صفقة العار من منظور مقاوم
|| صحافة ||
عندما تتناقض المتون مع العناوين فإن العقل لا بد من أن يتجه فورًا نحو الارتياب والالتفات الى أن هناك حقائق يجري طمسها والتعتيم عليها، وأن هناك مناخًا من التضليل يشي بضعف الموقف، حتى ولو هناك تظاهر بالشجاعة والجرأة. هذا الوصف ينطبق على الصفقة المزعومة والمسماة بـ”صفقة القرن”، فالتسمية لا تتسق مع المضمون، وملابسات المتون، وتوقيتات الاعلان تشي بالضعف رغم التستر بالجرأة والغرور.
ورغم أن الصفقة المزعومة ولدت مناخًا من الغضب والقلق، الا أنه، وبمزيد من التحليل والتدقيق، فإن هناك فرصا يمكن للمقاومين رصدها، وسنحاول الاجتهاد في استخلاصها.
وقبل رصد هذه الفرص، من وجهة نظر الاحرار والمقاومين، من الواجب أولًا توضيح التناقض بين المضمون والعنوان في الصفقة، ولماذا نرى انها تعكس ضعفًا لا قوة.
اولًا: مفهوم الصفقة يعني اتفاقًا لتبادل المنافع والمصالح، بينما ما أعلنه ترامب ونتنياهو هو اخطار بابتلاع القضية وتصفيتها، واعلان صريح عن التنصل من أي اتفاقيات أو تعهدات أو وعود أو أي قيود بما فيها القانون الدولي!
وبالتالي، هي صفعة وليست صفقة، ولكنها صفعة للفريق الذي اعتمد خيار التفاوض ووهم السلام مع المغتصب، وليست لمن اعتمد خيار المقاومة منذ اليوم الأول لاحتلال فلسطين.
ثانيًا: التناقض بين المضمون التصفوي والعنوان الموحي بالتسوية والسلام، هو مؤشر على افلاس أمريكا وكيان العدو الاسرائيلي، وهو بمثابة اعلان صريح عن العجز عن مواصلة التستر بالشرعية الدولية وارتداء أقنعة الانتماء الى النظام الدولي وعضوية مؤسساته.
فما حدث هو اعلان عن استعمار صريح وتمرد فاجر على القانون، وبالتالي هو عجز عن مواصلة حرفية الخداع والتضليل الذي أجاد الاميركيون والصهاينة لعبه في العقود الماضية استغلالًا لفائض القوة والتفوق.
والفيصل هنا بين كون الصفقة مؤشرًا للقوة أو للضعف، هو العنوان، فلو كان الصهيو – امريكي في موقف القوة لكان العنوان منسجمًا مع المضمون، بينما جاء العنوان موحيًا بالسلام والازدهار والتسوية، وهو ما يجزم بأن الضعف هو سيد الموقف.
باختصار نحن أمام تناقض يكشف مأزق العدو الصهيو – امريكي، حيث العنوان الجبان والمتن الفاجر، وهو فشل يعكس ضعفًا وتراجعًا ويؤكد ما ذهبت اليه المقاومة في تقديراتها القاضية باقتراب خروج الأمريكي من المنطقة واقتراب زوال كيان العدو الاسرائيلي.
وباختصار، فإن ما حدث هو صفقة فقط مع الكيان الاسرائيلي، وهو استقواء لكل طرف بالآخر ينم عن خوف حقيقي من محور المقاومة ويقين بالتهديد الوجودي للكيان الاسرائيلي كله، وللوجود الاستعماري الأمريكي.
وهنا يمكننا رصد بعض الايجابيات، وهي بالتأكيد مخالفة للايجابيات المزعومة التي يروج لها معسكر العمالة والتفريط:
1- كشفت الصفعة المدوية لفريق (خيار السلام)، زيف الدعاوى الاستسلامية بأن التفاوض على الثوابت يمكن أن يعيد الحقوق، وأعادت هذه الصفعة الاعتبار لخيار المقاومة، كخيار وحيد وحتمي.
2- أسقطت الصفقة المزعومة جميع الأقنعة عن حكومات وشخصيات كانت تناور وتخفي انبطاحها وعمالتها وراء أمل السلام ووراء وسم المقاومة بأنها خيار انتحاري وأن صواريخه عبثية، بينما تبين اليوم وعبر اعلان صريح أن التفاوض على الثوابت هو انتحار وأن جلساته هي العبث بعينه.
3- خلقت الصفقة المزعومة بوادر استعادة اللحمة والوحدة بين التيارات الفسطينية المختلفة بعد اليقين بالتهديد الوجودي وبعد اكتشاف صوابية خيار المقاومة، وهو مناخ ايجابي لم يتحقق منذ دخول مصطلح (التفاوض) الى القاموس الفلسطيني.
ربما كان الحاق صفة (القرن) بالصفقة موحيًا بأن أميركا تريد تدشين مفهوم جديد للقرن الحالي، حيث ساد القرن الماضي مفهوم الاستعمار من جهة، والتحرر الوطني من جهة أخرى، وساد النظام العالمي مفهوم الشرعية المؤسسية وقراراتها، بينما تريد أميركا قلب مفاهيم القرن الجديد بشرعنة الاحتلال وتجريم المقاومة ووأد القانون الدولي ومؤسساته.
والسؤال هنا، هل تتمتع أمريكا بفائض القوة والتفوق الذي يسمح لها بذلك؟ وهل يتمتع الكيان بنفس الشروط التي تسمح له بابتلاع القضية دون خشية من تداعيات وعواقب ذلك؟
ربما حاولت امريكا تعويض الشرعية عبر خيانات رسمية عربية باعتبار أن أصحاب القضية المركزية تنازلوا ووافقوا، ولكن صفقة كهذه لن تمر رسميا دون توقيع فلسطيني ولن تمر عبر القوة والأمر الواقع دون اختفاء تام لأي بؤرة مقاومة، ليست فلسطينية فقط، بل عربية واسلامية، وهو ما يستحيل تحققه.
هي المقاومة اذًا الخيار الوحيد والحتمي، وما حدث لم يكن مفاجئا للمقاومين بل كان تأكيدا لايمانهم وبرهانا لصواب خيارهم وعقيدتهم، وعلى من كذب المقاومة ان يلتحق بصفوفها ان كانت هناك بقية من كرامة او شرف.
إيهاب شوقي
العهد