عدن.. عاصمة اقتصادية بلا اقتصاد..
قتل ونهب وتدمير وتهجير وابتزاز للتجار ومضاربة بأسعار صرف العملات
موقع أنصار الله || صحافة محلية || الثورة / عبدالقادر عثمان
تراجعت الملاحة في ميناء عدن إلى مستويات متدنية بفعل الاضطرابات والانتهاكات التي يتعرض لها القطاع الخاص
حاول مسلحون قتل عامل في مطعم ريم السياحي في عدن لأنه شمالي
الأمم المتحدة لا تدرك حجم مخاطر تراجع حركة الواردات في السوق المحلي في شمال الوطن
النزعة العنصرية في الجنوب استفحلت بشكل غير مسبوق وانعكست آثارها على التجار والأسواق
التلاعب بأسعار صرف العملات الأجنبية في عدن هدد الاستقرار التجاري والاقتصادي
منحت الإمارات الأسلحة المختلفة للجماعات المتطرفة التي زعزعت أمن واستقرار المواطنين
تشهد عدن والمحافظات الجنوبية ككل منذ سيطرة تحالف العدوان عليها، عام 2015، حالات من الفوضى والعبثية المفتوحة على كل الجهات، في ظل غياب الدولة ونشأة المليشيات المتطرفة العاملة لصالح الأطراف الخارجية في إطار السعي لتمزيق اليمن وإنشاء مستعمرات جديدة تقوم على أساسها دولة منزوعة السيادة والحرية والاستقلال وحتى كرامة وحقوق أبنائها تحت مسمى «الجنوب العربي» بدعم سعودي إماراتي بريطاني، جاء إليها في بادئ الأمر لابسا زيف إعادة «الشرعية» المزعومة، ليتحول إلى شبح يقلق السكينة العامة ويقوّض الأمن والاستقرار ويهدم كل بنى الاقتصاد، ويحول عدن إلى منطقة لا تصلح إلا لنوع غريب من التجارة، هي «تجارة الوطن».
منتصف الأسبوع الماضي، أقدمت عناصر مسلحة في محافظة عدن على اغتيال اثنين من رجال الأعمال اليمنيين، هما «محمد عبده ثامر (من أبناء العاصمة صنعاء) في مدينة إنماء، ومالك مطعم الحمراء في مديرية خور مكسر، عادل دعدع (من أبناء شبوة)»، بعد اختطافهما على متن أطقم عسكرية، لتتم تصفيتهما بطلقات نارية على أنحاء متفرقة من جسديهما ونهب قاطرة التاجر ثامر المحملة بالبضائع»، وهي ظاهرة انتشرت في عدن منذ أربع سنوات بشكل غير مسبوق جراء الانفلات الأمني الحاصل، ومنح الإمارات الأسلحة المختلفة للجماعات المتطرفة التي زعزعت أمن واستقرار المواطنين، وضيّقت الخناق على الكثير منهم ما دفعهم للنزوح إلى صنعاء والبحث عن مكان آمن.
اختطاف تجاري
وقبل نحو شهر من الآن، اختطفت مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي (كيانا مناهضا لهادي، يتبع الإمارات المحتلة، ويرفع شعار الجنوب العربي) رجل الأعمال، سمير القطيبي، بعد مداهمة منزله في عدن، ونهب جزء من محتوياته، واقتادته لجهة مجهولة، وهذا ليس بجديد، فقد جرت العادة على مداهمة المليشيات الجنوبية للمنازل وشن حملات الاختطاف العشوائية التي تستهدف الخصوم السياسيين وأبناء المحافظات الشمالية والصحفيين والتجار بشكل يومي.
من جهة أخرى، «تنفذ الفصائل المسلحة لحزب الإصلاح في المناطق الواقعة تحت سيطرتها حملات اعتقالات للمحسوبين على ما يسمى المجلس الانتقالي» حسبما أوضح الصحفي المهتم بالشأن الجنوبي في وكالة الصحافة اليمنية رشيد البروي، مضيفا لـ «الثورة» إن «المشهد الجنوبي الآني مليء بالتعقيدات السياسية من جانب والخوف والرعب من جانب آخر، فبجانب الاغتيالات اليومية زادت نسبة الاعتقالات وبكميات أكثر من السابق خصوصا بعد أحداث أغسطس».
وأشار البروي إلى حملة الاعتقالات الأخيرة التي شنتها مليشيات الانتقالي التابعة للإمارات «وطالت العشرات من المحسوبين على الإصلاح في زنجبار – أبين»، قبل أن توسع الأولى انتشارها في عدة نقاط عسكرية، «وهو ما ينذر بمعركة قادمة في الجنوب بين الطرفين المتصارعين» حد قوله.
