أوجه متعدّدة: الخطر الأمريكي على القضيّة الفلسطينية

|| صحافة ||

تستدعي الندوة الثقافية التي أقيمت في غزة قبل أيّام حول الخطر الأمريكي على القضية الفلسطينية وفقة تأمّل لما حملته من خلاصات ترسم الخطوط الرئيسية للمواجهة القائمة. الندوة التي حملت عنوان “أمريكا الشيطان الأكبر” الدور الأمريكي في مواجهة محور المقاومة وسياسة “إسرائيل” التوسعية، وأقيمت في مقر مركز أطلس للدراسات، خلصت إلى أن أمريكا هي الخطر الأكبر الذي يُهدد المنطقة العربية والإسلامية برمتها، وأكبر التهديدات للقضية الفلسطينية ومحور المقاومة.

لا يخفى الخطر الامريكي على أحد ، لكنّ هناك من يقلّل من حجم الدور الأمريكي في استهداف القضية الفلسطينية، مقابل أن البعض يركّز على العدو الإسرائيلي والنظر إلى القضية مقضية منعزلة عما يدرو في المنطقة. لا شكّ أن القضية الفلسطينية هي أمّ القضايا في المنطقة، ولعل الخلافات التي تعيشها المنطقة هي نتاج لهذه القضيّة، فولا القضية الفلسطينية لكانت الدول العربية تمتلك علاقات مع الكيان الإسرائيلي، لم يكن محورالمقاومة على حاله اليوم، ولم يكن لأمريكا ورقة قوّة تستخدمها في ابتزاز دول المنطقة لتحقيق مصالحها.

هناك من يعتقد أنّ اللوبي الإسرائيلي هو الذي يحكم أمريكا، مقابل رأي آخر يرى في الكيان الإسرائيلي أداة لتحقيق المصالح الأمريكية لا أكثر، وهناك رأي ثالث، وهو ما نعتقده، أن الكيان الإسرائيلي الذي تستخدمه أمريكا لتحقيق مصالحها، نجح في بناء منظومة صهيونية داخل الدولة الأمريكية بدءاً من النواب والشيوخ مروراً بالجيش والأمن، وصولاً إل الاقتصاد والبيت الأبيض. وبالتالي لا يصح القول أن الكيان الإسرائيلي هو من يتحكّم في الإدراة الامريكية، أي إنه يعمل على حساب الأمن القومي الأمريكي، في المقابل لا يصح القول بأن الكيان الإسرائيلي هو أداة أمريكية لا أكثر.

إنطلاقاً من هذا الرأي، واستناداً إلى الندوة السياسية، يمكن الإشارة إلى القضية المطروحة أعله في عناوين ثلاث، الأول يرتبط بالكيان الإسرائيلي وأمريكا، والثاني يرتبط بالمحيط العربي والثالث بمحور المقاومة.

 

أمريكا والكيان الإسرائيلي

يبدو جلياً الدور الأمريكي في دعم الكيان الإسرائيلي سياسياً وعسكرياً، ولولا هذا الدعم لم يكن الكيان الإسرائيلي ليدوم لبضعة أشهر، لكن السؤال كيف يتمّ  استمرار هذا الدعم في ظل الإداراة الأمريكية المتعاقبة. كما أسلفنا أعلاه، نجح الكيان الإسرائيلي في بناء لوبي قوي في واشنطن يعمد إلى تقديم المصالح الإسرائيلية على أنها مصالح أمريكية. وبالتالي، من يكون في البيت الأبيض أو الكونغرس يرى أن الدفاع عن الكيان الإسرائيلي هو دفاع عن المصالح الامريكية.

