ما قيمة مقترح “عدم الاعتداء” مع الدول الخليجية؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
بعد أيام قليلة على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، أعلن الكيان الإسرائيلي عن وصول وفد إسرائيلي إلى العاصمة الأمريكية واشنطن لإجراء محادثات متطورة حول إمكانية التوصل لاتفاق (عدم الاعتداء) بين الكيان الإسرائيلي والدول الخليجية، وفق وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس. ويأتي كلام كاتس بعد شهرين على كشف قناة إسرائيلية عن جهود تبذلها تل أبيب من أجل توقيع اتفاق “عدم حرب” مع دول خليجية بهدف التصدي لخطر إيران، وتحجيم نفوذها بالشرق الأوسط، وفق الكيان الإسرائيلي.
كاتس الذي عرض في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 2019 مبادرة توقيع اتفاقية “عدم حرب” على نظرائه الخليجيين في سلسلة لقاءات عقدها على هامش المؤتمر السنوي للجمعية العمومية للأمم المتحدة، أشار إلى أن الوفد الإسرائيلي يضم ممثلين عن وزارتي الخارجية والعدل ومجلس الأمن القومي والجيش، لكنّه في الوقت عينه لم يشر إلى ما إذا كانت المحادثات ستقتصر على الجانب الأمريكي، أم ستشهد مشاركة مسؤولين من الدول الخليجية.
وأما في تفاصيل، تشير القناة الإسرائيلية الثانية عشر، إلى أنّ المقترح يشمل أربعة بنود، هي: أولا “تطوير الصداقات والتعاون بين الجانبين، وفقا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي”، وثانيا “اتخاذ خطوات ضرورية وفعالة لضمان عدم انطلاق أنشطة أو تهديدات قتالية وعداء وتآمر وعنف أو تحريض ضد طرف، لا تُبلور أو تمول من أرض الطرف الآخر”، “الامتناع عن الانضمام والدفع أو مساعدة ائتلاف أو منظمة أو تحالف ذي طبيعة عسكرية أو أمنية، مع طرف ثالث”، وأن “يتم حل أي خلافات ناشئة عن الاتفاقية عن طريق المشاورات”.
عوداً إلى الزيارة الإسرائيلية إلى واشنطن، لا نستبعد حضور أطراف خليجية في مثل هذه المشاورات، لاسيّما أن مسار التطبيع يسير على قدم وساق بين الكيان الإسرائيلي وكل من البحرين والإمارات والسعوديّة، وهنا نشير إلى التالي:
أولاً: كتبنا على هذه الزاوية قبل سنوات مقالاً تحت عنوان: مع كلّ فنجان قهوة.. “تطبيع جديد”، وقد أشرنا فيه إلى أمر مهم وغير مطمئن يحضّر للمنطقة، فالأخبار التطبيعية اليوميّة التي نسمعها مع كل ارتشافة للقهوة الصباحيّة ليست عبثاً، بل ترتبط بصفقة القرن. اليوم، وجدت هذه الدول أنها مهّدت بما فيه الكفاية إعلامية للانتقال إلى الخطوات الجديّة التي تسعى هذه الدول أن تكلّلها بصفقة القرن. اليوم، تُعد هذه الخطوة في ظل الانشغال العربي في لبنان سوريا والعراق واليمن وليبيا وتونس، تعدّ الأكثر جرأة، الأمر الذي يمهّد لمرحلة أكثر خطورة في الأيام اللاحقة.
ثانياً: رغم كل ما حصل، فشلت هذه الدول في إقناع شعبها بالتطبيع العلني الذي بدأته قبل سنوات. اليوم، هناك استغلال للأزمات الإقليمية لاستغلالها وفتح باب التطبيع العلني تحت إطار “عدم الاعتداء”، وقد نقل المحلل السياسي في القناة 13 التلفزيونية الإسرائيلية، باراك رافيد، عن مصادر عربية وأمريكية وإسرائيلية، أن نائبة مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اجتمعت بسفراء عُمان والإمارات والبحرين والمغرب، وعرضت عليهم مبادرة للتوقيع على معاهدة “عدم اعتداء” مع الكيان الإسرائيلي، أي إن الخطوة هي تمهيد لإقامة علاقات دبلوماسيّة بين هذه الدول و”إسرائيل”.
ثالثاً: تبدو مضحكة بعض بنود هذه المبادرة لناحية عدم الاعتداء، لاسيما أن التاريخ لم يسجل أي دعم من قبل هذ الدول التي تلهث وراء التطبيع للقضية الفلسطينية، لا بل على العكس تماماً كانت هذه الدول توجّه الضربة تلو الأخرى للقضية الفلسطينية ومقاومتها. إن العديد من هذه الدول الخليجية ترتبط بعلاقات سريّة مع الكيان الإسرائيلي منذ عقود، وبالتالي لم ولن تقوم هذه الدول بأي خطوة تغضب الإسرائيلي، ومن خلفه الأمريكي، في ظل الأنظمة الحالية، وجلّ ما يُراد لهذه المبادرة أن تُظهر هذا الأمر على شكل صيغة قانونية علّها تكسر الجليد السياسي والاقتصادي.
رابعاً: لا تقتصر الأطماع الإسرائيلية من خلال مثل هذه المبادرات على كسر الجليد السياسي، بل تنظر إلى الأسواق الخليجية بعين الطمع، وبالتالي تطمح إلى بناء علاقات اقتصادية قويّة مع هذه الدول الخليجية، وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتز، قد أوضح في وقت سابق أنه طلب من وزير الخزانة الأمريكي دعم إسرائيل لبناء علاقات اقتصادية مع الدول الخليجية، إن الكثير من التقارير الإسرائيلية تتحدث عن فرصة “السوق الخليجية” للبضاعة الإسرائيلية.
في الخلاصة، في الشكل لا تعدو هذه المعادلة عن كونها حبراً على ورق، وهي أيضاً كذلك في المضمون، لكن الأبعاد التي يُعمل على ترسيخها هي وضع إطار قانوني علني للعلاقات الخليجية الإسرائيلية حيث إنّه من المعروف وحسب تصريحات السفيرة الإسرائيلية في باريس أن حكومات الدول العربية تقيم علاقات سرّية مع الكيان الإسرائيلي، ماذا عن الخطوة التالية؟ هي الانتقال إلى المسار الدبلوماسي، وكلّه يصب في إطار صفقة القرن التي تشير كل الوقائع إلى أنّه لن يكتب لها النجاح.