اكتتاب أرامكو مخيب للآمال.. ورؤية 2030 في مهب الريح
|| صحافة عربية ودولية ||
كان طموح ولي العهد السعودي واضحا. أولا، بيع جزء من أرامكو السعودية، شركة النفط العملاقة المملوكة للدولة، والشركة الأكثر ربحية في العالم أيضا. ثم استخدام العائد لتنويع اقتصاد المملكة العربية السعودية. وتوقع “محمد بن سلمان”، أن يتهافت المستثمرون على أسهم الشركة الغنية ذات التكاليف المنخفضة والتي حققت 111 مليار دولار من صافي الدخل السنوي العام الماضي. وقال أحد المصرفيين المشاركين في الاكتتاب لصحيفة “إيكونومست” في أكتوبر/تشرين الأول: “إذا كنت ترغب في الاستثمار في شركة إكسون، أو شيفرون، أو بريتيش بتروليم، فلماذا لا تذهب وتشتري في أرامكو؟”. حسنا، لقد اتضح أن العديد من المستثمرين لم يفضلوا ذلك في النهاية.
ومع إعلان أرامكو عن السعر الأولى للأسهم وبدء التداول على السهم بعد فترة وجيزة، من المرجح أن يكون الاكتتاب الحالي أكبر طرح عام أولي في التاريخ، لكنه يعد كذلك خيبة أمل كبيرة لصناع القرار في المملكة.
وكانت رغبة “بن سلمان” الأولية هي إدراج 5% من الشركة عند تقييم بقيمة 2 تريليون دولار، بهدف جمع مبلغ 100 مليار دولار، أي 4 أضعاف ما جمعته شركة “علي بابا”، صاحبة الرقم القياسي الحالي، خلال اكتتاب عام عام 2014. وربما يكون نطاق تقييم أرامكو الحالي البالغ 1.7 تريليون دولار أو نحو ذلك أقل من هدف الأمير، لكنه لا يزال مرتفعا للغاية بالنسبة للعديد من المستثمرين من المؤسسات. ودفعت هذه الشهية الضعيفة الشركة إلى أن تقرر طرح 1.5% فقط من أسهمها في البورصة السعودية المحلية. ورغم ذلك، من المحتمل أن تتخطى “أرامكو” أرقام ” علي بابا” بجمع أكثر من 25 مليار دولار، لكن ليس بفارق كبير.
ولم تتغير أسباب الاكتتاب العام في أرامكو. وتحتاج المملكة إلى تجاوز الاعتماد على النفط، الذي يمثل نحو 70% من عائدات الحكومة. ويعد هذا الاعتماد المفرط خطيرا في أي عصر، ناهيك عن عصر من البطالة المتزايدة بين الشباب والشكوك حول الطلب طويل الأجل على الوقود الأحفوري في عالمٍ قلق بشأن تغير المناخ.
مخيب للآمال
وإذا كان الأساس المنطقي للاكتتاب واضحا، فإن التنفيذ لم يكن كذلك. واقترح الأمير “محمد” الاكتتاب العام لأول مرة في مقابلة مع “إيكونوميست” في عام 2016. وبعد أعوام من التأخير والجدل، أدت المخاوف بشأن الالتزامات القانونية إلى تقويض خطط الإدراج في بورصتي لندن أو نيويورك، أو في بورصة عالمية أخرى. وتسبب مقتل “جمال خاشقجي”، وهو صحفي معارض، في القنصلية السعودية في تركيا العام الماضي، إلى نبذ خطة “بن سلمان” الشاملة للتحديث من المجتمع الدولي.
وساعد إصدار أرامكو الناجح لسندات بقيمة 12 مليار دولار، في أبريل/نيسان الماضي، على استعادة الثقة نسبيا في عملية البيع. وشهدت الأشهر الأخيرة موجة من النشاط لضمان نجاح العملية. وعينت المملكة أكثر من 24 بنكا كبيرا لرعاية عملية الاكتتاب، وعينت رئيسا جديدا للشركة، ووزيرا جديدا للنفط.
وعلى الرغم من أن الإدراج قد شابته عدة مشاكل، فقد كان البعض منها خارج سيطرة ولي العهد. ودفعت مخاوف المستثمرين بشأن الاقتصاد العالمي، وضعف الطلب، سعر النفط إلى ما دون 60 دولارا للبرميل في أغسطس/آب، وقد تؤدي تحذيرات الرئيس “دونالد ترامب” من حرب تجارية مطولة مع الصين إلى إضعاف السعر بشكل أكبر. وضربت الهجمات بالطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية، ، منشآت النفط الحيوية السعودية وأدت إلى تعطيل أكثر من نصف إنتاج أرامكو النفطي في سبتمبر/أيلول، مما يسلط الضوء على المخاطر الأمنية المحيطة بالشركة.
وكان لذلك كله تأثير أكبر على حجم اكتتاب أرامكو وسعر السهم ودى إقبال المستثمرين. وقد رفض العديد من المستثمرين النطاق السعري الذي حددته المملكة للشركة والذي تم الإعلان عنه في نوفمبر/تشرين الثاني. وتعتقد “برنشتاين”، وهي إحدى مجموعات الأبحاث المستقلة، أن أرامكو كانت تستحق تقريبا لا يتجاوز 1.2 تريليون دولار إلى 1.5 تريليون دولار.
