عملية “نصر من الله” في عيون أحد أبطالها
موقع أنصار الله || صحافة محلية || صحيفة المسيرة
عندما يأتي التأييدُ الإلهي ليقلبَ كُـلَّ المعادلات، وينسف كُـلَّ القوى، فإنَّ ثمة جنوداً صادقين مؤمنين مخلصين لله، هم من يتحَرّكون على الأرض ليكونوا السببَ في نصر الله، ويجسدون حقائق ومصاديق الآيات التي أكّـد فيها الخالقُ الحكيمُ أنَّ النصرَ من عنده يؤتيه من استخلصهم من عباده.
عمليةُ “نصر من الله” التي أدهشت كُـلَّ الخبراء العسكريين والمحللين والمتابعين، أظهرت جانباً من تأييد الله، الذي لا مكانَ فيه للمعادلات وموازين القوى الافتراضية، فالنتيجةُ مربوطة بالقضية ومن يحملها.
وفي هذا السياق، أجرت صحيفةُ المسيرة حواراً صحفياً مع أحد الجرحى المجاهدين المشاركين في عملية النصر الكبير بوادي آل أبو جبارة، والذي روى جانباً من كواليس العملية ومجريات المعركة التي خاضوها بعون الله وجنوده المسومين، في حين اعترف بعجزه عن وصف كُـلِّ ما شاهده في المعركة؛ نظراً لتوالي الآيات التي تجسّدت مع كُـلِّ موقف من المواقف التي عاصرها المجاهدون العظماء في تلك العملية.
الشاعرُ المنشدُ الإعلامي المجاهد الجريح جبران العصيمي، يسرد لصحيفة المسيرة جملةً من المواقف التي لامسها المجاهدون، وأذهلت كُـلَّ من اطّلع على مشاهدها، ناهيك عن الهول الذي أصاب قوى العدوان بالدهشة وجعل آلياتهم تعبّر عن هولها باستسلامها أمام بنادق الحفاة.
المجاهد الجريح العصيمي أكّـد أنَّ ما جرى في وادي آل أبو جبارة أكثر من مجرد نصر، مُشيراً إلى أنَّ التأييدَ الإلهي أحاط بالمجاهدين من كُـلِّ جانب، وعصف بالمعدين من كُـلِّ مكان، منوّهاً بالعديد من الجوانب ذات الصلة والمتعلقة بتمكين الله لخَاصَّة أنصاره وأوليائه، ونستعرضها في نصِّ الحوار التالي:
حاوره: أيمن قائد
– بدايةً أخي المجاهد المنشد الشاعر الخطّاط الإعلامي الجريح جبران العصيمي.. هل بالإمْكَان أن تعرّف قراءَنا الكرامَ عن نفسك؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله، بدايةً نشكر صحيفةَ المسيرة على إعطائنا شرفَ الاستضافة، كما نشكر شبكةَ المسيرة وكلَّ الإعلام الحر المقاوم على الجهود الجبّارة التي يبذلونها في مواجهة الاستكبار وآليته الإعلامية التضليلية.
أنا المنشدُ جبران أحمد محمد مرشد العصيمي، من أبناء قرية الدار البيضاء، مديرية بلاد الروس بمحافظة صنعاء، أدرس بجامعة صنعاء بكلية الإعلام، أبلغ من العمر 22 عاماً.
لدي بعض الهوايات التي أمارسها باستمرار، في الشعر والإنشاد وكذلك في الرسم الذي هو الكتابة على الجدران واللوحات العملاقة، إضافةً إلى الكتابة الصحفية والتحرير الصحفي.
