5 أعوام من الصمود: مرحلة الانتصارات تلو الانتصارات
موقع أنصار الله || تقارير ||
هم رجالٌ انطلقوا لمقارعة جبروت وغطرسة قوى الاستكبار العالمي “أمريكا وإسرائيل”، واذنابهم من العملاء والمرتزقة، ولأنَّ رهانهم على الله وحده، القوي الجبار؛ فقد صمد أولئك المجاهدين الأبطال الأشاوس أمام أحدث الأسلحة المتطورة والفتَّاكة، وجحافل الأعداء والمرتزقة من كل صوب، وبعونٍ من الله القوي الجبار انتصروا؛ لأن من ينصر الله، ينصره ويثبت أقدامه.
انتصارات تلو الانتصارات، يصنعها أبطال الجيش واللجان الشعبية ” بعون من الله وتأييده”، في مختلف الجبهات، فتتوالى العمليات من فترة لأخرى بانتصارات عظيمة تشفي صدور كل أبناء الشعب اليمني الصامد، وتزهق أرواح المعتدين، إذ حوًل أولئك الأبطال مسارات العدوان التصعيدية على مدى خمس سنوات إلى نيران تلتهم جحافل جيوشه وعتاده، وهزائم عكست عنفوان وبأس أبطال الجيش واللجان الشعبية في شلّ قدرات العدو ومرتزقته، وجرف آمالهم ورهاناتهم في النيل من اليمن وأمنه واستقراره.
وجسَّدت العمليات العسكرية النوعية حقيقة الإيمان الكبير لدى المجاهد والمقاتل اليمني وارتباطه الكبير بالله القوي العزيز، حيث ينظر أبناء الشعب اليمني إلى الانتصارات الميدانية بأنها ما كان لها أن تتحقق لولا ثقة أبطال الجيش واللجان الشعبية وايمانهم القوي بربهم القوي الجبار، وتمسكهم بمشروعهم القرآني، وقائدهم الرباني، وعدالة القضية التي يدافعون من أجلها، وهذا ما أثمر عن انتصارات عظيمة وتطهير مناطق واسعة، وأسر وجرح الآلاف من المرتزقة، فضلاً عن اغتنام أسلحة ومعدات عسكرية متنوعة، إذ رسم أبطال الجيش واللجان الشعبية بهذه العمليات، أسطورة مليئة بالدهشة فاحت منها رائحة الهزيمة والخسران المبين لعملاء ومرتزقة، فتحولت الجبال إلى محارق انتهت عندها أحلامهم بالوصول إلى صنعاء.
وتجلًت بشائر النصر في طريق تحرير تراب الوطن، بالانتصارات التي تتحقق من عمليات الردع الأولى والثانية، مروراً بعملية “نصر من الله” وصولاً إلى عملية “البنيان المرصوص”، التي تٌعد تحمل من الأبعاد الجغرافية والعسكرية والسياسية ما يشكل ضربة موجعة، وهزيمة مدَّوية لقوى العدوان… وإلى التفاصيل:
عملية التاسع من رمضان:
في يوم التاسع من شهر رمضان المبارك لعام 1440هـ، الموافق 14مايو 2019م، أكد متحدث القوات المسلحة العميد يحيى سريع في بيان أن سلاح الجو المسير نفذ عملية على منشئات حيوية للعدو السعودي في محافظتي الدوادمي وعفيف بمنطقة الرياض، مشيراً إلى أن العملية استهدفت محطتي الضخ البترولية في الخط الأنبوب الرئيسي للنفط الـ (7و8) الذي يربط بين رأس التنورة وينبع، وأوضح سريع: “أننا قادرون على تنفيذ عمليات نوعية أوسع وأكبر في عمق دول العدوان”، مشيراً الى أن العملية النوعية رد مشروع على الجرائم والحصار الاقتصادي، وتنفيذ لوعد قائد الثورة باستهداف المواقع الحساسة للعدو، لافتاً إلى أن العملية أدت إلى التوقف الكامل لضخ النفط من الأنبوب الرئيسي ومؤكداً أن عملية التاسع من رمضان أثرت على اقتصاد العدو، وجاءت بعد رصد دقيق وتعاون من قبل أبناء تلك المناطق.