مطاعم غير آمنة
في مطعم ريم السياحي، وسط مدينة كريتر – عدن، قال شهود عيان إن مجزرة كادت أن تحصل على يد أحد قادة المليشيات في المدينة ومرافقيه، عندما علموا أن شاباً يعمل في المطعم ينتمي إلى منطقة شمالية، وحاولوا قتله داخل المطعم المزدحم بالناس» بحسب ما نقلت صحيفة «العربي الجديد» اللندنية مطلع أكتوبر الجاري، مضيفة أن المسلحين حاولوا إطلاق الرصاص على الزبائن، بسبب وقوفهم ضدهم، قبل أن يتمكن أشخاص آخرون من منع المسلحين من إطلاق الرصاص وسط المطعم المزدحم، فيما هرب العشرات من المكان خوفاً من وقوع مجزرة»، مؤكدة على لسان أحد المصادر إنه «لم يتم اتخاذ أي إجراء ضد هذا القائد المليشياوي ومرافقيه، نظراً لأن معظم هؤلاء محميون من قيادات في المجلس الانتقالي الانفصالي أو ضباط إماراتيين».
ليس مطعم ريم وحده الذي تعرض لمثل هذه الأعمال، بل إن المعلومات القادمة من عدن تقول إن تهديد الناس والاعتداء عليهم أمر يحدث في جميع المطاعم، وبشكل يومي ومتكرر، يصل في حالات كثيرة إلى تعرض مالكي المطاعم للابتزاز والتهديد لتقديم وجبات مجانية للمسلحين أو قياداتهم والاعتداء عليهم أيضا، وهي أعمال تعزز مخاوف الأهالي الذين يعيشون في ظل انتشار مليشيات متعددة ومتطرفة، أسهم وجودها في ارتفاع معدل الجريمة والعنف والفوضى.
منتجعات غير سياحية
وفي عدن تمتلئ الجامعات والمدارس الأهلية والمنتجعات السياحية بالمسلحين الذين لا يترددون عن مضايقة رواد تلك الأماكن وتهديدهم والتحرش بالفتيات والاختطاف في كثير أوقات، حتى أصبح الخوف والرعب شعارا للمنتجعات السياحية التي يزورها الناس للنزهة والترويح عن النفس، ما يجعل زوارها يغادرونها بعد دقائق من دخولها؛ خوفا من المسلحين، وهي مؤشرات تنذر بإغلاق تلك المنتجعات تحت تأثير صعوبة الدخل.
وتنتشر الجماعات المسلحة في عدن وساحل أبين والغدير ومنطقة العشاق بشكل مرعب، إلى جانب المدرعات الإماراتية التي بات الناس يخافون من كثرة حوادثها حتى وصل بهم الحال إلى القول «من يقصد زيارة هذه المناطق ولم يمت بالسلاح سيموت بحادث مدرعة أو آلية» كما أوضحت العربي الجديد عن شهادات سكانها.
بيئة عمل منعدمة
يقول الصحفي الاقتصادي، رشيد الحداد، إن «الوضع الأمني المضطرب وحالة الانفلات وتصاعد الجرائم والاغتيالات وأعمال السطو المسلح الذي يتعرض لها القطاع الخاص في عدن، يؤكد أن بيئة الأعمال في العاصمة الاقتصادية منعدمة وأن درجة المخاطرة لدى التجار والمستثمرين مرتفعة جدا»، ويضيف لـ«لثورة»: «النشاط التجاري تأثر في عدن بفعل ازدواجية السلطة منذ سنوات ولكنه وصل إلى أدنى مستوياته بعد سيطرة ما يسمى المجلس الانتقالي على المدينة، فاليوم حركة الملاحة في ميناء عدن تراجعت إلى مستويات متدنية بفعل الاضطرابات والانتهاكات التي يتعرض لها القطاع الخاص، ومعدل تدفق السلع والمنتجات بين عدن والمحافظات الشمالية أصبح شبة منعدم بسبب قيام عصابات مسلحة بالسطو على الشحنات التجارية المستوردة التابعة لتجار من الشمال عبر الميناء».
وتطرق الحداد إلى الجريمة التي تعرض لها التاجر ثامر قبل أيام، عندما قامت عصابة مسلحة بإعدامه بعد رفضه تسليم شحنة تجارية كان يتولى نقلها من ميناء عدن إلى صنعاء، وقال «بسبب رفضه تسليم الشحنة أثناء خروجه من الميناء تعرض للاختطاف والإعدام ومصادرة الشحنة والقاطرة».
