فورين بوليسي: التقييم الدولي المتدني لشركة أرامكو يهدد بفشل بن سلمان

|| صحافة عربية ودولية ||

هل سيتخلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن رؤية 2030 بعد التقييم المتدني لشركة النفط أرامكو التي بنى طموحاته عليها؟ يقول كيث جونسون في تقرير لمجلة “فورين بوليسي” إن الأمر قد يكون هكذا.

وقال إن السعودية أعلنت نهاية الأسبوع عن شروط اكتتاب شركة النفط العملاقة، الذي طال انتظاره، ولكن ثمن الشركة والنسبة التي ستباع منها هي أقل مما توقع ولي العهد.

ففي يومي الأحد والإثنين أعلن المسؤولون السعوديون عن إلغاء حملات الترويج التي كان من المزمع القيام بها في أمريكا وأوروبا وآسيا لجذب المستثمرين الدوليين.

و”في النهاية ستكون حفلة جوهرة التاج السعودي التي لطالما تم التباهي بها شأنا محليا، حيث سيتم بيع الأسهم للمواطنين السعوديين والصناديق الاستثمارية في السعودية والشرق الأوسط ودول مثل الصين وروسيا”.

كل هذا يؤشر لمستقبل صعب أمام طموحات محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد والابتعاد عن النفط، وهو أساس رؤيته التي طرحها لأول مرة عام 2016. وعندما طرح محمد بن سلمان فكرة اكتتاب شركة النفط السعودية، أصيب أصحاب البنوك الاستثمارية بالدهشة، وتحدثوا عن إمكانية تقييم للشركة يصل إلى 10 تريليون دولار، ولكن الأمير تحدث على مدى السنوات الماضية عن طرح نسبة مهمة من الشركة، 5% لجمع 100 مليار دولار كافية لتمويل خطط تنويع الاقتصاد ورؤية 2030. وفي النهاية سيكون الطرح العام أصغر وأرخص مما يريده محمد بن سلمان.

ففي يوم الأحد أعلن المسؤولون السعوديون عن شروط الاكتتاب والذي سيبدأ في 11 كانون الأول/ ديسمبر، وسيتم طرح نسبة 1.5% من أسهم الشركة، قيمة كل سهم تتراوح ما بين 30 -32 ريالا (8-8.52 دولارا) وبناء على تقييم للشركة يتراوح ما بين 1.6- 1.7 تريليون دولار، ويظل أكبر تقييم لشركة في العالم ولكنه أقل بكثير من رقم 2 تريليون دولار الذي تحدث عنه بن سلمان.

ويرى الكاتب أن هناك عددا من الأسباب التي تجعل المستثمرين الدوليين حذرين من شراء جزء من أسهم الشركة، وهذا أبعد من تلوث سمعة الشركات من القيام بأعمال تجارية مع السعودية بعد جريمة مقتل الصحافي في “واشنطن بوست” جمال خاشقجي العام الماضي. وأهم هذه المحاذير هو التقييم نفسه، فمعظم الشركات الاستثمارية الكبرى أرادت تقييما يتراوح ما بين 1.2- 1.5 تريليون دولار. والسبب هو أن المستثمرين الدوليين يريدون شراء أسهم بأسعار مغرية تساعدهم على تحقيق مكاسب. بالإضافة إلى أن تقييما مرتفعا لأرامكو يضعها في موقع ممتاز من الشركات المربحة مثل إكسون موبيل.

إلا أن النظرة الاقتصادية العالمية قاتمة في ضوء ركود أسعار النفط والحرب التجارية بين أمريكا والصين، والتي تلقي بظلالها على منظور النمو مما يجعل شراء أسهم أرامكو بسعر كامل مخاطرة قد لا تعود عليهم بعوائد في العام المقبل.

 

وقال أمريتا سين، المؤسس المشارك في شركة الاستشارات “إنيرجي أسبيكتس”: “هناك رغبة محدودة من المستثمرين الدوليين”، وهناك عدد من المخاطر الأخرى المتعلقة في الاستثمار بتجارة النفط بشكل عام وأرامكو بشكل خاص، وهو ما يلقي بظلاله على مشاعر المستثمر.

فكل الشركات التي تحضر للاكتتاب العام تنشر نشرة تشرح فيها عملياتها وتمويلها وعوامل أخرى للمخاطر. وفي العادة تكون أمورا شكلية، لكن في حالة أرامكو فالمخاطر حقيقية ومتعددة. فالشركة لا تقرر ما ستضخه من نفط أو حجم المال المستثمر في الحقول الجديدة، ولكن الحكومة السعودية هي التي تقرر. كذلك يجب أن يكون لديها قدرة احتياطية لإنتاج النفط وهو ما يكلف المال ولكنه يمنح المملكة النفوذ الجيوسياسي. وهذا يعني اتخاذ الشركة قرارات جيدة في صالح السعودية وليس المساهمين.

وهناك خوف يتعلق بشركات النفط نفسها نظرا لصعوبة بيعها ومخاطر تعرضها لدعاوى قانونية بسبب دورها في التغيرات المناخية، حيث وجدت إكسون موبيل نفسها في المحكمة بنيويورك.

وتواجه أرامكو دعاوى خاصة بها في المستقبل، لا سيما أن الكونغرس قد يستهدف الشركة كجزء من تحدٍ لعدم الثقة بأوبك، الكارتل الذي يحدد مستويات أسعار النفط. وهناك محاذير أخرى في المستقبل تتعلق بالطلب على إنتاج النفط والذي يعد المزود الوحيد لأرامكو. ففي الوقت الذي سيتواصل فيه الطلب على النفط في العقد المقبل ولكن هذا ليس أمرا مطمئنا في حد ذاته، وذلك في ضوء التركيز على التغيرات المناخية وزيادة الإقبال على السيارات الكهربائية. ولهذا السبب أجبرت الحكومة السعودية أرامكو على شراء شركة سابك للبتروكيماويات، بشكل يجعل الشركة في وضع جيد عندما يقل الطلب على السيارات التي تسير على الديزل.

ويعتقد الكاتب أن لا شيء مشجعا للسعودية التي عوّلت على عوائد البيع لكي تبدأ في مشاريع تنويع الاقتصاد والسياحة. وفي الوقت الذي قد تحصد فيه السعودية من عملية بيع الأسهم 25 مليار دولار إلا أن هذا رقم متواضع عن ذلك الذي كان يأمل محمد بن سلمان بالحصول عليه كضامن لبدء مشاريعه الجديدة، وهو أقل من المبلغ الذي أخذه من الحملة التي أطلق عليها مكافحة الفساد ما بين 2017-2019 والتي أجبرت رجال أعمال على التخلي عن أرصدة مالية مقابل حريتهم. وقالت السلطات إنها جمعت منها 100 مليار دولار.

ومن أجل تحقيق رؤية 2030 يحتاج محمد بن سلمان لإقناع المستثمرين الدوليين وضع أموالهم في السعودية وليس التجار المحليين. ولكن المملكة لم تتعافَ لدرجة تستطيع فيها جذب المال الأجنبي بنفس الطريقة قبل سنوات وليست في وضع لكي تجذب رأسمال تحتاجه لتحويل اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع.

وعدم الاهتمام بالاستثمار في شركة أرامكو، التي تحقق أرباحا، يعكس عدم الاهتمام العام باستثمار أموال في مناح أخرى بالمملكة. وفي الوقت الحالي تحتاج السعودية للمال، فسعر برميل النفط الذي وصل ما بين 2011- 2014 إلى 100 دولار استقر على ما بين 40-70 دولارا الآن. وهو ما يمثل ​ضربة للميزانية السعودية التي يجب عليها الإنفاق على البرامج الاجتماعية المكلفة في الداخل، إلى حرب اليمن في الخارج. وهذا هو السبب الذي دفع السعودية للإسراع في بيع ولو حصة من أرامكو رغم الاستقبال الفاتر.

ويقول سين من إنيرجي أسبيكتس إن محمد بن سلمان “يريد المال” و”يمكنني القول وهذا رأيي فالاكتتاب هذا هو عن توليد العوائد المالية”.

قد يعجبك ايضا