لهذه الأسباب انكفأت أميركا عن الانتقام لهيبتها في “عين الأسد”
|| مقالات || شارل ابي نادر
اختلطت الأمور بعض الشيء، بين أسباب الفشل الأميركي في حماية قاعدة “عين الاسد” من الصواريخ الباليستية الايرانية، وبين أسباب الجرأة الايرانية في الرد الحساس الخطر، وبسرعة لم يكن ينتظرها أحد، غير الايرانيين طبعًا. وسبب هذا الاختلاط هو تداخل أسباب الفشل الأميركي من الناحية العسكرية والتقنية، مع أسباب الجرأة الايرانية في الرد، والتي من ضمنها الثقة بالقدرات الصاروخية وبالامكانيات العسكرية المرتبطة بها، وأيضًا مع أسباب الخوف أو الخشية الاميركية من تعرض قواعد أخرى لاستهدافات محكمة ومدروسة، مع الامكانية المرتفعة لحصول اصابات كبيرة وبشكل أكيد في صفوف وحداتها.
هذا من الناحية التقنية والعسكرية المرتبطة بالرد من جهة، وبالتداعيات التي كانت محتملة لو حصل الرد على الرد من جهة أخرى، ولكن ماذا عن الدلالات الاستراتيجية وغيرها، والتي سببت الاقتناع بعدم الرد؟ وهل من ارتباطات دولية أو داخلية ساهمت في الرضوخ الأميركي لهذه الصفعة؟
إنها ليست الصفعة الأولى التي تتعرض لها الوحدات العسكرية الأميركية من قبل الايرانيين، وتسكت و”تبلع واشنطن الموس” كما يقال، فهناك عدة حوادث حصلت وأظهرت الثبات والتماسك الايراني بمواجهة تلك الوحدات، ومنها على سبيل المثال اسقاط الطائرة الاميركية المسيرة الأكثر تطورًا على الصعيد العالمي لهذه التقنيات (آر كيو -4 غلوبال هوك)، والتي كانت قد خرقت الأجواء فوق المياه الاقليمية الايرانية، وأثبتت الصور الجوية ذلك، بالاضافة لعدة عمليات التقاط لطائرات أميركية مسيرة فوق الأراضي والمياه الايرانية، واستطاعت الوحدات الايرانية مصادرتها حينها، بعد أن اخترقت منظومتها الالكترونية وحصلت على الكثير من تقنياتها، وهناك أيضًا الكثير من حوادث توقيف بحارة وسفن عسكرية أميركية في مضيق هرمز، بعد اختراقهم للسيادة الايرانية، عن طريق الخطأ أو ضمن خدعة مخابراتية للحصول على معطيات استعلامية، وكل ذلك لم يكن يقابل بأي ردة فعل أميركية مناسبة للحدث، توحي بأن دولة عظمى وقادرة هي المستهدفة في تلك الحوادث.
مشروعية تلك الاجراءات الايرانية والتي استهدفت القدرات الاميركية، كانت دائمًا مصدر حجة طهران وتهديدها برد مناسب فيما لو تعرضت الوحدات الأميركية لسيادتها، وكان حزم الايرانيين يظهر دائمًا وبوضوح، أنهم لا يخشون المواجهة الواسعة لو تدحرجت الأمور، وهذه المواجهة الواسعة التي كانوا يلوحون باللجوء اليها لحماية سيادتهم، كانت تشمل حتمًا فرضية استهداف الكيان الصهيوني وجميع القواعد والمصالح الاميركية في المنطقة، وهنا بيت القصيد الذي فهمه الأميركيون جيدًا وابتعدوا عن الرد على استهداف الحرس الثوري الايراني لقاعدة “عين الاسد“.
وحيث تعتبر “اسرائيل” في حالة المواجهة الواسعة بين محور المقاومة والاميركيين وحلفائهم، نقطة الضعف الأكثر هشاشة وتعرضًا للاستهداف، فقد كانت حمايتها من أسباب عدم الرد الاميركي، والذي كان سيكون منتجًا حتمًا للمواجهة الواسعة.
ايضًا، تشكل القواعد الأميركية المنتشرة بالمئات في المنطقة، نقاط ضعف غير محمية بشكل أكيد عند أية مواجهة، والذي أثبت للأميركيين ذلك، فشلهم في حماية القاعدة الأبعد عن ايران والأقوى والأكثر تحصينًا “عين الأسد”، فكيف سيكون مستوى تعرض قواعدهم الأخرى المنتشرة على مسافات قريبة جدا من السواحل والاراضي الايرانية؟
بالاضافة للقواعد الاميركية التي سوف تتعرض لخسائر ضخمة عند اية مواجهة واسعة، سوف تتعرض لذلك ايضا مصالحهم الاخرى المشتركة مع الدول الخليجية التي تحضن تلك القواعد، كشركات النفط والغاز ونقل واستخراج الطاقة، بالاضافة الى عشرات آلاف المدنيين الأميركيين، من الاستشاريين والاختصاصيين الذين يعملون في المنطقة، والذين سوف يصبحون في خطر وسيصعب اخلاؤهم بالسرعة المناسبة بعد تدحرج المواجهة العسكرية الواسعة.
أما في الموضوع الداخلي الأميركي، وبعد أن تندلع المواجهة الواسعة مع ايران في المنطقة، فسوف يتأثر هذا الداخل سلبا بعدة عناصر:
– اية مواجهة واسعة سوف تسبب حكمًا خسائر كبيرة في أرواح الجنود الاميركيين، الأمر الذي سوف يشكل ضربة قاضية للرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسية الاميركية المرتقبة.
– سوف ترتفع أسعار النفط عالميًا حكمًا، وربما تصل لمستويات جنونية بعد خسارة السوق العالمي لمصادره من الخليج، وهذا سوف يشكل ضغطا قويًا على ترامب وادارته كنقطة مؤثرة ايضًا سلبًا في الانتخابات الرئاسية الموعودة.
كل تلك الأسباب، الاقليمية المتعلقة بحماية الكيان الصهيوني وبحماية الرعايا والمصالح الأميركية، بالاضافة لحتمية ارتفاع أسعار النفط وبخطورة وحساسية تاثير الخسائر البشرية الأميركية على الادارة وعلى الرئيس ترامب شخصيًا في الانتخابات، بالاضافة أيضًا لما يمكن أن تخسره واشنطن على الصعيد العالمي وخاصة على صعيد القانون الدولي، بعد أن تتدحرج المواجهة الواسعة والتي ربما تسبب حربًا عالمية، نتيجة جريمة اغتيال موصوفة ارتكبتها وحداتها العسكرية بقرار رئاسي واضح، كل ذلك دفع بواشنطن لامتصاص الصفعة في “عين الأسد” واحتواء الموضوع والبحث عن مناورات أخرى تعوّض عبرها ما خسرته معنويًا وعسكريًا نتيجة الرد الايراني.