فتح ميناء الحديدة
وكانت صنعاء قد طالبت من الأمم المتحدة الضغط على دول العدوان للسماح بإعادة فتح ميناء الحديدة أمام الرحلات التجارية حفاضا على سلامة وأمن التجار والعاملين في هذا القطاع مما يتعرضون له في عدن من ابتزاز وتصفيات ونهب واعتقال.
عن ذلك يقول الصحفي الحداد «إن ما يحدث في عدن من انتهاكات للقطاع التجاري وخصوصاً تجار المحافظات الشمالية كان محل إدراك الغرفة الصناعية والتجارية في العاصمة صنعاء، التي طالبت الأمم المتحدة بالضغط على دول العدوان لفتح ميناء الحديدة بعد أن أصبح الاستيراد عبر عدن شبه متوقف بسبب الأعمال العنصرية وتصاعد ظاهرة السطو والنهب التي يتعرض لها تجار الشمال»، مضيفا «الأمم المتحدة لا تدرك جحم مخاطر تراجع حركة الواردات في السوق المحلي في شمال الوطن والذي يخدم 21 مليون نسمة؛ فالاضطرابات في عدن، إن استمرت، سيكون لها الأثر السلبي على الاستقرار التمويني في الأسواق المحلية برمتها في ظل استمرار الحصار على ميناء الحديدة».
نزعة عنصرية
يقول البروي إن «النزعة العنصرية في الجنوب عامة وعدن خاصة استفحلت بشكل غير مسبوق وانعكست آثارها على التجار والأسواق التي معظم عمالها من أبناء المحافظات الشمالية، وهو ما أجبر معظم التجار على إغلاق محلاتهم معظم أيّام الأسبوع، وإذا فتحت لا تفتح غير ساعات محدودة كون الخوف والرعب يدبان في المحافظة وهو ما فاقم الأمر على المواطن المغلوب على أمره وسبب شللا كبيرا في الحركة الاقتصادية، وتوقف تام في المشاريع الاستثمارية»، ويحمل تحالف العدوان بقيادة السعودية والإمارات، والجهات المسيطرة كالانتقالي الجنوبي وفصائل الإصلاح المنخرطة في ما يسمى بـ «قوات هادي» المسؤولية عن الحالة التي وصلت إليها العاصمة الاقتصادية لليمن.
توقف الاستثمار
وتؤدي أعمال العنف الحاصلة في عدن إلى تدهور بيئة الأعمال الاستثمارية هناك، يقول رشيد الحداد، إن ذلك أدى إلى «توقف قطاع الاستثمار تماماً في عدد من المحافظات الجنوبية، رغم تحسن حركة الاستثمار بشكل طفيف في حضرموت خلال السنوات الماضية»، ويعزو سبب ذلك إلى الاضطرابات التي أدت إلى توقف الاستثمار الأجنبي والمحلي، حتى وصل بها الحال إلى أنها أصبحت لا تمتلك أي مؤشرات على تحسن بيئة الأعمال، وذلك بعكس العاصمة صنعاء التي تعيش حالة أفضل رغم الحصار والعدوان.
معجنة البنك المركزي
في أغسطس المنصرم توقف عمل البنك المركزي في عدن المحتلة عن جميع مهامه تحت تأثير الاضطرابات العسكرية التي عصفت بالمحافظة عقب المواجهات التي دارت بين مليشيات الإمارات من جهة ومليشيات السعودية من جهة أخرى وانتهت بسيطرة الطرف الأول على المحافظة وفرار من بقي من الوزراء المحسوبين على هادي وإعلان عدن منطقة محتلة من قبل الإمارات.
هذا الإغلاق أدى إلى شلل اقتصادي شبه كلي في عدن، واستمر على إثره انقطاع المرتبات في المحافظات المحتلة، كما أنه ساهم في زيادة عملية المضاربة بأسعار العملات وخلق فوضى غير محدودة في هذا الجانب كانت إلى قبل إغلاقه تحدث بشكل سري بين البنك وبعض التجار الذين استفادوا من فارق الصرف، وزادوا من تضييق الخناق على المواطنين، في الوقت الذي اتخذت فيه السلطات في صنعاء قراراً حافظ على استقرار العملة المحلية من الانهيار.
