العسلُ اليمنيُّ.. بين الدواء والحيوية وغش عديمي الضمير
|| صحافة ||
منذُ زمنٍ قديم اشتهرت اليمنُ بإنتاجِ العسل وتربية النحل والاهتمام بها، حيث تذكر كتبُ التاريخ أن الدولَ اليمنيةَ القديمةَ سبأ ومعين وحمير وقتبان كانت تشتغل بالزراعة ومنها إنتاجُ العسل، حيثُ شكّل العسلُ المرتبةَ الرابعة في اقتصاديات هذه الدول بعد البن والبخور واللبان، ويُعدُّ العسلُ اليمني الدوعاني من أفضل وأغلى الأعسال عالميا؛ بسبَبِ جودته، حيثُ جاء في دراسةٍ للمنظمة العربية للتنمية الزراعية أن منظمةَ الفاو تُشير أن متوسطَ سعر التصدير للكيلو الواحد من العسل الطبيعي في نطاق التجارة العالمية يعادل 1,03 دولار، في حين أن العسلَ اليمنيَّ وخَاصَّة السدرَ الخالصَ يصدر بواقع 68,39 دولاراً للكيلو الواحد.
كما يُعتبر العسلُ اليمنيُّ من أشهر أنواع العسل في العالم؛ لما تتميّز به الأرضُ اليمنيةُ من اختلاف تضاريسها كالجبال الشاهقة والوديان الممتدة والهضاب الواسعة والسواحل الطويلة من مناخٍ فريدٍ ساعد في تنوع الفلورا النباتية على مدار العام، وساعد ذلك في اختلافِ الأزهار وتنوّع العسل.
ويتميّزُ العسلُ اليمنيُّ عن غيره من أنواع العسل أن النحلةَ هي التي تبني أقراصَ العسل بنفسها دون تدخل الإنسان كما هو الحال في دولٍ أُخرى، وكذلك من مميّزات العسل اليمني الهامة احتفاظه بخواصه الطبيعية من حبوب اللقاح والغذاء الملكي وصمغ النحل، وكُلُّ هذه المنتجات جعلته ذا قيمة علاجية فائقة وقيمة غذائية عالية وأعطته مذاقاً لذيذاً ونكهةً طيبةً ولوناً جذاباً جميلاً.
مراحلُ إنتاج العسل اليمني:
ويمرُّ العسلُ اليمنيُّ بمراحلَ متعدّدة ابتداءً من تجهيز الطوائف لموسم الفيض، بحيث يصبح النحلُ قوياً، وتسمى هذه المرحلةُ مرحلةَ التجييش أي عدد الشغالات التي تجني العسلَ بكميات كبيرة ثم الانتقال إلى المراعي التي يتواجد بها الأشجارُ الرحيقية، يستمرُّ رعيُ النحل على هذه المراعي من 20 يوماً إلى شهر خلال هذه المرحلة لا يتم فحص الطوائف، ثم تأتي مرحلةُ الجني حيث يتم جنيُ العسل إما في نفس المكان أَو الانتقال إلى مكانٍ آخرَ، وتتبع مرحلة الجني مرحلة الفرز والتعبئة ثم رحلة العرض بالأسواق للمستهلك أَو البيع لمحلات التجزئة والجملة أَو التصدير.