– حدّثنا عن تجربتك في الإنشاد والشعر في المجال الإعلامي وكذا في المجال العسكري؟
بفضل الله ومنّه وكرمه وجوده، كُـلُّ التجارب التي يقوم بها المجاهدُ في سبيل الله لا تلقى الفشلَ ولا تعرف الوهنَ، بل تلقى التأييدَ وتلقى كُـلَّ ما يهيئها لأن تخرج إلى النور وتخرج بشكل أكبر من مستوى قدراتك ومهاراتك، وتجربتي في الإنشاد ولله الحمد لدي العديد من الزوامل والأناشيد المتنوعة، ومنها ما كان بالشراكة مع إخواني المجاهدين في مجال الإنشاد، وكذلك لدي العديدُ من القصائد التي لُحنت إلى زوامل وأناشيد.
وعلى المستوى الإعلامي، عملت رئيساً للجنة الإعلامية المركزية لملتقى الطالب الجامعي، وعملت كرئيس تحرير مجلة ملتقى الطالب الجامعي بالشراكة مع زملائي المجاهدين، أصدرنا أعداداً من هذه المجلة الدورية الخَاصَّة بالتوعية والتثقيف، وكلُّ الأعدادِ كانت تركّز على التعبئة العامة ومواجهة الحرب الناعمة.
وكذلك على المستوى الإعلامي أيضاً، عملت كمسؤول على إعلام الشارع في منطقة بلاد الروس، حيثُ كنا نقوم برسم وكتابة العبارات الخَاصَّة بالمناسبات على الجدران واللوحات العملاقة.
وبين كُـلِّ فترة ألتحقُ بجبهات القتال، وشاركت في عدد من الجبهات، وجُرحتُ أكثر من مرة، آخرها الإصابةُ التي تعرّضت لها في المعركة الأخيرة التي خضناها في وادي آل أبو جبارة، والتي رأينا فيها النصر من الله والفتح المبين الذي لم نعرف نحن كيف صنعنا هذا النصر الكبير، والذي أيضاً شاهدنا التأييدَ الإلهي الكبير والعظيم جِـدًّا الذي لولاه لما تمكّنا من أسر جندي واحد أَو إيقاف عربة أَو مدرعة؛ نظراً لظروف المعركة وكثرة عدد وعتاد العدوّ.
– على ذكرك هذا الموضوع الرئيس في حوارنا.. هلا حدّثتنا عن العملية وكيف رأيتم آيات الله في الميدان؟
الحمدُ الله الذي أيدّنا ونصرنا بالنصر المبين، إلى الآن، لم أتمكّن لا أنا ولا زملائي المجاهدون من وصف ما جرى وما شاهدناه في تلك المعركة.
وما نستطيع الحديث عنه هو أننا وجدنا آيات الله في كُـلّ خطوة مشيناها أثناء تنفيذِ عملية “نصر من الله”.
فعندما أعددنا العُدّة لتنفيذ العملية كنا نشعر بقوة وصلابة شديدة، وكنت أنا وزملائي نستشعر ونسمع كلامَ الله في أذهاننا، وانغرس في وجداننا، وشاهدنا برهان الآية التي قال الله فيها: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ) وانطلقنا ولم نُبالِ بعدد وعتاد العدوّ.
وعندما كان طيران العدوان يقصف، ومئات الغارات بشكلٍ عشوائي، والطائرات متخبطة دون تحقيق أي هدف، وجدنا وشاهدنا آيةَ (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ).
وحين ما كانت رصاصهم وقذائفهم تنهال علينا بصورة جنونية وجدنا وشاهدنا آية (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا).
وحين ما رأينا تِبابهم وجبالهم تتساقط، وأرتالهم الهائلة تحترق، وآلياتهم تتحطم، وآلافهم يستسلمون أمامَ بنادقنا التقليدية وأقدامنا الحافية وجدنا آيةَ (إنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) وآية (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
وعندما سمعنا صرخاتٍ عالية تملأ وادي آل أبو جبارة، كان يهتف بها آلافُ الأسرى حتى قبل أن يضعوا أسلحتهم، وأيضاً هتافهم بـ “هيهات منا الذلة” و”لبيك يا رسولَ الله” وغيرها من الهتافات، عندها وجدنا مصداقَ سورة النصر (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) ولم يسعنا بعدها إلّا الاستغفارُ والتسبيحُ بحمد الله الصادق وعده والناصر جنده -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-.