إن هذا الدعم هو السبب الرئيس في ديمومة واستمرار الكيان الإسرائيلي، وكذلك ارتكابه المئات من المجازر بحق الشعب الفلسطيني المظلوم. واشنطن كانت تعتقد أن القضية الفلسطينية ستنتهي منذ عقود، لكن مقاومة الشعب الفلسطيني، والدعم العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية حال دون إنهاء القضية عسكرياً، ليبدأ المسار السياسي من البيت الأبيض. فشل المسار السياسي الأمريكي في حل القضية بين فلسطين والكيان، لتعمد واشنطن إللى التركيز على المسار السياسي العربي الإسرائيلي تحت شعار اسقاط الحقوق الفلسطينية بالتقادم.

 

أمريكا والمحيط العربي

أدركت واشنطن جيداً أهمية التطبيع مع المحيط العربي لإنهاء القضية الفلسطينية، سواءً عبر الحدّ من قوّة هذه القضية في حال زعزعة السدّ العربي، أو من خلال ضغط بعض هذه الدول على الداخل الفلسطيني للقبول بالمسار السياسي الذي يفرضه الكيان الإسرائيلي.

السياسات الأمريكية لإبعاد هذه الدول عن القضية الفلسطينية سلكت مسارات أخرى غير التفاوض والجر نحو التطبيع، فقد عمدت إلى الدخول في الدول العربية والإسلامية وافتعال الأزمات وتدمير مقدرات الأمة العربية والإسلامية عبر ممارسة الإرهاب. نتيجة لهذا الأمر انشغل الشارع العربي في زواريبه حيث لم تعد فلسطين أولوية، كما تستغل حالة التيه السياسي لحرف البوصلة ليس باتجاه فلسطين.

لم ينجح مسار التطبيع كثيراً، رغم تحقيق خورقات ليست بالبسيطة، لكنها تبقى على صعيد الأنظمة مقابل رفض الشارعين العربي والإسلامي لأي من هذه الخطوط. اليوم تعمد واشنطن إلى عملية التصفية عبر مسمى صفقة القرن. هنا تجدر الإشارة إلى بعض هذه الدول العربية تغفل عن أنها طُعم وستكون هي الهدف في حال استمرت في مسار التطبيع. على سبيل المثال لا الحصر نذكر ما جاء قبل أيام في الصحافة الإسرائيلية. إن إزالة الأردن من على الخريطة، أو إسقاط النظام الأردني وإقامة كونفيدرالية بين فلسطين والأردن، كانت خلاصة الخطة التي كشفت صحيفة هآرتس أن اليمين الإسرائيلي يستعد لإعلانها بعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة المقررة في مارس/آذار 2020.

 

أمريكا ومحور المقاومة

أدّت ظاهرة التكفيك الأمريكية في استهداف المنطقة العربية والإسلاميّة إلى ردّة فعل عكسية أنتجت “محور المقاومة” الذي لم ينجح في صدّ الهجمة الامريكية فحسب، بل حقّق انتصارات كبيرة على مختلف الصعد وفي العديد من البلدان العربية. ولعل العداء الأمريكي اليوم للجمهورية الإسلامية الإيرانية يرتبط بشكل أساس بالدور الذي تضطلع به إيران في هذا المحور من جهة، ودعمها للقضية الفلسطينية منذ انتصار الثورة من جهة أخرى.

إن الدعم العسكري الإيراني فتح الباب أمام المقاومة الفلسطينية في صناعة توازن رعب أمام الكيان الإسرائيلي، الأمر الذي أفشل المخططات الأمريكية. لم يستطع الكيان الإسرائيلي أن ينهي المقاومة بأسحلته الأمريكية وأن يعيد احتلال غزة، مقابل نجاح المقاومة الفلسطينية لاسيّما سرايا القدس وكتائب القسام والمجاهدين في استهداف العمق الاستراتيجي لإسرائيل.

لا شكّ أن أمريكا هي من أخطر التهديدات على القضية الفلسطينية، لا بل هي أخطر التهديدات التي تواجهها الأمة العربية والإسلامية. إن فعلاً بحقّ “الشيطان الأكبر.

قد يعجبك ايضا