مصادرُ العسل اليمني تختلفُ حسبَ نوع الأشجار، فهناك عسلُ السدر وهو تاجُ الأعسال اليمنية قاطبةً والعسلُ الأغلى عالميا؛ بسبَبِ الجودة والمواد الغذائية والطبية الموجودة فيه، والذي يأتي من أشجارِ السدر الذي تشتهر بها اليمنُ وتُعتبر الموطنَ الأصلي لها وتنتشر في معظمِ أراضي اليمن، ويعالِج كثيراً من الأمراض وتعتبر من الهدايا الثمينة التي يمكن تقديمُها إلى من تحب، ثم عسل السلم والذي تشتهر به السواحلُ الغربية من أرض تهامة، حيث أظهرت أبحاثٌ أنه يُستخدم لمرضى السكر دون أن يرفع نسبةَ السكر لديهم كما توجد فيه فيتامينات مختلفة، وهذا النوعُ لا يوجد إلّا في اليمن فقط، ثم عسل السُّمُر والذي تشتهر به معظمُ مناطق اليمن، ورغم رخص ثمنه فهو يعزى إليه الاستشفاء من أمراض كثيرة كما ورد في الطب الشعبي، ثم عسل الضبة وعسل الظهية وهي رخيصة السعر وتنتج من أشجار الأكاسيا المنتشرة في المرتفعات الجبلية في اليمن، ويُطلق عليها (عسل المراعي) وعسلها ذو قيمة غذائية وعلاجية، بعد ذلك يأتي عسلُ العلك وهو عبارةٌ عن خلط رحيق أشجار الصورب والعمق وتشتهر به بعضُ المناطق الجبلية في محافظة إب وصعدة، ويصل سعرُ الكيلو إلى أكثرَ من 100 ألف ريال يمني ولكنه محدودُ الانتشار، وهناك عسلُ الزغف وعسل الحبص وعسل السرح والذي ينتشر في المراعي التهامية والساحلية وشبه الجبلية.
وإذا أردنا أن نتحدّثَ عن العسل اليمني وفوائده سنحتاجُ إلى مساحات ورقية، لكن هذه نبذة مختصرة عن الذهب الذي تختلف ألوانُه في اليمن وله مستقبل واعد في يمن الإيمان والحكمة.
ما يميّز النحلَ اليمني:
سلالةُ النحل اليمني الجامع للعسل فريدةٌ في نوعها، فبالرغم من صغر حجمها إلّا أنها تملك خرطوماً يبلغ طولُه حوالي 6,5مم، وهو يُعتبر أطولَ خرطوم في النحل الموجود في جميع أنحاء العالم، يمكنه ذلك من سحب الرحيق من قواعد الأزهار المختلفة، ويتحمّل الظروفَ البيئية الصعبة والقدرة العالية على التأقلم، وبالتالي تم تجربةُ استيراد نحل أجنبي خارجي لغرض التحسين إلّا أنها أثبتت فشلها؛ بسبَبِ عدم قدرتها على تحمّل الظروف البيئية الصعبة في اليمن.
ويؤكّـد المهندسُ نافع العبسي -استشاري بمؤسّسة بنيان التنموية-، أن أهميّةَ المراعي بالنسبة للنحل يعتبر الغذاء الرئيسي للنحل، حيثُ تقومُ الشغالاتُ السارحة الكبيرة السن في جمع حبوب اللقاح من الأزهار وجمع الرحيق وتخزينه في العيون السداسية كغذاءٍ لليرقات الصغيرة، حيث تخلط الحبوب مع الرحيق مكونةً خبز النحل الذي يستخدمُ في تغذية النحل الصغيرة السن، وهذا النحلُ الصغيرُ السن عندما يتغذى يُنتجُ لنا الغذاء الملكي الذي يستخدم في تغذية الملكة..
وعن مشاكلِ النحالة والنحالين، يتحدّث المهندسُ نافع العبسي قائلاً: أهــمُّ المشاكل التي تواجه النحالين هي محدوديةُ المراعي، ورغم ازدياد النحل في اليمن إلّا أن هناك انحساراً كبيراً في أشجار الرعوية الخَاصَّة بالنحل، حيثُ يقومُ الكثيرُ من اليمنيين في تلك المناطق الرعوية باحتطاب الأشجار ومنها السدر وهو؛ بسبَبِ عدم توفر مادة الغاز المنزلي، وهي مشكلةٌ كبيرةٌ للنحالين، حيثُ والنحالة في اليمن نحالة مرتحلة حيث يذهب النحالون بعد المرعى..