وكانت رغبة “ببن سلمان” في رفع سعر العرض أمرا مفهوما. ووفقا للعديد من المقاييس، تتفوق أرامكو بسهولة على منافسيها مثل “إكسون موبيل” أو “بريتش بتروليوم”، حيث تمتلك احتياطيات أكبر بـ 15 مرة، وتكاليف الإنتاج تبلغ الربع تقريبا مقارنة بهذه الشركات، إضافةً لرأس المال الكبير. وهناك احتمالات بأن آخر برميل من النفط يستهلكه العالم سوف يكون من الخام السعودي.
لكن مستثمري النفط في عام 2019، الذين يشعرون بالقلق إزاء آفاق النفط، يهتمون أكثر بالنقد والأرباح المباشرة. ومع تقييم عند 1.7 تريليون دولار، سيكون عائد أرباح شركة أرامكو أقل من الشركات الكبرى المنافسة. وكما أوردت “برنشتاين” عبر العديد من المستثمرين عن قلقهم حول إدارة أرامكو ومخاوفهم أن المملكة سوف تتدخل بعنف في سياسات الشركة إذا تدهورت الموارد المالية الوطنية. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل الدين السعودي إلى 23% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، ارتفاعا من 17% في عام 2017. ومن المهم معرفة أن نمو مبيعات أرامكو سيكون محدودا بسبب حرص المملكة على الحد من الإنتاج من أجل استقرار أسواق النفط العالمية.
للأثرياء فقط
وفي مواجهة الهوة بين السعر المفضل لدى الأمير وما كان المستثمرون الدوليون على استعداد لدفعه، ألغت أرامكو بشكل مفاجئ فكرة الإدراج في أمريكا وأوروبا، وسعت إلى تأمين الاستثمارات من الجيران، بما في ذلك أبوظبي والكويت.
لكن العديد من المشترين سيكونون من السكان المحليين. وروجت الشركة ومصارفها السعوديين للإدراج المحلي بشغف، من خلال مراكز الاتصال والإعلانات على في الشوارع ووسائل التواصل الاجتماعي، وحتى على أجهزة الصراف الآلي. وضاعف البنك المركزي السعودي حدود الإقراض للراغبين في شراء الأسهم في أرامكو. ويوضح أحد رجال الأعمال المحليين أن الأسر الغنية في العاصمة الرياض تشعر أن المشاركة في الاكتتاب أمر ضروري للحفاظ على أوضاعهم.
وبالطبع، يعد رقم 25 مليار دولار أقل بكثير مما كان متوقعا أن يحققه الاكتتاب فب البداية. ومع ذلك، سيحصل المصرفيون على جزء بسيط من الرسوم التي كانوا يأملون بها. وسوف تجمع أرامكو مبالغ نقدية أقل مما كانت ستحصل إذا قامت بعرض الأسهم بسعر أقل؛ حيث كانت ستجمع ما قد يصل إلى 60 مليار دولار مع بيع نسبة 5% من الأسهم عند قيمة 1.2 تريليون دولار للشركة. لكن في الوضع الحالي، من المرجح أن تكسب المملكة 25 مليار دولار فقط من تدفقات رؤوس الأموال التي سيكون معظمها من الداخل وليس من الخارج. ويمثل الاعتماد على المساهمين المحليين مشكلة سياسية خاصة إذا أدى انخفاض سعر النفط إلى انخفاض سعر سهم أرامكو.
ويبدو دعم سعر النفط صعبا كما كان دائما. وفي العام الماضي، وافقت “أوبك” وحلفائها بقيادة روسيا، على خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا، أي 2.3% من إنتاجهم. وتم تمديد الاتفاق إلى مارس/آذار 2020. لكن قد يحتاج الكارتل إلى السعي للحصول على تخفيضات أعمق، مع زيادة الإمدادات من البرازيل وغيانا والنرويج.
وسيكون مجرد تشجيع أعضاء أوبك على الامتثال للاتفاق الحالي، ناهيك عن الالتزام بمزيد من التخفيضات، أمرا صعبا. وحتى لو نجح اجتماع “أوبك بلس” في تمديد التخفيضات، سوف يبقى الالتزام أمرا مشكوكا فيه في أفضل الأحوال. وقد ضخت روسيا النفط هذا العام بشكل أسرع من السابق، ومع عدم الامتثال لتخفيضات الإنتاج من الشركاء، اضطرت السعودية باستمرار إلى التخلي عن جزء أكبر من حصتها. وتقول “حليمة كروفت”، من بنك الاستثمار “آر بي سي كابيتال ماركتس”، إن وزير النفط الجديد يريد مزيدا من الالتزام من الآخرين، ويبقى السؤال المطروح هو ما إذا كان سينجح في ذلك. وفي كلتا الحالتين، لن ينجح الاكتتاب العام في جعل المملكة أقل اعتمادا على سعر النفط الخام مما هي عليه اليوم.
إيكونوميست-