أبواب الخليج مُشرّعة للإسرائيليين
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الاخبار اللبنانية
ثلاثة أنباء لافتة تتقاطع عند مفترق واحد هو الهرولةُ الخليجية لتظهير التطبيع مع إسرائيل، إذ بدا الأمر كأن هذه الدول في مهمة يجب عليها إتمامها في وقتٍ محدد النهاية: ترحيبٌ من دبي بإسرائيل في «إكسبو 2020»، وتأطير رسمي لعلاقات «حلف الحرب على إيران»، وليس أخيراً الإسرائيليون الذين يبنون «مدينة ابن سلمان»، «نيوم»، على شاطئ البحر الأحمر
بات من الواضح أنه لولا الاندفاع والحماسة اللذان تبديهما دول الخليج لتظهير التطبيع مع تل أبيب، لما تجرأ الإسرائيليون على تخيّل أنهم قد يتنقّلون حتى بالخفاء بين تلك الأبنية الزجاجية الشاهقة في قلب الصحراء. لكن الرياض ودبي والمنامة تصرّ جميعها على الإغداق على الإسرائيليين بما تسميه «الكرم واللطف وحسن الاستضافة». آخر تجلّيات ذلك «الكرم» أن «دولة هي الأكثر تطوراً بين الدول العربية ستسمح للإسرائيليين بزيارتها باستخدام جوازاتهم المباشرة»، وهي وفق صحيفة «يديعوت أحرونوت» ليست سوى الإمارات التي ستفتح أبوابها لهم مع انطلاق فعاليات معرض «إكسبو العالمي» العام المقبل. وهذا ما أكّده أيضاً نائب رئيس مديرية السياحة في رأس الخيمة، محمد خاطر، الذي قال للصحيفة: «أهلاً وسهلاً بكم. بإمكان الإسرائيليين المشاركة في المعرض وزيارته، وإن شاء لله تتمكنون من الزيارة أيضاً حتى بعد انتهاء المعرض (الممتد على ستة أشهر)».
برغم أنه سبق أن أعلنت الخارجية الإسرائيلية أن تل أبيب ستشارك في المعرض على مستوى الدول، وأن رئيس «الموساد»، يوسي كوهين، نسّق إجراءات المشاركة، فهذه هي المرّة الأولى التي سيسمح فيها للإسرائيليين كافة بالدخول إلى دبي بجوازات سفرهم بإجراءات علنية. وهو ما عبّر عنه الصحافي الإسرائيلي يانيف حليلي، قائلاً: «حتى الآن، كان هدفاً بعيد المنال، مثيراً للدهشة، ومستحيلاً تحقيقه بالنسبة إلينا جميعاً». يانيف، الذي زار دبي في أيلول/ سبتمبر الماضي، والتقى هناك مع أفراد من سماها «الجالية السرية» (الجالية اليهودية) الذين اعترفت بهم أبو ظبي أخيراً، أوضح: «حُلم آلاف الإسرائيليين سيتحقق هذا العام. وذلك عندما تفتح الإمارات، الدولة العربية الأكثر تقدماً في العالم، أبوابها للإسرائيليين»، مشيراً إلى أنهم سيتمكنون من المشاركة في «إكسبو 2020 دبي» بجوازاتهم.
هذا الحدث العالمي يُنظم مرّة كل خمس سنوات، ويعدّ «أولمبيادة التطور»، كما تشارك فيه معظم دول العالم، إذ تقيم كل واحدة جناحاً تعرض فيه آخر ما طوّرته من اختراعات ومبادرات في المجالات كافة بهدف «التبادل الثقافي والمعرفي». وفي الموقع الإلكتروني للمعرض، يُعرّف القائمون «إكسبو 2020 دبي» بأنه «تواصل العقول وصنع المستقبل». ولكي يحدث هذا التواصل والصناعة، ذلك يبدأ بـ«اتصال واحد، أولاً بين الأفراد ثم العالم بأسره. وبمشاركتنا لأفكارنا وتجاربنا، أصبحنا متّحدين في هدفنا المتمثل في تشكيل غد أفضل. اكسبو 2020 دبي هو المنصة: كل ما نحتاج إليه هو أنت». ومن ضمن «العقول المتواصلة، وصانعي المستقبل»، ترحّب الإمارات بإسرائيل، إذ سيكون لها كما غيرها من الدول جناح تعرض فيه آخر ما أنتجته صناعاتها من اختراعات وحلول لتحديات قائمة ومستجدة، فيما من المتوقع أن يجذب المعرض أكثر من مليونَي زائر من مختلف أنحاء العالم.
واشنطن «معجبة» برسم الخطوط العريضة للتحالف الخليجي ــ الإسرائيلي
كذلك، نقلت «يديعوت» عن مصدر في إدارة «إكسبو» تأكيده أن «السلطات الإماراتية ستسمح للإسرائيليين بزيارة أراضيها، بجوازات سفرهم… منذ مدّة، تجري تل أبيب وأبو ظبي مباحثات على مستوى كبار المسؤولين من أجل فتح أبواب الإمارات أمام الإسرائيليين». وأضاف المصدر: «هذه المباحثات تجرى انطلاقاً من تحويل إكسبو إلى المعرض الأكثر إبهاراً على مستوى العالم. الإماراتيون يتعاملون مع الحدث كأنه مشروع قومي، ويستثمرون فيه بمبالغ طائلة. وهم سيرحّبون بالإسرائيليين الذين سيأتون للمشاركة». كما تقاطع كلامه مع مصدر آخر أكد المباحثات، شارحاً أن «إكسبو سيكون المدخل لكي تبقي سلطات أبو ظبي الباب مفتوحاً أمام الإسرائيليين ليتمكّنوا من الزيارة في أي وقت».
