عملية ((البنيان المرصوص)) .. ملامح ومحطات فارقة

|| صحافة ||

مرتزقة العدو فجروا الوضع في نهم للتقدم نحو العاصمة فسقطوا بالضربة القاضية

لأسباب تخصّهم تحفّظ قادة عملية البنيان المرصوص عن الحديث عن تفاصيل العملية (خطط استراتيجية وتكتيكات ميدانية)، لكن العملية التي تُعدُّ الأكبر في تاريخ العدوان على اليمن تنطوي على ملامح ومحطات فارقة متفاوتة الدلالات والنتائج بينَ ما يسهلُ على المراقبين والخبراء العسكريين قراءتها، ويصعبُ على العادي تجاهلها، وهي نتيجة طبيعية لضخامة الحدث العسكري واستثنائيته في التوقيت الزمني والموقع المكاني.

الثورة / يحيى الشامي

يتفق الجميع بمن فيهم مرتزقة العدوان على أن الطلقة الأولى التي خرقت الهدوء النسبي وفجرت الوضع في جبهة نهم انطلقت من قبل الطرف الآخر مرتزقة العدوان، وتحديداً في تبة الكعكة وقبل يومين أو أقل من بدء عملية البنيان المرصوص وذلك بشهادة وسائل إعلام العدوان المحلية والخارجية التي واكبت ما أسمته عمليات «تحرير صنعاء» إكمالاً لعملياتهم العسكرية في مديرية نهم والتي لم تتوقف بقدر ما كانت تشهد فتوراً نسبياً يتعلق بفشل المرتزقة في تحقيق التقدم ويقوم إعلامهم بتقديمه كبوادر حسن نية يتزامن والحديث عن أجواء إيجابية من قبيل اتفاق السويد وسواه.

لم تلبث أن اقتنصت القيادة العسكرية اليمنية الفرصة وشرعت في تنفيذ عملية عسكرية واسعة ونوعية أسمتها «البنيان المرصوص»، العملية التي قلبت الوضع رأساً على عقب وأربكت المشهد متجاوزةً حدود جبهة نهم الجغرافية، وبلغت بتأثيراتها صعداً سياسية وأمنية واجتماعية.

الاستدراج والالتفاف

بتصعيد المرتزقة في تبة الكعكة حصلت قوات الجيش واللجان على إشارة البدء، انطلقت العملية بمسارات رئيسية وأخرى فرعية ومحاور موازية، وفي سياق تغطيتنا الإعلامية المواكبة ميدانياً للعملية لاحظنا أن للعملية مسارات عدة منها إشغالية وأخرى أساسية، الإلهائية هدفت الى تشتيت تركيز قوات العدو من خلال وضعه أمام أهداف عسكرية وهمية انخرط في التصدي لها ومواجهتها بأعداد ضخمة من القوات، مقابل أن يتسنى للمسارات الرئيسية نقل القوات وتحريكها بهدوء الى نقاط المحاور ومنطلقات المسارات خاصة تلك التي ستلتف على الجبهة من الخلف سواء من ميمنة الجبهة خلف جبال القرن والقتب والمنار، أو ميسرتها باتجاه جبل يام وصولاً الى قلب الجبهة في وادي ملح والفرضة والمدفون، تمت العملية في ظل انشغال العدو بمحاولات تقدمه في الكعكة وسواها من خطوط التماس الجبلية الموازية وفقاً لاستراتيجية الضم البطيء التي اعتمدها في الفترة الأخيرة في محاور القتال بنهم.

ازداد زخم العمليات القتالية في خطوط النسق الأول مع بداية انطلاق المسارات الخلفية، مشعلةً/مشكِّلةً في توقيت واحد طوقاً نارياً محكماً ممتداً من بطون الأودية الى سفوح الجبال وأعاليها من ميسرة الجبهة الى الميمنة فالقلب حيثُ التقت بعضُ المسارات بعد يومين من بدء العملية، وهو زمن قياسي يبدو مبالغاً بالنظر الى حجم وعدد قوات العدو وكثافة انتشارها في كامل خريطة نهم بدءاً من خطوط التماس المُتعرّجة على تضاريس الأرض المُعقدة على امتدادها.

وقبل الحديث عن ضخامة البنية التحتية التي انشأها مرتزقة العدوان باستخدام جرّافات ومعدات شق ثقيلة يجدر التنويه الى نقطة في غاية الأهمية وهي أن القتال في جبال نهم الوعرة يخدم غالباً الجهة المدافعة ويخسّر الجهات المهاجمة نظراً لكلفة أي عمل هجومي إذا ما تم بطريقة المواجهات القتالية التقليدية، وهو ما وضعته في الاعتبار خطة الجيش واللجان الشعبية التي بحثت عن أيسر المواطن الجغرافية لاختراق خطوط دفاع العدو المتينة والمدعمة بعتاد حربي كبير وحديث واعتماد استراتيجية توسيع الثغرات ومواصلة الضغط العسكري وصولاً الى إيجاد نقاط خناق قاتلة مؤدية تلقائياً الى انهيار العدو، وهي طريقة تقوم على فكرة منع العدو من إعادة ترتيب صفوفه والحيلولة بينه وتشكيل خطوط دفاعية يعيد فيها التموضع وتحديد خارطة للمواجهات جديدة.

