ليتخلَّ السلفي والإصلاحي والشافعي والزيدي والصوفي عن التبعية العمياء والانحصار في الدوائر الضيّقة
المخرج هو الإسلام بشموليته فالقرآن حَكَمٌ ورسول الله قدوةٌ وأُسوةٌ في كُـلّ شؤوننا
موقع أنصار الله || مقالات || محمد أمين الحميري
نجح النظامُ الأسبقُ في اليمن بشيطنة “أنصار الله”، وصولاً إلى إعلان نظام علي عبدالله صالح حينها شَنَّ سِتَّ حروب على صعدةَ، بمباركة أمريكية سعودية بوجه أخصَّ، وقد مكّن نظامُ صالح من ذلك -واستمرَّ إلى ما بعد الحروب الست- ماكينةَ الإعلام التي كانت تشتغلُ ليلَ نهارَ في ممارسة حرب التضليل والتزييف والعمل على قلب الحقائق، وسواءٌ أكان هذا عبر الإعلام الرسمي أَو الحزبي لآخرين، إضافةً إلى استغلال الورقة الدينية التي تصدَّرَ مشهدَ الكذب والتحريض فيها فقهاءُ السلطة والجماعات المتطرفة الممولة سعودياً في مختلف المنابر والوسائل، وكم صُنّف من مؤلفات ونُشر من بحوث وأُلقي من محاضرات وندوات في هذا الجانب حتى ترسَّخَ في ذهن الشعب أن “أنصار الله” بقيادة السيد حسين بدرالدين الحوثي بالفعل متمردون ومنحرفون، وما على الدولة سوى القضاء عليها.
ولسوء أنصاف المتعلمين والدراويش هؤلاء فقد ذهبوا لإصدار الفتوى بوجوب الجهاد ضدها وأنه جهادٌ في سبيل الله، ما شجّع النظامَ حينَها على ارتكاب ما لا يخطرُ على بالٍ من جرائمَ بحق المدنيين من نساء وأطفال وتضررت المصالحُ العامة للمواطنين في مناطق المواجهات؛ وبسبب غياب الوعي فقد كان الأغلبيةُ من أبناء الشعب يبارك ويصفّقُ لهذه الأفعال!!.
الذي يهمنا هنا هو أنه ورغم هذا الظلم والبغي والفساد في حق الضعفاء والمساكين وطال في المقدمة “أنصار الله”، حيث سقط على إثر هذا العدوان شهداءُ كُثْـــرٌ، في مقدمتهم مؤسّس أنصار الله السيد حسين الحوثي، وما إنْ تنفس الشعبُ الصُّعَداءَ في ٢٠١١م بخروجه في ثورة شعبيّة على نظام صالح إلا وكان لـ”أنصار الله” الحظُّ الأوفرُ من هذا التنفس.
ومنذ ذلك الحين وحتّى الآن كَبُرَ حجمُ الماكينة الإعلامية الموجهة للشعب في سياق التشويه والتأليب، إلا أن مكونَ “أنصار الله” يصمُدُ في وجه التحديات ويكبُرُ في تمدد نفوذه وقوة تأثيره، والعد التصاعدي لسُمعته الطيبة يزدادُ في مقابل انحسارُ دور التشويه والتضليل، فالعَدُّ التنازلي له كُـلّ يوم في تراجع، والسبب في هذا هو خروجُ الشعب من سُباته، فعندما اقترب أنصار الله من المجتمع واختلطوا بالناس، عرف الصغيرُ والكبير الحقيقةَ ومَن هم أنصار الله في حقيقة الأمر، وأن المجرمين في واقع الأمر هم أولئك الذين تغنّوا بالوطنية وحب اليمن طوال عشرات السنين وهم مُجَـرّد أدعياء، والدليل على ذلك مسارعتُهم للوقوف في جانب الغزاة والمحتلّين عند بدء العدوان على اليمن، وبدأت تترسخ إلى جانب هذه القناعة الثقةُ بأنصار الله كتيارٍ حامل لمشروع التحرير.
كيف لا؟!، وقد كتب على يده الكثيرُ من الإنجازات العسكريّة والأمنية والثقافية وَ… إلخ، وفي الجانب الآخر وصول خصومهم إلى مرحلة التبلُّد والخزي والعار.
فما الذي يمتلكونه بعد خسارة شعبهم والمتاجرة في انتهاك سيادة أرضهم وتحولهم إلى سماسرة باعوا وطنهم في سوق النخاسة؟!، وكل ما يمتلكونه الآن هو ورقةُ الدجل والنفاق والحرب الناعمة بمختلف صورها، وهذه الورقة وإن استمرت فهي خاسرةٌ أَيْـضاً.
فماذا بعدُ؟! وإلى أين يتجه الوضع في اليمن وما الذي علينا؟! وحتى لا أطيل، علينا كيمنيين أن ندركَ أن العملاء والخونة لم يكتب التأريخ أنهم تحولوا إلى مناضلين أحرار ورجال دولة يعوَّل عليهم فعل شيء جميل.
ثم لماذا يصر البعضُ على التشبث بتلك الشلل الحرامية، والقاصي والداني يعلم أنهم وراء تخلُّفِ اليمن خلال الفترات الماضية؟!