وليس بعيداً عن الإمارات، ذكرت الصحيفة نفسها (في وقت سابق)، نقلاً عن مصادر سعودية، أن «رجال أعمال إسرائيليين في مجالَي التكنولوجيا والأمن الإلكتروني يشاركون في تخطيط وإعداد البنى التحتية للمدينة السعودية الجديدة (نيوم)». وهذه المدينة هي مشروع لولي العهد، محمد بن سلمان، وسينتهي بناؤها على شواطئ البحر الأحمر عام 2030 بتكلفة تصل إلى 500 مليار دولار أميركي، كما أن مساحتها تصل إلى 26 ألف كيلومتر مربع، أي أكبر بـ 33 ضعفاً من مساحة نيويورك، ومن المتوقع أن يقطن فيها مليونا شخص في المراحل الأولى.
من جهة أخرى، طرأ أخيراً تطوّر لافت في المباحثات الرامية إلى اتفاق «اللاحرب» بين إسرائيل ودول خليجية، على قاعدة المبادرة التي تقدم بها وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قبل شهرين. مبادرة كاتس الموصوفة بأنها «تاريخية» تتطرق إلى الإطار الذي ستُدار به العلاقة بين دولٍ خليجية وإسرائيل. ولئن قُدمت على أنها تجرى في سياق منعزل عن مصير القضية الفلسطينية، وبحجة أن إيران تشكل تهديداً مشتركاً لأطراف العلاقة، فإن هذه المبادرة في النهاية يُراد منها أن تحدد ذلك المصير بما يُلائم المصالح الإسرائيلية. ومع أن الأزمة السياسية في تل أبيب دخلت شهرها الثاني، دون أي أفق للتوصل إلى اتفاق حكومي، فإن المباحثات الجارية بين إسرائيل ودول خليجية مستمرة على وقعِ «التهديد الإيراني المشترك والسلوك الإيراني العدواني»، كما سمته القناة 12 الإسرائيلية،
طبقاً للقناة، في ظل تأجيل موعد طرح الإدارة الأميركية لـ«صفقة القرن» إلى أجل غير مسمى، أبدى المسؤولون الأميركيون إعجابهم بالمبادرة الإسرائيلية، واستعدادهم للبحث في مزيد من الخيارات المتعلقة بـ«تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني بين الخليج وإسرائيل». وضمن هذا الإطار، عبّر وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، الذي جاء إلى فلسطين المحتلة قبل نحو أسبوعين، عن إعجابه بالمبادرة وطلب مزيداً من التفاصيل حول المقترحات الإسرائيلية في هذا الشأن. أمّا عن مشروع «مسارات السلام الإقليمي» (راجع العدد 3608 في 2018/11/6) الذي طرحه كاتس بنفسه في وقت سابق، فوصفه منوتشين بـ«الخلّاق». القناة أشارت إلى أن الوزير الأميركي لمّا غادر تل أبيب متجهاً إلى الرياض، حمل المقترحات التي طلب تزويده بها، وقد بحث هناك المبادرة وسبل الترويج المشترك لها. وفي الخطوات التنفيذيّة، تقدمت الخارجية الأميركية أخيراً بطلب رسمي إلى نظيرتها الإسرائيلية من أجل إنشاء فريق عمل مشترك لتنفيذ هذه الخطوات.
بالفعل، اجتمع مستشار الأمن القومي في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، مئير بن شبات، مساء أوّل من أمس، مع الأطراف المعنية لوضع خطة العمل التي ستقودها «الخارجية». كما أطلعت الأخيرة الدول الخليجية المعنية (البحرين والإمارات والسعودية) على آخر التطورات. وبدورها، شكلت هذه الدول، كما تصف القناة، «طواقم عمل مشتركة مع إسرائيل لبحث تطبيع العلاقات وكيفية عرض الاتفاق والترويج له». في الشكل العام، ترتب المبادرة العلاقة السرية التي كانت تحكم إسرائيل وتلك الدول، وتنظم المصالح المشتركة بينهما انطلاقاً من «التهديد الإيراني المشترك وضرورة مواجهته». وبرغم أن المبادرة تقتصر على بندين هما: الاقتصاد والأمن، من دون أن تتطرق صراحة إلى «اتفاق سلام»، يكفي ما يشمله البند الأخير، الذي يتضمن «الامتناع عن الانضمام أو المبادرة أو مساعدة في أي تحالف أو منظمة ذات خلفيات عسكرية أو أمنية، مع طرف آخر غير موقّع على الاتفاق». وإلى الآن، من غير الواضح كيف ستؤثّر هذه المبادرة في التحالفات التي تقيمها الدول الخليجية المذكورة، ولا سيما في «مجلس التعاون» وجامعة الدول العربية. ما هو واضح فقط، أنّ الموقّعين على «لاء الحرب» سيستغلون الظروف الإقليمية الراهنة، والعداء المشترك لإيران، في الترويج لما يدعون إليه.