وليست عملية التاسع من شهر رمضان المبارك وليدة لحظتها، إنما هي نتيجة لتمادي العدوان السعودي الامريكي الاماراتي الصهيوني المستمر على الشعب اليمني للعام الخامس على التوالي، لاسيما وإن هذه العملية تجسد حقيقة واحدة: هي أن القيادة اليمنية عندما تطلق تحذيراتها، فإنها تعني ما تقول، بعد أن تكون قد استعدت واستوثقت من قدرة الجيش واللجان الشعبية على تنفيذ مثل هذه العمليات النوعية الردعية الاستراتيجية، والتي ستكون لها ارتدادات تجعل تحالف العدوان يندم على اعماله الاجرامية بحق الشعب اليمني طوال أربعة اعوام من القتل والدمار والتشريد، والذي لم يكتف بترسانة أسلحته الحديثة والفتاكة، بل لجأ إلى وسائل وأساليب حقيرة ومنحطة تمثلت في الحصار والحرب الاقتصادية التي كل يوم يبتكر فيها أساليب جديدة لإبادة الشعب اليمني جوعا ومرضا, وهذه قضية لا يمكن القبول بها من شعب أبي صابر وصامد لطالما دعا إلى السلام المشرف والعادل.
عملية توازن الردع الأولى:
رغم أن عملية التاسع من رمضان كانت لإيصال رسالة للنظام السعودي مفادها نستطيع اليوم ضرب كل حقول نفطكم ومنشآتكم النفطية وقادرين على تدميرها فاجنحوا للسلام لتنعموا بالأمن والاستقرار، فلن تجدو سلاماً ولا أمناً ولا استقراراً وعدوانكم مستمر، حيث دعاهم قائد الثورة صراحة ليعتبروا من تلك العملية وخاطبهم مباشرة، وناشدهم وحذرهم من مغبة الاستمرار في الحماقة، فأكمل بذلك عليهم الحجة.
وبعد عملية التاسع من رمضان، كثفت القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير العمليات العسكرية الصاروخية وعمليات الطيران المسير والتي فاقت الاربعين عملية، والتي استهدفت مطارات ابها ونجران وجيزان وخميس مشيط بشكل غير مسبوق، وغيرها من المواقع والمعسكرات المستهدفة والتي اصبحت أهدافا ًمشروعة للجيش اليمني ولجانه الشعبية، لعل وعسى أن يعلم النظام السعودي علم اليقين أن اليمن بات اليوم يمتلك مخزون استراتيجي من الأسلحة وأنه أصبح قادراً على استهدافه بها كل يوم وبشكل مستمر في مسعى أن يفهم ذلك، ولكنه للأسف ظل متعنت، إلى أن تم استهداف حقل الشيبة بعملية سميت بعملية “توازن الردع الأولى” لعلهم يفقهون ولكنهم للأسف جعلوا اصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم واصروا واستكبروا استكبارا!.
وفي سياق ذلك، نفذ سلاح الجو المُسير أكبر عملية هجومية على العمق السعودي منذ بدء العدوان على اليمن، بعشر طائرات مسيرة استهدفت حقل ومصفاة الشيبة التابعة لشركة أرامكو شرقي المملكة بعملية توازن الردع الأولى، حيث أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع في بيان يوم السبت بتاريخ 17 أغسطس 2019م، استهداف حقل ومصفاة الشيبة التابعة لشركة أرامكو شرقي السعودية على الحدود مع الإمارات بـ10 طائرات مُسيرة، وعلى بعد حوالي 1100كيلومتر من الحدود اليمنية، والذي لا يبعد سوى عشرة كيلو من إمارة ابوظبي، وأضاف سريع “حقل ومصفاة الشيبة يضم أكبر مخزون استراتيجي في المملكة ويتسع لأكثر من مليار برميل”، وأردف بالقول: “نعد النظام السعودي وقوى العدوان بعمليات أكبر وأوسع إذا استمر العدوان…والعمليات القادمة ستكون أشد إيلاما على العدو”.
