نموذج ناجح لطرد القوات الأمريكية من المنطقة
|| صحافة ||
بعد اغتيال اللواء الحاج قاسم سليماني قائد قوة القدس وأبي مهدي المهندس نائب هيئة الحشد الشعبي العراقي علی يد القوات الأمريكية الإرهابية المعروفة باسم “سنتكوم”، تعهدت الجمهورية الإسلامية بالرد على هذا العمل الإرهابي.
بحيث قال قائد الثورة الإسلامية المعظم في رسالة بمناسبة شهادة اللواء سليماني ورفاقه، “لن يتوقف عمله وطريقه برحيله إن شاء الله، لكن انتقاماً شديداً ينتظر المجرمين الذين تلطخت أيديهم الشريرة بدماء الشهيد والشهداء الآخرين”.
على الرغم من أن الكثيرين عندما سمعوا كلمة “الانتقام الشديد”، اعتبروها عملاً عسكريًا ضد القوات الأمريكية الإرهابية، وبالتالي اعتبروا الهجوم الصاروخي على قاعدة عين الأسد ترجمةً له، لكن آية الله السيد علي الخامنئي قال في لقاء مع أهالي مدينة قم في يناير: “الانتقام قضية أخرى، لقد تلقوا صفعةً في الليلة الماضية، ولكن في مقام المواجهة، فإن هذه الأعمال العسكرية ليست كافيةً، بل يجب أن ينتهي الوجود الأمريكي المثير للفساد في المنطقة”.
لقد شككت بعض الأوساط المعادية بتحقيق هذا الوعد علی أرض الواقع، الأمر الذي يطرح التساؤل حول کيفية إرغام القوات الأمريکية علی الخروج من المنطقة.
ولعل أفضل رد على هذه الشكوك التي تهدف إلى تقويض سياسة طرد الولايات المتحدة من المنطقة، هو التذکير بالانسحاب الإسرائيلي المهين من جنوب لبنان.
في الخميس 25 مايو 2000، انسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان دون أي شرط أو قيد، ودون توقيع أي اتفاق مع قوات جبهة المقاومة. بحيث وصف رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي السابق “إيهود باراك” قراره بأنه “تاريخي” بعد 19 عاماً، وقال إنه فخور بذلك، لأن “انسحاب إسرائيل من لبنان حال دون مقتل مئات الجنود”.
وأضاف: “واجهنا احتجاجات قوية(حول هذا القرار). لكننا اتخذنا القرار، لأن أكثر من 25 جندياً من جنودنا کانوا يقتلون في لبنان كل عام”.
في الواقع، في تلك الظروف، لم يكن الهروب من جنوب لبنان أحد خيارات الصهاينة، بل الطريقة الوحيدة التي فرضتها المقاومة اللبنانية عليها، ولكن كيف؟
ربما يمكن القول بكلمة واحدة، بأنه کان عبر “تغيير نظام الحسابات لدی العدو”، والذي كان بحد ذاته نتيجةً لأعمال متسلسلة للمقاومة حتی تحقيق ذلك.
1- مزيد من التقارب بين التيارات المعادية للصهيونية
كان التقارب والتعاون المتزايد بين الجماعات المعادية للصهيونية من أولى الخطوات لإجبار الصهاينة على الفرار من جنوب لبنان؛ على الرغم من أن حزب الله لعب دورًا محوريًا وكان رأس الحربة في هذه العملية المعقدة، لکنه استفاد أيضًا من قدرة المجموعات الأخرى على التعبئة ضد المحتلين الصهاينة.
ولهذا السبب، من أجل تكرار هذا النموذج وطرد الولايات المتحدة من المنطقة، علی العناصر المتفقة مع محور المقاومة إنشاء تحالف مناهض للولايات المتحدة في العراق أولاً، ومن ثم في بقية بلدان المنطقة.
2- إزالة عناصر المرتزقة والخونة
قال “جيورا آيلاند” قائد عمليات الجيش الصهيوني في مقابلة في ذلك الوقت: “كان نهج الجيش هو البقاء داخل الأراضي اللبنانية، وعلى وجه التحديد في حزام أمني بمسافة كيلومتر واحد بدلاً من عمق 10 أو 15کم في لبنان، للسيطرة على المناطق الجغرافية، ومواصلة العمليات العسكرية كما كان من قبل، وتعزيز جيش أنطوان لحد”.
کان أنطوان لحد من المواطنين اللبنانيين المدعومين من الجيش الإسرائيلي، والذي قام بتشكيل حركة مرتزقة مسلحة تدعی “جيش لبنان الجنوبي” لصالح الصهاينة. وفي النهاية هرب إلى تل أبيب عندما انسحب الجيش الصهيوني من الجنوب في عام 2000، وتم تكليفه بإدارة مطعم صغير اسمه “بيبلوس”.
للإجابة على هذا السؤال بأنه لماذا غير الجيش الإسرائيلي رأيه بل واستعجل الانسحاب من جنوب لبنان؟ قال آيلند: “حزب الله هو الذي فرض علينا موعد وكيفية الانسحاب من جنوب لبنان، خاصةً عندما قضی علی مرتزقة لحد، فكان علينا مغادرة لبنان على عجل دون اتخاذ أي ترتيبات ضرورية. في 9 أيار (مايو) 2000، طالب أنطوان لحد قائد جيش المرتزقة، المسمى بـ “جيش لبنان الجنوبي”، الرئيس اللبناني بالعفو عن عناصره، في مقابلة له”.
وبالمثل، في العراق وأماكن أخرى في المنطقة، يجب تهميش العناصر المنحازة للولايات المتحدة والمرتزقة المسلحين للجيش الأمريكي تدريجياً حتی خروجهم من المنطقة. وفي الواقع، واحدة من العقبات الرئيسية أمام الخروج الأمريكي هي العناصر المنحازة لهم في مختلف البلدان والتي يجب القضاء عليها.
3- وضع التمهيدات والترتيبات القانونية
على الرغم من أن الکيان الإسرائيلي لم يمتثل لأي من قوانين وأحكام القانون الدولي، إلا أن الضغوط القانونية في ظل التوترات يمكن أن تشكل جزءًا من عملية الطرد. كما دعت الأمم المتحدة عبر قرار 425 الکيان الإسرائيلي إلى إخلاء لبنان في أقرب وقت ممكن، ونشرت قوات لحفظ سلام على الأراضي اللبنانية.
في العراق وبلدان أخرى في المنطقة أيضاً، يجب أولاً اعتماد قانون رحيل أو طرد القوات الأمريكية كقانون محلي ثم رفعه كطلب في الأوساط القانونية. وبالتأكيد، تتطلب هذه الأحكام القانونية دعم الرأي العام والضغط العسكري.
4- خلق الطلب العام في المنطقة
کما تحوَّل طرد القوات الصهيونية من جنوب لبنان إلی مطلب عام في لبنان، يجب أيضًا تكرار طرد المحتلين الأمريكيين من المنطقة كخطاب إقليمي وعام من قبل قطاعات مختلفة من الشعوب. وفي بلدان مثل العراق على وجه الخصوص حيث هناك نظام انتخابي؛ ينبغي اعتبار جهود الأحزاب لطرد الأميركيين بمثابة ميزة للتصويت وامتياز انتخابي؛ وتدعم الأحزاب السياسية خطتها لترحيل القوات الأميركية المثيرة للفساد من بلادهم بشجاعة.
5- زيادة الخسائر العسكرية واللوجستية الاستراتيجية من خلال العمليات الاستشهادية
أحد أساليب حزب الله الناجحة في حرب الاستنزاف مع الصهاينة، کان القيام بالعمليات الاستشهادية التي من شأنها إلحاق ضرر كبير بالصهاينة، وتقليص معنويات جنود الکيان ومرتزقته بشدة. ولهذا السبب يقول العقيد “نوام بن تسيفي” من القادة الإسرائيليين: “لم ننسحب من لبنان بل هربنا”.
وفقًا للخبراء العسكريين، بالنظر إلی المراحل السابقة في الفترة من 1982 إلى 24 مايو 2000، يمكن تحديد أساس مقاومة حزب الله في هذه الفترة على أساس تطور وتکامل الكفاح المسلح مع المحتلين الصهاينة، بدءاً من الهجمات الاستشهادية إلی هجمات حرب العصابات وتطويرها نحو الغزوات الکبيرة التي تستهدف مقر وتجمعات القوات الصهيونية.
يشار إلى أن حزب الله كثف من هجماته الإيذائية ضد الصهاينة في جنوب لبنان قبل عام 2000، حيث حوَّل حرب العصابات إلى العمليات الاحترافية، وأوقع ضربات صارمة ومدمرة على الصهاينة.
وفقًا للإحصائيات المتاحة، تم تنفيذ 45 عملية ضد الصهاينة في كل شهر تقريبًا أثناء احتلال لبنان حتى عام 1994. ووصل هذا العدد إلی 70 عملية بالتزامن مع التطور النوعي للمعدات المستخدمة والتنوع في العمليات في عام 1995.
ومنذ ذلك العام فصاعداً، استمر عدد هذه العمليات في النمو بشكل كبير حتى تم تنفيذ ما يزيد من 120 عملية ضد الصهاينة شهرياً في عام 1998. کما فشلت جميع التدابير الصهيونية المتطورة لمواجهة هذه العمليات، باستخدام تقنيات عالية مثل المراقبة من خلال أجهزة الاستشعار الحرارية والكمائن المتقدمة.
وهکذا، يجب على قوات المقاومة الإسلامية في المنطقة إلحاق أضرار بالأمريکيين في قطاع البنية التحتية والخدمات اللوجستية أيضاً، بالإضافة إلى زيادة هائلة في عدد الإصابات في صفوف العسكريين الأمريكيين.
کما أن تقويض معنويات الجنود والقادة العسكريين في سينتكوم كجزء من هذا الهدف، يمكن أن يحول دون ردة فعل فعالة من قبل العسكريين الأمريكيين ضد محور المقاومة.
6- ترابط القضايا المحلية بالشؤون الداخلية
مثلما أُجبر الصهاينة على الانسحاب من جنوب لبنان هربًا من مقتل جودهم وتقليل الخسائر، مما كان له تأثير مباشر على انتخاباتهم؛ في أمريكا أيضًا يجب أن يكون شعار السباق الرئاسي في البلاد هو “الخروج من غرب آسيا”، ولن يحدث هذا إلا عندما تزيد تكلفة البقاء في المنطقة بشكل حاد، ويحتجّ الرأي العام علی هذا الأمر أكثر من أي وقت مضى.
7- الأمل في النصرة الإلهية
إلى جانب العوامل المادية والجهود الظاهرية، كان الأمل في النصر الإلهي وتلقي الإمدادات الغيبية جزءًا آخر من سر نجاح قوات المقاومة في هروب القوات الصهيونية من جنوب لبنان. کما يستشهد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله دائمًا بأمثلة ومصاديق عن العوامل الغيبية التي تساهم في انتصارات المقاومة للمجاهدين وقادة المقاومة؛ ولدى قادة حزب الله أيضًا هذا الشعور بالنصرة الإلهية في المعركة ضد الصهاينة بشکل جيد.
والآن يعلم المقاتلون المناهضون لأمريكا في المنطقة وجميع محبي المقاومة ومطالبي الثأر لدماء الشهيد سليماني وأبي مهدي المهندس، أنه بالاعتماد علی هذه السنة الإلهية ومواصلة طريق الجهاد والمقاومة، فإن الانتصار المحتوم ينتظر مجاهدي هذا الطريق المبارك.
قبل الإعلان الرسمي عن الانسحاب الصهيوني من جنوب لبنان، ربما لم يكن الكثير من المحللين في الساحة الدولية يتخيلون هذه الهزيمة الإسرائيلية الفاضحة، ولم يكونوا قادرين على فهم عجز الإسرائيليين، ولكن سلسلة أعمال مقاتلي المقاومة الإسلامية قد غيرت نظام الحسابات هذا، حيث أصبحت هزيمة الإسرائيليين اليوم عنصراً طبيعياً ومقبولاً للخبراء السياسيين.
واليوم أيضاً، المقاتلون والنشطاء السياسيون المهتمون بالمقاومة الإسلامية في بلدان المنطقة، قادرون على تحقيق ما لا يمكن تصوره في أذهان المحللين الغربيين، وإجبار الأميركيين على الفرار من بلدان المنطقة نحو خليج الخنازير.
الوقت التحليلي