أهداف التوسع السعودي في محافظة المهرة اليمنية
|| صحافة ||
منح الانتشار العسكري المكثف لقوات الاحتلال في المهرة منذ نهاية 2017 ، السعوديين سيطرة فعلية على مناطق واسعة من المحافظة، مصحوباً بقائمة طويلة من علامات الاستفهام حول الذرائع والأهداف، وما تخفيه ورائها من أجندات استعمارية، باتت مصدر خوف وقلق لدى السكان المحليين، مما يحاك ضد محافظتهم من مخططات بعيدة المدى.
ومنذ اليوم الأول لدخول قواته أراضي هذه المحافظة المسالمة والهادئة، عمل الاحتلال السعودي على عزلها عن مجالها الحيوي “الاجتماعي”، وشق طرقات إسفلتية طويلة، تقسمها وتقتطع منها وتعزلها من حدودها في “الخراخير” غرباً إلى ميناء “نشطون” شرقاً بأكثر من 320 كيلو متر، والتحكم بمنافذ العبور الرئيسية في “شحن” و”صرفيت” و”نشطون” بذريعة التفتيش ومراقبة دخول أسلحة مزعومة للجيش اليمني واللجان الشعبية من سلطنة عمان المجاورة، وتكدير معيشة وحياة الناس وقهرهم بمزاعم ملاحقة تنظيم “القاعدة” و”داعش”، وإقحام المهرة في الحرب البعيدة عن حدودها عنوة بهذه “الذرائع الكيدية”، لتسهيل السيطرة والاستحواذ على مقدراتها الحيوية وثرواتها الواعدة، واستخدامها منطلقاً لتمرير رزمة من الأهداف الخادمة لمصالح الرياض القومية وأطماعها الإقليمية، بدأت تتكشف تباعاً، بالتوازي مع تنامي الإدراك المحلي بخطورتها، وتنامي وتنوع خيارات المقاومة الشعبية.
* كسر حيادية سلطنة عمان وجرها إلى مستنقع اليمن:
من الأهداف المعلنة للتبرير التمدد العسكري السعودي في المهرة مراقبة الحدود مع سلطنة عمان، بذريعة استخدامها لتهريب “الأسلحة الإيرانية” إلى الجيش اليمني واللجان الشعبية التابعة لحكومة الإنقاذ بصنعاء، وتهريب المخدرات، وهو ما نفته السلطات العمانية بالمطلق.
وتعود شائعات تهريب الأسلحة عبر المهرة إلى العام 2013، مما دفع سلطنة عُمان إلى بناء سور مكهرب على طول أجزاء من الحدود في أوائل نوفمبر 2017، وفي 2018 تم نشر قوات أميركية خاصة في المهرة لدعم عمليات مكافحة التهريب المزعومة.
شماعة تهريب الأسلحة مدعاة للسخرية، بالنظر لطول المسافات وسيطرة القوات السعودية والإماراتية وميليشيات هادي على الطرق التي تؤدي إلى شمال اليمن، وورقة توت مفضوحة لتبرير الانتشار والتواجد العسكري البعيد المدى بالمهرة، واستخدامها منطلقاً لاستفزاز “مسقط”، ونوعاً من تصعيد الضغوط على “السلطنة” خاصة فيما يتعلق بموقفها العروبية من العدوان السعودي الإماراتي على اليمن والأزمة الخليجية، بخلاف تقاربها المعلوم مع طهران، والهدف الأهم: إبعاد السلطنة عن السياسة الخارجية المحايدة التي انتهجتها، وإجبارها على الانخراط في الحرب الجائرة على اليمن، من خلال الضغط في فنائها الخلفي عبر بوابة اليمن الشرقية.
ولم تكتف الرياض بتسويق أكذوبة تهريب الأسلحة بل وعملت على إفشال النهج العماني، الذي دأب على منح الجنسية للمئات من أبناء المهرة من مختلف الخلفيات الاجتماعية، واستخدام القوة الناعمة متمثلة في المعونات الإنسانية والمشاريع الخيرية والخدمات المجتمعية لتحسين صورة الاحتلال القبيحة لدى أبناء المهرة، وتقويض الطموح العُماني الذي ينظر إلى المهرة كجزء منه، خارج حدوده وامتداد لأمنه القومي، وتلغيم المناطق الحدودية بالجماعات الدينية المتطرفة التي تم استجلابها من عدة محافظات يمنية.
