التطبيع في زمن الكورونا

|| صحافة ||

فيروس “كورونا” المنتشر حاليا في معظم دول العالم والذي يسبب حالة من الهلع والخوف لجميع سكان المعمورة، لا يفرق هذا الفيروس بين عدو وصديق ولايعرف معنى الحدود السياسية، لذلك اجتاز جميع هذه الأمور وبدأ يهدد حياة سكان الأرض، ولكن سكان الأرض لا يوفرون استغلال اي حدث عالمي مهما كانت نتائجه سلبية على البشرية جمعاء، وشهدنا جميعا الحرب النفطية بين السعودية وروسيا بعد انتشار هذا الفيروس، ويبقى السؤال ماذا عن التطبيع مع كيان العدو الاسرائيلي وهل حصل تطبيع وتعاون معين فيما يخص مواجهة هذا الفيروس أم أن الاستغلال كان سيد الموقف كما هو الحال دائما؟.

الكيان الاسرائيلي يأخذ ولا يعطي، وهذا ما يفسر عدم تعاونه مع الدول العربية التي تربطها به اتفاقيات سلام، مثل مصر والاردن، حيث انكفأ حيان الاحتلال على نفسه ولم يظهر أي تعاون مع حلفائه من العرب، ولاتزال الأسباب مجهولة حتى اللحظة، مع العلم أن هناك أخبار تفيد بأن كيان العدو حصل على 100 ألف جهاز تم شراؤها من دولة خليجية تكشف حالات الإصابة بفيروس “كورونا” المنتشر في أنحاء العالم، يرجح أنها الإمارات.

ما تم نشره في الاعلام كشف ان جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” هو من قام بهذه العملية، فيما ذكر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني أن الأجهزة المذكورة حصل عليها الموساد، يوم الأربعاء الماضي، من دولة الإمارات العربية المتحدة.

ونقل الموقع عن محلل الشؤون الأمنية، يوسي ميلمان، ترجيحه أن يكون الموساد حصل على وحدات الاختبار من الإمارات، مستبعداً أن تكون قدمت من دول صديقة أخرى كمصر والأردن، في وقت يحتاج فيه شعباهما بشدة لمثل تلك الوحدات.

وفي الوقت نفسه، أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بياناً قال فيه: إن “الموساد والوكالات الأخرى جلبت المعدات الضرورية والهامة للغاية من الخارج للمساعدة في الأزمة المتعلقة بكورونا”.

من جانب آخر، شكر المدير العام لوزارة الصحة الموساد على تزويد الوزارة “بأجهزة مهمة وصالحة للعمل”، وهي عبارة ربما تهدف إلى نفي تكهنات في وسائل الإعلام بأن المعدات ربما تكون تالفة.

كما شكر المسؤول موشيه بار سيمان توف، جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “شين بيت” لدوره في جهود الشراء.

وكان “الشين بيت” موضع تدقيق بعد موافقة نتنياهو على استخدام تكنولوجيا جهاز الأمن الداخلي في تتبع الهواتف المحمولة لمكافحة الإرهاب في رسم خرائط العدوى المحتملة بالفيروس.

وبالعودة إلى موضوع التعاون فقد قال موقع “تايمز اوف اسرائيل”، لم تتعاون الدولة العبريّة مع أيّ دولةٍ من دول المنطقة في محاربة الوباء، وليس حتى مع البلدان التي تربطها بهما علاقات رسمية – مصر والأردن – بحسب ما قاله متحدث باسم وزارة الخارجية في تل أبيب، لافتًا إلى أنّ هناك بعض التعاون مع السلطة الفلسطينيّة، وأضاف أنّه ليس معنيًا بالخوض في التفاصيل لأنّه لا يريد تعريض الشراكة التي لا تحظى بالشعبية لدى جميع الفلسطينيين للخطر، على حدّ تعبيره.