وهناك من الآيات التي تجسّدت الكثير، والتي لا تسعني الأوراق ولا الكلمات أن أنقلها أَو أتحدث عنها، وهناك المواقفُ التي لا نستطيع وصفها، ولكن باختصار أقولها: إنَّ آياتِ الله رافقتنا في كُـلِّ موقفٍ من المواقف التي عاصرناها في تلك الملحمة والمعركة الإلهية.
– هل كنتم تتوقعون هذا الكـمَّ الهائلَ من الأسرى والغنائم؟ ولماذا؟
بلا شك لم نتوقعْ هذا الكمَّ الهائل، ولكننا كنا متوقعين لأية معجزة تحصل، وليس بالغريب أنَّ الله يؤيد عباده المؤمنين في كُـلِّ المجالات وبشتى الوسائل إذَا ما ساروا وفق توجيهاته وطريقه وعلى منهج نبيه الكريم -صلواتُ الله وسلامه عليه وعلى آله-.
لذلك لم يكن بحُسباننا أن يكون الأسرى بهذا العدد ولا الغنائم بهذا الحجم، ولكن هناك ما هو أكبر من هذا وذاك، وهو اليقين المطلق بأحقية القضية التي نحملها والتدخل الإلهي الذي لمسناه وعايشناه ورأيناه بأمِّ أعيننا، فالحمدُ والفضلُ والمنّة لله سُبْحَانَـهُ، فلم نكن إلّا سبباً فقط لا غير، تحَرّكنا وبذلنا ما بوسعنا لكن موازينَ المعركة تحكّمَ بها جنودُ ملك السماوات والأرض.. لا أبالغُ، فهذا ما وجدناه.
– هل بالإمْكَان تسليطُ الضوء على معاملتكم مع الأسرى؟
كانت معاملتُنا مع الأسرى هي أشبهَ بمعاملة بعضنا البعض، ولن أبالغَ إذَا قلت إننا كنا نحرص عليهم أعظمَ من أنفسنا، فقد أعطيناهم كُـلَّ مائنا؛ لنرويَ عطشاهم، وكلَّ أكلنا؛ لنشبع جائعيهم، وكلَّ دوائنا؛ لنعاني جرحاهم وحتى مواعظنا لهم وكلامنا وخطابنا معهم هو تذكير لهم وتوعية وإرشاد ونصح باللين.
طبعاً هذه الأخلاق ربّتنا عليها المسيرةُ القرآنيةُ المباركة؛ أسوةً بقدوتنا ورسولنا الأكرم -صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله-؛ وتطبيقاً لتوجيهاتِ من نمشي في سبيله وهو اللهُ ملك السماوات والأرض.
– ما هو سرُّ هذا النصر الكبير برأيك أخي جبران؟
سرُّ هذا النصر الكبير وهذه المعجزات التي حصلت إنما هو دماء الأطفال والنساء وبكاء الأيتام وأنينُ الجرحى ودموع الثكالى ودعوات المظلومين المستضعفين وصدق وعدالة القضية العادلة التي كان يحملها كُـلُّ مجاهد مخلص لله شارك في هذه العملية وغيرها في كافَّة الجبهات.
فهذه هي قاعدة أَسَاسية ومصير محتوم لكلِّ المعتدين والمستكبرين أن يهزموا وتُنكَّسَ راياتهم ويذوقوا بأسَ الله وعذابَه وخزيَه في الدنيا قبلَ الآخرة.
وأيضاً الثقة المطلقة بنصر الله لعباده المؤمنين الملتزمين بتوجيهاته.