الوجود السعودي بالمهرة لم يكتف بإثارة السكان المحليين بحسب صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، بل وتسبب، وفقاً للخبراء والدبلوماسيين الأجانب في حدوث صدع متزايد مع سلطنة عمان المجاورة، وترى مسقط أن الاستيلاء على جارتها المهرة، يشكل تهديداً محلياً لها ونافذة لإحداث القلاقل وتصدير الأزمات للداخل العُماني، فالعديد من العمانيين هم من المهرة، في حين تمتد الأراضي القبلية عبر الحدود مع اليمن.
وقال تقرير للصحيفة إن الكثيرين في مسقط يعتقدون أن القيادة العمانية بحاجة إلى اتخاذ موقف أقوى ضد التعدي السعودي على المهرة.
ويقول الأكاديمي العُماني المتخصص بالشؤون الإستراتيجية “عبدالله الغيلاني”: إن المهرة تعد أمناً قومياً بالنسبة للسلطنة، لأنها المنطقة الفاصلة بين عُمان وسائر اليمن الذي يمر بحالة احتراب وتمزق، خاصة أن مسقط استثمرت في هذه المدينة خلال السنوات الـ40 الماضية، عبر البنية التحتية والتنمية، ولديها علاقات إستراتيجية مع القبائل فيها.
وأن تحوُّل المهرة إلى منطقة احتراب ومواجهات عسكرية وقتال سينعكس بشكل سلبي على الداخل العُماني، خصوصاً أن قبيلة المهرة المتمركزة في المدينة وكبرى القبائل بتلك المنطقة لديها امتداد في “ظفار” العُمانية.
* كبح جماح الأطماع الإماراتية في البيدر اليمني:
آثار التمدد “الإماراتي” في سقطرى والمهرة وحضرموت في السنوات الثلاث الأولى من العدوان على اليمن، مخاوف “الرياض” فيما يتعلق بعرقلة مخططاتها وأجندتها القديمة، والتي من أجلها رمت بكل ثقلها في المستنقع اليمني، رغم تشاركهما في تحالف العدوان وتوافقهما مسبقاً على تقاسم النفوذ، في اجتماع بمدينة “طنجة” المغربية في 2016، إلا أن نجاح الإمارات بالتفرد في التحكم بمجريات الأحداث ومسرح العمليات على الأرض وإجادة اللعب بأوراق القوة المتراكمة، أغراها بتجاوز خطوط “طنجة”، بالتوازي مع غرق القيادة السعودية في أزمات محلية وإقليمية لا نهاية لها.
تغول “الإمارات” في “البيدر” اليمني أجبر حكومة المرتزقة والسعودية مرارًا وتكرارًا على تقديم سيل من التنازلات مقابل إبعادها عن حضرموت والمهرة، دون جدوى، ما اضطر الاحتلال السعودي إلى بسط سيطرته العسكرية على المهرة.
وتشير صحيفة “الإندبندنت” البريطانية في تقرير لها صدر في نهاية أغسطس 2019 إلى احتمال أن تكون “المهرة” قد وضعت السعوديين في مواجهة حليفهم الإقليمي “الإمارات”، عندما حاولت الإمارات وفشلت بين عامي 2015 و2017 في بناء وتدريب قوة من النخبة في المهرة فاتجهت إلى التمدد في جزيرة سقطرى الإستراتيجية واتخاذها منطلقاً للمناورة والضغط على حليفتها.
وتعتقد المحاضرة في جامعة أكسفورد والخبيرة في شؤون محافظة المهرة، “إليزابيث كيندال”: أن الوجود العسكري للسعودية في محافظة المهرة، سيوقف جهود الإمارات للسيطرة الكاملة على الجنوب، وإذا كانت لديهم قواعد عسكرية، فهذا يعني أن الإمارات لن تكون قادرةً على السيطرة على الجنوب والمهرة وسقطری.
