردع
|| مقالات || يحيى مقبل
هل نعي ماذا يعني أن يقدرَ الجيشُ واللجان الشعبيّة على إيقاف كُـلِّ أَو بعضِ صادرات النفط السعودي؟ وما يعنيه السيطرة على عدة ألوية بكامل عديدها وعتادها وعلى مساحة خمسمِئة كيلو متر مربع رغم ما يقارب الألف غارة في غضون أيام قلائل.
القدرة على وقف صادرات النفط السعودي يعني لخصوم السعودية في اليمن ما لا يعنيه لأحدٍ غيرهم في هذا العالم. فمثلاً إيران خصم السعودية الأول في المنطقة والعالم يملك قدرةً على تدمير كامل وشامل للمنشآت السعودية الحيوية والعسكريّة، لكن لن يجرؤ على فعل ذلك، ما لم يتم الاعتداء عليه؛ لأَنَّ لديه مفاعلات نووية ومنشآت اقتصادية وعسكريّة لم تُمس وَيخشى أن تُدمّر، لكن أنصار الله وحلفاءهم يحكمون مناطق طال الدمارُ والخرابُ كاملَ بُنيتها التحتية ومنشآتها المدنية والعسكريّة، دعك من مئات الآلاف من الضحايا المدنيين الذين قضوا إما بقصف مباشر أَو بسَببِ الأمراض والوباء والجوع الناجمة عن الحصار المطبق الذي تفرضه السعودية وحلفاؤها على اليمن منذ خمس سنوات، ودعك من حرمان أكثر من ثلاثة ملايين طالب وطالبة من التعليم، ومن ارتفاع مهول في معدلات الأمية وَ… إلخ.
وبالمجمل فالخسائر التي تسبب بها العدوان السعودي الإماراتي بحق اليمن -أرضاً وإنساناً ومقدراتٍ- فادحةٌ لدرجة أنه لم يعد لدى اليمنيين ما يخافون عليه ولا ما يخشون تدميره، ولم يكن أمام أبناء اليمن بُدٌّ من أن يعانوا كُـلَّ الآلام والأوجاع والمحن، وما كان أقسى وطأة القهر والضيم حين كنا نشاهد كُـلّ مقدرات أمتنا تقوَّضُ وتنهار أمام أعيننا من الجو ونحن في عجز تام عن تثبيت أية معادلة توازن الرعب بين بلدينا، ولكن لم يستسلم أبناء اليمن أمام تفوق القوة السعودية بل دافعوا عن أنفسهم ووطنهم وشرف أمتهم ومجدهم التليد قدرَ ما يستطيعون، وقد أثمرت الجهود الحثيثة والإرادة الصلبة في اقتناء أسلحة ردع قلبت الموازين وغيّرت المعادلات بشهادة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، وإلى الآن لم يفُق العالمُ من صدمة ضربة مصفاة أرامكو رغم مرور ما يقارب الشهر، ولا زالت تداعيات الضربة على الاقتصاد العالمي وَخصوصاً السعودي مستمرةً، وبدلاً من أن تدفعَ عملية توازن الردع وعملية نصر من الله بالرياض إلى الإسراع في طرح مبادرة للخروج من المستنقع اليمني قدّم المشّاط مبادرةً راعت حفظ ماء وجه السعودية أكثر مما ارتقت لمستوى موازنة الردع التي ثبّتها الجيش واللجان الشعبيّة.
فعلت السعودية ما فعلت بنا؛ لأَنَّها مترفةٌ بالنفط، وقد جاملها العالم وسكت عن فظائعها وتضامن معها؛ لأَنَّ الكثير من طاقته يأتي منها، وهذه الطاقة السعودية التي هي مصدر قوتها والتي أوجدت لدى حكام السعودية نزوعاً للهيمنة والعدوانية، بات بيد اليمنيين القدرة على تدميرها وإيقافها.
والقدرة على توقيف نفط المملكة يعني قدرة على التغلب على مصدر قوتها التي دمّرتنا وقتلتنا وهيمنت على وطننا وسلبت قراره طيلة عقود من الزمن، ومن غير العادل أن نبادرَ لتحييد وصون سبب بؤسنا وتعاستنا ومصدر شقوتنا وموتنا الذي هو نفط السعودية ما لم تبادر السعودية لالتقاطها وما لم تفضِ إلى صفقة سلام عادلة توقف بموجبها السعودية كُـلّ أشكال العدوان المباشر وغير المباشر وتلتزم بإعادة إعمار ما دمّرته وبعدم التدخل في شؤون اليمن.
إن قدرتَنا على ضرب مصدر قوة السعودية بمقتل يجب أن يقفز باليمن من بلد تابع ومن حديقة خلفية ومن مجرد ساحة نفوذ وهيمنة للسعودية إلى بلد سيد لنفسه قائد لزمامه نِدٍّ ومكافئ، غير هذا بخس لمعادلة الردع. إن نظام ميزان القوى ليس مفروضاً من قبل رجال الدولة على الأحداث، وإنما هو وضعٌ تفرضُه الأحداث على رجال الدولة. وإن الأمر الذي يقلق السعودية ويربكها هو مقارنة ما يمكن أن يلحقَ بها من خسائرَ بما يمكن أن يلحقَ بنا من خسائر حال استمر الحرب بعد معادلة الردع الثانية التي أوقفت نصف صادراتها.
فما دامت السعودية ومعها اقتصاد العالم تحت رحمة مسيّرات وصواريخ جيشنا ولجاننا الشعبيّة فلا بد من أن تنجرَّ من أذنيها إلى مفاوضات تفضي إلى سلام عادل يليق بشجاعة وتضحيات أبطال جيشنا ولجاننا وتشفي صدورَ الجرحى والثكالى والأرامل والأيتام والمحرومين من التعليم والمهجّرين والجوعى.
وما لم يكن سلامٌ عادلٌ يليقُ بتوازن الردع وقد بات خُطامُ السعودية واقتصاد العالم بيدنا فلتكن معركة كسر عظم فلم يعد لدى صنعاء ما تخسره، بينما الرياض تخشى أن تشتعل مجدّداً النيرانَ في منابع ومصافي ومعامل نفطها وأن يغطي دخانُها سماءَ المنطقة، وستكون خسائرُنا من الآن لا شيء مقارنةً بما ستخسر المملكة. وعلينا أن لا نلقي بالاً لردة فعل هذا العالم الذي يبلعُ لسانَه اليوم وقد توقفت وسائلُ النقل والمستشفيات ومضخات الماء ومحطات الكهرباء وبات الناسُ يموتون في طول وعرض اليمن.