– ما هي أعظم المواقف التي حصلت لك في المعركة؟
من أعظم المواقف التي حصلت أنَّ جمعاً من الأسرى ما زالوا بعُدّتهم الكامل وسلاحهم الحديدي جاءوا إلى عند أحد المجاهدين وقد أرهقه الاقتحام الذي طال 72 ساعةً متواصلة وهو نائم، فقالو له: يا مؤمن يا ولي الله يا مجاهد، فصحا من نومه فزعاً، وقال لهم: ثابت أين با تسيروا؛ لأنه كان مندهشاً وليس مصدقاً، قالوا: لا تفتجع إحنا مسلّمين أنفسنا لأنصار الله، قُم وخذنا إلى عند المجاهدين قد إحنا بنموت من العطش والجوع، قد لنا ثلاثة أيام من الأكل والشرب.. ووضعوا بنادقهم وجعبهم وقال لهم: باقي معَكم تلفونات؟ قالوا: وهؤلاء التلفونات فطرحوهن.
وقال لهم: انزلوا السايلة وأنتم با تحصلوا المجاهدين تجاهكم وبا يسقوكم، فنزلوا ولاقوا بعض المجاهدين، وقالوا لهم: أين الخبرة يا مؤمنين.. المجاهدين استغربوا من كثرتهم، وَقالوا: مَن الخبرة عمن تبحثون؟! قالوا: إحنا أسرى ونشتي نشرب قد إحنا عاطشين، ونشتي أكل إذَا به معكم، جيبوا لنا قات من حقكم.
فكان موقفاً مؤثراً جِـدًّا جدًّا للمجاهدين الذين كانت تفيض أعيننا من الدمع تلقائياً مما لاقيناه من حضور ملائكي معنا وحضور إلهي ومَدَدٍ رباني، فتبارك الله سُبْحَانَـهُ ما أعظمَه، وكلّ ما أتذكر المعجزات التي حصلت ما عاد أقدر أمسك نفسي من الدهشة.
– كيف تنظر إلى تخبط العدوان بغاراته الهستيرية العشوائية؟
كنا ننظر إلى غارات طيران العدوان وحتى قذائفه المختلفة وصواريخه التي كانت تنهمرُ علينا بالآلاف، وحينها نتذكرُ تلك المعجزاتِ التي حصلت في عهد أنبياء الله عندما كان يكيدُ لهم الطواغيتُ، ومن أكبر الأمثلة هو ما جرى لنبي الله وخليله إبراهيمَ -صلواتُ الله وسلامه عليه- حين ألقاه أعداءُ الله في النار الهائلة وبمجرد توجيه واحد من ملك السماوات والأرض حين قال: (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) فخرج منها سالماً ولم يمسه سوءٌ، وأيضاً نبي الله محمد -صلواتُ الله وسلامه عليه وعلى آله- حين جمع له طواغيت عصره من كُـلِّ قبيلة رجلاً ليقتلوه بضربة رجل واحد، فجعل اللهُ من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا فأغشاهم فهم لا يبصرون.
فكانت هذه هي الدوافع التي كانت تعزّز صمودنا في وجه أعتى هستيريا لطيران العدوّ منذُ بداية العدوان، وكان في بالنا دائماً قوله تعالى: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً، وَأَكِيدُ كَيْداً، فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) فتمت مواجهة طائراتهم ومدافعهم واستطلاعهم وزنّاناتهم بهذه الآية القرآنية العظيمة.
وأيضاً من الآيات التي أوقدت فينا روح الصمود أمام نيرانهم الشيطانية الأشبه بسحر فرعون، هي قوله عز وجل واصفاً ثُلّةً من رجاله المؤمنين: (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا)، فأبينا إلّا أن نصمُدَ في شعواء الحرب ووطيسها الملتهب أمامَ فيلقٍ كامل يعادل ثلاثة ألوية مكونة من آلاف المقاتلين..
فللهِ الحمدُ سُبْحَانَـهُ ما أقواه وما أعظمَه، ولا أستطيعُ أن أحكي عن كُـلِّ التفاصيل التي حدثت والمعجزات؛ لأنَّ الوقتَ والمجالَ والأسطرَ لا تتسع.
