موقع فرنسي: القنابلُ الأمريكية تسرقُ مستقبلَ جيلٍ كامل في اليمن
|| متابعات ||
– طفلٌ ناجٍ من مجزرة “حافلة ضحيان”: على الأمريكيين أن يفتحوا أعينهم ليروا ما تفعلُه أسلحتُهم بأطفال اليمن
– طفل تم أسرُه في عملية “نصرٌ من الله”: جنّدونا لغسل ملابس الجنود السعوديين لكنهم بعد ذلك أعطونا أسلحة وأجبرونا على الذهاب للقتال
– وكيلة مدرسة “الشهيد السماوي”: العديد من تلاميذ يعانون من تشنجات إذَا سمعوا أصوت الطائرات ويرفض آخرون العودة إلى المدرسة
– استشاري أمراض عصبية: الغارات تلقي بالأطفال في خضم صراع نفسي خطير يملأه الذعرُ والقلق
– الحصار الاقتصادي دمّر ما تبقى من القطاع التعليمي في البلد
– برغم وفرة الأدلة على الاستهداف السعودي المنتظم للمدارس.. تواصل الولايات المتحدة دعم “التحالف” بالأسلحة
نشر موقعُ “investigaction” الفرنسي، أمس، تحقيقاً مهمًّا حول معاناة أطفال اليمن في ظل العدوان الأمريكي السعودي، حيثُ يكونون دائماً ضمن ضحايا المجازر التي ترتكبها مقاتلات “التحالف” مستخدمة الصواريخ والقنابل الأمريكية والبريطانية والفرنسية، كما يتعرض مستقبلهم التعليمي للتدمير الممنهج من خلال قصف المدارس والمرافق التعليمية، حتى وهم بداخلها، في حين يضاعف الحصار المفروض على اليمن هذه المعاناة بإغراق الأطفال في المجاعة والأوبئة والأمراض، وما تبقى منهم تستغل السعودية أوضاعهم لتجنيدهم في صفوف قواتها ومليشياتها، ليبدو الأمرُ برمته وكأنه حربٌ منظَّمة لـ”سرقة مستقبل” الأطفال اليمنيين، بحسب تعبير عنوان التحقيق.
التحقيقُ الذي أجراه، أحمد عَبدالكريم، تضمّن زياراتٍ لبعض أماكن المجازر التي ارتكبها العدوانُ بحق الأطفال، وشهاداتٍ لبعض الأطفال الناجين، والأطباء والمختصين الذي نقلوا مدى تأثير القصف السعودي بالأسلحة الغربية على مستقبل وواقع أطفال اليمن على مختلف المستويات.. وفيما يلي تعيد صحيفةُ “المسيرة” نشر أهمَّ ما جاء في نص التحقيق:
أطفالُ اليمن تحتَ القصف
في محافظة صعدة شمال اليمن، لم تحصل الطفلة فرح عباس الحليمي -الطالبة في الصف الثالث من المرحلة الابتدائية- على حقيبة الظهر المدرسية أَو الكتب المدرسية التي كانت تتوق للحصول عليها من منظمة اليونيسف هذا العام.
وبدلاً عن ذلك، فقد حصلت على قنبلة حديثة أمريكية الصنع تم إمطارُها من على متن طائرة حربية من طراز F-16 تابعة لسلاح الجو السعودي.
سقطت تلك القنبلةُ على مدرسة فرح في 24 سبتمبر، حيثُ ذهب ضحيةَ هذا الهجوم الطفلةُ فرح وَشقيقتاها ووالدها الذي كان يعمل في المدرسة، فمثل هذه الحوادث سيكون لها بلا أدنى شك تأثيرٌ عميقٌ لا رجعةَ فيه على سلامة وفعالية تلاميذ المدارس في جميع أنحاء المنطقة.
وعلى مدار تاريخ اليمن قبل اندلاع الحرب والذي يُشير إليه السكان المحليون بإعجاب؛ كَون تلك الفترة تعتبر سنواتِ اليمن السعيد، لم يتعرض خلالها جيلٌ كاملٌ على الإطلاق لمستوى الكارثة والمعاناة التي فرضها التحالفُ الذي تقودُه السعودية على جيل الطفلة فرح، حيثُ استخدمت الرياضُ خلالها أسلحةً عالية التقنية قدّمتها الولاياتُ المتحدة الأمريكية والقوى الغربية الأُخرى.
