قصّةُ طفلٍ في جولة
موقع أنصار الله || مقالات ||علي الأهنومي
ذاتَ مرةٍ وبينما أنا وأبي الغالي نمُرُّ من جولةٍ مزدحمةٍ في يومٍ مشمسٍ وقتَ الظهيرة، وإذا بطفلٍ -متوسطِ العمر- يعرِضُ علينا شراءَ مصنوعات يدوية، نظرنا إليه بشفقةٍ ورحمةٍ، ولم يُرِدْ أبي أن يشتريَ منه ولم يستطع أن يردَّه، فالتمس أبي نقوداً يريدُ إعطاءَها للطفل بدون مقابل، نظر إلينا أولاً ثم إلى النقودِ ولوّح بوجهه الشاحبِ يمنةً ويسرةً، ومضى إلى السياراتِ الأُخرى يريدُ بيعَ مصنوعاتِه، وتركنا غارقَيْن في التفكيرِ، وكلُّ واحدٍ ينظرُ إلى الآخَرِ بصمتٍ..
أظنكم قد فهمتم المغزى من القصةِ، وكفى بها مثالاً للتحدّث عن الأنفة والكرامة والعزّة، كما أظنُّ أنَّ أيَّ قارئٍ يقرأها، سيردّد لسانُ حالِه: هي اليمن..
فرغم القصفِ والحصارِ والجوعِ والفقرِ، لا زلنا نماذجَ للأممِ الحرّة، في مواقفِنا في الجبهاتِ المقدّسة ونحنُ نرُدُّ آلياتِ العالم ودباباتِه بسلاح الإيمان قبل السلاح الشخصي، بمعاملتنا للأسرى المعاملة القرآنية المحمدية، بالتكاتفِ والتعاونِ والتراحمِ بين المجتمعِ مَنْ قال فيهم رسولُ الله -صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم-: (الإيمانُ يمان، والحكمةُ يمانية)، بنصرتنا لقضايا الأمة الإسلامية المصيرية أولها فلسطين، بإعلان ولائنا لأولياءِ الله وعدائنا لأعداءِ الله، في الحياةِ القاسيةِ مع العزّة، مع الإباء، مع عدم القبول بالضيم… إلخ.
قد يخالُ البعضُ أنَّ الظروفَ الصعبةَ والسيئةَ هي من ألجأت الكثيرَ ممن خانوا دينَهم وقضيتَهم ووطنَهم ليتّخذوا مواقفَ منحرفةً عن الطريقِ الصحيحِ، لكن نقولُ لهم بأن هذا ليس مبرّراً بتاتاً، فمن جهةٍ هي اختبارٌ لإيمان الإنسان وتربيته للتحمّل بعدَها يأتي فرجُ الله، ومن ناحية حطٌّ للسيئات والمعاصي إذا رافقها صبرٌ، يقول اللهُ تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)، ويقول الرسولُ -صلّى اللهُ عليه وعلى آله وسلم-: (من وُعك ليلةً كفّر اللهُ عنه ذنوبَ سَنةٍ)، ومن جانبٍ للتمييز، يقولُ تعالى: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)… إلخ.
الحقيقةُ أنَّ الإنسانَ يستطيعُ أن يكونَ رجلاً، رجلاً في واقعِه بامتثال أمر الله وشرعه، رجلاً في الجبهةِ بالدفاعِ عن الدينِ والعرض والمستضعفين والوطن وتلقين أعداء الله دروساً لا هوادةَ فيها، رجلاً في مجتمعِه برعاية أُسر الشهداء والجرحى والفقراء والمعدمين بالقدر المستطاع، رجلاً في عملِه بالأمانة والمصداقية والإتقان، رجلاً في بيته بالتعامل الحسن والتربية الطيّبة، رجلاً بأخلاقه وفكره ومواقفه وعمله..