– برأيك لماذا كان العدوان يستهدف عناصره؟
كان طيرانُ العدوان ومدافعه يستهدف ُعناصره الذين تم أسرهم؛ لأنه لم يعد بحاجة إليهم أصلاً، ويخاف من الخزي الذي لاقاه اليوم أمام الملأ، وكان أيضاً منتقماً منهم؛ لأنه لا يريد أن يكون عدد كبير عندنا؛ كي لا نتمكّن من عقد عمليات تبادل أسرى بهذه الأعداد؛ ولأنهم لم يستطيعوا الصمودَ ولا حتى الدفاع عن أنفسهم وبحوزتهم ما يكفي لاكتساح محافظتين وأكثر، فكان يستهدفهم حسرةً منه على ما قد خسر عليهم منذ استقطابهم قبل قرابة الثلاث السنوات الماضية إلى اليوم، وما تم صرفه لهم، وهناك أيضاً أبعاد أُخرى جعلته يستهدف عناصره المخدوعين وعناصر من تنظيم القاعدة وداعش وسلفيين ووهّابيين من جميع أنحاء البلاد مع اختلاف جنسياتهم، فمنهم أيضاً سعوديون وأجانب بالمئات كانوا ضمن الأسرى ولكن الطيارين لم يستثنوا أحداً؛ لأنهم وبلا شك إسرائيليون ويهود ونصارى ومن جميع الألوان، ولا يبالون بمن يكونُ الضحية، وهَمُّهم هو أكبرُ قدر من الدماء تُسفك.
فواللهِ إن الأسرى كانوا يهتفون وبأعلى صوت: يا مؤمنين إحنا في وجيهكم نجّونا من الطيران ومن هؤلاء اليهود الكلاب… إلخ.
وكنا نحافظ عليهم ونحرص على سلامتهم-يعلم الله ويشهد- أعظم من أنفسنا وهم أكثر من فهم الدرسَ في هذه العملية، وهم رأوا الآياتِ ورأوا من كان يقاتل معنا عند مهاجمتهم، وقالوا لنا بمعجزات حدثت وأشياء لا يصدقها العقل، ونحن حتى لم نكن ندركها آنذاك ولم نعلم إلّا حين كانوا يصفون لنا ما كان يجري عند مواجهتنا لهم بأبسط الأسلحة، حيثُ كان الأسرى يروون لنا ما شاهدوه من هلع ورعب وما أصابهم من الهستيريا خلال العملية، وكل ما رووه لنا نحن لم ندركه، لم نكن ندرِي أننا بتلك الصورة التي غرسها اللهُ في أذهانهم.
وهذا ولله الحمد يؤكّـد صدقَ نصر الله وتأييده للمؤمنين.
– بما أنك تعرضت للإصابة خلال العملية.. كيف جُرحت؟ وأين مكان الإصابة؟
أنا جرحتُ في الساعات الأخيرة لانتهاء المعركة، في جبل النمرة على خط إمداد العدوّ ما بين مدينة نجران ووادي آل أبو جبارة، حين ما كنا نصدُّ زحفاً للعدو ومرتزِقته أثناء محاولتهم الفرار باتّجاه مدينة نجران وبإسناد مكثّـف من طائرات العدوان فقد أُصبتُ في أحد الغارات علينا.
مكانُ الإصابة في العمود الفقري، وأيضاً في عظمة الترقوة الرابطة بين القفص الصدري والكتف الأيسر.
– ما هي رسالتكَ لإخوانك المجاهدين؟
رسالتي للمجاهدين.. أقول لهم: قليلٌ فيكم الوصف، وعيبٌ أن ننصحكم ولسنا بجانبكم نخوض ما تخوضونه، فواللهِ الذي لا إله غيره أنكم في موقف الحق وأنكم جنود الله الذين سطّرتم الآيات في كتاب الله، وجسّدتم الآيات على وجه الأرض في مختلف الجبهات، فعصا موسى لم تغب ولكن اختلف فقط المسمى، وفتية الكهف لم ينتهوا ولكن اختلف الزمان والمكان، وطيور الأبابيل لم تمت ولكن بدت تمشي على الأرض، وصيحاتُ الله على الطغاة هم أنتم يا رجالَ الله ويا عذابَه للمستكبرين ويا ربّيي العصر (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).