بدأت السنةُ الدراسيةُ الجديدة في اليمن، وهي العام الدراسي الخامس منذ بدء الحرب، لم يطرأ تغييرٌ يُذكَرُ بالنسبة لأطفال المدارس في اليمن بخلاف حقيقة أن أسلحة “التحالف” قد أصبحت أكثرَ دقة بل وأكثر فتكاً، تاركة مستقبلَ أكثر من نصف مليون تلميذ في البلد يتخبط في أروقة النسيان.
يروي لنا أحدُ أفراد عائلة أيمن الكندي، وهو طفلٌ لم يتجاوز الربيع السادس من العمر، كيف كان ينتظر بفارغ الصبر الذهابَ إلى المدرسة: “أريد الذهاب إلى المدرسة، لا أستطيع الانتظارَ لفترة أطول”، مُشيراً إلى كيف كان أيمن المحاط بفخر من قبل جميع أفراد الاسرة، ينتظرُ بشوق أن يأتيَ يومُه الدراسي الأول، ولكن لم يأتِ ذلك اليومُ الموعودُ بنظر الطفل!
أراد أيمن أن يصبح طبيباً، ولكن قنبلةً أخذته بعيداً عن حلمه، فهذا ما تفعله هذه القنابل الأمريكية لأطفالنا.. إنه لَأمرٌ مرعب.
في أواخر يونيو من هذا العام، استهدفت مقاتلة تابعة لـ”التحالف” منزل عائلة أيمن، الذي يقعُ في منطقة ورزان بمحافظة تعز الواقعة في الجهة الجنوبية الغربية من اليمن، قُتل على إثرها ستةٌ من أفراد عائلة أيمن، من بينهم ثلاثةُ أطفال تتراوح أعمارهم ما بين 12 وَ9 وَ6 أعوام.
ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، تم تصنيعُ هذه القنبلة الدقيقة الموجهة بالليزر والمستخدَمة في الهجوم من قبل شركة ريثيون الأمريكية، إذ حلّل أخصائيون في مجال التسليح العسكري في العفو الدولية صوراً لبقايا القنبلة التي عُثر عليها في موقع الهجوم، والتي تم تجميعها من قبل باقي أفراد الأسرة، حيثُ حدّدوها بأنها قنبلة تزن 250 كغم مصنعة في الولايات المتحدة من طراز “GBU-12 Paveway II”.
لم يكن استخدام الأسلحة التي صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية في الهجوم على منزل الكندي بالأمر الغريب، حيثُ أن السواد الأعظم من تلك الأسلحة التي في حوزة الرياض وأبو ظبي والتي من خلالها تمكّنتا معاً من تنفيذ رُبع مليون غارة جوية علي اليمن منذ بداية الحرب، هي أمريكية المنشأ.
نظّم ذوو العديد من الضحايا الذين فقدوا أحباءهم في الغارات الجوية لـ”التحالف” معرِضاً لصور وبقايا حُطام الأسلحة الأمريكية التي تم انتشالُها من تحت الأنقاض، حيثُ حمل هذا المعرِضُ الذي احتضنته العاصمةُ صنعاءُ عنوانَ “أدلة علي الجرائم”، فقد كان هذا الحدثُ بمثابة فرصةً لتعزيز الأدلة على جرائم الحرب المحتملة، كما شهد هذا المعرِضُ زخماً كبيراً من قبل المئات من المدنيين.
كانت الغارةُ الجويةُ التي استهدفت منزلَ الكندي واحدةً من حوالي 12 هجوماً شنتها السعودية باستخدام أسلحة أمريكية الصنع، وذلك بحسب التقرير الصادر مؤخّراً عن الأمم المتحدة، حيثُ كشف فريقٌ من المحقّقين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن حالات عديدة من الغارات الجوية السعودية التي انتهكت القانونَ الدولي الإنساني، وللمرة الأولى تم الإشارةُ بشكل مباشر إلى ضلوع كُلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا العظمى، وفرنسا وأستراليا؛ كَونها الجهاتِ الموردةَ للأسلحة المستخدمة لهذه الهجمات.
