احتِمالان رئيسيّان وراء اعتقال الأميرين أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف من قِبَل وليّ العهد السعوديّ.. ما هُما؟ وماذا يعني اتّهامهما بالخِيانة العُظمى؟
|| صحافة ||
إقدام وليّ العهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان على اعتقال عمّه الأمير أحمد بن عبد العزيز وابن عمّه الأمير محمد بن نايف، وليّ العهد وزير الداخليّة الأسبق، وتوجيه تُهمة “الخِيانة العُظمى” ومُحاولة قلب نِظام الحُكم إليهما ربّما يكون جاءَ لسببين رئيسيّين:
الأوّل: أن تكون الأسرة الحاكمة قد قامت بحركة تمرّد ضِد حُكم الأمير بن سلمان ووالده بعد أن طفَح كيلها، وكان الأميران المُعتَقلان رأس حربة فيها، واتّفاق الأسرة على اختِيار الأوّل (الأمير احمد) مَلِكًا، والثّاني (محمد بن نايف) وليًّا للعهد، في إطار عمليّة “إعادة ترتيب” للبيت السعوديّ، والعودة إلى صيغة الحُكم السّابقة التي “انكسرت” بوصول الملك سلمان إلى العرش، أيّ “النّهج المُحافظ”، وإنهاء الحرب في اليمن بأسرعِ وقتٍ مُمكن، واتّباع سياسة عربيّة ودوليّة مُتوازِنة أبرز ملامحها المُصالحة مع دول الجِوار، وتخفيف حدّة العداء مع إيران وتركيا.
الثاني: إقدام الأمير بن سلمان على القِيام بضربةٍ استباقيّةٍ للتخلّص من أقوى خُصومه اللّذين لم يُبايِعوه مُطلقًا كوليِّ عهد، وخاصّةً الأمير أحمد، عُضو هيئة البيعة وقادوا المُعارضة لحُكمه تمهيدًا للإطاحة بوالده الملك من العرش، وتتويج نفسه ملكًا مُطلقًا على البِلاد، تحت “ذريعة” مرض والده، وعدم قُدرته على مُمارسة مهامه.
أنباء هذه الاعتِقالات “المُفاجئة” نشَرتها أبرز صحيفتين أمريكيتين، الأوّل “وول ستريت جورنال” الاقتصاديّة اليمينيّة المُفضَّلة لكُل من الأمير بن سلمان نفسه والرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، والثّانية “نيويورك تايمز” المُنتَقِدَة للاثنين، وهذا يعني أنّ جِهَةً أمريكيّةً عُليا، ربّما البيت الأبيض، أو المُخابرات الأمريكيّة، هي التي سرّبت هذه الأنباء مُتعمّدةً، وربّما بإيحاءٍ من الأمير بن سلمان نفسه، لإيصال رسالةٍ إلى الأعضاء الغاضبين والمُعارضين بصَمتٍ لحُكمه داخل الأُسرة، بأنّهم سيُواجِهون المصير نفسه إذا تحرّكوا، أو اعترضوا، أو تضامنوا مع المُعتَقلين.
الأمير بن سلمان، ومُنذ اتّهامه بالمسؤوليّة الكُبرى عن اغتيال الصحافي جمال خاشقجي وتقطيع جُثمانه في مقرّ القنصليّة السعوديّة في إسطنبول، ابتعد كثيرًا عن الأضواء، وبات يُدير الحُكم من خلفِ سِتار، ربّما لأسبابٍ أمنيّةٍ، لإدراكه بوجود مُعارضة قويّة له في أوساط الأسرة الحاكمة تحديدًا، حيث تتولّى حراسته، وتقديم استشارات أمنيّة له، العديد من أجهزة الاستِخبارات المحليّة والعالميّة، والأمريكيّة والفرنسيّة والبريطانيّة خُصوصًا، حسب معلومات مُؤكّدة من مصادرٍ مُقرَّبةٍ منه.