وفي ظلِّ المتغيرات الأخيرة التي غيرت موازين القوى وقلبت سير المعركة لصالح الجيش ولجانه الشعبية، بامتلاكه لقوة الرد والردع بدخول منظومة جديدة ومتطورة من القوة الصاروخية والطيران المسير والتي غيرت مجريات المعركة، وأصبح الجيش يمتلك زمام المبادرة، وصاحب اليد الطولى في المعركة، وأصبح بمقدوره استهداف أي موقع أو معسكر أو هدف داخل العمق للعدو السعودي والاماراتي.
عملية توازن الردع الثانية:
في تأكيد على استمرار مرحلة التصعيد العسكري الجديدة التي تم تدشينها قبل أقل من شهر بعملية “توازن الردع الأولى” التي استهدفت حقل “الشيبة” النفطي، أطلقت القوات المسلحة “بفضل الله” عملية “توازن الردع الثانية”، حيث هزت قوة الردع للجيش واللجان المنطقة الشرقية في السعودية يوم السبت بتاريخ 14 سبتمبر 2019م، بواحدة من أكبر وأهم عمليتين لسلاح الجو المسير منذ بدء العدوان حتى الآن، حيث اطلق سلاح الجو المسير عشر طائرات بدون طيار بعيدة المدى وشديدة الانفجار، على مصفاتي “بقيق” و”خريص” الاستراتيجيتين والتابعتين لشركة “أرامكو” النفطية، على بعد أكثر من ألف كيلو متر من حدود المملكة مع اليمن.
وأحدثت عملية توازن الردع الثانية التي نفذها سلاح الجو المسير التابع للجيش تغيراً ملحوظاً في مسار معركة النفس الطويل التي يخوضها الجيش واللجان الشعبية بمعنويات قتالية عالية ضد قوى تحالف العدوان واستطاعت هذه العملية أن تفرض حقيقة (توازن الردع) كواقع جديد وملموس على الأرض وعلى الجو معاً، ظهر فيه النظام السعودي على غير عادته الاستعلائية محبطاً وذليلاً خائفاً وعاجزاً عن القيام بأي رد عملاني كما كان يفعل في السابق، بل بات مضطراً إلى التسليم بفشله وعجزه وحسب، وإنما سترغمه على الاستسلام وتقبل حالة الهزيمة والسقوط المذل التي لازمته منذ أول يوم من العدوان.
ويمكن القول أن عملية الردع الثانية بلغت من الدقة والمفاجئة إلى حد وجد النظام السعودي نفسه عاجزًا تماماً عن الإنكار أو التضليل، فلم تمر دقائق على عملية الردع الثانية حتى امتلأت المنطقة بالسنة الدخان الكثيف، وتداولت شبكات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مشاهد مصورة توثق حرائق ضخمة وواسعة وانفجارات متتالية، ونقلت وسائل الإعلام الدولية تلك المشاهد في تغطية واسعة ومباشرة للهجوم، وهذا شكل فضحية مدوية للنظام السعودي، إذ لم يقتصر التوثيق فقط على الحرائق الواسعة التي حولت ليل مدينة “بقيق” إلى نهار، بل وثقت بعض المشاهد ايضا لحظات وصول بعض الطائرات المسيرة التي ظهر صوت “ازيزها” واضحا قبل أن تصيب هدفها في معامل المصفاة.
وتحمل هذه العملية على غرار سابقتها، رسالة شديدة اللهجة للنظام السعودي، بما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أو المراوغة، أن عمليات “توازن الردع” لم تعد تقتصر على إضعاف الاقتصاد السعودي، وإنما تدميره تماماً، بعمليات نوعية ومدروسة وناجحة، تصل إلى حد يجعل فيه استمرار النظام السعودي في حماقاته بعدوانه على اليمن أمراً انتحارياً يهدد وجوده تماماً، فمن الواضح أن العملية الثانية هي الأكبر عمليًا، لاسيما وأنها تشل قدرة السعودية على إنتاج 8 ملايين برميل يومياً، بحسب ما ذكّرت صحيفة “نيويورك تايمز”، وهذا ما يجعل فحوى الرسائل الاقتصادية لمعادلة “توازن الردع” واضحة وضوح الدخان في كبد سماء السعودية، ولعل الرسالة قد وصلت إلى النظام السعودي ومن خلفه أمريكا، بصورة واضحة، ومختصرة، ولا تحتاج إلى تحليل، مفادها: “استمرار العدوان يعني نهاية الاقتصاد السعودي”.