قال تشارلز غارواي، المحامي العسكري السابق وأحد الخبراء الذين يقفون وراء هذا التقرير لشبكة تلفزيون (بي بي أس) الأمريكية مؤخراً: “نحن نعيشُ في خضمِّ حالة حرب مستمرّة، تسبّبت في معاناة هائلة، وبصراحة فإنَّ معظمَ هذه المعاناة ناتجٌ عن الأسلحة، فالمأساةُ في اليمن مروّعة للغاية في الوقت الحالي؛ لذا يتوجبُ على المرء منا التوصلُ إلى اتّفاق لإنهاء هذه الحرب”.
وعلى الرغم من وفرة الأدلة التي تشير إلى أن السعودية والإمارات تستهدفان بشكل منتظم المدارس والمرافق المدنية الأُخرى، تواصل الولايات المتحدة الأمريكية تغذية الترسانة العسكرية لدول “التحالف”.
حاولت إدارة ترامب فرْضَ صفقة أسلحة بقيمة 8.1 مليار دولار لكلٍّ من السعودية والإمارات والأردن، وعلى الرغم من المعارضة المتزايدة داخل حكومته، إلا أن الرئيس ترامب يبدو أنه مصمِّمٌ على الحفاظ على تدفق الأسلحة الأمريكية إلى الرياض وحلفائها.
تدميرٌ ممنهجٌ لقطاع التعليم
محمد عَبدالرحيم الهادي، طفلٌ في 11 من العمر، وهو أحد التلاميذ القلائل الذين نجوا من الضربة الجوية السعودية المرعبة والمميتة التي استهدفت حافلةً مدرسيةً على مشارف منطقة ضحيان في محافظة صعدة شمال غرب اليمن في 9 أغسطُس من العام 2018، حيثُ أسفر هذا الهجوم عن مقتل أكثر من 35 طفلاً من زملائه.
كان محمد أحدَ الناجين وبأعجوبة من هذا الهجوم المميت، واليوم، يعودُ محمد إلى المدرسة لأول مرة منذ ذلك اليوم المريع، حيثُ عاد إلى مدرسة لا يوجد بها زملاؤه ورفقاؤه، كما تفتقر إلى أدنى الخدمات.
تقعُ مدرسةُ محمد الجديدة “الفالح” في وادي مترب يقعُ بالقرب من الحدود الشمالية الشرقية لليمن مع المملكة العربية السعودية.
تم استهدافُ الحافلة المدرسية التي كانت تقلُّ محمد وزملاءَه بقنبلة من طراز “Mark 82” تم تصنيعُها بالاشتراك مع مصانع الأسلحة الأمريكية “لوكهيد مارتن وجنرال ديناميكس”، حيثُ تم بيعُ قنبلة “Mark 82” إلى جانب العديد من القنابل الأُخرى من سلسلة “Mark” من قبل الولايات المتحدة الأمريكية إلى التحالف الذي تقودُه السعودية من خلال سلسلة من العقود المبرمة في الفترة ما بين عامَي 2016 وَ2017.
ختم محمدٌ الذي يزورُ في الكثير من الأحيان أضرحَة زملائه والواقعة على بُعد أمتار قليلة من مدرسته الجديدة حديثه قائلاً: إنه سيواصل الذهاب إلى المدرسة كُـلَّ يوم رغم كُـلِّ شيء، وبغض النظر عن معدل الغارات الجوية اليومية التي تمطرُها مقاتلاتُ التحالف عليهم، كما طلب من الأمريكيين أن يفتحوا أعينهم ليروا ما تفعلُه أسلحتهم بأطفال اليمن.
بالإضافة إلى الفظائع التي سطّرها “التحالف”، فقد شنت مقاتلاتُه غارةً جوية استخدمت من خلالها نفسَ النوع من هذه القنابل وذلك أثناء مراسيم تأبين في العاصمة صنعاء في العام 2017، حيثُ خلّف هذا الهجوم وراءه أكثرَ من 140 قتيلاً وَ525 جريحاً.
ومع دخول الحرب في اليمن عامَها الخامس، يصعُبُ وصفُ النتائج المأساوية لصفقات الأسلحة تلك، ولكن آثارَها ملحوظةٌ في كُـلّ مكان، حيثُ دمّرت القنابلُ بصورة جزئية على الأقل حوالي 3526 مبنىً مدرسياً منذ اندلاع الصراع، ولم يتم إعادة بناء معظمها، ومن بين هذه المدارس تم تدمير 402 مدرسة بشكل كلي، وبحسب دراسة استقصائية ميدانية جديدة أجرتها وزارةُ التعليم، لا تزال حوالي 900 مدرسة يمنية تعملُ كملاجئ للنازحين، في حين تم إغلاقُ 700 مدرسة؛ نتيجةً للاشتباكات المستمرّة.
