ما هي حدود العدوان التركي على الشرق السوري؟

|| صحفة عربية ودولية ||

 

تتوزع ردود الافعال الخارجية على العدوان التركي في الشرق السوري، بين الصراخ الاوروبي غير المؤثر كالعادة، وبين التواطوء الاميركي انما المشروط بحدود “مرسومة اميركيا”، وبين غض النظر الروسي الحذر، والمستند على فقدان الامل من اقتناع الاكراد بوجوب تسهيل تمددّ السلطة الشرعية السورية شرق الفرات، وبين المعارضة الايرانية للعمل العدواني بالاساس، ولكن مع اعتباره أهون الشرَّين مقارنة مع الاحتلال الاميركي، حيث ما زالت طهران تراهن على امكانية إعادة اعتماد اتفاق اضنة لتنظيم التواجد التركي على الحدود مع سوريا.

 

بمعزل عن تلك الردود وما يمكن ان تؤثر على حركة التوغل التركي، فان الاخير اصبح امرا واقعا وهو يتمدد جنوبا داخل الاراضي السورية على محورين اساسيين ، محور مدينة راس العين ومحور مدينة تل ابيض، وكما يبدو في الساعات الاخيرة ، بدا يتحرك محور كوباني (عين العرب) بعد المعلومات التي تفيد بوصول تعزيزات تركية مدرعة، بالاضافة لمشاهدة حركة نزوح للمدنيين باخلاء المدينة والتوجه جنوبا.

 

في متابعة لحركة الميدان والقصف الجوي والاشتباكات على المحاور المذكورة ، يمكن ملاحظة النقاط التالية:

 

ـ استطاعت الوحدات التركية والمجموعات المتحالفة معها حتى الان من السيطرة على شريطي البلدات والنقاط المحيطة بمدينتي رأس العين وتل ابيض ، في حركة ميدانية توحي بقرار محاصرة المدينتين بشكل شبه كامل ، مع ترك منفذ جنوبي لفرار المسلحين وما تبقى من المدنيين، مع تشديد القصف الجوي على النقاط المدنية الحيوية والمؤثرة على حياة المواطنين والمسلحين الاكراد، مثل المشافي الصحية ونقاط توزيع الكهرباء والمياه، تماما كما حصل في العدوان التركي على منطقة عفرين سابقا (عملية غصن الزيتون)، حيث انسحبت الوحدات الكردية من المدن والبلدات دون قتال ومواجهة مباشرة .

 

ـ يتوزع القصف الجوي التركي، والذي يستهدف مواقع ونقاط تمركز وانتقال الوحدات الكردية وخاصة  قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، على كامل الشريط  الحدودي من الحدود مع العراق حتى كوباني القريبة من نهر الفرات شرق جرابلس، انطلاقا من عين ديوار ـ المالكية مرورا بالقحطانية فالقامشلي حتى راس العين وامتدادا الى تل ابيض وعين العرب، وعلى كافة  طرق الربط بين تلك المدن، مع تمدد هذا الشريط من القصف الجوي في العمق جنوبا، فقط على محور تل ابيض ـ عين عيسى ـ المداخل الشمالية لمدينة الرقة، وحيث تنتشر وحدات قسد ووحدات حماية الشعب الكردية في كامل شرق الفرات، يكون لافتا تركيز هذا القصف في العمق فقط على المحور الاخير (تل ابيض ـ عين عيسى ـ الرقة).

 

– تفيد بعض المعطيات ايضا من مصادر كردية أن اثنين من عناصر التحالف الفرنسيين أصيبوا في غارة تركية بالقرب من كوباني ، وقد  ذكر مراسل قناة العربية عن خروج مروحية  عسكرية من قاعدة قريبة من كوباني من المحتمل أنها كانت تحمل جرحى ، مع معطيات شبه اكيدة ايضا عن تعرُّض نقطة عسكرية اميريكة قرب عين عيسى لاطلاق النار مرتين من الطائرات التركية دون وقوع اصابات.

 

 انطلاقا من هذه الوقائع الميدانية، لناحية طبيعة المواجهات على المدن الحدودية، ولناحية توزيع القصف الجوي التركي على كامل الشريط الحدودي المذكور، مع توسيع القصف الجوي نحو العمق جنوبا ،  فقط على محور عين عيسى ـ الرقة، بالاضافة للاستهداف الجدي للتواجد الفرنسي قرب كوباني، وللاستهداف المدروس والحذر بنيران الرشاشات وليس بالصواريخ، لنقطة عسكرية اميريكة قرب عين عيسى، مع تعمد عدم ايقاع اصابات، يمكن استنتاج حركة وحدود التوغل التركي في عدوانه على الشرق السوري على الشكل التالي:

 

اولا: السيطرة على كامل الشريط الحدودي من المالكية حتى جرابلس بعمق لا يتجاوز مدينة الحسكة ( اقل من 30 كلم ) حيث هناك تواجد لوحدات عسكرية وامنية سورية شرعية ، مع تركيز الانتشار بين راس العين وتل ابيض حتى كوباني، وابعاد الوحدات الكردية عن المناطق الحدودية الاخرى بين المالكية والقامشلي، من دون التصادم مع الوحدات السورية الشرعية المتواجدة في القامشلي، مع امكانية تسهيل وعدم عرقلة تمدد الاخيرة وتوسيع انتشارها اكثر، لتصل الى الحدود مع العراق.

 

ثانيا : من غير المستبعد قيام الوحدات التركية والمجموعات التي تقاتل بامرتها، التوسع في انتشارها نحو الرقة واحتلال شريط غير بسيط، يربط تل رفعت بمدينة الرقة، بشكل يشطر منطقة شرق الفرات الى قسمين، ويؤمن بذلك احتلال منطقة جغرافية واسعة وغنية ، صالحة لابعاد اغلب النازحين السوريين من تركيا واسكانهم فيها، والتي تتميز باغلبية عربية غير كردية.

 

هذا لناحية المناورة التركية المرتقبة ، والتي يبدو ان انقرة تعمل لها بتسهيل روسي اميركي، او على الاقل بغض نظر وعدم معارضة قاسية، ولكن ماذا لو تعثر الدخول التركي وطالت مدة العمليات العسكرية وازدادت الخسائر بين المدنيين؟ وهذا الامر غير مستبعد، وماذا ايضا عن مناورة الجيش العربي السوري والذي هو حتما يدرس ـ بمشاركة روسية ايرانية ـ كافة الاحتمالات، ومنها التحرك شرقا في نقاط مدروسة عسكريا وميدانيا ؟؟

العهد .. شارل ابي نادر

 

قد يعجبك ايضا