فها هو اليوم فرعون العصر وهامانه وجالوته ونمروده وكسراه وسفيانه وجهله ولهبه ويزيده وغيرهم من الطغاة يتزعزعون في مواجهتكم وتتساقط عروشُهم وممالكُهم في مواجهتكم، فأنتم الأهل لسحقهم، وأنتم الأهل للحروب الشعواء، وأنتم الأهل لتحرير الحرمين وثالثهما، وأنتم من وعدكم الله بأن يورثكم الأرض، يا ثلةَ المؤمنين ويا قليلَ الآخرين، هنيئاً لمن عايشكم وعاصركم وصافحكم وتخاطب معكم، يا من تتشرّف المسخرات بلقياكم وتتزين الأرضُ بوجودكم عليها أعزاء وتتكرم وتتشرف باحتضانكم كرماء أجلاء.
فأنتم وعدُ الله وأنتم وعيده الدنيوي، فما عمليةُ “نصر من الله” إلّا ذرة من ذرات عزكم واستبسالكم خمسة أعوام، وليست الغنائم ولا المواقع ولا الأسرى ولا ملوكهم وأمراؤهم تساوي ذرّةً من غبار أقدامكم الحافية الطاهرة الشريفة التي يتشرّف من يقبلها ويحملها على رأسه.
فأسألُ من الله أن يجعلنا ممن يسيرون في طريقكم ونهج شهدائكم الأطهار الذين فارقونا كما تفارق الروح الجسد، وكل جرائم العدوان منذُ بدايته مؤلمة، كما آلمنا فراقُهم وخسرنا نحن شرفَ المضيِّ معهم ونصرهم الذي وجدوه، فهنيئاً لكم ولجرحاكم شهدائنا الأحياء الذي منَّ اللهُ علينا ببقائهم بيننا؛ لنمتلئَ دروساً من دروس الله الراسخة رسوخ الجبال متمثلةً فيكم يا رجالَ الله ويا من صدقتم عهدكم.
– ما هي رسالتك للخونة والمرتزِقة؟
رسالتي لمن لا زالوا تحت عباءة الارتزاق والعمالة أن هناك فرصةً كبيرة متاحة لهم بأن يعودوا سالمين غانمين لعافيتهم، وما تبقى من ماء وجوههم الذي منحتهم القيادة هذا الماء؛ ليعودوا به قبلَ أن يُسال باقي ماء وجوههم مع دمائهم، وبعدها يبدأون في المرحلة الجديدة بعدَ أن ننال منهم وهي المرحلة الأشد والأصعب والأقسى والألم على الإطلاق، وهي المرحلة الإلهية والجزاء الأمرُّ من الموت وهي جهنمُ والمستقبلُ الذي لا ينتهي مداه.
وأن يستفسروا ويسألوا مَن نجا من العملية وتم الإفراج عنه من قبَل قيادتنا الحكيمة، يسألونهم ويقولون لهم ما جرى وما الذي يجري وأين الحقُّ كما يقال وأين الباطل، وسيعرفون هل دين الله ودماء الأطفال الأبرياء والشيوخ العزّل والنساء اللاتي سقطن شهيدات، هل هم الحق وقضية الحق أم أمراءُ البلاط والدولارات وملوكُ الخزي والعار عبيدُ اليهود والنصارى خائنو بيت الله منتهكو حرمات الله قتَلةُ حتى مرتزِقتِهم وعملائِهم الذين وهبوا أنفسهم لحمايتهم؟!. وكتابُ الله أكبرُ برهان إذَا أرادوا معرفة الحقيقة.
– ما هي رسالتك الأُخرى لقوى العدوان؟
رسالتي لقوى العدوان: أنتم أكثرُ الناس ترَون المعجزاتِ والتأييد الإلهي وتلمسون ضرباتِ الله في قواتكم وعتادكم المترهل أمامَ حفاة انتعلوا معداتكم، وتسلحوا بسلاح لم تمتلكوه مهما صنعتم وهو سلاح الإيمان.