 

 

 

في ذات الأماكن التي افترضتها الخطة العسكرية لعملية «البنيان المرصوص» التحمت مسارات ومحاور الهجوم، كما جرى الحال في قلب الجبهة عند أبواب معسكر فرضة نهم مقر اللواء ثلاثمائة واثني عشر سابقاً، حيث أكمل مسار الهجوم القادم من جبل المنارة مهامه بتطهير سلسلة المرتفعات الجبلية الثلاث الشهيرة ( القرن والقتب والمنارة ) وما بينها من مرتفعات ومعسكرات ومواقع وثكنات ومستحدثات، وعند نهاية جبال المنارة ورشا والنحرين وتحديداً وسط وادي ملح ( الوادي الذي يضم عدة قرى وأحياء سكنية) بدأت المسار عبر قواته بتشكيل مسارات هجومية جديدة بعضها لمواصلة التقدم نحو جبال الميمنة المطلة على الطريق العام وصولاً الى قصة عيبان المقابل لحيد الذهب عند نهاية جبل يام، وبعضها اتجهت نحو معسكرات المرتزقة ومقراتهم المستحدثة داخل وادي ملح والفرضة والمدفون والسلطاء وبرّان والمدفون ، وهي المناطق التي التقى فيها مع مسارات أخرى قادمة من ميسرة الجبهة سلسلة جبال يام الممتدة بطول يزيد عن العشرة كيلو مترات صوب جبال ومناطق من محافظة الجوف، تدحرجت كرةُ النصر من الفرضة الى نقيلها وحتى حيد الذهب ومع سقوط قيادة ما يُعرف بالمنطقة العسكرية السابعة ومقرها في جبل القصّة المقابل للحيد، استمرت القوات في تقدمها نزولاً من الفرضة صوب مناطق جديدة من مديرية مجزر التابعة لمحافظة مارب تحديداً عند مفرق الجوف الرابط بين صنعاء انتهاءً بمديرية نهم والجوف ابتداءً بمنطقة براقش ومارب بمديرية مجزر ومدغل المتاخمة لعاصمة المحافظة.

جبال منحوتة وخنادق محصَّنة

في الواقع لم نتمكن في لحظات التقدم المتسارع من الاطلاع على حجم التحصينات وكثافة انتشار معسكرات المرتزقة التي يتقاسمها زيادة عن سبعةً عشر لواء من قوات المرتزقة، لكن ما وجدناه في جولاتنا المصورة لاحقاً كان صادماً وغير متوقع، فالعدوان وعبر مرتزقته كان قد استحدث مئات المواقع العسكرية على كامل الأرض التي تقدم فيها مشيداً المعسكرات والمقرات القيادية ومخازن العتاد الحربي واللوجستي، لكن الأعظم من ذلك كله هو حجم التحصينات وضخامة الخنادق وطول الطرق الرابطة بين جميع الجبال ببعضها وبين سفوح الجبال وقممها، وقد تحدث بعض الأهالي ممن التقيناهم بدهشة عن هذه الاستحداثات العسكرية التي حولت عشرات القرى والمزارع الى معسكرات، بعض الجبال الاستراتيجية أنشأ فيها المرتزقة خنادق عملاقة بعمق متر وطول يتراوح بين الـ500 م – كيلو متر بالإضافة الى تدعيم هذه الخنادق بتحصينات ترابية إضافية تمثل خطوط دفاعية ثانوية وأحياناً عمل أكثر من خندق حول مرتقع جبلي حاكم كما هو الحال في القتب والقرن والمنارة ويام، ولعل الصور والمشاهد التي عرضها الاعلام الحربي تقدم لمحة ولو مختصرة عن حجم البنية التحتية التي استحدثها العدوان في نهم، ما يؤكد أن رهان العدوان كان كبيراً على الجبهة التي تردد عليها قادة العدوان كثيراً وطال تباهيهم بها كأهم وأقوى جبهة يمتلكها الاحتلال في الداخل.

في الأخير

كل ما نقدمه في هذا التحقيق محاولة للوقوف على أسباب انهيار أكثر من عشرين لواء من قوات العدو بمؤنها وعتادها أو البحث عن عوامل انتصار مجاهدي الجيش واللجان الشعبية، وهي محاولات تعتمد تحليل ودراسة خارطة المواجهات ومحطات الاشتباك وتضاريس الجبهة ومشاهد وصور الاعلام الحربي، ورغم هذا يظل كل ما أوردناه عاجزاً عن تقديم أجوبةً شافية لحقيقة ما جرى سيما في ظل اختلال موازين القوة لصالح القوات المهزومة، وهي نتيجة رافقت العمليات القتالية التي خاضها ويخوضها الجيش واللجان الشعبية في عشرات الجبهات، ولا يمكن فهمها دون الأخذ بعين الجد الجوانب الإيمانية والمعنوية المتسلّح بها المقاتل اليمني وتتجلى بوفرة في جميع اللقاءات المصورة التي ينقلها الاعلام الحربي لحظة الفعل العسكري في الجبهات.

قد يعجبك ايضا