 

الاستثمار السياسي لـ”كورونا”

 

من ضمن أوجه الاستثمار السياسي، برز في الآونة الأخيرة سؤال مشبوه طرحه بعض الوجوه العربية، وهو: “ماذا لو كان علاج كورونا إسرائيلياً؟” وهو سؤال ذو طابع ترويجي لمفهوم التطبيع، لكنه يأتي هذه المرة من باب الحاجة الإنسانية، فهو لا يعمل على تصوير العدوّ من زاوية التفوق التكنولوجيّ فحسب، بل من ناحية إنسانيّة أيضاً، وكأن الخيار أمام المواطن العربي بات إما التطبيع وإما الموت!.

ولكن حتى لو لم يحصل هذا الأمر (اكتشاف “إسرائيل” للعلاج)، فإن مجرد طرح السؤال يرخي بظلاله على الوعي السياسي للفرد، الذي سيطرح أسئلة ضمنية كثيرة، وسيواجه تخبطاً وحرجاً في الإجابة على هكذا طروحات مشبوهة في المستقبل.

الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى فهم مسألة التقدّم العلمي وكيفية التعامل معها، وأيضاً خلفيات الطرح. في الحقيقة، إنَّ الابتكارات العلمية الكبرى لا تعود في أساسها إلى بلد معيَّن، بل تأخذ طابع العالمية، وخصوصاً حين نتحدّث عن مسألة تمسّ البشرية جمعاء، كحالة فيروس “كورونا”، بمعنى أنَّ أي علاج يتم اكتشافه سوف يأخذ منحى أممياً، حتى لو شارك في اكتشافه أو تطويره علماء ينتمون إلى الكيان الإسرائيلي، فالكثير من الاكتشافات التكنولوجية ساهم في تطويرها علماء إسرائيليون، ونحن نستخدمها، ليس من باب التطبيع، بل لأن أي تطور في أي مسار من المسارات العلمية هو بمثابة إضافة للإنسانية جمعاء.

من الناحية العلميّة، لم يعد التقدم حكراً على دولة ما، وكون الوباء يهدد الدول كافة، فإن العمل على إيجاد العلاج سينطلق من كل هذه الدول.

إذا كان ممكناً إيجاد العلاج في هذه الدول كما بات يتم الرهان على علمائها، فإنه ليس من الطبيعي أن يتم طرح فرضية اكتشاف العدو الإسرائيلي لدواء لكورونا قبل تلك الدول ودون غيره، فما الذي يجعل “إسرائيل” سباقةً في اكتشاف العلاج؟.

في الإطار السياسي، إن طرح أسئلة مبطّنة وافتراضية من هذا القبيل (على تماس مباشر مع الإيديولوجيا والوعي السياسي) على الفرد هو طرح غير بريء، لأنك إذا سألتني كمريض، فإن من مصلحتي أن أتناول الدواء لأشفى من المرض.

أما في مقياس الدول، فإن مقاربة العقل الحاكم لهذه الطروحات تنطلق من دراسة عميقة للأولويات القومية والمصالح العامة، ومن خلال استشراف التداعيات بعيدة المدى التي يمكن أن تضر بالأمة أكثر من موت الأفراد بمفهومه المادي، فمن خلال تأملنا للواقع، نجد أن مجتمعنا قدم تضحيات كثيرة في سبيل رفض التطبيع، على الرغم من أنه يُطرح دائماً كبديل من الواقع الاقتصادي المزري الذي تعيشه أمّتنا، لكن مقاربة الممانعون لهذا الموضوع تنطلق من رؤية واضحة بأن الكلفة المعنوية للتطبيع تُعد باهظةً أكثر من الكلفة المادية والبشرية لسياسة الرفض والمقاومة.

ما يهمّنا ويكفينا في أيّ طرح من هذا القبيل معرفة أنّ هذا الكيان والجهات التي تقف خلفه، هم الأساس في الخراب الذي نعيشه، وأن أيّ نهضة حقيقية وتحرر حقيقي لا يمكن أن يكونا من دون تضحيات وخسائر، الأمر الذي يجب أن يكون حافزاً لنا في مسار التحرر العلمي والتكنولوجي والاقتصادي.

 

الوقت التحليلي

 

قد يعجبك ايضا