أمريكا.. عين على حضرموت

حين يسقط القناع ينكشف القبح

|| صحافة ||

أحيت مطامعها، خططت، وحسمت أمرها ومن واشنطن أعلنت قرار العدوان على اليمن
محللون: خارطة الانتشار الأمريكي في اليمن تشبه خطة بريمر التي قسَّمت العراق إلى أقاليم متصارعة
قطبا العدوان السعودية والإمارات عملتا على بلوغ الوضع ذروته لتهيئـــة الطـــريق أمـــام الأمريكــــان

ظلت الولايات المتحدة الأمريكية  دائما تنظر إلى اليمن كموقع استراتيجي يمكن من خلاله السيطرة على الملاحة الدولية والتحكم بخطوط التجارة العالمية، ومد جغرافية الحضور بما يمنحها امتيازات السيطرة على أهم مفاصل طرق التجارة الدولية ونقل الطاقة، مضافاً إليها مخزونَ الثروات الهائلة في اليمن، فتضمن بذلك أوراقَ الضغط على تجارة الصين الذاهبة إلى القارة الأفريقية والأوروبية وضمان قطع الطريق على خطوط نقل الطاقة الروسية التي تطمح روسيا لإنشائها من خلال الاستثمار في مجال الغاز والنفط في الـيمن وربطها بخط غاز المتوسط وتوصيله إلى أوروبا، أو تحويله إلى آسيا للدول التي لا يصلها خط “قوة سيبيريا”، كما تضمنُ بقاء دول أوروبا العظمى في دائرة التبعية لها، وبذلك تكون أمريكا صاحبة اليد العليا في التحكم بالمصير العالمي أمام أقوى الخصوم الدوليين.

 

الثورة / وديع العبسي

 

في العام 2018 ذكر تقرير تركي “إن اليمن بات مسرحاً لسباق وتنافس عسكري غير طبيعي بين الدول الأجنبية لإنشاء قواعد فيه، نظرا لأهميته الجيوستراتيجية.”، وأشار التقرير الذي أعده مركز “إنسامر” للأبحاث الإنسانية والاجتماعية التابع لهيئة الإغاثة التركية (İHH)، إلى وجود قوى عالمية في اليمن مثل الصين، واليابان، وفرنسا، والولايات المتحدة وبريطانيا، فضلاً عن دول أخرى إقليمية مثل السعودية والإمارات، جميعها تتنافس ليكون لها موضع قدم، ولتأسيس قواعد لها هناك.

وفيما يتعلق بالأهمية الجيوستراتيجية لليمن، أشار التقرير إلى أن التداول التجاري العالمي الحالي، وأغلب البضائع والسلع المصنعة في البلدان الآسيوية مثل الهند والصين، يتم نقلها إلى البلدان الأوروبية مروراً بالسواحل اليمنية.

كما أن مضيق باب المندب الذي يمر منه 5 بالمائة من البترول العالمي، يقع على السواحل اليمنية، فضلا عن أنه يلعب دوراً رئيسياً في نقل نفط بلدان الشرق الأوسط إلى الأسواق العالمية عبر البحر الأحمر، بحسب التقرير.

ولفت التقرير إلى أن اليمن يعد أبرز وأهم المحطات ضمن مشروع الصين “الحزام والطريق” أو ما يسمى بـ”طريق الحرير الجديد”، والذي يشمل (68) دولة، ما يعني أنه حملة لكسر الهيمنة الأمريكية على التجارة العالمية من جهة، ولتغيير معادلة النظام الدولي بشكل كبير من جهة أخرى. ثروة وخدمة للصهاينة ويمتلك اليمن المئات من الجزر الهامة في البحر الأحمر والبحر العربي، ومخزونا طبيعيا وافرا من الثروات النفطية والمعدنية تتميز بموقعها الجيوسياسي، لذلك ظلت الأطماع الاستعمارية تشحذ رغباتها كل حين في محاولات مستميتة للسيطرة على جغرافيتها منذ عصور.

 

تجدد المطامع

تتجدد اليوم المطامع من خلال الحملة العسكرية التي تشنها السعودية وحليفاتها على اليمن بدعاوى كشفت المعطيات زيفها، خصوصا مع بروز الدور الأمريكي ومطامعه في المنطقة.

ويذهب محللون إلى أن خارطة انتشار القوات الأمريكية التي بدأت تتضح، تشبه خطة بريمر التي بموجبها جرى تقسيم العراق إلى أقاليم متصارعة.

المطامع والطموحات الأمريكية تجاوزت حدود وضع اليد على الثروة الدفينة التي تتمتع بها اليمن حسب التصنيفات والتقارير الدولية المستندة على المنهجية البحثية والاستقرائية كإطار علمي برهن في غير مرة على إن اليمن الذي يحتل موقعا استراتيجيا على البحر الأحمر والبحر العربي لا يزال بكرا بثرواته يربض على مخزون هائل من الثروة النفطية تتجاوز ثلث المخزون العالمي.