كيف يمكنُ التطلعُ للتغيير والنهوض من أمثالهم، وقد جُربوا عشرات المرات؟! أليس هذا النهج من عمى البصر والبصيرة؟!
إلى جانب هذا: ألم يستعن هؤلاءِ بتحالف طويل عريض من الدول في الحرب على خصومهم، فلم يتحقّق سوى إلحاق الضرر باليمن كله، الأرض والإنسان، حتى شماعة الشرعية المزيفة هي الأُخرى سقطت، وهم اليوم مُجَـرّد مماسحَ ممتهنةٍ لا قيمة لها ولا كرامة، وقريبا سيأتي تحالُفُ الشر ليبحثَ عن كيفية المخارجة وليس أمامه سوى صنعاء، فصنعاءُ هي من يمتلكُ زمامَ المبادرة في السلم والحرب، ومفتاحُ استقرار اليمن كله هو بيد القيادة في صنعاء؟! الأمر سيكون على هذا النحو نعم، فما الذي تبقى؟!
من وجهة نظري: علينا أن نغسلَ أيديَنا من كُـلِّ مَن أساء لليمن خلال هذا العدوان الوحشي، ومَن عاد إلى رُشده فأهلاً وسهلاً به والأفعالُ الحميدة هي من تبرهن مصداقيةَ رجوعه إلى وعيه وجادة الصواب من عدمه.
نريدُ تحقُّقَ السيادة والاستقلال، وحصولَ الرخاء والازدهار، لنمد أيديَنا لمن ثبت على أرضه في الظروف الحالكة، لنكفِّرَ عن وزر التخلي عنهم خلال ست حروب ظالمة، ليس لأجلهم، ولكن لأجلنا نحن؛ لأجل بلادنا، لنقول لمنابر التسفيه والتجهيل: يكفي..، ونقول أمام الحقائق التي تكشفت: هذا هو الصوابُ، ونعوذ بالله أن نتمسَّكَ بالخطأ أَو نعودَ إليه، نمُدُّ أيديَنا لأنصار الله للوقوف معاً في خندق الشرف والكرامة، من منطلق ديني أخلاقي واقعي وإنساني، فالمصلحةُ المتحقّقة عامةٌ وعليا، وفي ذات الوقت نقولُ للخطأ هذا خطأ، ونكونُ أدواتِ بناء إلى جانبهم في التصحيح والتقييم والارتقاء.
اليوم وبما تؤكّـدُه المعطياتُ نعتبر تجربةَ هذه الجماعة تجربةً رائدةً، هذا وما حقّقته من نجاحات يأتي في ظل عدوان وحصار، كيف لو أتيح لها المجالُ؟!، بلا شك ستكون التحولاتُ نوعيةً وعظيمة.
لا يجوزُ بأية حال أن ننظُرَ لـ”أنصار الله” من خلال المتسلِّقين الانتهازيين، ومن الخطأ أن نتجاهَلَ الكمَّ الهائل من الإيجابيات ونتوقف عند مظاهرَ سلبية يمكن تجاوُزُها والتخلص منها.
المشروعُ التحرّري اليوم يمتلكُ مقوماتِ النجاح، وهذه المقوماتُ أصيلةٌ وقويةٌ، وإلى جانب هذا يمتلكُ قيادةً على مستوىً عالٍ في الإخلاص والجدية والنزاهة، وهي مرجعية لكل الشعب، فالأخ السيد عبدُالملك الحوثي يحفظه الله نجدُ فيه بُغيتَنا كيمنيين بمختلف توجّـهاتنا، وشخصياً لن يمنعَ انتماءُ كاتب هذه السطور -وهو من القيادات السلفية- من الاعتراف بهذه الحقيقة الواقعية الملموسة، والأمة بكلها تتطلعُ إلى قائد قدوة، وكم سنكونُ سعداءَ حينما يتخلى السلفي والإصلاحي والشافعي والزيدي والصوفي وغيرهم من التبعية العمياء والانحصار في دوائرَ ضيّقة، ويخرج الجميعُ إلى سعة الإسلام بشموليته، إلى أن نجعلَ من القرآن الكريم حَكَماً على كُـلّ الأفكار والتصورات، ويكون القدوةُ والأُسوةُ لنا في جميع شؤوننا هو نبيَّنا محمداً صلى اللهُ عليه وآله وصحبه وسلم.
كم هو جميل أن نخرجَ إلى عالم التآلُف والاجتماع على القضايا الموحدة والقواسم المشتركة وسنجد حينها أن حالةَ التشظِّي والانقسام التي كنا نعيشُها كانت بسَببِ التفريط في القضايا الكلية والمصيرية التي توحدنا.
سئمنا من التنظير والتأصيل البعيدِ عن الموضوعية وعن معطيات الواقع، أما اليوم فلدينا ما يستحقُّ التوقُّفَ والتأمل، وعفا الله عما سلف، والهدف من هذا الطرح هو التقييمُ للأفكار والتجارب؛ بهَدفِ الدفع في اتّجاه التصالح والتسامُح والتقارب فيما بيننا، ومن ستظل أُذُناه صاغيتين لشياطين الجن والإنس نقول له: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم).