النضال الثوري للجبهة الوطنية الديمقراطية اليمنية
موقع أنصار الله || مقالات || أنس القاضي
تاريخ شعبنا اليمني زاخر بالنضلات الثورية، تعددت القوى الوطنية التي تصدرت نضاله، من مرحلة تاريخية إلى أُخرى، وفي كل مرة اثبت الانسان اليمني انه شعب على قهر الطُغاة معود..
عبرَّت الجبهة الوطنية الديمقراطية اليمنية، في سبعينيات القرن الماضي، عن النزوع اليماني الى تحرير الوطن اليمني من الهيمنة الاستعمارية والرجعية، وخاصة تلك الهيمنة التي تمارسها الامبريالية الأمريكية والرجعية السعودية على شمال الوطن، كما حملت النزوع نحو الخلاص من القهر الاجتماعي، ولهذا فقد بلورت الجبهة الوطنية شعارها بثلاث مطالب هي: «السيادة للوطن، والديمقراطية للشعب، والوحدة لليمن..» هذه الشِعارات التي ما تزال مهام نضالية الى وقتنا الراهن.
بعد نجاح المقاومة الشعبية والقوات الجمهورية في الصمود طيلة حصار السبعين يوماً وخروج النظام الجمهوري منتصراً من أخطر المعارك العسكرية التي خاضها، كانت اليمن أمام معركة سياسية داخلية أشد خطورة. تمثلت في انقلاب التيار الرجعي الذي سعى للتقرب من السعودية على التيار الوطني.
سحقت قوات الفريق حسن العمري فرق المقاومة الشعبية في الحديدة في مارس 1968م، وفي اغسطس من ذات العام سيطرت على الوحدات العسكرية، مثل الصاعقة والمضلات والمدفعية والمشاة، وصفت القيادات الوطنية من بينهم أبطال حصار السبعين عبد الرقيب عبد الوهاب، والشيخ احمد عبدربه العواضي، وامتلأت السجون بالضباط والجنود الحركيين وجميع الثوار من كافة القطاعات المدنية والعسكرية.
وبدأت التفاهمات بين كبار المسؤولين الجمهوريين في حكومة القاضي الإرياني مع الملكيين لعقد صفقة سياسية لإنهاء الحرب الأهلية؛ وللمصالحة المذلة مع السعودية. لتدخل اليمن في طور الدولة الهجينة بين الجمهورية الملكية!
فتحت اتفاقية جدة الموقع عليها في العام 1970 الطريق لتغلغل النفوذ السعودي في اليمن، في كل مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية، والأخطر من ذلك تنازل حكومة الرئيس الإرياني عن الحقوق التاريخية اليمنية في جيزان ونجران وعسير. ونتيجة لهذه الاتفاقية اعترف الولايات المتحدة الأمريكية بالنظام الجمهوري، ووطدت حكومة الإرياني علاقاتها السياسية بالدول الغربية.
امتد نضال الجبهة الوطنية طيلة اثني عشر عاماً من 1970م حتى 1982م ليشمل جميع مناطق وقرى ومدن اليمن، ابتدءا من عام1971م, اندلعت في مناطق إب, وريمة, ورداع، وفي المناطق المتاخمة للحدود مع اليمن الجنوبي: قعطبة, الحشاء, دمت, والبيضاء, حركة تمرد ضد الحكومة المركزية وتكونت الفرق المسلحة تحت قيادة “منظمة المقاومة الثورية”، واستغلت الجبهة الوطنية سخط وتذمر الفلاحين إزاء استغلال الإقطاع ومشايخ القبائل المواليين للنظام لهم فنظموا عمليات التمرد في جيش تحرير شعبي.
تشكلت الجبهة الوطنية من الاتجاهات الوطنية اليسارية والقومية التي تم اقصائها بعد المصالحة مع السعودية، وقد أعلن قيام الجبهة الوطنية الديمقراطية اليمنية في 11 فبراير 1976م من اتحاد خمس قوى يسارية هي “الحزب الديمقراطي الثوري اليمني”، و”حزب اتحاد الشعب” و”حزب العمل”. و”منظمة المقاومين الثوريين” و”حزب الطليعة الشعبية” وكانت العديد من هذه الأحزاب قد نشأت على أساس وطني بامتداد اليمن من الشمال إلى الجنوب، وتتفاوت من حيث حجم قاعدتها الجماهيرية. وفيما بعد نسقت معها حركة 13 يونيو التصحيحية بعد فشلها في اسقاط نظام العميل علي عبدالله صالح عام 1978م
شهدت فترة صعود الرئيس ابراهيم الحمدي إلى السُلطة، وبروز توجهاته الوطنية، تجميداً للكفاح العسكري الذي كانت تخوضه الجبهة ضد القوات الحكومية، وعاد الكفاح المُسلح مرة أُخرى بعد حادثة اغتيال الرئيس الحمدي، الذي تم بإشراف الملحق العسكري في السفارة السعودية صالح الهديان.
بعد استشهاد الرئيس الحمدي، دعم النظام السعودي صعود العقيد علي صالح إلى واجهة النظام، في 17 يونيو 1978م ، وهو أحد المشاركين في عملية الاغتيال، وكان من أهم الأهداف التي حملها علي صالح هو تصفية الجبهة الوطنية الديمقراطية، ومن ثم الانقضاض على النظام الوطني التقدمي في جنوب الوطن . وقد رعت المملكة السعودية اتفاقاً بين الاخوان المسلمين وعلي صالح شكلوا على إثره ما سُمي بالجبهة الإسلامية التي أصبحت فيما بعد أداة أمريكية للحرب على الاتحاد السوفياتي ومنها نشأ تنظيم القاعدة في اليمن.
من بعد صعود صالح الى السُلطة تعززت العلاقات بين الجمهورية العربية اليمنية والولايات المتحدة الأمريكية، وفي نهاية فبراير سنة 1979 ظهرت انباء مفادها ان الولايات المتحدة الامريكية تستعد لإرسال صفقة سلاح ضخمة بما قيمته مائة مليون دولار خصصت للصراع ضد النظام الوطني المستقل في الجنوب وضد الجبهة الوطنية التي كانت تتلقى عماً عسكريا من الحزب الاشتراكي الحاكم في الجنوب.
بالإضافة للنضال من أجل الوحدة اليمنية والديمقراطية، خاضت الجبهة الوطنية الديمقراطية صراعاً شرساً في مواجهة النفوذ السعود ي خاصة في مناطق شمال الشمال، المحاذية للسعودية، ودعم القبائل التي كانت تواجه التوسع السعودي في أراضيها، وتغنى الجبهاويون بالزامل اليمني العريق ارضنا نجران وجيزان بترجع من يد الأسرة الغبية الدنية!
تحدث المناضل يحيى الشامي قائد جيش التحرير الشعبي الديمقراطي سابقاً عن هذه المرحلة قائلاً: الحزب الاشتراكي، كان وراء استنهاض النزعة المذهبية الزيدية في وجه الوهابية كتيار متخلف، وما لا يعرفه الكثير أننا في عام 1979م أرسلنا إلى صعدة الدكتور عبد السلام الدميني، ويحيى منصور أبو أصبع، عندما سمعنا عن استقطاب الاستخبارات السعودية للعناصر الشابة من كوادر الجبهة الوطنية في شمال الشمال، من بينها الرفيق صالح جلخف من محافظة الجوف، الذي رفض العمل مع السعودية فاغتالته أدواتها في الداخل.
مصادر هذه الحلقة:
كتاب المسار التاريخي للثورة اليمنية للمؤلف الدكتور محمد علي الشهاري
كتاب التطور السياسي للجمهورية العربية اليمنية للمؤلفة جولوفكايا ايلينا
كتاب الجمهورية بين السلطنة والقبيلة في اليمن الشمالي للمؤلف د محمد عبد السلام