تجاوزت المطامع الأمريكية هذه الأهداف ليتبين ما هو أكثر واكبر من ذلك متمثلا في تأمين الوجود الصهيوني في المنطقة.

لم يعد مثل هذا الطرح تكهنات أو رصف كلام وإنشاء يعبر عن مجرد رفض عبثي للتحركات الأمريكية غير البريئة في المنطقة وإنما هي حقائق أكدها صراع الأجنحة الأمريكية يتكشف حينا في ما كان ينجم عن ذلك من طفو على السطح للكثير من الاعترافات حول المطامع الأمريكية  في المنطقة، وفي حين آخر من خلال التواجد العسكري الأمريكي المنتشر عبر قواعد عسكرية رسمية تابعة لها أو استخدام مواقع ومطارات عربية أخرى كمنطلقات لتحركها وقواعد لوضع المنطقة تحت الرقابة والوصاية بهدف فرض هيمنها وأحكام قبضتها على قرار حكومات المنطقة بما يعزز من مساعيها لتمكين العدو الصهيوني من بسط تأثيره.

 

الهدف المؤجل

مع ثورة الشارع العربي ضمن ثورات الربيع العربي التي شهدتها دول المنطقة وجدت الولايات المتحدة الأمريكية الفرصة السانحة للانتقال بمخطط التدخل في شئون الدول وتحقيق أهدافها العليا من ذلك إلى طور آخر سعت من خلاله إلى إكمال حلقة السيطرة بصورة مباشرة والتي كانت غير مؤمّنة على الخارطة اليمنية.

كان اليمن هذه المرة الهدف الأمريكي المؤجل أو المرحل من زمن لم تكن تتوافر فيه هذه الفرصة لتحقيقه كما هو اليوم، أشعلت فتيل الأزمات في البلاد وأعاقت الوصول إلى تسوية سياسيها بين الأطراف اليمنية ترضي الجميع فكان تدخلها حاجة مدروسة أرادت من خلاله إضعاف الكيان اليمني والوصول إلى نقطة الانفجار بما يمكنها لاحقا من الاستفراد باللعب بخيوط العملية السياسية وتوجيهها للمسارات التي تريدها، وهو ما صارت إليه الأمور فعلا ليشهد العالم في مارس 2015 حملة همجية على اليمن غير متناسبة مع الأهداف المزعومة.

انطلق إعلان الحرب من واشنطن وبهذا الإعلان بدأت الولايات المتحد خطواتها العملية لإضعاف اليمن ووضع قدمها على أراضيه.

خمس سنوات تؤكد تقارير المراقبين والمحللين إنها سارت في هذا الاتجاه، قطبي الحملة العسكرية السعودية والإمارات عملت كل من جهتها على بلوغ الوضع ذروته لتهيئة الطريق أمام الأمريكان لإكمال المخطط، فاستهدفت ابوظبي المطارات والجزر اليمنية ومثلت الرياض الداعم من خلال محاولة خلخلة بنية المجتمع وتجزئة لُحمته وشراء الولاءات، عمدت إلى تدريب جماعات مسلحة خارج سلطة الدولة، وفي هذا السياق عملت الدولتين على تفكيك الوحدة المجتمعية في المناطق الخاضعة تحت الاحتلال.

 

احتلال ومعطيات شاهدة

كانت محافظة حضرموت واحدة من أهم المقاصد الأمريكية وكان مخطط تقسيمها الآلية الأمثل لبلوغ هذه المقاصد، تتابعت الخطوات الأمريكية لتقوم في يوليو الماضي 2019 بخطوة جريئة أماطت اللثام عن خفايا ما أرادت تحققه من حلال شرذمة الوضع في اليمن وإضعافه تمثلت الخطوة الأمريكية بتلك الزيارة التي أرادتها في البدء سرية قبل أن تكشفها علنا بزيارة وفد أمريكي رفيع محافظة حضرموت، رأس الوفد مساعدة وزير الخارجية الأمريكي دينيس ناتالي والتقى السلطة المحلية هناك مدعيا إن الغرض من الزيارة تأتي بهدف تقديم المساعدات في غير مجال وإيجاد سبلا مناسبة لتعزيز استقرار الوضع الأمني في حضرموت حسب ناتالي التي تجاهلت مسألة إن الزيارة كانت بدون علم سلطات الدولة ما يؤكد بان المهمة التي جاء الوفد من اجل تحقيقها غير عادية واكبر من ما حاولت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي أن تذر به الرماد على العيون.. لينشط التحرك الأمريكي مع نهاية العام الماضي وبداية العام الجاري مرتكز على حضرموت التي تعد أكبر المحافظات اليمنية من حيث المساحة والأهم من الناحية الاقتصادية.

قبل ذلك كانت الولايات المتحدة قد طرحت مخططا أسمته مناطق “حكم ذاتي في اليمن”، بدعوى انه الحل الأمثل الذي به يمكن إيقاف الحرب.. جاء ذلك على لسان وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين.