وأشارت منظمةُ الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن مليونَي طفل يمني لم يلتحقوا بالعملية التعليمية، ومن جانبها، قالت سارة بيسولو نيانتي -ممثلة اليونيسف في اليمن-، في بيان صادر مؤخراً: لم يلتحق نصفُ مليون طفل يمني بالمدارس منذ بدء الحرب السعودية في أواخر مارس 2015.
كما أعربت ممثلةُ اليونيسف في اليمن عن مخاوفها بشأن مستقبل الأطفال اليمنيين، حيثُ قالت: “يواجه أطفالُ اليمن مخاطرَ متزايدةً من الاستغلال بجميع اشكاله وألوانه، منها على سبيل المثال لا الحصر: الإكراه على المشاركة في العمليات القتالية، وعمالة الأطفال والزواج مبكر، فهؤلاء الأطفال يفتقرون إلى فرص التطور والنمو في بيئة رعاية ومحفزه، حيثُ ينتهي بهم المطافُ إلى الوقوع في براثن الفقر والحرمان”.
وأشارت منظمة سام لحقوق الإنسان في جنيف، إلى أن 400 ألف تلميذٍ في اليمن يعانون من سُوء التغذية الحاد، مما يعرضهم لخطر الوفاة المفاجئ، في حين أن 7 ملايين طفل في سن المدرسة يعانون من الجوع وأكثر من 2 مليون آخرين لا يذهبون إلى المدرسة.
وحتى قبل بدء الحرب، لم يكن النظام التعليمي في اليمن الذي يعتبر من أفقر البلدان في العالم العربي في حالة جيدة، حيثُ لطالما عانى هذا القطاع من نقصِ المعدات والمدرسين ذوي الخبرات، بالإضافة إلى نقصٍ في الكِتاب المدرسي، فجميعُ هذه العوامل والأسباب ألقت بظلالها على العملية التعليمية في اليمن، ومن جانبها، لم تستنكف مقاتلاتُ التحالف والحصار البحري والجوي الذي تفرضُه دول “التحالف” بدعم من الإدارة الأمريكية، أن تدمّر ما تبقى من القطاع التعليمي في البلد.
لم يتقاضَ العديدُ من المعلمين في اليمن رواتبَهم لسنوات، والبعضُ الآخرُ عاجزٌ عن كسب لقمة العيش؛ لذلك سعوا إلى العمل كجنودٍ في ساحات القتال، تاركين وراءهم ملايين الأطفال بلا آفاق، ناهيك عن كَون الأمية تمثل 70 ٪ من إجمالي عدد السكان.
كما حذرت بيسولو من أن تعليم 3.7 مليون طفل يمني في خطر؛ لأَنَّ المُعلمين لم يحصلوا على رواتبهم لأكثرَ من عامين، مضيفةً أن واحدةً من كُـلّ خمس مدارس في اليمن لم يعد من الممكن استخدامُها كنتيجة مباشرة للصراع، كما إن العنف والتهجير والهجمات على المدارس تمنع العديد من الأطفال من الذهاب إلى المدرسة”.
ومما زاد الطين بله، قبل أسابيعَ قليلة من بداية العام الدراسي الجديد، منعت قوات “التحالف” الذي تقوده السعودية 11 ناقلة نفط من دخول اليمن، حيثُ أَدَّى ذلك إلى نقص حادٍّ في الوقود، مما يعني توقيفَ الحافلات المدرسية، وبالرغم من كَون بعض أهالي تمكّن من دفع الرسوم المدرسية، إلا أن هذا الوضعُ حال بينهم وبين إرسال أطفالهم إلى المدرسة.
الأطفال الناجون من غارات “التحالف” يعانون من مشاكلَ نفسية “مزمنة”
أشارت منظمةُ اليونيسيف أن تأثير الأسلحة التي صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية على الأطفال اليمنيين لا يتوقف عند هذا الحد، فالأطفال الذين نجوا من العمليات القتالية غالباً ما ينتهي بهم المطافُ بإعاقات بدنية وأعراض نفسية مزمنة، مما يجعل المكان الذي يعيشون فيه أسوأَ بيئة في العالم.