فإذا ما زال فيكم خير، فأوقفوا عدوانكم واتركوا هذه الحربَ التي لستم بقدر خوضها، وإلا ما يسعنا إلّا أن نقول لكم: (أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ)، فحسبُنا الله ونعم الوكيل هو نعم المولى ونعم النصير.
– بما أنك تعمل في مجال الشعر والإنشاد والمجال الإعلامي بمختلف أشكاله.. لماذا لم تكتفِ بتلك الأعمال وهي لا تقل شأناً عن الأعمال العسكرية الجهادية؟
أخي الكريم، واللهِ إن ما نقوم به لا يساوي جناحَ بعوضة مِمّا هو الواجب علينا أمام الله، فأنا أحببتُ وتمنيت أن أكون إلى جانب من نزومل لهم وتكون أفعالنا هي مطابقة لما نقول، وخشيت في نفس الوقت أن أكون مما نهانا الله عنهم حين قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)، فلا أرتاح إلّا وأنا بجانب رجال الرجال على خطوط المواجهة؛ لكي نعمّد ما نقوله بدمائنا لعلَّ الله يتقبل منا.
– ختاماً.. رسالة تحب أن توجّـهها عبر صحيفة المسيرة؟
رسالتي التي أحبُّ أن أرسلها عبر منبركم الإعلامي العالي بعلوكم والراقي برقيكم، هي أولاً للسيد القائد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي -رضوانُ ربي عليه- أقول له: أنت هديةُ الله إلينا وأنت هديُه لنا، فنحن خجلون من أن نَصِفَكم سيدي؛ لأنكم لا تحبون المدحَ.
ولكن نعاهدكم بأننا سنسير وبكلِّ ثقة وبكلِّ جِدٍّ وبكلِّ جهد في خُطَى جدكم رسول الله -صلواتُ الله عليه وعلى آله- فإذا كان من يساند الرسول هو علي عليه السلام، وَإذَا كان سلاحُ علي هو ذا الفقار، فنحن ذو الفقار بيدك ونحن حمزتُك ونحن رمحُك ونحن حسينُك ونحن هيهاتُك ونحن زيدك ونحن عصاتك يا موسانا ونحن برد الله وسلامُه الذي سيطفئ نارَ قلبك الذي يحاول المجرمون إشعالها، فخض بنا البحرَ سيدي ونحن سفينتك يا نوحنا العربي، فنعم الربان أنت وأنت أهل لقيادة المعمورة، ونحن رهنَ إشارتك ولولا توجيهاتك الحكيمة لهذه العملية الكبرى وتوجيهاتكم بالوقوف، لكُنا مستعدين أن نواصلَ حتى نصل إلى حيثُ تريد، فلن نستطيعَ أن نجازيكم سيدي، فاللهُ وحده من يستطيع أن يعطيكم ما تستحقون قائدَنا الجليل.
ورسالتي للقاعدين بأن يجرّبوا السيرَ في هذه الطريق التي تبدو في أعينهم وعرةً، ولَكنها هي أقصرُ الطرق وأحسنُها وأبسطها للوصول لما وعد اللهُ به في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ).
جرّبوا طريقَ أنبياء الله واعتبروا من أمم سئمت التجارب من كثرتها، ولا تكونوا كالذين نسوا اللهَ فأنساهم أنفسهم.. ووعدكم بأن تجدوا الطريقَ التي ستقنعكم بآياتها ومعجزاتها وعجائبها.
وفي الأخير، أشكركم إعلاميينا، فأنتم من يعكس واقعَ المجاهدين وأنتم أعينُ بقية الناس، وأنتم من خلالكم سيُري اللهُ الناسَ آياته، وأخصُّ بالذكر صحيفتكم الصامدة بصمودكم، والشافية لصدور القوم المؤمنين صحيفة المسيرة، فلكم أزكى السلام.