الأمير أحمد بن عبد العزيز الأخ الشّقيق للملك سلمان، وأصغر أبناء الملك عبد العزيز من الأميرة حصة السديري (لهذا يُطلق عليهم اسم الجناح السديري)، يتمتّع بشعبيّةٍ كبيرةٍ، سواءً داخِل الأُسرة الحاكِمة، أو في بعض الأوساط الشعبيّة، لأنّه لم يُبايع الأمير بن سلمان وليًّا للعهد، وجاهَر بمُعارضته وسِياساته في مجالسه الخاصّة، وأثناء وجوده في لندن حيث انتشر شريط فيديو يتحدّث فيه إلى مُحتجّين ضِد حرب بلاده في اليمن، ويهتفون أمام مقرّ إقامته بسُقوط الأسرة الحاكمة، ويقول لهم ما معناه ما ذنب “آل سعود” المسؤول عن حربِ اليمن هُم الملك ووليّ عهده.
وذكرت مصادر خليجيّة دخلت مجلسه في الرياض لـ”رأي اليوم” أنّه لم يُعَلِّق صورة بن سلمان إلى جانب صورة والده في صدر المجلس، وتحوّل مجلسه إلى مركزِ تَجَمُّعٍ للمُعارضين من الأُمراء والعامّة.
توجيه تُهمة “الخيانة العُظمى” والانخِراط في مُحاولة انقلاب للمُتّهمين الثّلاثة عُقوبتها في القانون السعوديّ “الإعدام”، وقد يتم تنفيذ العُقوبة “فورًا”، أو سجن المُتّهمين لأطولِ فترةٍ مُمكنةٍ انتظارًا للتّنفيذ، والأمر يتوقّف في الحالين على رُدود فِعل الأسرة الحاكمة على الاعتقال ومن ثمّ إصدار هذه العُقوبة.
حُكم الملك سلمان ووليّ عهده يُواجه ظُروفًا سياسيّةً واقتصاديّةً صعبةً هذه الأيّام، فانخِفاض أسعار النّفط بسبب “الكورونا” بحواليّ 5 بالمئة، ووجود فائض في المعروض تُريد “أوبك” تخفيض الإنتاج بحُدود مِليونيّ برميل يوميًّا، لوقف انهيار الأسعار (سعر البرميل 50 دولارًا حاليًّا) قد يُؤدِّي إلى رفع العجز في الميزانيّة العامّة من 60 مِليار إلى ما يَقرُب إلى المِئَة مِليار، خاصّةً بعد إلغاء مناسك العمرة، وربّما الحج لاحقًا، حيثُ يَبلُغ عدد المُعتمرين 18 مِليونًا سَنويًّا، والحُجّاج مِليونين، يأتون من الخارج ويَدرّون على الخزينة السعوديّة عشَرات المِليارات من الدّولارات سَنويًّا.
الأمير بن سلمان الذي يَحكُم بقبضةٍ حديديّةٍ ويُسيطِر على الجيش والأمن في البِلاد، أجرى عِدّة حمَلات اعتقال عام 2017، شَمِلَت رجال أعمال وصِحافيين ورجال دين وناشطات وناشطين حُقوقيين وسِياسيين، كان أبرزهم الأمير الوليد ين طلال، وعدّة أُمراء آخَرين بتُهم الفساد، إلى جانب الداعية سلمان العودة، ولكن اعتِقاله لعمّه الأمير أحمد، ووليّ العهد السّابق محمد بن نايف كان الخطوة الأخطر والأكبر مُنذ تولّي والده العرش لِما يُمكِن أن يتَطلّب على هذه الخطوة من رُدودِ فِعل.
لم يصدر حتّى كتابة هذه السُطور أيّ تأكيدٍ أو نفيٍ لعمليّة الاعتِقال هذه من الحُكومة السعوديّة، ولكنّ الصّمت يُوحِي بالمُوافقة والاعتِراف بحُدوثها اعتِمادًا على تجاربٍ سابقةٍ.
المملكة العربيّة السعوديّة كانت قبل هذه الاعتِقالات تُواجِه حالةً من “الغُموض” و”الارتِباك” بسبب خسائرها في حرب اليمن، ووصول صواريخ الحوثيين إلى الرياض ومُنشآت أرامكو العِملاقة في بقيق وخريس، وأخيرًا في ميناء ينبع على البحر الأحمر، ومِن المُؤكِّد أنّ حالة القلق والارتِباك قد تتفاقم بعد اعتِقال أبرز أميرين في الأُسرة الحاكمة.
الأيّام القادمة قد تشهَد تغييرات وتطوّرات مُفاجئة في المملكة.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”