عملية نصر من الله:
تعتبر عملية “نصر من الله” نقطة تحول في مسار العدوان على اليمن، وأظهرت التفوق العسكري للجيش واللجان الشعبية رغم الإمكانيات الهائلة لقوات العدو، حيث تعد عملية “نصر من الله” التي نفذها أبطال الجيش واللجان الشعبية في محور نجران هزيمة نكراء لتحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي وضربةً قاصمة له وعلى رأسه السعودية التي يحتل ضباطها وأفرادها رقماً كبيراً في أعداد الأسرى.
وأكد عدد من الخبراء والكتاب والمحليين العسكريين أن القيادة في صنعاء ارسلت رسالة واضحة وحقيقية للعالم، من خلال العمليات العسكرية، والهجمات على الأراضي السعودية، مفادها أنه مهما استمر عدوانهم فإنه لن يزيد شعب اليمن إلا قوة وعنفوانا، وسيجرف بعون الله تجبرهم وغطرستهم، لاسيما وأن تدمير ثلاثة ألوية وأسر آلاف الجنود، يأتي بعد مدة قليلة من الهجوم على منشآت النفط في بقيق شرق السعودية، ولهذا تعد هذه العملية العسكرية نصراً للشعب اليمني الصامد في وجه العدوان الظالم، ومكسباً سياسياً إلى جانب كونها مكسباً عسكرياً كبيراً، سيقلب الطاولة على تحالف العدوان في حال استمر في عدوانه على الشعب اليمني.
ورأى المختصون أن العملية بما حملته من تفاصيل، تؤكد بشكل فعلي حقيقة انتقال الجيش اليمني واللجان الشعبية من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم الكاسح، وأن النجاح الكبير الذي تحقق من هذه العملية النوعية يعكس تطور قدرات القوات المسلحة واللجان الشعبية في التكتيك العسكري إلى جانب التطور الكبير لسلاح الجو المسير والقوة الصاروخية، إذ اعتبر المختصون في الشأن العسكري أنها حققت نتائج استراتيجية غير متوقعة من ناحية حجم ومستوى القوات التي سقطت في المعركة، لتؤكد أنها ذات طابع عملياتي كبير، وأن القدرات العسكرية اليمنية باتت اليوم قوة مؤثرة على العدو.
واعتبر المختصون أن العملية تعد تطوراً نوعياً في الواقع العسكري اليمني بعد ما يقارب خمسة أعوام من العدوان، كما تشير في الوقت نفسه إلى طبيعة التحول الاستراتيجي في موازين القوة والخارطة العسكرية اليمنية من حيث قراءة معطيات العملية ونتائجها وما تسببت فيه من خسائر فادحة لقوات العدو وتحرير مساحة جغرافية شاسعة؛ في مدة زمنية قصيرة.
وبالنسبة للتعامل مع الأسرى، فإن الجيش واللجان أثبتوا أنهم الوحيدون في اليمن، الذين يحترمون ما يُسمى القانون الدولي الإنساني، ولديهم حسٌّ وطنيٌ عالٍ وأخلاق عالية، ولا يحتاجون من يوجههم بتعاليم القانون الدولي الإنساني، لاسيما وأن الأسرى الذين في أيدي الجيش يعاملون وفق الأخلاق اليمنية المعروفة التي هي أساساً تسبق القوانين التي لها علاقة بالقانون الدولي الإنساني.
وتجدر الإشارة إلى أن المتحدث الرسمي للجيش العميد يحيى سريع، أعلن عن تفاصيل عملية “نصر من الله” التي سبقت برصد استخباراتي دقيق استمرت لأشهر قبل استدراج قوات تحالف العدوان لأكبر كمين منذ بداية العدوان على اليمن، وقال العميد سريع في مؤتمر صحفي له، أن عملية “نصر من الله” انقسمت إلى عدة مراحل، ولفت إلى أن سلاح الجو المسير شارك في العملية ونفذ أكثر من 20 عملية أربكت قوات التحالف، وأشار إلى أن القوة الصاروخية نفذت 9 عمليات استهدفت مقرات وقواعد عسكرية للتحالف تقلع منها الطائرات المعادية، وقال أن قوات الدفاع الجوي أجبرت مروحيات الأباتشي والطيران الحربي على مغادرة منطقة عملية “نصر من الله”، كما ذكر أن الخسائر البشرية للجيش السعودي ومرتزقته بلغت أكثر من 500 بين قتيل وجريح، وأوضح أن أكثر من 200 قتيل استهدفوا بعشرات الغارات من طيران قوى التحالف السعودي الإماراتي أثناء الفرار أو الاستسلام.
عملية البنيان المرصوص:
“البنيان المرصوص”: عملية نفذها أبطال الجيش اللجان الشعبية مؤخراً، والتي تعتبر صفعة قوية لقوى العدوان ومرتزقته، حيث إن كل ما خططوا له، وأعدوا له، وسيطروا عليه، خلال خمس سنوات مضت، سقط في غضون خمسة أيام، إذ لا زالت عمليةُ “البنيان المرصوص” الكبرى التي نفذتها قوات الجيش واللجان الشعبية في جبهات الجبهة الشرقية تتصدر المشهد العسكري كأكبر عملية ميدانية منذ بدء العدوان، بل وكظاهرة عسكرية استثنائية لم يُعرف لها مثيلٌ منذ الحرب العالمية الثانية.
ولأنها كذلك، فإنَّ تناول تفاصيلها التي امتدت على رقعة جغرافية تجاوزت 2500 كيلو متر مربع، ضمن ثلاث محافظات، كان أكبر من أن يستوعبه مؤتمر صحفي أَو ملحق إخباري واحد، فمنذ الإعلان عنها، لم ينته الإعلام الحربي من عرض المشاهد المصورة التي وثقت جوانب من المواجهات، فما دار في كـل جهة رئيسية من أرض المعركة، كان بمثابة عملية كبرى مستقلة، تستحق تغطية منفردة، على أن بقية التفاصيل والاستراتيجيات المستخدمة في المعركة لا زالت “أسراراً عسكرية” بحسب الناطق الرسمي للقوات المسلحة، ما يعني أن كـل ما يقال ويُشرح ويُعرض عن هذه العملية سيظل أقل من أن يكون القصة الكاملة لهذه الملحمة التاريخية.
إن تسمية العملية بـ”البنيان المرصوص” لم تكن مُجرد عنوان عادي، بل تعبير حقيقي عما شهدته المعركة من بسالة قتالية عالية توزعت بشكلٍ متساوٍ ومنتظم على جميع خطوط التماس، الأمر الذي جعل العدو أمام جدار ناري صلب ومتماسك في كـل أجزائه، لاسيما وأن الإعلام الحربي ظل مستمراً بعرض مشاهد مصورة إضافية للهجمات العسكرية النوعية التي نفذتها قوات الجيش واللجان الشعبية ضمن عملية “البنيان المرصوص”، وهي مشاهد جاءت على نفس المستوى الملحمي لسابقاتها، لتكمل الكثير من أجزاء الصورة.
وسقطت بعزيمة وبأس الرجال والأبطال، معسكرات وألوية تركها مرتزقة العدوان، ولاذوا بالفرار، ولم تمكنهم العربات والدبابات بمواصفاتها الحديثة من الصمود أمام الحفاة الذين تسلقوا قمم الجبال لاستعادة ما فشل العدوان في تحقيقه خلال خمس سنوات في ستة أيام، ليتعزز بذلك اليقين في النفوس مواصلة خطى التحشيد لاستلهام النصر الأكبر.