بالإضافة إلى الضحايا المباشرين للغارات الجوية التي تمطرُها قواتُ “التحالف” على اليمن، فإنَّ دويَّ الانفجارات وهديرَ المقاتلات الحربية التي يتم تجاهلها إلى حَدٍّ كبير وَغير المسجلة من قبل المجتمع الدولي، تورث للأطفال اليمنيين أضراراً نفسية وخيمة.
مثلَ العديد من التلاميذ الآخرين، ففي الغالب ما يشرد ذهن محمد الهادي أثناء تواجُدِه في المنزل أَو أثناء وجوده في الفصل الدراسي، فقد أصبح اليوم غيرَ قادر على التركيز كما تنتابه نوباتُ قلق شديد.
ففي الوقت الذي يعاني فيه أطفالُ اليمن من تبعات الصدمات النفسية المليئة بالخوف الدائم جراء الغارات الجوية الوشيكة وخَاصَّةً أولئك الذين يعيشون في المناطق الحدودية، يشغل التلاميذ في جميع أنحاء العالم عقولَهم بالأمور اليومية التي تصاحبُ فترة المراهقة.
ومنذ بدء السنة الدراسية الجديدة في 15 سبتمبر، أسقط “التحالفُ” الذي تقوده الرياض أكثرَ من ألف قنبلة وصاروخ خلال 400 غاره جوية منفصلة استهدفت المناطق الحدودية في محافظتي صعدة وحجة، كما استهدفت أَيْـضاً محافظات صنعاء، وعمران، والضالع والحديدة.
يصاحب المئاتِ من الطلعات الجوية ضجيجٌ مخيفٌ يتسبب في خلق حالة من الذعر والقلق الشديد في قلوب المدنيين، وخَاصَّةً تلاميذ المدارس.
قال الدكتور عَبدالسلام عشيش -استشاري أمراض الطب النفسي والعصبي لموقع “Mint Press”-: “في الماضي قبل اندلاع الحرب، كانت أصواتُ الطائرات رمزاً لسعادة العائلات التي كانت تنتظرُ عودةَ ذويها من الخارج، ولكن الآن بات صوتُ الطائرات يعني الدمارَ والموتَ والدمَ، فهذه الطائرات لم تعد تجلب سوى الخوف والذعر، كما تذكّرنا بالمآسي والجرائم التي ارتُكبت بالأسلحة الأمريكية والبريطانية والفرنسية”.
وتروي هناء العولقي -وكيلة مدرسة” الشهيد أحمد عَبدالوهاب السماوي- لحظة شن مقاتلات التحالف السعودي غاراتٍ جويةً تبعُدُ عن مبنى المدرسة عشرات الأمتار: “كانت الساعة 1:45 بعد الظهر، عندما سمعنا ضربات صاروخية، الواحدة تلو الأُخرى، تمكّنا من تهدئة التلاميذ، لكن عندما تم إسقاط الضربة الثالثة، فقدنا السيطرة على جميع التلاميذ الذين بدأوا بالصراخ، وانتشرت الفوضى في جميع أنحاء المدرسة، حينها زاد صوتُ القنبلة الرابعة الأمور سوءاً، حيثُ تم اقتحامُ المدرسة من قبل أولياء الأمور الذين لم يتمالكوا أنفسَهم عند سماعهم صراخ فلذات أكبادهم، كما خيّمت حالةٌ من الإغماء على الكثير من المعلمين”.
أردفت هناء العولقي: “إن العديدَ من تلاميذ المدارس يعانون من تشنجات عصبية في حال سمعوا أصوات الطائرات، بينما يرفض آخرون العودة إلى المدرسة”، ومن جانبه أضاف الدكتور عشيش، أن أصوات الانفجارات أَو هديرَ الطائرات العالقة في أذهانهم يمكن أن تلقيَ بهم في خضم صراعٍ نفسي خطير يملأه الذعر والقلق.
وقال جلال العميسي، وهو ممرض في مستشفى الأمراض العصبية والنفسية في صنعاء لموقع “Mint Press”: إن معظم الحالات التي تصل إلى المستشفى هي من مناطقَ خاضعةٍ لغارات مكثّـفة من قبل التحالف السعودي، مثل صنعاء والحديدة وصعدة، وأضاف العميسي أن معظمَ المسعفين يفتقرون إلى التدريبِ اللازم للمعالجة والتعامل مع القضايا والمشاكل النفسية المعقَّدة التي يعاني منها هؤلاءِ الأطفالُ.