مضاربة غير مشروعة
عن ذلك يقول الحداد «من خلال متابعتي المستمرة لحركة سعر الصرف في الأسواق المحلية تبين أن عدم استقرار سعر الصرف في عدن أكبر من صنعاء والفارق حتى اليوم من 8 – 10 ريالات في الحد الأدنى في سعر صرف الدولار بين صنعاء وعدن، وذلك لا يدل على ارتفاع الطلب على الدولار من قبل القطاع الخاص هناك وإن كان هناك مخاوف لدى التجار؛ بل هو نتاج وجود مضاربة غير مشروعة بسعر الصرف من جانب، ومن جانب آخر هناك طلب على الدولار والسعودي لغرض الكسب غير المشروع وإحداث اضطراب في الاسواق وكذلك لتامين نفقات حكومة هادي التي تنفق شهريا قرابة 90 مليون دولار وتحصل عليها من مركزي عدن».
من جانبه يرى البروي أن «التلاعب بأسعار صرف العملات الأجنبية في عدن هدد الاستقرار التجاري والاقتصادي وأثر عليهما بشكل كبير جدا، بل وشكل ذلك شللا تاما للحركة التجارية في ظل عدم وجود أي رقابة من أي جهة كانت غير عصابات السرق والنهب التي أجبرت الكثير من الصرافين على إغلاق محلاتهم».
لجنة هادي ومعياد
وبالعودة إلى تصريحات حافظ معياد، محافظ البنك السابق لهادي، فإن ما تحدث عنه في أبريل الماضي من قيام البنك في عدن بتغذية أرصدة البنوك المعتمدة والمشتركة في عملية المصارفة للتجار، بموجب توجيهات اللجنة الاقتصادية، فإن عملية المصارفة التي لا يزال يكتنفها الغموض قد تمخضت عن عملية فساد كبيرة أدت إلى انهيار العملة في عدن دون أي نتائج ملموسة على أسعار المواد الغذائية المستوردة والمدرجة ضمن قائمة المصارفة.
يعلق الصحفي الحداد عن ذلك بالقول: «اللجنة التي شكلها هادي ولدت ميتة، وما حدث أن قطاع العمليات الخارجية في البنك المركزي بعدن أدار الوديعة السعودية التي كانت ملياري دولار التي كانت تشكل احتياطي أجنبي، وقام البنك بسحب أكثر من مليار و200 مليون دولار من تلك الوديعة في قرابة العام»، مشيرا إلى أن معظم عمليات السحب وبنسبة 90 في المئة حدثت في عهد معياد، وبلغت عمليات السحب لتمويل واردات الغذاء والمشتقات النفطية 30 عملية، لا تزال معظمها يكتنفها الغموض من جانب، لأن التجار المستفيدين من تلك العمليات المالية مجهولون واستفادوا من فارق السعر».
صفقات فساد
ويوضح رشيد الحداد ذلك قائلا «هناك خمس مواد غذائية أساسية حصلت على الدولار بسعر440 ريالاً، بينما كان يباع في السوق بسعر 550 ريالاً، وأكثر، وكان يفترض أن يبيع التاجر المستفيد السلع والمنتجات بسعر مخفض ولكن ظل البيع بسعر السوق الموازي، وهناك صفقات فساد كبيرة في هذا الجانب، فلجنة اقتصادية هادي والبنك في عهد معياد كانا يبيعان الدولار للتجار بأكثر من سعر البنك فبعض التجار حصلوا على الدولار بسعر 505 ريالات وبعض التجار رفض البنك أن يغطي وارداتهم بالدولار واشترط أن يشتروا منه بسعر السوق الموازي ناقصاً عشرة ريال.
يضيف الحداد قائلا «خلال الأسابيع الماضية نجح بنك مركزي صنعاء في إعادة كتلة مالية كبيرة من الدولار للتعامل ساهمت في وقف تدهور سعر صرف الريال اليمني ورفعت من معدل العرض النقدي من الدولار في السوق، بعد أن تسبب بنك عدن بتعطيل كتلة كبيرة من الدولار وتحديدا الطبعات القديمة 2003 – 2006م، وحصر التعامل بالدولار بالطبعات 2009 – 2013م»، في إشارة إلى قرار محافظ البنك في صنعاء الذي نص على قبول التعامل بالدولار بطبعتيه القديمتين».
اقتصادية بلا اقتصاد
من خلال ذلك، يمكن القول إن عدن، وهي العاصمة الاقتصادية والتجارية لليمن، أصبحت اليوم مكانا غير آمن للاستثمار والتجارة، على عكس ما كانت عليه سابقا، وأنها أصبحت بيئة طاردة للتجار من أبناء المحافظات الشمالية وحتى الجنوبية، وهذا مؤشر خطير يدل على أن الاحتلال الذي يسيطر عليها اليوم عن طريق مليشياته، يعمل على تحويل المحافظة، وغيرها من المحافظات التي يسيطر عليها، إلى مناطق غير مؤهلة للعيش، ويكشف نوايا المسيطرين السيئة.