إذن فالسعودية تسعى من وراء السيطرة على المهرة إلى خلق “توازن جيوسياسي” مع الإمارات، وكذلك الضغط عليها لخفض قواتها في جزيرة سقطرى، وتخفيف قبضتها ونفوذها في المحافظات الجنوبية والشرقية.
* نهب نفط المهرة الواعد:
المهرة من المحافظات الغنية بالبترول الذي لم يستخرج بعد، كما يشير المسح الجيولوجي، ولذا حرصت الرياض على تركيز انتشارها العسكري بالقرب من المناطق التي تحدثت عنها المسوحات الجيولوجية، كما قامت شركة “هوتا مارين” السعودية للنفط بتشييد ميناء نفطي بالمهرة، وإعداد الدراسة اللازمة لاستخراج وتصدير النفط.
* تمرير خط أنابيب نفطي عبر المهرة إلى بحر العرب:
حلم يراود السعودية منذ ثمانينيات القرن العشرين، وتطمح من خلاله للوصول إلى “بحر العرب”، بالسيطرة على ميناء “نشطون” الحيوي والاستراتيجي، وبناء بنية تحتية متطورة، تسمح باستخدامه لتصدير النفط السعودي دون المرور بمضيق “هرمز” الاستراتيجي أو “باب المندب”، وبالتالي بعيداً عن إيران، وتعتقد الرياض أن هذه المشروع سيحقق لها فوائد اقتصادية وأمنية كبيرة، منها:
أ – تخفيض التكاليف المتعلقة بنقل النفط من الآبار السعودية على سواحل الخليج العربي والمناطق الجنوبية المحاذية لليمن عبر السماح للناقلات بتجنب مضيق هرمز.
ب – كما أن لتجاوز مضيق هرمز آثاراً هائلة على أمن النفط العالمي، بالنظر إلى التهديدات الإيرانية بإغلاق الممر، المائي الذي يمر به خُمس نفط العالم، في حال اندلاع أي صراع مستقبلي مع السعودية أو الولايات المتحدة الأميركية.
بدأت مناقشات بناء خط الأنابيب بين السعودية وحكومة اليمن الجنوبي في الثمانينيات من القرن العشرين، وفقاً لرئيس اليمن الجنوبي السابق “علي ناصر محمد”، لكنها فشلت، فعاودت المحاولة في 1990، إلا أنها لم تنجح، بسبب إصرار الرياض على ضرورة سماح السلطات اليمنية بنشر القوات السعودية في منطقة عازلة طولها 4 كيلو مترات حول خط الأنابيب المقترح، للحفاظ على أمن المنشآت – المطالبة بسيادة السعودية على عمق كيلومترين من الشرق إلى الغرب بطول 300 كم – وهو ما اعتبرته صنعاء انتهاكاً لسيادة اليمن، وتم تأجيل المشروع، ومبعث الرفض، الفقرة المتعلقة بطلب السعودية شراء الأراضي التي يتم فيها تمديد خط الأنابيب، ورغم رفض الجانب اليمني إلا أنه أبدى نوعاً من “المراوغة” السياسية بتقديمه عرض مماثل للرياض، كي لا يفقد ودها، مفاده: قيام اليمنيين بتأمين الخط، مقابل التمويل فقط، أما البيع لأرض يمنية أو تأجيرها فغير مقبول.
وعلى ما يبدو أن الأمور “اليوم” باتت سالكة أمام المشروع السعودي في عهد الرئيس المستقيل “عبدربه منصور هادي”، ولا يستبعد أن يكون هناك صفقة بينهما على غرار صفقة تأجير جزيرتي “سقطرى” و”ميون”، وكل الوقائع على الأرض تؤكد ذلك.
وسبق لوكيل محافظة المهرة الأسبق الشيخ “على سالم الحريزي”، وأن دعا إلى عدم التوقيع على أي اتفاقيات مع السعودية، أو السماح لها بمد أنبوب نفط في الأراضي اليمنية.