هذه المآسي التي عاشها أطفالُ اليمن تتجاوزُ بشكل كبير الأثرَ المؤقَّتَ على تعليمهم، وبدون الرعاية والمعرفة المناسبتَين واللازمتين لمعالجة هذه المشاكل النفسية، فإنَّ الكثيرين منهم سيعانون من عواقبَ تدومُ مدى الحياة وستعيقُ قدرتَهم على الذهاب إلى المدرسة، وبشكل خاص فهذا صحيحٌ، بالنظر إلى عدم وجودِ برامجَ أَو مراكز أَو مستشفيات لإعادة تأهيل الأطفال المتأثرين بالحرب في اليمن.
السعوديةُ تجنِّدُ الأطفال للقتال
يواجِهُ تلاميذُ المدارس الذين يعيشون في المناطق الواقعة على طول الحدود اليمنية التي يسهُلُ اختراقُها مع المملكة العربية السعودية وفي جميع أنحاء المناطق الجنوبية، واقعاً أكثرَ كآبة ومرارةً من الواقع الذي يواجِهُه أقرانُهم، إذ يتم تجنيدُ العديد منهم أَو حتى إجبارهم على الانضمام إلى العمليات القتالية؛ للدفاع عن الحدود السعودية عبر شبكات الاتّجار والتهريب المحلية، التي تزُجُّ بالأطفال إلى معسكرات التدريب والتجنيد في محافظتَي جيزان ونجران جنوب المملكة، وكذلك في المناطق الجنوبية من اليمن.
وأشارت منظمة سام في أحدث تقرير لها، إلى أن السعودية قامت بتجنيد آلاف الأطفال اليمنيين للقتال على طول حدودها الجنوبية مع اليمن على مدار السنوات الأربع الماضية، وغالباً ما يتم مواراةُ جاثمين هؤلاء الأطفال الثرى الذين لقوا حتوفهم؛ نتيجة القتال على الحدود في المملكة دون علم أسرهم، في حين يعاني 300 شخص على الأقل من إعاقاتٍ دائمة جراء بتر أطرافهم؛ نتيجةً لإصاباتهم في العمليات القتالية.
تمكّن موقعُ “Mint Press” من التحدُّث إلى العشرات من الأطفال الذين لا يزالون في سن المدرسة، حيثُ تم أسرُهم خلال عملية (الحوثيين) الأخيرة والتي شهدت أسرَ الآلاف من المرتزِقة، بما فيهم العشرات من أطفال المدارس، وضباط سعوديون.
كان عادل البالغ من العمر 15 ربيعاً من بين الذين تم أسرُهم، حيثُ غادر منزلَه في مدينة تعز، بعد وعودٍ تلقاها بالحصول على راتب منتظم يصل إلى 3000 ريال سعودي أي ما يعادل (800 دولار) وقال: “لقد تركنا لوحدنا في وادي أبو جبارة لمواجهة مصيرنا، حيثُ فرَّ المجندون الأكبرُ سِنّاً في شاحنات وعربات مدرعة، ومن ثم شهدت المنطقة تحليقاً جوياً سعودياً مكثّـفاً، بعدها استسلمنا”.
استهدفت الطائرات الحربية السعودية المرتزِقةَ الذين تم أسرهم في وادي أبو جبارة، مَا أسفر عن مقتل أكثرَ من 300 من مجنديهم.
يواصل عادل الذي ترك كرسيَّ الدراسة على أمل وعودٍ براتب شهري حديثه: “تم تجنيدي وآخرين لغسل ملابس الجنود السعوديين، لكنهم ما لبثوا وأعطونا أسلحة وأجبرونا على الذهاب إلى ساحات القتال”، وعندما سُئل عما سيفعلُه عندما يتم الإفراج عنه، قال “أريد أَن أعود إلى أُمّي ومدرستي، لا أريد أَن أقاتل”.
إن تجنيدَ السعوديةِ للأطفال اليمنيين ليس بالأمرِ الجديد، وعلى الرغم من أن الرياض وقّعت علي البروتوكول الدولي الذي يحظُرُ مشاركةَ الأطفال في الصراعات المسلحة والذي انطلق في العام 2007 ومرةً أُخرى في العام 2011، إلا أنها اتُّهمت بتجنيد أطفال سودانيين من إقليم دارفور؛ للقتال في اليمن بالنيابة عنها حتى العام 2018.