الإنابة والتسليم لله

|| من هدي القرآن ||

{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ}(الزمر: من الآية54) الإنابة: الرجوع إلى الله، الرجوع بإخلاص. {وَأَسْلِمُوا لَهُ}(الزمر: من الآية54) أسلموا أنفسكم له، أخلصوها له، سلموها له، عبِّدوها له، سلِّم نفسك لله، وأن تسلِّم نفسك لله يعني: انقطاعك إلى الله سبحانه وتعالى واستعدادك لأن تسير على هديه، أنيبوا: أسلموا وأنتم ما تزالون في فترة يقبل منكم الإنابة ويقبل منكم الإسلام، وينفعكم الإنابة، وينفعكم الإسلام.

 

 

{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}(الزمر: من الآية54) أما إذا ما جاء العذاب فإن عذاب الله لا أحد يستطيع أن يرده، عذاب الله لا أحد يستطيع أن يدفعه، عذاب الله لا تجد من ينصرك في مواجهته ليحول بينك وبينه.

 

 

أن ننيب إليك, أن نسلم لك, قد تكون هذه هي حالة نفسية.. أليس كذلك؟ أستطيع أن أقول عندما أتذكر وضعيتي وأتذكر ما عملت من ذنوب أن أقول: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه بإخلاص وانقطاع إلى الله، وما كان من الأعمال له علاقة بالآخرين أن تنوي التخلص من الآخرين.

 

 

ثم أرسخ في نفسي استعدادي الكامل للإسلام لله.. ثم ماذا بقي إذاً؟ هناك منهج تسير عليه, هذه حالة نفسية قد تحصل لدّي, قد تحصل لديك.. لكن ليس إلى هنا وانتهى الموضوع، انطلق، هذه هي بداية رجوعك إلى الصراط المستقيم، إلى الطريق الذي يوصلك إلى رضوان الله وجنته.

 

 

{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}(الزمر: من الآية55) لا تتوب من ذنب ثم تعود إلى الوضعية السابقة, إلى حالة فراغ، أن توطن نفسك على الاستعداد للعودة إلى الله, والإسلام لله, ثم تظل في نفس الوضعية السابقة.. لا.

 

 

هذه إنما هي بداية لتصحيح وضعيتك للتخلص من الماضي المظلم، يبدأ باستعداد نفسي يتمثل في التوبة، وتوطين النفس على الاستسلام لله سبحانه وتعالى، ثم الانطلاقة العملية.. وهي ماذا؟ الإتباع لأحسن ما أنزل إليكم من ربكم.

 

 

أنت عندما تتوب من ذنب ثم تظل هكذا بوضعيتك السابقة فارغ لا تتوجه توجهاً عملياً أنت معرض لأن تعود إلى الذنب من جديد، ثم ما تدري إلا وقد وقعت في الذنب فتقول: [أستغفر الله العظيم وأتوب إليه]. وتبقى على نفس الوضعية الأولى ثم تدخل في الذنب من جديد.. وهكذا، حتى يتغلب عليك الشيطان فيكون هو الذي يغلبك في الأخير.

 

 

التوبة هي بداية رجوع، هي الخطوة الأولى على طريق العمل الذي يتمثل في إتباع أحسن ما أنزل الله إلى عباده. ولأن هذا هو الذي يوفر لك أمناً من الوقوع في المعاصي من جديد على النحو الأول، وأنت منطلق لاتباع القرآن الكريم، إلى العمل بالقرآن الكريم بهدايته, بإرشاداته، سيبعدك هذا كثيراً جداً عن معاصي الله سواء ما كان منها ذنوب تقترف أو ما كان منها بشكل تقصير وتفريط.

 

 

ألسنا عندما نرجع إلى آيات الله نكتشف تقصيراً كبيراً لدينا؟ نكتشف تقصيراً كبيراً لدينا, حتى أولئك الذين يظنون بأنهم أصبحوا من أولياء الله كم يكتشف من تقصير كبير لديهم, في ميدان العمل في سبيل الله، في ميدان الجهاد في سبيل الله، في ميدان العمل لإعلاء كلمة الله وإصلاح عباده.. ألسنا مقصرين في هذا؟ وهذا تقصير رهيب جداً، تقصير كبير جداً، لا تقبل معه – ربما – أي شيء من الطاعات الأخرى، لا تقبل معه أي طاعة من الطاعات الأخرى.