ومنذ العام 2018 عملت السعودية وتحت مبرّر “مكافحة الإرهاب والتهريب”، على تعزيز قواتها في المهرة، بالمئات من الجنود والمدرعات الحديثة، بالتزامن مع بدئها بإنشاء أنبوب نفط يمتد من العمق السعودي في “شرورة” حتى سواحل المهرة.
وتقول وسائل إعلام محلية أن القوات السعودية بدأت في ديسمبر 2018 عمليات الحفر للأنبوب النفطي، ووضع بعض القواعد الإسمنتية في منطقة “طوف شحر” الحدودية، لكن قبائل المهرة تحركت إلى المكان وطردوا القوات والمدرعات السعودية، وأزالوا جميع العلامات والقواعد الإسمنتية، ونصبوا الخيام لحماية أرضهم ومراقبة أي استحداثات، بينما أكتفت السعودية حينها للتغطية على عمليات مد الأنبوب النفطي بأنها ترغب بإنشاء خط إسفلتي من المملكة إلى المهرة، وهو ما لم ينطلي على سكان المهرة.
وكان موقع “المهرة بوست”، قد نشر تحقيقات وتقارير ووثائق تؤكد المحاولات السعودية لبدء مد الأنبوب النفطي، لكن أبناء المحافظة وقفوا ضد تلك الأطماع وأزالوا علامات حددت موقع مد الأنبوب، وكشفوا للعالم النية المبيتة للسعودية في بوابة اليمن الشرقية.
وقالت وكالة “الصحافة اليمنية” نقلاً عن مصادر رفيعة أن مشروع مد الأنبوب النفطي، جاء بعد زيارة السفير السعودي لدى اليمن، المشرف العام على البرنامج السعودي لإعادة ما يسمى بالإعمار في اليمن، “محمد سعيد آل جابر”، إلى محافظة المهرة مطلع يونيو 2018.
وفي 1 أغسطس 2018 قام “هادي” بزيارة إلى المهرة برفقة السفير السعودي “محمد سعيد آل جابر” لوضع أحجار أساس كثيرة لـ “مشاريع وهمية” ضخمة في “الغيضة”، وبعد الزيارة مباشرة تداولت وسائل الإعلام “وثيقة سرية” مسربة تؤكد توجه السعودية لبناء خط أنابيب نفط عبر المهرة، يمتد من منطقة الخراخير في الحدود السعودية المحاذية لمحافظة المهرة إلى ميناء نشطون.
وأكد تحقيق لقناة “الجزيرة” بتاريخ 19 يناير 2020 بعنوان “المَهرة .. النوايا المبيتة” أن خطط سعودية تم إعدادها منذ عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز للاستحواذ على محافظة المهرة، بهدف تأمين منفذ للسعودية على بحر العرب، وأورد وثائق تؤكد أن السعودية ألقت بثقلها العسكري في محافظة المهرة البعيدة عن المواجهات العسكرية، بهدف تحقيق أطماعها المتمثلة في إيجاد منفذ بحري عبر المهرة.
وتضمن التحقيق شهادات ووثائق وتصريحات من مؤلفين ومختصين في شؤون الطاقة والنفط، أكدت على أن أحد أبرز أهداف السعودية، التي يُنظر لها في المهرة كمحتل، هي تحقيق أطماعها في مدّ أنبوب النفط، في الوقت الذي تنشغل فيه البلاد بالحرب وعواقبها.
ومن المتوقع أن يستغرق تنفيذ مشروع تمديد خط أنابيب “بترولين” أو خط أنابيب “شرق – غرب” أربع سنوات، وتبلغ طاقته المخطط لها أقل من نصف مليون برميل بحسب شركة “آرامكو”، على أن تصل إلى 5 ملايين برميل من النفط عند اكتمال المشروع.
والمهريون عموماً يعارضون المشروع باعتباره انتهاكاً لسيادتهم، بينما تنظر سلطنة عُمان إلى المناورة السعودية باعتبارها انتهاكاً لنطاق نفوذها.
مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي