عمليةُ البنيان المرصوص.. قراءةٌ في النتائج
|| صحافة ||
من هنا كانت البداية:
ديسمبر 2015 وسائلُ إعلام العدوان تتواعدُ مع مرتزِقة العدوان بقُربِ التصوير داخل حرم مطار صنعاء الدولي، وبعد ثلاثة شهور من المواجهات في نهم وصل المرتزِقة تحت سقف غارات الطيران الأمريكي وفوق مدرعاته إلى معسكر اللواء 312 مدرع في نهم، استمرت مع ذلك الاختراق حملات البروباغندا المهددة بإسقاط العاصمة صنعاء، بالتزامن مع خسائرَ فادحة في أوساط المرتزِقة الذين جرّبوا النفاذ من جهات المديرية (حيد الذهب – ملح – المجاوحة قرود – حريب نهم وغيرها)، وكانت النتيجةُ هي الفشل والإخفاق لأي تقدّم آخرَ على امتداد أربع سنوات من المواجهة رغم الجسر الرافد المفتوح برًّا وجوًّا، وكان تماسك مجاهدي الجيش واللجان الشعبيّة هو سيد الموقف وعلى إثر معارك الكر والفر في أكثر من محور تماس وموقع قتال ونقطة اشتباك، ضبطت تفاهمات داخلية زنادَ المواجهة هناك قبيل أن توعز بريطانيا وَالسعودية لأدواتها مؤخّراً بتطوير المعركة في عمق صنعاء أَو قل على بوابتها الشرقية.
وَهو ما حصل بالفعل، إذ باشر الإخوان وداعش في الأيّام الأولى لهذا العام 2020 مهاجمة الجيش واللجان في غير موقع، ودون أي حسبان لتفاهمات التهدئة الضمنية وسارعت وسائل إعلام العدوان بالتباهي بذلك، متحدّثة عن (هجوم واسع للمرتزِقة وبإسناد من تحالف العدوان…)، وهو ما يؤكّـد أن قوى العدوان وقعت في خطأ قاتل هو ضعف تقدير مدى جهوزية الجيش واللجان..
تحوّل زمام المبادرة:
في المحصلة تؤكّـد نتائجُ الاشتباك الساخن والسريع في مختلف المحاور والمواقع، أن القيادة قد عملت ورتبت لأَنْ يكونَ موعدُ التصعيد العدواني بنهم وما يتصل بها، ساعة الصفر المضروبة لإنجاز رد يقطع خطوةً هامة في طريق تحرير الأرض، ويطرد من تلك الخريطة تشكيلات الارتزاق كليا، وبمعنى آخرَ فإنَّ الجيش واللجان كانوا على أهبة الاستعداد والجهوزية المؤهلة لشن هجوم مضاد وَوفق تكتيك حاسم وهو ما حصل بفضل الله.
ضربت خطة مجاهدي الجيش واللجان على قوات المرتزِقة سياجا متحَرّكاً واسعاً بعد أن تأكّـدت أن نجاحَه أمر محسوم، وَتبدّلت المعطيات الميدانيّة بشكلٍ جذري، وأفلح مجاهدو الجيش واللجان في إلحاق خسائر متتاليةٍ بالمرتزِقة وُصُولاً إلى غربي مدينة مأربَ، واتصل الإنجاز للجوف وتحرّرت عددٌ من المديريات في المحافظتين بعد نهم بالتأكيد..
ما هو أبعد من تحرير نهم ومجزر:
لا تقتصر أهميّة تحرير المناطق المحتلّة بنهم في تأمين خطوط التحصين الطبيعي للعاصمة صنعاء وَتصفية أي تهديد ولو من بعيد عبر بوابتها الشرقية، إذ لا شيء في معطيات المعركة ومجرياتها يوفر استبعادَ أن تكون العملية نقطةَ تحوّل أولى باتّجاهٍ أُخرى وَأكثر استراتيجية، ويزدادُ هذا الاحتمالُ حضوراً في حال أخذنا بعين الاعتبار التأكيدات المتكرّرة لقائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي، بأن معاركَ التحريرِ الوطني مستمرّةٌ حتى تحرير كامل التراب الوطني.
كما أن إنجازَ عملية البنيان المرصوص يكتسب بُعداً خاصًّا لناحية الدور الذي يتيحُه تحريرُ نهم ومجزِر في تعزيز قدرات الجيش وَاللجان في جبهات الجوف ومأرب، التي وضعتها العملية نفسها تحت ضغط عوامل عدة على رأسها انهيارُ الروح القتاليّة لقوات العدوّ، يتساوى في ذلك داعش والإخوانج وغيرهم من مرتزِقة العدوان وأدواته، وفي ظلِّ معلومات مؤكّـدة عن تواصل المبادرة الهجومية على الأرض لمجاهدي الجيش واللجان الشعبيّة وهو ما وضع المواجهة أمام احتمالات مفتوحة لناحية انهيار متتابع في خطوط قوات العدوان إلى ما بعد ما بعد نهم ومجزر، وذلك ما سجل في الجوف في أكثر من محور.
ومديريةٌ تم تحريرها كلياً:
عملية البنيان المرصوص هي أَيْـضاً شاهد عملي جديد على أن أيَّ اختراق هنا أَو هناك لقوى العدوان، سيظل محكوما باستحالة نجاح المعتدين في تثبيت أقدامهم، وهو ما أشار إليه غير مرة السيدُ القائد وفي أكثر من خطاب، وبالتالي فعملية البنيان المرصوص تجسيد ميداني لما يقوله قائد الثورة وَتأكيد عملي أن قلب قواعد الاشتباك بالنسبة لليمن في متناول اليد، وأن رافعة تحقيق ذاك غير مرتبطة كليا بوفرة العتاد العسكري ونوعه والخطط و.. إلخ، وإنما باستكمال شروط استراتيجية القتال وَالنصر كما هي تماما في الثقافة القرآنية..
في المقابل أظهرت نتائجُ عملية البنيان المرصوص أن خبراتِ داعش والإخوان وَالنظام السعودي تُهزم عبر عزم شعبي واع والتفاف جمعي حول القيادة الحكيمة واستراتيجية محكمة وقرار حاسم، وهو ما تأكّـد غير مرة حتى مع توفر الإسناد الجوي المكثّـف -كما حصل في عملية نصر من الله-، وأن النصرَ لا يصنعه العتاد وأن القوة ليست طيارة، وإنما القوة إرادة..
نحن أمام تثبيت معادلة جديدة في المناطق الشرقية المحتلّة، وتحريرها أمر واقع، وهذا يعني أن القادم أمام المعتدين أشدُّ مرارة..
هذه قراءة لنتائج عملية البنيان المرصوص في جانبها الميداني المحلي أما غير ذلك فنستعرضُه تباعاً في هذه السطور..
تثبيت توازن الردع..
عملية البنيان المرصوص إنجاز مفصلي:
في تاريخِ المواجهةِ مع قوى العدوانِ ومرتزِقتِه المحليين بتشكيلاتهم المختلفة، معركة مهمة ودقيقة تثبت من جديد أن موازين القوى في اليمن قد تغيرت وإلى الأبد وأن الهامش الذي كان متاحاً لتعديلها في بداية العدوان على اليمن، طوته عقول اليمن وعبقريتهم الكامنة التي ظنَّ أنها بادت في سنوات حكم التبعية والوصاية..
ثبّتت عمليةُ البنيان المرصوص معادلةَ توازن الردع وأخضعت قوى العدوان وبشكل كبير لخفضِ منسوبِ إسنادِها الجوي للمرتزِقة في مسرح العمليات وتحت ضغط زخات سلاح الجو المسيّر والقوة الصاروخية التي وصلت إلى 15 عملية ضربت أهدافاً حيوية..
ولذلك يمكنا القول إن المواجهة بعد البنيان المرصوص دخلت منعطفاً حاسماً وهو ما يخشاه ويقر به في آن واحد المرتزِقةُ والأعداء ويذهبُ إليه الخبراءُ والأصدقاء..
وأهم من هذا وذاك ما ورد بهذا الخصوص في تعليق رئيس الوفد الوطني الأُستاذ محمد عبدالسلام على عملية البنيان المرصوص وتأكيده تثبيت العملية “معادلة الدفاع والمواجهة أمام معادلة العدوان والحصار”..
الإنجازُ في السياسة:
إحراز الجيش واللجان هذا التقدمَ العسكري ينقل القوى الوطنية إلى دائرةٍ جديدةٍ من المكتسبات السياسية، وهذا ما أصاب قوى العدوان المختلفة بصدمةٍ قويةٍ لم تكن تتوقعُها على الإطلاق وأصابتها بحالة هستيرية عبّرت عنها بريطانيا من خلال دعوتها إلى عقدِ جلسة مغلقة لمجلس الأمن، وهو ما تم بهدفِ رفع معنويات أذرعها المنهارة والمحطمة من جهة وَإرهاب القوى الوطنية من جهة أُخرى.
وقد أخفق دلالُ الاستعمار البريطاني في الأمرّين كما هو واضح من المجريات الميدانية التي لم تفرملها جلسةُ مجلس الأمن المغلقة..
اليمن سياسياً سيواصلُ معاركَه الدبلوماسية وقد أمسك بأوراق جديدة ومن أرضية أكثر صلابة تعزز منطقه وصولته أمام المعتدين وبعد أن خنق مشاريع التقسيم والفدرلة وهدم سياجات المناطق الآمنة التي راكم صناعتها الغزاة طيلة أربع سنوات كاملة..
وما تزال المواجهة على أشدها وَلا يبدو أن شيئاً سيوقف قواتنا المسلحة الباسلة عن أولوية تأمين مدينتَي الجوف ومأرب وانتشالهما من ميدان الابتزاز الميداني والسياسي للعدوان..
ضربةٌ قاصمةٌ للتقسيم:
في خضمِ التسارُعِ المتوالي لإنجازات القوات المسلحة تلفظ قواتُ الارتزاق التابعة لحزب الإصلاح أنفاسَها الأخيرةَ في الجوف وتعيش تحت قلق وفزع مرعب في مأرب واستكمال الإنجاز فيهما ينال من أهم هدفٍ استراتيجي للعدوان وهو التقسيم والتفكيك.
وهو ما يجعلُ انعكاسات وتداعيات استكمال التحرير في المحافظتين الاستراتيجيتين، شديدة الوطأة وثقيلة ليس على مرتزِقة الداخل فقط، بل على العدوّ الخارجي، وهو الأهم، أما لماذا؟
فلأن الغزاة أعدوا الإخونج وهنا بالذات خداماً وخدماً للمشاريع التآمرية التفتيتية وتثبيتها وترويجها و… إلخ، فضلاً عن التعويل عليهم كوقود لإحداث متغير وازن على الأرض ذراع للسطو على الموارد والثروة، في منطقة غنية بالنفط والغاز والماء..
وهو ما يجعل تساقطهم كأحجار الدومينو خسارةً مباشرةً وَضربةً قاصمةً لمشروع التقسيم الذي ظن صانعوه أنهم مع تمركُزِ أدواته وتوزعها ضمن خارطة الأقلمة التي أعلنوّها مطلع 2014 قد فرضوه أمراً واقعاً.
لا فكاكَ لليمن واليمنيين منه، ناسين أن يمن السبعة الألف عام جزءٌ لا يتجزأ، وأن وحدتَه حتميةٌ في معطياتها التاريخية وسرعانَ ما كانت فترات التجزئة تلفظ أنفاسها أمام الإرث التاريخي المعمر لوحدة اليمن..
هذه عمليةٌ واحدةٌ وبقوةٍ معدودةٍ وعتادٍ محدودٍ _في الجانب المحلي منها_ تقدم للغزاة شاهداً عملياً على أن مشاريعَ التقسيم، ومهما سعى المحتلّون والغزاة لمَدِّها بالحياة عبر تكتيل كيانات وإعادة تركيب مجموعات سكانية، غير قابلة للبقاء بالنسبة لليمن..
كما إن للمستعمر الجديد استذكارَ تجربةِ الاستعمار البريطاني خلال 128 عاماً من تخليق الكيانات وتسويق الهُويات الهُلامية _غير الهُوية اليمنية_ سقطت بغضون شهرٍ واحد وليس أكثرَ..
تغيُّرُ قواعد المواجهة:
تفاصيلُ عملية البنيان المرصوص تعكسُ استراتيجيةً جديدة في المواجهة تتجاوزُ الهجوم على دُفعات وتوجيه ضربات قليلة على موقع هنا أَو آخر هناك، إلى تنفيذ هجوم شامل يقطع أنفاس العدوّ ويشل قدرته وإرادته وليس في جبهة واحدة فحسب بل في غير جبهة وبما يجعل العدوّ يجثو على ركبتَيه تماماً ويصيبُه في مخطّطاته وصولاً لإحراقها وهنا صورة واحدة لعبقريةِ قائدِ معركةِ التحرّر الوطني..
المسيرة| عبدُالحميد الغرباني