والعام الماضي 2019 ومع استشعار أبناء حضرموت لحقيقة نوايا تقسيم المحافظة بدعم من أطراف إقليميين كالسعودية والأمارات وبتواطؤ لاعبين سياسيين محللين خرجت الأصوات الحضرمية الرافضة لمساعي تقسيم المحافظة، وحذر إعلاميون وناشطون حضارم من هذا المخطط لما له من عواقب وخيمة أولها سهولة الاستيلاء على المحافظة وثرواتها حسب ما كانوا يتداولونه.

ورغم دعم السعودية لقيادات حضرمية ومحاولتها لترويج فكرة التقسيم بشكل ايجابي ـ بحسب سياسيين ـ لكن لم تتمكنا من فرض تقسيم حضرموت إلى محافظتين على الأقل حتى اليوم وهو الأمر الذي يراه مراقبون انه إذا استمر سيحول دون فرض السعودية وأدواتها لسياسة التقسيم لاحقا.

مع ذلك يبقى خطر شراء الولاءات خطر مزعزعا لوحدة واستقرار المحافظة.. ويقول محمد الكندي –أحد مشايخ حضرموت- “إن المحافظة أصبحت مشتتة ولا يوجد لها حاكم واحد، وبات يتجاذبها أطراف الاحتلال السعودي والإماراتي من جانب وقبائلها من جانب آخر، وبعض الفصائل التي صنعتها الإمارات والسعودية كالنخبة الحضرمية وتنظيم القاعدة.”، مؤكداً أن “حضرموت أمام خطر كبير ما لم يبتعد أبناء حضرموت عن الأفكار المسمومة التي تبثها الإمارات والسعودية لخلق شقاق بين الحضارمة عبر مجالاتها الثقافية والمناهج الدراسية والخطب في المساجد.

“الرياض سبق لها مطلع العام 2015 أن جسّت نبض الشارع الحضرمي، من خلال توجيه مشائخ موالين لها، منحتهم جنسيات سعودية، نحو توقيع وثيقة تطالب الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بضمّ أراضي حضرموت لتصبح ملكاً من أملاك السعودية.

تلك الوثيقة التي تعمّدت الرياض تسريبها لمعرفة ردود الفعل الحضرمية، تبنّاها الشيخ صالح بن سعيد بن عبد الله بن شيبان التميمي، الذي يدّعي تمثيل مشايخ وأعيان قبائل حضرموت، ويُعدّ من المشايخ الأكثر ولاءً للرياض، وأثارت الوثيقة التي حملت تواقيع قرابة 60 شيخاً ينحدرون من حضرموت ويعيش معظمهم منذ سنوات طويلة في السعودية، ردود فعل متباينة وغاضبة بين أبناء حضرموت.

 

تحرك واستنكار

مع بداية عام 2017 ظهر علنا التحرك الأمريكي لإنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون الواقعة في باب المندب بمحافظة تعز بموجب اتفاقا انسحبت بموجبه الإمارات من الجزيرة لصالح القوات الأمريكية..

البرلمان مجلس النواب استنكر حينها هذا التحرك غير المشروع، وأكد مجلس النواب في بيان “رفض أي اتفاق ينتقص من سيادة اليمن في أي مكان من أراضيه وجزره”، وشدد على أنه “لا يحق لأي بلد أن يجري اتفاقات تخص بلداً أخر لأن في ذلك تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية ومخالف للقوانين والاتفاقيات والأعراف الدولية”.

حلم قديم جديد وفيما تتموضع أمريكا في جزيرة عبدالكوري التابعة لأرخبيل سقطرى، وكذا جزيرة زقر وهي إحدى ارخبيل حنيش واقرب المواقع لمضيق باب المندب، وتعد زقر وحنيش من أهم الجزر اليمنية ذات الموقع الاستراتيجي وقد سبق أن حاولت واشنطن بشأنها توسيع الخلاف اليمني – الاريتري منتصف التسعينات بهدف تدويل القضية ووضع الجزر تحت إدارة الأمم المتحدة.

تفيد المعلومات ان الولايات المتحدة تقوم حاليا بإنشاء قاعدة عسكرية جديدة لها في مطار الريان خارج المكلا، المعلومات أيضا تؤكد وصول طائرات عسكرية أمريكية تحمل معدات مختلفة بعضها متخصص لتنصت والرصد الاستخباراتي، كما رصدت المعلومات الزيارة رقم (12) خلال شهرين للسفير الأمريكي إلى المكان، في إطار التحرك المحموم لتحويل حضرموت إلى مستعمرة أمريكية حسب ما تشير إلى ذلك المعطيات الميدانية الجديدة التي تفيد بان المحافظة باتت واقعة فعليا تحت السيطرة الأمريكية المباشرة خاصة مع ما بدا أشبه بعملية الاستلام والتسليم بين القوات الإماراتية والقوات الأمريكية، فمع مغادرة الأولى تسلمت الثانية المحافظة وفرضت حضرا عن الاقتراب من مطار الريان وقاعدة العند وبلحاف وخور عميرة بحضرموت، وكذا ذوباب وجزر حنيش وميون وعبدالكوري.

قد يعجبك ايضا