عملية توازن الردع الثالثة:
كما عودتنا القوات المسلحة على اعلان الانتصارات المتتالية، أعلن المتحدثُ الرسمي باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع يوم الجمعة بتاريخ 27 جماد الاخر 1441هـ، الموافق 21 نوفمبر2020م، عن تنفيذ عملية توازن الردع الثالثة في العمق السعودي، حيث قال سريع في بيان له: “بعون من الله تعالى نفذت القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير عملية توازن الردع الثالثة في العمق السعودي بـ12 طائرة مسيرة من نوع صماد3 وصاروخين من نوع قدس المجنح، وصاروخ ذوالفقار الباليستي بعيد المدى”، وأوضح سريع أن “عملية توازن الردع الثالثة استهدفت شركة أرامكو وأهدافا حساسة اخرى في ينبع وأصابت أهدافها بدقة عالية بفضل الله”، وأكد أن “العملية رد طبيعي ومشروع على جرائم العدوان والتي كان آخرها جريمة الجوف”، وتوعد “النظام السعودي بضربات موجعة ومؤلمة إذا استمر في عدوانه وحصاره على بلدنا”.
ويواصل ابطال الجيش واللجان الشعبية، إنجازاتهم العسكرية على مختلف الجبهات وفي شتى المناطق بمختلف تضاريسها البرية والجوية والبحرية وذلك رغم الحصار المفروض على اليمن والتواطؤ الدولي مع العدوان الامريكي السعودي، حيث وجاءت عملية ينبع الكبرى التي نفذها ابطال الجيش واللجان في العمق السعودي لتؤكد على أن الرد اليمني على جرائم العدوان اصبحَ أقوى من ذي قبل، كما تكشف ان القدرة العسكرية لليمنيين باتت تمتلك الخبرةُ والمعرفةُ اللازمة لضرب السعودية في أي منطقة وايقاف اقتصادِها وضرب عمقِها الاستراتيجي.
وتحمل عملية “توازن الردع الثالثة” رسالة واضحة باستمرار خط تصعيد الضربات الواسعة والمدروسة على المنشآت الاقتصادية الكبرى في المملكة، وهي تأتي بعد أكثر من خمسة أشهر من ضربات توازن الردع الثانية على مصافي “بقيق وخريص” في 14 سبتمبر 2019م، وبهذه العملية يكون الجيش اليمني قد أثبت قولاً وفعلاً تحذيراته المتكررة التي أطلقها مراراً وتَكراراً بضرب الاقتصاد السعودي بكل قوة إذا لم يتوقف العدوان ويرفع الحصار عن الشعب اليمني.
ولعملية الردع الثالثة أهمية عسكرية، حيث شاركت فيها القوة الصاروخية بنوعية جديدة من الصواريخ الباليستية طويلة المدى والمتمثلة بصاروخ (ذو الفقار) الباليستي؛ ما يشير إلى أن السنة السادسة للعدوان التي نقف على أعتابها ستحمل الكثير من المفاجآت سوآء من حيث الضربات المؤلمة أو تنامي القدرات القتالية والتقنيات العسكرية، كما تكتسي هذه العملية أهميتها من حيث الأسلوب الذي نفذت فيه، حيث مزجت بين عدة أسلحة في وقت واحدة واستخدمت الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة وصاروخ باليستي بعيد المدى واصابت أهدافها بدقة، وهذه تقنيات تحتاج الى خبرات عالية بات اليمنيون يمتلكونها بجدارة.
وتتمثل الأهمية استراتيجية لعمليةُ الردع الثالثة من الناحية الاقتصادية ايضاً أن السعودية ستتضرر بشكل كبير من العملية باعتبار منطقة ينبع عاصمة للصناعات البتروكيماوية ومرفأ تصدير نفطي لشركة أرامكو العملاقة، ولعل نوعية الهدف لهذه العملية وتنفيذها كان في الوقت الذي يواصل فيه النظام السعودي الترويج لأسهم شركة أرامكو في الاسواق العملية، خاصة بعد ضرب سمعتها خلال العملية السابقة.
عملية فأمكن منهم:
”فأمكن منهم”: عملية عسكرية واسعة نفذها رجال الجيش واللجان الشعبية عملية استراتيجية أسفرت عن تحرير كافة مديريات محافظة الجوف ما عدى بعض المناطق في خب والشعف وصحراء الحزم، هذه العملية لا تزال مستمرة وسوف تكمل مشوارها حتى تحرير آخر ذرة من تراب محافظة الجوف، وتعتبر هذه العملية من أوسع العمليات العسكرية من حيث المساحة الجغرافية، وعلى الرغم من حجم إمكانيات العدو إلا أنها لم تستطع حماية العدوان ومرتزقته من بأس الله وقوته الذي منحها لرجاله الأبطال المجاهدين من أبطال الجيش واللجان الشعبية ورجال الجوف الشرفاء وأبناء القبائل الأحرار.
وبالرغم من الدرس الذي حصل لهم في عملية “البنيان المرصوص” في جبهة نهم، لم تستوعب قوى العدوان ومرتزقتهم، ولم يأخذوا العبرة من ذلك؛ لأنهم لو كانوا لا يزالون يفكرون تفكيراً سليماً لما جرهم غباؤهم وحماقتهم على اعتراض طريق عملية فأمكن منهم في الجوف بعد الذي حصل لهم في نهم، ولكن لأن العدوان اعتاد على الهزائم ويعيش حالة تخبط غير عادية يستمر في السقوط والفشل رغم محاولات مرتزقته البائسة التي تمنحه المزيد من الخسارة والمزيد من الهلاك.
ومن حيث الأهمية الجغرافية والاستراتيجية فإن تحرير محافظة الجوف وعودتها لحضن اليمن الصامد من خلال عملية “فامكن منهم” يمثل نصراً كبيراً لليمن وهزيمة نكراء لقوى العدوان ومرتزقتهم، ويؤكد على أن الشعب اليمني بثقته بالله وببسالة جيشه ولجانه الشعبية وقبائله الحرة قادر على تحرير اليمن جميعاً وليس فقط محافظة الجوف من الغزو والارتزاق والذي مكن رجاله وأنصاره من تحرير الجوف سوف يمكنهم بقوته وإراداته على تحرير ما تبقى من ارض الوطن.
تعزيز الصمود وتأصيل الهوية:
شكلًت الهوية الإيمانية ركيزة أساسية لأبناء الشعب اليمني في تعزيز عوامل الصمود والثبات والانتصار على محاولات الاختراق والتضليل التي سقطت وانكشفت أمام وعي الشعب المحافظ على هويته وأصالته اليمنية، وفيما يراهن العدو على حربه الناعمة لطمس الهوية الإيمانية، لتعويض خسائره الميدانية، يواصل الشعب اليمني تعزيز مواقفه وتمسكه بقيمه ومبادئه وتأكيد أصالة انتمائه للهوية في مواجهة العدوان ومخططاته التآمريه ورفض مشاريع العمالة والارتزاق والمتاجرة بدماء اليمنيين.
وتزامناً مع الاحتفاء بدلالات الانتصار، ومرور خمسة أعوام من الصمود في وجه العدوان، جسدت مختلف المحافظات هوية الانتماء بمعاودة تدشين برنامج تأصيل الهوية الإيمانية، بما يعزز من تماسك المجتمع وتوحده وتآلفه ومواصلة الثبات والصمود، وتعزيزاً للانتصارات وابتهاجاً بنجاح هذه العملية، يواصل أبناء وقبائل اليمن الاحتشاد لترسيخ مفردات الهوية والتحرك الجاد لتأصيلها في أوساط المجتمع.
وعلى خطى النصر من نهم حتى مأرب، يتطلع اليمنيون لتحرير باقي المناطق، وهو ما تهتف به شعارات الثقة بالنصر واللافتات التي تعتلي اللقاءات القبلية والتحشيدية المباركة للانتصارات الاستراتيجية رغم هستيريا الطيران وصواريخ مدفعية العدوان التي أمطرت تلك المواقع، لتكن وبالاً على المرتزقة وشاهداً حياً على نهايتهم كما عرضتها عدسات الإعلام الحربي وابتسامات أبناء المناطق المحررة.