 

 

الإسلام دين مترابط، دين متكامل لا يقبل منك هذا وأنت تارك لهذا ورافض له، يجب أن تتحرك في كل المجالات، أن تتحرك بكل إمكانياتك في كل المجالات؛ لأن الله أنزل إلينا ديناً كاملاً فلماذا يكون تطبيقنا له منقوصاً؟ لو كان يمكن أن يقبل منا المنقوص لأنزل إلينا جزءاً من الدين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} (المائدة: من الآية3) فلماذا هـذا الدين الكامل ننطلق في مجال تطبيقه تطبيقاً منقوصاً؟ وهو ربط رضاه بهذا الدين الكامل، ووعده بالجزاء الحسن في الدنيا وفي الآخرة مرتبط بهذا الدين الكامل.

 

 

{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} كأن هذا مما يوحي أيضاً بأن التوبة نفسها لا يكون لها أثر إذا لم تنطلق أنت في اتباع ما أنزل الله إليك. وهنا يقول: {مَا أُنْزِلَ} ولم يقل بعض ما أنزل.. هل قال بعض ما أنزل؟ ما الذي أنزل؟ تصفح آيات القرآن الكريم ستجد ماذا أنزل.

 

 

في الوقت الذي أنزلت فيه الصلاة والزكاة التي نحن نعملها، ألسنا نعملها؟ أنزل فيه الجهاد، أنزل فيه وحدة الكلمة، أنزل فيه الاعتصام بحبله جميعاً، أنزل فيه النهي عن التفرق، أنزل فيه الأمر بالإنفاق في سبيل الله، أنزل فيه الأمر بالنصيحة والتواصي بالحق، أنزل فيه أشياء كثيرة أخرى هي أكثر مما نعمل.

 

 

أعتقد أن ما نضيعه من الإسلام ونتركه هو أكثر بكثير مما نطبقه – حقيقة – تعال واعمل قائمة [جدولاً] بما تحدث عنه القرآن الكريم ودعا عباد الله إليه ثم انظر كم هي التي نطبقها؟ واحدة، اثنتان، ثلاث، أربع، خمس، ست، سبع، من عشرات أو من مئات الأحكام والإرشادات والتوجيهات التي هي تمثل الدين الكامل لله سبحانه وتعالى.

 

 

وعندنا يقال في أصولنا: بأن التوبة يجب أن تكون توبة من كل الذنوب {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة: من الآية27) أن تتوب من ذنب واحد وأنت مصر على ذنوب أخرى، ويجب أن نفهم كلما قلنا: [ذنوب] أن الذنوب ليست فقط تلك التي يتبادر إلى أذهاننا اقتراف معاصي معينة، التقصير من الذنوب الكبيرة، القعود عن العمل في سبيل الله، عن الإنفـاق في سبيله، عن الجهـاد في سبيله، عن الاعتصام بحبله، التقصير فيها من الذنوب الكبيرة. {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:105). يقال في أصولنا: أن الكبائر: ما توعد الله عليها فهي كبيرة.. ألم يتوعد بعذاب عظيم على التفرق والاختلاف؟ فكبيرة, معصية كبيرة.

 

 

فعندنا يقولون: بأن التوبة يجب أن تكون من كل المعاصي فتوبة جزئية من المعصية وأنت مصر على معاصي أخرى، أو أنت في وضعية عصيان باعتبارك مقصراً أيضاً تقصيراً لا مبرر لك فيه، فتوبتك لا تقبل حتى من الأشياء التي نحن متفقون في عرفنا على أنها معاصي.

 

 

الناس الآن أصبح لديهم عرف: أن تلك الأشياء التي وجه الله عباده إليها وألزمهم بها لم يعد التخلي عنها معاصي.. ألسنا نصف بعضنا بعضاً بأننا مؤمنون، ونقول: [فلان من أولياء الله وفلان رجال باهر وفلان كذا] ونحن نعلم جميعاً أننا مقصرون في أعمال كبيرة جداً هي أساس الإسلام بكله.

 

 

لا يصح أن ندعو بعضنا بعضاً باسم الإيمان ونحن في هذه الحالة، لا لكبير ولا لصغير لا لعالم و لا لجاهل، لا يصح.. كيف أسميك مؤمناً وأنت تسميني مؤمناً، أسميك ولياً من أولياء الله وأنت تسميني ولياً من أولياء الله ونحن جميعا نعرف أننا مقصرون في العمل في سبيل الله.. ألسنا قد تعارفنا على نبذ الكتاب، وقد اتفقنا على أن هذه لم تعد ذنباً ولا معصية؟!.

 

 

معرفة الله ـ وعده ووعيده ـ الدرس الحادي عشر

 

 

القاها/ السيد حسين بدر الدين الحوثي.

 

 

بتاريخ : 30_1_2002 م

 

 

اليمن _ صعدة

 

 

الله أكبر

 

 

الموت لأمريكا

 

 

الموت لإسرائيل

 

 

اللعنة على اليهود

 

 

النصر للإسلام

قد يعجبك ايضا