المشكلةُ الثانيةُ هي المنافسةُ من الأعسال المستوردة، حيثُ تدخل إلى اليمن أعسال بعبوات كبيرة جِـدًّا منها الكشميري ومنها مجهول المصدر، وهذه هي المشكلةُ الرئيسيةُ حيثُ يتم خلطُها مع الأعسال البلدية ومن ثم غش العسل اليمني بذلك العسل المستورد، ذلك ما أَدَّى إلى إضعاف سمعة العسل اليمني الأصلي من أولئك التجار عديمي الضمير، ومن المشاكلِ التي تواجه العسل اليمني جانبُ تدريب النحالين؛ لأن هناك آفات وأمراضاً في النحل، ولا بُدَّ من تدخل لرفع كفاءة النحال بحيث يتعرّف على مشاكل وأمراض النحل وطرق تربيتها وغير ذلك، ومن أهمِّ ما يميّز العسل اليمن أن يأتي من الأعشاب الطبيعية وهو ما يكسبه قيمة وميزة وشهرة عالمية، ومن أهمِّ ما يضر بالعسل اليمني هو تغذيةُ النحل بالسكر مع الأعشاب رغم أن ما يدخل جوف النحل هو بطبيعته عسل وله فائدة وله قيمة غذائية؛ كون المصدر للعسل هو جوف النحل؛ لأن الفائدةَ فيه الكربوهيدرات الموجود في جوف النحلة إلّا أنه قليلٌ، النحالُ لا يمكن يغش؛ لأنه يخاف على نحله وستنعكسُ على نحله، لكن من يغشُّ هم المسوقون وتجار متطفلون على المهنة الذين همهم بيعُ العسل كيفما كان، وهنا أتمنى أن تكونَ عليهم رقابة دائمة على تجار العسل تتحملها الدولةُ؛ لأن هذا يضرُّ بسمعة التصدير للعسل اليمني، كما أتنمى أن تقومَ جمعيات زراعية بعمل اللازم حيث تتكفل تلك الجمعيات بالإشراف على تعبئة العسل وبيعه وتصديره في أنبوبات خَاصَّة عليها لواصق بالعسل وسعراته وفوائده وغير ذلك، كما أن هناك مشكلةَ رش المبيدات على الأشجار التي تتغذّى منها النحل، وهي من الكوارث على النحل ويؤدي إلى قتلها، كذلك وجود بعض الحشرات والأمراض، لكن ما يجب فعله هو التدريبُ والتأهيلُ على تربية النحل وإعادة الاهتمام بالتصدير وَأَيْـضاً المراقبة الدائمة لتجار العسل..
ويضيف المهندس العبسي أن من أهمِّ مشاكل النحل والنحالة والعسل هو التصديرَ العشوائيَّ للعسل اليمني، حيث يتم تعبئةُ العسل اليمني في أنبوبات بلاستيكية غالباً ما تكون قنينات ماء، قد تم رميها في الشارع واللهُ أعلمُ كيف كانت طبيعة استهلاكها، المهمُّ أن هذه الأنبوبات لا تستخدم إلّا لمرة واحدة فيأتي النحالُ لصب العسل اليمني فيها وهو ما يفقد العسل جودته ومذاقه الأصلي وَأَيْـضاً فائدته الغذائية، ومنها أَيْـضاً تعريض العسل لأشعة الشمس لأوقات طويلة خَاصَّة عند نقله من منطقة إلى أُخرى أَو تهريبه للخارج عبر الحدود، كُـلُّ هذا يفقده جودته وغذاءَه وفائدته..
قصةُ نجاح:
في هذا المجالِ هناك تجربة نجاح استطاعت تخطي كافة المشاكل والمعوقات في تربية النحل وتدريب وتأهيل النحالين، إنه المهندسُ عصمان الجلال من أبناء محافظة إب الذي فتح شركةَ عين اليمن لتصدير العسل اليمني، يُحدّثنا عن تجربته الناجحة في مجال تربية النحل وتصدير العسل اليمني إلى دول العالم..
المهندس عصمان ناصر الجلال مواليد يريم إب تخرّج من كلية الزراعة 1997م، انتقلت لمنحةٍ جامعيةٍ إلى سوريا لمدة ثلاثة أشهر تعلمت خلالها التجربة السورية في تربية النحل وتحديث الخلايا التقليدية، عندما عدت إلى اليمن لم أجد عملاً أعمل فيه، فرجعت إلى منطقتي لأعمل فيها، حيث بدأت أشرف على النحل في منطقتي وقمت بتحديث خلاياهم التقليدية، وفيها اشتهرت بأني أحدث خلايا النحلية وأزيد الإنتاجية، حيثُ قمت بتحديث عدد من الخلايا التي أثبتت إنتاجَها أضعافاً مضاعفة بعد تحديثها.
زاد العملُ وزادت الطلباتُ واشتهرت في المنطقة، احتجت أن أكوّن فريقَ عمل في مجال النحل على مستوى منطقة يريم، وبعدين على مستوى محافظة إب، بعدَ ذلك تعمقت في مشاكل النحل وما تواجه وعملت على بلورة حلول عملية تناسب البيئةَ اليمنيةَ والنحال اليمني، ومن أهــمِّ تلك المشاكل التي قمت بإجاد حلول ناجعة لها، هي مشكلةُ التغليف حيث العسل اليمني يغلف بتغليف تقليدي لا يرقى بمستواه، حيث كانت تعبأ كميةُ العسل في قوارير مياه أَو في دبات كبيرة خمسة لتر، حيثُ لا نظافة ولا مواصفات، وهو ما أَدَّى إلى عزوف المستهلك الخليجي والأوروبي عن شراء العسل اليمني، وأدّى إلى تقليل سمعته وشهرته، نحنُ في مؤسّستنا قمنا بعمل عبوات خَاصَّة مطابقة للمواصفات والمقاييس العالمية من حيث النوع والجودة، وهي مثلُ الخارجية التي تأتي إلينا فيها العسل النيوزلاندي المنوكا وهو أفضلُ أنواع العسل الخارجي وأغلاها، ويباع على أنه عسلٌ دوائيٌّ وعندنا العسل اليمني هو عسل دوائي بالدرجة الأولى، المشكلةُ الثانيةُ طريقة فرز العسل وهي الطريقة التي يستخدمها اليمنيُّ هي طريقة المز باليد للأقراص، وهي طريقةٌ يشوبها الكثيرُ من الأمور التي تُفقِدُ العسلَ جودته، نحنُ قمنا في مؤسّستنا باستيراد آلة لفرز العسل دون أي تدخّلٍ لليد فيه بطريقة حديثة جِـدًّا للحفاظ على دوائية العسل، كذلك مما واجهنا في العسل الغش الذي يستخدمه الكثيرُ من التجار، نحن في مؤسّستنا قمنا بالتعاقد مع عددٍ من الجمعيات التي تهتم بالعسل، حيثُ قمنا بالإشراف عليهم ومتابعتهم وتقديم كُـلِّ الخدمات والتدريب لهم في مختلف مناطق اليمن، حيثُ قمنا بتدريب أكثر من خمسين فريق يقومُ ببيعِ العسل لنا على شكل أقراص حتى نضمن جودته وفوائده، ونحنُ في مؤسّسة اليمن نقوم بشراء العسل من أيِّ شخص يبيع العسلَ لكن بشرط أن يبيعها لنا على هيئة أقراص..
المناطقُ الريفيةُ تنتج العسلَ في موسمين طوال السنة وبحسب نوعية الأشجار سواء الصبار أَو السدر، وهي من الأعسال التي توجد فيها نسبة المضادات الحيوية، حيثُ تصلُ نسبةُ المضاد الحيوي (إم جي أو) إلى النسبة خمسمِئة وخمسين بعد أن عملنا أكثَر من عشرة فحوصات في اليمن وخارج اليمن، نحنُ نبيعُ العسلَ اليمني ليس على هيئة السدر أَو السمر أَو غيرها ولكن نبيعه على كمية المضاد الحيوي في أيِّ نوع من الأنواع اليمنية، فكلما زادت النسبةُ من المضاد الحيوي في العسل يزيدُ سعرُه وقيمته وهو ما سعينا لتحقيقه، نتمنّى من الجميع اقتناء النحل وتربيته في المنازل، حيثُ وأن تربيةَ النحل لا تحتاجُ إلى تفرغ أَو عناية خَاصَّة، ما عليهم إلّا اقتناءُ العسل، ونحنُ في مؤسّسة عين اليمن مستعدّون للتدريب والتأهيل وعمل دورات لكُلِّ من يريد تربية النحل في منزله..
المسيرة: يحيى قاسم المدار